آيات من القرآن الكريم

فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا ۚ فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮ ﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏ ﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝ

أي: علم وقوعها.
وقوله: ﴿قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي﴾،.
أي: علم كنهها وحقيقتها.
ف " العِلْمَانِ ": مختلفان، وليس ذلك بتكرير.
وقرأ ابن عباس: " حَفيٌّ بِهَا ".
﴿إِلاَّ هُوَ﴾، وقف.
﴿عَنْهَا﴾، وقف، على القولين جميعاً.
قوله: ﴿قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلاَ ضَرّاً إِلاَّ مَا شَآءَ الله﴾، إلى كقوله: ﴿عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾.
والمعنى: قل يا محمد، لسائليك عن الساعة: ﴿لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلاَ ضَرّاً إِلاَّ مَا شَآءَ الله﴾ أن يملكنيه، بأن يُقوِّيني عليه، ويعينني، ﴿وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الغيب﴾، أي: أعلم ما هو كائن ﴿لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ﴾، أي: من العمل الصالح.
وقال ابن جريج: لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلاَ ضَرّاً} أي: هدى ولا ضلالة، {وَلَوْ

صفحة رقم 2666

كُنتُ أَعْلَمُ الغيب}، أي: متى أموت، لاستكثرت من العمل الصالح.
وقال مجاهد مثله.
وقال ابن عباس: ﴿وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الغيب﴾، أي: أعلم السَّنَةَ الجَدْبَة من الخصبة، لاستكثرت من الرُّخْصِ.
وقيل: ﴿[وَ] لَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الغيب﴾، أي: مَا كَتَبَ الله.
وقيل: لو كنت أعلم ما تسرونه وما يقع بكم حتى تحذروا مكروهه أن تجيبوني إلى ما أدعوكم ﴿لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الخير﴾، أي: من إجابتكم إلى ما أدعوكم.
﴿وَمَا مَسَّنِيَ السوء﴾، منكم بتكذيب أو عداوة.
وقال الحسن ﴿مِنَ الخير﴾: من الوحي.

صفحة رقم 2667

وقيل: المعنى: لو كنت أعلم النصر في الحرب لقاتلت فلم أُغلب. وقيل: المعنى: لو كنت أعلم ما يريد الله مني من قبل أن يُعَرِّفَنِيه لفعلت. وهو اختيار النحاس.
﴿وَمَا مَسَّنِيَ السوء﴾، أي: الضر.
وقيل: ﴿وَمَا [مَسَّنِيَ]﴾ تكذيبكم وقولكم: مجنون.
ثم قال تعالى: ﴿هُوَ الذي خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ﴾.
يعني: آدم، [عليه السلام].
وجعل ﴿وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا﴾.
يعني: حواء خلقت من ضِلْعٍ من (أَضْلاعِ) آدَمَ.
﴿لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا﴾.

صفحة رقم 2668

ليأوي إليها، لقضاء حاجته ولذته.
﴿فَلَماَّ تَغَشَّاهَا﴾.
كناية عن الجِمَاعِ.
﴿حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً﴾.
يعني: الماء الذي حملته حواء من آدم، عليهما السلام.
﴿فَمَرَّتْ بِهِ﴾.
أي: استمرت به، قامت وقعدت، وأتممت الحَمْلَ.
وقيل: المعنى: ﴿فَمَرَّتْ بِهِ﴾، وجاءت لم ثقلها الحَمْلَ أولاً.
قال قتادة: ﴿فَمَرَّتْ بِهِ﴾، إستبان حَمْلُها.

صفحة رقم 2669

وقال مجاهد: [استمر] حَمْلُها.
وقيل معنى " فَمَرَّتْ بِهِ ": فشكَّت، أحملت أم لا؟ رُوِيَ ذلك عن ابن عباس، وقاله: يحيى بن يعمر.
ورُوي: أن البطن الذي ثقل عليها حمله، كان البطن التاسع، وكانت البطون التي قبله خفيفة عليها، فلما أثقلت بهذا البطن التاسع، مرَّ بِهَا إبليسُ فشكت إليه ثِقْل حملها، فقال لها، عدو الله، سَمِيّه: " عبد الحارث " يخف عليك ففعلت.
قال أبو حاتم المعنى: فاستمر بها الحمل، فَقُلِبَ الكَلاَمُ. يقال: أدْخَلْتُ

صفحة رقم 2670

الخُفَّ رجلي.
﴿فَلَمَّآ أَثْقَلَتْ﴾. أي: صار حَمْلُها الخَفِيفَ ثَقِيلاً. وقال السدي ﴿أَثْقَلَتْ﴾: كبر الولد.
﴿دَّعَوَا الله رَبَّهُمَا﴾: يعني آدم وحواء.
﴿لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحاً لَّنَكُونَنَّ مِنَ الشاكرين﴾.

صفحة رقم 2671

أي: غلاماً. قاله الحسن، ومعمر.
وقيل: إنهما أشفقا أن يكون الحمل غَيْرَ إِنْسانٍ، فسألا أن يكون إنساناً.
قال ابن عباس: إنهما أشفقا أن يكون بَهِيمَةً.
﴿فَلَمَّآ آتَاهُمَا صَالِحاً﴾. أي: بشراً.

صفحة رقم 2672

﴿جَعَلاَ لَهُ شُرَكَآءَ فِيمَآ آتَاهُمَا﴾.
قال ابن جبير: جاءها إبليس فَخَوَّفَهَا أن يكون حَمْلُهَا بهيمة. وقال: اطيعيني وَسَمِّيهِ: " عبد الحارث " تلدين شبَهكما، فذكرت ذلك لآدم، فقال: هو صاحبنا الذي علمت: فمات الولد، ثم حملت آخرى، فعاد إليها إبليس بمثل ذلك، وكن الملعون اسمه في الملائكة: " الحارث ". وقال لها: أنا قتلت الأول، فكرت ذلك لآدم (عليه السلام)، فأبى. ثم حملت ثالثاً، وعاد إليها إبليس بمثل الأول، فذكر ذلك لآدم، فكأنه لم يكرهه، فسمَه: " عبد الحارث ".
قال ابن جبير: لم يكن إلا أن أصابها آدم فحملت، فليس إلا أن حملت تحرك في بطنها ولدها. وذلك كله بعد أن أُهْبِطَا إلى الأرض.
وقول آدم: هو صاحبنا، يعني: هو الذي أخرجنا من الجنة.
قال السدي: لما حملت أتاها إبليس فخوفها أن يكون بهيمة، فعند ذلك
﴿دَّعَوَا الله رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحاً لَّنَكُونَنَّ مِنَ الشاكرين﴾.

صفحة رقم 2673

ومن قرأ ﴿شُرَكَآءَ﴾، فقد منعه الأخفش، وقال: كان يجب أن يقرأ على هذه القراءة: جعلا لغيره شِرْكاً، وهو إبليس؛ لأن الأصل له، والشرك لغيره، فإنما جعلا لغيره الشرك.
والقراءة عند غيره جائزة، ومعناها: جَعَلاَ لَهُ ذَا شِرْكٍ، ثم حذف، مثل: ﴿وَسْئَلِ القرية﴾ [يوسف: ٨٢]، فالشرك على هذه لإبليس، وهو المضاف المحذوف.
و" الشرك " مصدر: شَرِكْتُهُ في الأمر.
ومن قرأ ﴿شُرَكَآءَ﴾: جعله جمع شريك. وإنَّما جاءت بالجمع وهو واحد،

صفحة رقم 2674

إذ المراد به: إبليس ومعه تُّباعٌ؛ لأن له جنوداً وشياطين معه، فإذا جعل هو شريك، فحكمهم حكمه، فخرج الخبر عن جميعهم.
وقيل: إنما ذلك؛ لأن العرب تخرج الخبر عن الواحد مخرج الخبر عن الجماعة، إِذَا لَمْ تَقْصِدْ وَاحِداً بِعَيْنِهِ، وَلَمْ تُسَمْهِ، نحو قوله: ﴿الذين قَالَ لَهُمُ الناس﴾ [آل عمران: ١٧٣]، وَإِنَّمَا هُوَ وَاحِدٌ.
روى سمرة بن جندب عن النبي ﷺ، أنه قال: " كانت حواء لا يعيش لها

صفحة رقم 2675

ولد، فنذرت لئن عاش لها ولد لتسميه: " عبد الحارث " فعاش لها ولد، فسمته " عبد الحارث "، وإنما كان ذلك عن وحي الشيطان ".
وقال بكر بن عبد الله: سمى آدم ولده عبد الشيطان.
قال عكرمة: كان لا يعيش لهما ولد، فأتاهما الشيطان وقال لهما: إِنْ سَرَّكُما أن يعيش لكما ولد فسمياه: " عبد الحارث ". ففعلا، فذلك قوله: ﴿جَعَلاَ لَهُ شُرَكَآءَ﴾.
قال ابن جبير: لما أثقلت حواء في أول ولد ولدته، أتاها إبليس قبل أن تلد فقال: يا حواء، ما هذا الذي في بطنك؟ قالت: ما أدري! قال: من أين يخرج؟ من أنفك، أو من عينك، أو من أذنك؟ قالت: لا أدري قال: أرأيت إن خرج سليماً، أتطيعني أنت فيما آمرك به؟ قالت: نعم! قال: سَمِّيهِ " عبد الحارث "، فأتت آدم فأعلمته، فقال له: ذلك الشيطان فاحذريه، فإنه عدنا الذي أخرجنا من الجنة! ثم

صفحة رقم 2676

أتاها إبليس ثانية فأعاد عليها، فقالت: نعم فلما وضعته سمته: " عبد الحارث ".
قال السدي: لما ولدت غلاماً أتاها إبليس فقال: سمّيه عبدي وإلا قتلته! قال له آدم: قد أطعتك فأخرجتني من الجنة فأبى أن يطيعه، فسَّماه " عبد الرحمن " فَسُلِّط عليه إبليس فقتله. فحملت بآخر فعاد بمثل ذلك، فلم يفعل (ذلك) آدم، وسماه: " صالحاً " فسلط الله عليه إبليس فقتله. فلما كان الثالثة قال لهما: فإذ غلبتموني فسموه: " عبد الحارث " وكان سامه في الملائكة " الحارث "، فسماه " عبد الحارث ".
ورُويَ عن الحسن أنه قال: هذا كان في بعض الملل ولم يكن بآدم. يعني: " الشِّرْك "، إنما كان في بعض الأمم.
وقيل المعنى: جعل أولادهما لله شركاء، يعني: اليهود والنصارى.
وروى قتادة عن الحسن: أنه قال: هم اليهود والنصارى، رزقهم الله الأولاد

صفحة رقم 2677

فَهَوَّدُوا ونصَّرُوْا.
وَرُوِىَ عن عكرمة أنه قال: لم يخص بهذا آدم وحواء؛ وإنما المراد بذلك الجنس.
كأنه قال: خلق كل واحد منكم من نفس واحدة، ﴿وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا﴾، أي: من جنسها، ﴿فَلَماَّ تَغَشَّاهَا﴾، يعني: الجنس لا يخصُّ به واحد دون آخر، ﴿دَّعَوَا الله رَبَّهُمَا﴾، يراد به الجنسان الكافران. ثُمَّ يُحْمَل قوله: ﴿عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾، على الجمع؛ لأنهما جنسان.

صفحة رقم 2678
الهداية الى بلوغ النهاية
عرض الكتاب
المؤلف
أبو محمد مكي بن أبي طالب حَمّوش بن محمد بن مختار القيسي القيرواني ثم الأندلسي القرطبي المالكي
الناشر
مجموعة بحوث الكتاب والسنة - كلية الشريعة والدراسات الإسلامية - جامعة الشارقة
سنة النشر
1429
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية