آيات من القرآن الكريم

فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ
ﮉﮊﮋﮌﮍﮎ ﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖ ﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡ ﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭ ﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛ

ولم يكن موقفهم وقولهم أو ادّعاؤهم حين نزل العذاب بهم بالهلاك إلا أن أقروا بذنوبهم واعترفوا بمعاصيهم وقالوا: إنا كنا ظالمين، وأنهم حقيقون بهذا، أي لم يصدقوا بوحدانية الله، ولم يقروا بصدق الأنبياء والرسل عند الإهلاك إلا الإقرار بأنهم كانوا ظالمين، وفي هذه عبرة وعظة.
قال ابن جرير الطبري: في هذه الآية الدلالة الواضحة على صحة ما
جاءت به الرواية عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من قوله: «ما هلك قوم حتى يعذروا من أنفسهم».
ولنا في واقعنا المعاصر أصدق الشواهد، فإن المسلمين لما أعرضوا عن كتاب الله، وانشغلوا بملاذ الدنيا، ضعفت نفوسهم وفقدوا الثقة بوجودهم، فهانوا على أئمة الاستكبار العالمي والظلم العنصري والتعصب الحاقد ضد أهل الإسلام تحت شعارات واهية وافتراءات كاذبة.
عاقبة الكفر والعصيان في الآخرة
التهديد بالعقاب والإنذار بالجزاء الرادع في كل نظام من أهم العوامل لتقليل الجريمة ومحاربة الانحراف، لذا لم تخل دولة من الدول من قوانين جزائية رادعة، تنصّ على الجرائم والعقوبات المقررة لها، لينزجر المواطنون، ويبتعدوا عن المساس بالأمن، وهكذا شأن الأحكام الإلهية بأشد الحاجة إلى مؤيدات رادعة وزواجر قامعة، كي يصلح حال الناس، وتستقيم أوضاع البشر، فلا جريمة، ولا إخلال بالأمن والاستقرار. قال الله تعالى مبيّنا وجوب السؤال عن الأعمال وحساب الناس عليها:
[سورة الأعراف (٧) : الآيات ٦ الى ١٠]
فَلَنَسْئَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْئَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ (٦) فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَما كُنَّا غائِبِينَ (٧) وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٨) وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِما كانُوا بِآياتِنا يَظْلِمُونَ (٩) وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ وَجَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ (١٠)

صفحة رقم 637

«١» «٢» [الأعراف: ٧/ ٦- ١٠].
هذا وعيد من الله عزّ وجلّ لجميع العالم، تضمن أن الله تعالى يسأل الأمم أجمع يوم القيامة عما بلغ إليهم عنه، وعن جميع أعمالهم، وعما أجابوا به الرّسل المرسلين إليهم، ويسألون الرّسل أيضا عما بلّغوا من الرسالات. والسؤال يوم القيامة صعب وعسير لأنه موقف الفصل الحاسم في مصير دائم للناس، فيشتد الخوف ويعظم الرجاء وتكثر الأعذار، حتى ينجو الإنسان من هول الحساب وشدة العذاب.
يسأل الله في الآخرة كل إنسان عما أجاب به الرسل، وعن مدى قبول دعوة الأنبياء، وعما صدر منه من إيمان أو كفر، ويسأل الله الأنبياء المرسلين عما بلّغوا.
والمراد بالسؤال تقريع الكفار وتوبيخهم، لأنهم لما أقروا بأنهم كانوا ظالمين مقصّرين، سئلوا بعد ذلك عن سبب ذلك الظلم والتقصير.
وليس السؤال عن الذنب الواقع، وإنما عن الأسباب والدواعي التي دعت الناس إلى العصيان، وعن الموانع التي حالت بينهم وبين امتثال الأحكام والتكاليف الشرعية. وأكّد الله تعالى أنه عالم بما وقع علما تامّا، فيخبر عن علم وإحاطة تامة الرسل وأقوامهم بكل ما حدث منهم، فلا يغيب عنه شيء قليل أو كثير، وإن كان مثقال ذرة من خردل في أعماق الأرض أو في عالم السماء. وكل ذلك يدلّ على أن سؤال الناس يوم القيامة ليس للاستعلام والاستفهام عن شيء مجهول عن الله تعالى، بل للإخبار بما حدث منهم توبيخا وتقريعا على تقصيرهم وإهمالهم. والمخبر عنه هو المحاسب عنه، وهو الذي يعقبه الجزاء.

(١) جعلنا لكم مكانا وقرارا.
(٢) ما تعيشون به

صفحة رقم 638

ووزن الأعمال للرسل وأقوامهم والتمييز بين راجحها وخفيفها يوم القيامة يكون على أساس من الوزن الحق والعدل التام، وعبّر تعالى عن نتيجة الحساب بالوزن والميزان، لأن البشر لا يعرفون أمرا أكثر دقّة منه وأقرب إلى العدل والإنصاف. فمن ثقلت موازينه ورجحت صحائف حسناته على سيئاته، فأولئك هم الفائزون بالجنة، الناجون من العذاب. ومن خفت موازين أعماله وغلبت سيئاته بسبب كفره ومعاصيه، فأولئك الخاسرون أنفسهم إذ حرموها السعادة والظفر بالنعيم الأبدي، وصيّروها إلى عذاب النار. والفريق الأول وهم المؤمنون إيمانا صحيحا، على تفاوت درجاتهم في الأعمال، هم المفلحون، وإن عذّب بعضهم بقدر ذنوبه. والفريق الثاني وهم الكافرون، على تفاوت دركاتهم ومراتبهم في النار هم الخاسرون حقّا.
ثم ذكّر الله تعالى بجلائل نعمه على الناس، ليحملهم الإقرار بالنعمة على الوفاء للخالق المنعم، فأقسم سبحانه بأنه مكّن في الأرض للنوع الإنساني، وخلق للبشر جميع المنافع والخيرات، وجعل لهم أمكنة يستقرّون بها في الدنيا، وجعل لهم في المعايش التي تقوم عليها حياتهم من خلق النبات والزرع، والفاكهة والثمر، والماء والشجر، والسمك والجوهر، والحيوان المسخّر المذلّل لهم، ليسهل أمر المعيشة، وكل ذلك يقتضي الشكر وعرفان الجميل، ولكن الشكر من العباد قليل، كما أخبر سبحانه: وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ [سبأ: ٣٤/ ١٢].
أمر الملائكة بالسّجود لآدم
نبّه الله تعالى على موضع العبرة، والتعجيب من غريب الصنعة وإساءة النعمة، فبدأ بالخلق الذي هو الإيجاد بعد العدم، ثم بالتصوير في هذه البنية المخصوصة للبشر، وإظهارا لتفضيل البشر على سائر المخلوقات وإبداء لتكريمهم، أمر الله تعالى الملائكة

صفحة رقم 639
التفسير الوسيط
عرض الكتاب
المؤلف
وهبة بن مصطفى الزحيلي الدمشقي
الناشر
دار الفكر - دمشق
سنة النشر
1422
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية