
الْجَنَّةِ أَنْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ
يعني: فإذا مرّ بهم زمرة من أهل الجنة قالوا: أَنْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ يعني: إن أهل الأعراف يسلّمون على أهل الجنة لَمْ يَدْخُلُوها وَهُمْ يَطْمَعُونَ يعني: أن أصحاب الأعراف لم يدخلوا الجنة وهم يطمعون أنْ يَدخلوها. وقال الحسن: والله ما جعل الله ذلك الطمع في قلوبهم إلا لكرامة يريدهم بها. ويقال: لم يدخلوها يعني: أهل الجنة لم يدخلوها حتى يسلم عليهم أهل الأعراف وهم يطمعون في دخولها. ويقال: أهل النار لم يدخلوها أبداً وهم يطمعون وطمعهم أن أفيضوا علينا من الماء.
قوله تعالى:
[سورة الأعراف (٧) : الآيات ٤٧ الى ٥٣]
وَإِذا صُرِفَتْ أَبْصارُهُمْ تِلْقاءَ أَصْحابِ النَّارِ قالُوا رَبَّنا لاَ تَجْعَلْنا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٤٧) وَنادى أَصْحابُ الْأَعْرافِ رِجالاً يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيماهُمْ قالُوا مَا أَغْنى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ (٤٨) أَهؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لا يَنالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لاَ خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ (٤٩) وَنادى أَصْحابُ النَّارِ أَصْحابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنا مِنَ الْماءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُما عَلَى الْكافِرِينَ (٥٠) الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْواً وَلَعِباً وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا فَالْيَوْمَ نَنْساهُمْ كَما نَسُوا لِقاءَ يَوْمِهِمْ هذا وَما كانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ (٥١)
وَلَقَدْ جِئْناهُمْ بِكِتابٍ فَصَّلْناهُ عَلى عِلْمٍ هُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٥٢) هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالْحَقِّ فَهَلْ لَنا مِنْ شُفَعاءَ فَيَشْفَعُوا لَنا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَّا كانُوا يَفْتَرُونَ (٥٣)
وَإِذا صُرِفَتْ أَبْصارُهُمْ تِلْقاءَ أَصْحابِ النَّارِ قال: من سرعة ما انصرفوا كأنهم صرفوا، تِلْقاءَ أَصْحابِ النَّارِ يعني: أنهم إذا نظروا قِبَلَ أصحاب النار أي تلقاء أصحاب النار قالُوا رَبَّنا لاَ تَجْعَلْنا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ أي: مع الكافرين في النار وَنادى أَصْحابُ الْأَعْرافِ رِجالًا يعني: في النار يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيماهُمْ قالُوا مَا أَغْنى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ في الدنيا وَما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ أي ما أغنى عنكم ما كنتم تستكبرون عن الإيمان. وقرأ بعضهم وما كنتم تستكثرون. يعني تجمعون المال الكثير. وهي قراءة شاذة.

أَهؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لا يَنالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ يعني: أنّ أهل الأعراف يقولون: يا وليد ويا أبا جهل: أهؤلاء؟ يعني: صهيباً وبلالاً والضعفة من المسلمين الذين كنتم تحلفون لا ينالهم الله برحمة. يعني: إنَّهم لا يدخلون الجنة.
ثم يقول الله تعالى لأصحاب الأعراف: ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لاَ خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ. وعن أبي مجلز أنه قال: وعلى الأعراف رجال من الملائكة، نادوا أصحاب الجنة قبل أن يدخلوها سلام عليكم لم يدخلوها. وهم يطمعون دخولها يعني: في الجنة. وإذا نظروا إلى أصحاب النار حين مروا بهم قالُوا رَبَّنا لاَ تَجْعَلْنا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ وَنادى أَصْحابُ الْأَعْرافِ رِجالًا من المشركين يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيماهُمْ قالُوا ما أَغْنى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ أَهؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لا يَنالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ يعني: لأهل الجنة. قال مقاتل: فأقسم أهل النار أن أصحاب الأعراف داخلون النار معهم. فقالت الملائكة لأهل النار:
أهؤلاء الذين أقسمتم لا ينالهم الله برحمة؟. ثم تقول الملائكة لأصحاب الأعراف: ادخلوا الجنة. ويقال: إن أهل النار يقولون لأهل الأعراف: ما أغنى عنكم جمعكم وعملكم وأنتم والله تكونون معنا في النار ولا تدخلون الجنة؟. فيقول الملائكة لأهل النار: أهؤلاء الذين أقسمتم يعني، أصحاب الأعراف لا ينالهم الله برحمته. ثم يقال: لأصحاب الأعراف:
ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لاَ خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ.
قوله عز وجل: وَنادى أَصْحابُ النَّارِ أَصْحابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنا مِنَ الْماءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ أي اسقونا من الماء أو شيئاً من الفواكه وثمار الجنة فإنّ فينا من معارفكم. فعلم الله تعالى أن ابن آدم غير مستغن عن الطعام والشراب وإن كان في العذاب. فأجابهم أهل الجنة: قالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُما عَلَى الْكافِرِينَ يعني: الماء والثمار. وروي في الخبر أنَّ أبا جهل بن هشام بعث إلى النبيّ صلّى الله عليه وسلم يستهزئ به: أطعمني من عنب جنتك أو شيئاً من الفواكه.
فقال لأبي بكر الصديق- رضي الله عنه-: «قُلْ لَهُ: إنَّ الله حَرَّمَهُما عَلَى الكَافِرِينَ».
ثم وصفهم عز وجل فقال: الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْواً وَلَعِباً أي: اتخذوا الإسلام باطلاً ودخلوا في غير دين الإسلام. ويقال: اتخذوا عبداً لهواً وفرحاً. وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا أي:
غرّهم ما أصابهم من زينة الدنيا فَالْيَوْمَ نَنْساهُمْ أي نتركهم في النار كَما نَسُوا لِقاءَ يَوْمِهِمْ هذا أي: كما تركوا العمل ليومهم هذا. ويقال: كما تركوا الإيمان ليومهم هذا يعني: أنكروا البعث وَما كانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ يعني: بجحدهم بآياتنا بأنها ليست من عند الله تعالى- قوله تعالى: وَلَقَدْ جِئْناهُمْ بِكِتابٍ أي: أكرمناهم بالقرآن فَصَّلْناهُ عَلى عِلْمٍ يعني: بيّنا فيه الآيات، الحلال والحرام عَلى عِلْمٍ أي: بعلم منا هُدىً يعني: بياناً من الضلالة.
ويقال: جعلناه هادياً. وَرَحْمَةً أي: نعمة ونجاة من العذاب لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ يعني: لمن