
قوله: ﴿وَإِماَّ يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشيطان نَزْغٌ﴾، إلى قوله: ﴿يُقْصِرُونَ﴾.
والمعنى: وإما يغضبَنَّكَ من الشيطان، غَضَبٌ يَصُدُّكَ عن الإعراض عن الجَاهلين، ويحملك على مجازاتهم ﴿فاستعذ بالله﴾، أي: اسْتَجِرْ بِهِ، ﴿إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ لجل الجاهل عليك، ولاستعاذتك به من نزغ الشيطان، ولغير ذلك من أمورك، ﴿عَلِيمٌ﴾، بما يذهب عند نَزْغَ الشَّيْطَانِ، وبغير ذلك.
وقال أبو عبيدة المعنى: وإما يستخفنك منه خفة.
وقيل " نَزْغُهُ ". وسوسته.
وقيل: " نَزْغُهُ ": فساده.

ثم قال تعالى: ﴿إِنَّ الذين اتقوا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ﴾.
و" الطَّائِفُ " و " الطَّيْفُ " عند جماعة من البصريين، سواء، وهو ما كان كالخيال، والشيء يُلِمُّ بِكَ.
وقيل: إن " طيفاً " مخفف من: " طيّفٍ "، مثل: " مَيْتٌ ومَيِّتٌ.
وقال بعض الكوفيين: " الطَّائِفُ ": ما طاف به من وسوسة الشيطان. و " الطَّيْفُ ": من اللَّمم والمَسِّ.
وقال الكسائي: " الطَّيْفُ: " اللهو، و " الطَّائفُ ": كل ما طاف حول الإنسان.
وقرأ ابن جبير: " طيِّفٌ " مشدوداً.
و" الطَّيْفُ " عند أهل العربية: مصدر طاف.

وقال الكسائي: هو مخفف من " طَيِّفٍ ".
وقال الكسائي: " طَافَ " من: الواو.
وقال الأَحْمَرُ سمعت: طِفْتُ أطِيفُ ".
وحكى البصريون: " طَاف بطيف " و " طِفْتُ أطِيفُ ".
قال ابن جبير ومجاهد: " الطَّيْفُ ": الغضب.
وقال ابن عباس " طَائِفٌ ": لمَّةٌ من الشيطان.

وقال السدي: ﴿تَذَكَّرُواْ﴾ أي: تذكروا عقاب الله، ( تعالى)، فتابوا، أي: تابوا إذا زَلُّوا.
قال ابن عباس: ﴿فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ﴾، أي: منتهون عن المعصية.
ثم قال تعالى: ﴿وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الغي﴾.
أي: وإخوان الشياطين تمدهم الشياطين في الغي.
﴿ثُمَّ لاَ يُقْصِرُونَ﴾.
أي: لا يقصرون عما أقصر عنه الذين اتقوا ﴿إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشيطان﴾.
وهذا خبر من الله، ( تعالى) عن حال المؤمنين وحال الكفار، أن المؤمن إذا

أصاب الذنب تذكر العقوبة فتاب ورجع وأبصر رشده، والكافر يمد له إخوانه من الشياطين في الغي، ثم لا يقصر عن غيه، ولا يرجع كما فعل المؤمن.
و" المَدُّ ": الزيادة، ف " الهاء " و " الميم " في: ﴿وَإِخْوَانُهُمْ﴾ تعود على الشياطين. ودَلَّ " الشيطان " في قوله ﴿طَائِفٌ مِّنَ الشيطان﴾، على الشياطين. و " الإخوان " كناية عن الكفار.
والضمير المرفوع في: " يُمِدُّونَ " يعود على " الشياطين ".
و" الهاء " و " الميم " في ﴿يَمُدُّونَهُمْ﴾ تعود على " الكفار "، وهم الإخوان.
وقيل المعنى: ثم لا يقصر الشياطين في مدهم في الغي للكفار. قاله: قتادة.
وقال: ﴿لاَ يُقْصِرُونَ﴾ عنهم ولا يرحمونهم. / فالضمير في ﴿يُقْصِرُونَ﴾ للشياطين. وعلى القول الأول للمشركين، وَهُوَ الأَكْثَرُ.
و" الغَيُّ ": الجهل والوقوع في الهلكة.

وهذا الكلام عند أبي إسحاق مُقَدَّمٌ مُتَّصِلٌ في النبية بقوله: ﴿ولا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ﴾ [الأعراف: ١٩٧].
ثم قال: ﴿وَإِخْوَانُهُمْ﴾، أي: وإخوانهم يعني: الشياطين، ﴿يَمُدُّونَهُمْ﴾، يعنى: الكفار.
يقال: " قَصَّر " عن الشيء و " أَقْصَرَ ".
وقد أنكر أبو حاتم وأبو عُبَيْد قرأءه نافع، بـ: " ضَمَّ اليَاءِ " في: ﴿يَمُدُّونَهُمْ﴾ وهي مشهورة.

حكى المبرد: " مَدَدَتْ لَهُ في كَذَا ": " زينته له، واسْتَدْعَيْتُه أن يفعله، و " أَمْدَدْتُهُ في كذا " أي: أعنته برأيي وغير ذلك.
وحكى غير المبرد: " مَدَّهُ " و " أمَدَّهُ " بمعنىً.
وقيل ﴿فِي الغي﴾: متعلق بـ " الإخوان "، التقدير: " وَإِخْوَانُهُمْ فِي الغَيِّ يُمِدُّونَهُمُ، والأول أحسن، كما قال: ﴿وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ﴾ [البقرة: ١٥].