آيات من القرآن الكريم

وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ ۚ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ
ﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇ

و «نزغ» تساوي كلمة «نخس» أي أمسك بشيء ووضع طَرَفَه في جسد من بجانبه أو من أمامَه. ويتضح من معنى «نخس» أن هناك مسافة بين الناخس والمنخوس ووسيلة أو أداة للنخس.
وعملية النخس لا يدرك بها الناخس أو المنخوس حرارة بعضهما البعض، أما كلمة «مس» فقد يشعر الماس والممسوس كل واحد بحرارة الآخر منهما بسرعة، لكن أحدهما لا يدرك نعومة الآخر، أما اللمس ففيه إدراك لنعومة وحرارة اللامس والملموس. ومعارك الحرب كلها تدور في هذا النطاق، فحين يكون العدو بعيداً يحتاج خصمه إلى أن يبتعد عنه كيلا يصيبه بالنبال أو السهام، ويحاول هو أن يصيب

صفحة رقم 4535

خصمه بالنبال أو السهام. وكما تفعل الجيوش الحديثة حين ترسل طائراتها لترمي القنابل على قوات الخصم. وتقاس قوة الدول بقدرتها على ضرب القوات المعادية دون قدرة تلك القوات على الرد، لأنها تصيبه من بعد في عصر الصواريخ بعيدة المدى. ونجد الإشارة في قول الحق تبارك وتعالى: ﴿وَأَعِدُّواْ لَهُمْ مَّا استطعتم مِّن قُوَّةٍ... ﴾ [الأنفال: ٦٠].
وأوضح سيدنا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ معنى القوة فيما رواهُ عنه عقبة ابن عامر قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ يقول وهو على المنبر: «إلا أن القوة الرمي». لأن الرمي يُمَكّن قذيفتك من عدوك، وأنت بعيد عنه فلا يقدر أن يصيبك بما يرميه.
وقديماً كانت الجيوش تزحف، فيُلقى الخصوم عليها النبال والسهام، وإذا ما اقتربت الجيوش أكثر من خصومها فكل فريق يوجه الرماح إلى ما يقرب من أجساد الفريق الآخر. وإذا حمى وطيس المعركة تتلاقى السيوف. إذن كلها من النخس، والمس، واللمس.
وحينما خاطب الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ربه قائلاً: «يا رب كيف بالغضب؟» أي كيف يكون علاج الغضب؟ نزل قول الحق: ﴿وَإِماَّ يَنَزَغَنَّكَ مِنَ الشيطان نَزْغٌ فاستعذ بالله إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ [الأعراف: ٢٠٠].
وقد يستفهم قائل فيقول: أينزغ الشيطان الرسول؟. وأقول: إنّ الحق تبارك وتعالى لم يقل: «وإذ نزغك الشيطان»، ولكنه قال: «وإما ينزغنك» أي إن حدث

صفحة رقم 4536

ذلك، وهو قول يفيد الشك - ثم لماذا يحرم الله رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ من لذة مجابهة الشيطان؟. ونعم عن ابن مسعود أنه قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ:
«ما منكم من أحد إلا وقد وكل به قرينه من الجن، وقرينه من الملائكة. قالوا: وإياك؟ قال: وإياي إلا أن الله أعانني عليه فأسلم فلا يأمرني إلا بخير».
وهنا يقول الحق تبارك وتعالى: ﴿وَإِماَّ يَنَزَغَنَّكَ مِنَ الشيطان نَزْغٌ فاستعذ بالله... ﴾.
والاستعاذة تعني طلب العون والملجأ والحفظ وأنت لا تطلب العون ولا تلجأ ولا تستجير إلا بمن هو أقوى ممن يريد أن ينالك بشر.
ومعلوم أن الشيطان له من خفة الحركة، وقدرة التغلغل، ووسائل التسلل الكثير؛ لذلك فينبغي ألا تستعيذ بمثله أو بمن هو دونه، ولكنك تستعيذ بخالق الإنس والجن وجميع المخلوقات، وهو القادر على أن يعطل فاعلية الشيطان. وسبحانه سميع عليم، والسمع له متعلق، والعلم له متعلق، فحين تستحضر معنى الاستعاذة وأنت مشحون بالإيمان وتلجأ إلى من خلقك. وخلق ذلك الشيطان؛ عندئذ لا بد أن يهرب الشيطان من طريقك لأنه يعلم أنك تلجأ إلى الخالق القوي القادر وهو ليست له قوة على خالقه، وسبحانه سميع لقولك: «أعوذ بالله»، عليم بما في نفسك من معنى هذه الكلمة.
وإذا كان الحق تبارك وتعالى هنا قد تكلم عن حضرة النبي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ، وقال: ﴿وَإِماَّ يَنَزَغَنَّكَ﴾
أي أن الشيطان بعيد، وهو يحاول مجرد النزغ، فماذا عن أمة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ إزاء هذا؟. هنا يقول الحق تبارك وتعالى: - ﴿إِنَّ الذين اتقوا إِذَا مَسَّهُمْ طائف... ﴾.

صفحة رقم 4537
تفسير الشعراوي
عرض الكتاب
المؤلف
محمد متولي الشعراوي
الناشر
مطابع أخبار اليوم
سنة النشر
1991
عدد الأجزاء
20
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية