آيات من القرآن الكريم

فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا ۚ فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ
ﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝ

فَلَمَّا آتاهما صَالحا) أَي: سوى الْخلق ﴿جعلا لَهُ شُرَكَاء فِيمَا آتاهما﴾ يَعْنِي سمياه عبد الْحَارِث، فَإِن قَالَ قَائِل: كَيفَ يَقُول: ﴿جعلا لَهُ شُرَكَاء﴾ وآدَم كَانَ نَبيا مَعْصُوما عَن الْإِشْرَاك بِاللَّه؟
قيل: لم يكن هَذَا إشراكا فِي التَّوْحِيد، وَإِنَّمَا ذَلِك إشراك فِي الِاسْم، وَذَلِكَ لَا يقْدَح فِي التَّوْحِيد، وَهُوَ مثل تَسْمِيَة الرجل وَلَده عبد يَغُوث وَعبد زيد وَعبد عَمْرو، وَقَول الرجل لصَاحبه: أَنا عَبدك، وعَلى ذَلِك قَول يُوسُف - صلوَات الله عَلَيْهِ -: ﴿إِنَّه رَبِّي أحسن مثواي﴾ وَمثل هَذَا لَا يقْدَح، وَأما قَوْله: ﴿فتعالى الله عَمَّا يشركُونَ﴾

صفحة رقم 239

﴿صَالحا جعلا لَهُ شُرَكَاء فِيمَا آتاهما فتعالى الله عَمَّا يشركُونَ (١٩٠) أيشركون مَا لَا يخلق شَيْئا وهم يخلقون (١٩١) وَلَا يَسْتَطِيعُونَ لَهُم نصرا وَلَا أنفسهم ينْصرُونَ (١٩٢) وَإِن تدعوهم إِلَى الْهدى لَا يتبعوكم سَوَاء عَلَيْكُم أدعوتموهم أم أَنْتُم صامتون (١٩٣) إِن الَّذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم فادعوهم فليستجيبوا لكم إِن كُنْتُم صَادِقين﴾ ابْتِدَاء كَلَام بعد الأول، وَأَرَادَ بِهِ: إشراك أهل مَكَّة، وَلَئِن أَرَادَ بِهِ الْإِشْرَاك الَّذِي سبق استقام الْكَلَام؛ لِأَنَّهُ كَانَ الأولى أَلا يفعل مَا أَتَى بِهِ من الْإِشْرَاك فِي الِاسْم، وَكَانَ ذَلِك زلَّة مِنْهُ، فَلذَلِك قَالَ: ﴿فتعالى الله عَمَّا يشركُونَ﴾ وَفِي الْآيَة قَول آخر: أَن هَذَا فِي جَمِيع بني آدم. قَالَ عِكْرِمَة: وَكَأن الله يُخَاطب بِهِ كل وَاحِد من الْخلق بقوله: ﴿هُوَ الَّذِي خَلقكُم من نفس وَاحِدَة﴾ يَعْنِي: خلق كل وَاحِد من أَبِيه ﴿وَجعل مِنْهَا زَوجهَا﴾ أَي: جعل من جِنْسهَا زَوجهَا ﴿ليسكن إِلَيْهَا﴾ يَعْنِي: كل زوج إِلَى زَوجته ﴿فَلَمَّا تغشاها﴾ أَي: وَطئهَا ﴿حملت حملا خَفِيفا فمرت بِهِ﴾ وَهَذَا قَول حسن فِي الْآيَة.
وَقيل: إِنَّمَا عبر بِآدَم وحواء عَن جَمِيع أولادهما؛ لِأَنَّهُمَا أصل الْكل، وَالْأول أشهر وَأظْهر، وَهُوَ قَول ابْن عَبَّاس، وَمُجاهد، وَسَعِيد بن جُبَير. وَجَمَاعَة الْمُفَسّرين كلهم قَالُوا: إِن الْآيَة فِي آدم وحواء كَمَا بَينا.

صفحة رقم 240
تفسير السمعاني
عرض الكتاب
المؤلف
أبو المظفر منصور بن محمد بن عبد الجبار المروزي السمعاني الشافعي
تحقيق
ياسر بن إبراهيم
الناشر
دار الوطن، الرياض - السعودية
سنة النشر
1418 - 1997
الطبعة
الأولى، 1418ه- 1997م
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية