آيات من القرآن الكريم

سَاءَ مَثَلًا الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَأَنْفُسَهُمْ كَانُوا يَظْلِمُونَ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤ ﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁ ﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒ ﮔﮕﮖﮗﮘ ﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦ ﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩ ﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳ ﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱ ﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂ

بالمغفرة أماني باطلة «وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ» أيضا حلالا كان أو حراما، مصرين على عملهم غير تائبين منه، أي ان الذين كانوا من هذه الفرقة يعيبون المرتشين المحرفين المغيرين المبدلين، إذا جاءهم عرض مثل عرض سلفهم لا يمتنعون عن أخذه أيضا، فوبخهم الله تعالى بقوله «أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثاقُ الْكِتابِ أَنْ لا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ» في العهد والصدق في المواثيق التي أخذها الله عليهم في التوراة «وَدَرَسُوا» والحال أنهم قد قرأوا «ما فِيهِ» من تلك العهود والمواثيق «وَالدَّارُ الْآخِرَةُ» واطلعوا في التوراة أيضا على ما أعده الله لأهل طاعته من الثواب، ولأهل معصيته من العقاب المرتب على الامتثال والانقياد، والتغيير والتبديل والتحريف فيها، وعرفوا أن العمل الصالح لتلك الدار «خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ» العمل السيء هناك في تلك الدار الآخرة «أَفَلا تَعْقِلُونَ ١٦٩» أن ما فيها من الخير خير وأبقى مما يأخذونه في الدنيا من الرشوة. أخرج الترمذي عن شداد بن أوس أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال: الكيس من دان نفسه (حاسبها) وعمل لما بعد الموت. (قبل أن يحاسب عليها) والعاجز من اتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني. والشاهد فيه أن اليهود يعضون الله ويطلبون مغفرته، قال تعالى «وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتابِ» ويعتصمون به ويعملون بما فيه «وَأَقامُوا الصَّلاةَ» المفروضة عليهم لأن هذه من الآيات المدنيات كما ذكرنا، وخص الصلاة بالذكر مع أنها داخلة بالتمسك تنبيها على عظم شأنها لأنها من أعظم العبادات بعد الإيمان بالله ورسوله «إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ ١٧٠» أنفسهم الثابتين على صلاحهم، نزلت هذه الآية في عبد الله بن سلام وأصحابه الذين أسلموا في المدينة من يهودها، فطوبى لهم ولمن يثبت على الإسلام ويموت عليه،
ثم ندّد في بني إسرائيل السابق ذكرهم بمناسبة ذكر الصالحين منهم فقال «وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ» الطور أو جبلا غيره، وهذه الجملة عطف على جملة وإذ قيل لهم المارة في الآية ١٦١ المكية وكلمة نتقنا لم تكرر في القرآن وسيأتي في الآيتين ٦٣، ٩٣ من سورة البقرة في ج ٣ ما يتعلق بهذا، أي رفعناه وصيرناه «فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ» خيمة كبيرة ت (٢٩)

صفحة رقم 449

أو سحابة غيم عظيمة، أي اذكر يا محمد لقومك ويهود زمانك حين خلعنا الجبل من أصله من الأرض، ورفعناه فوقهم إلى جهة السماء، وجعلناه كالسقف على المعاندين من أسلافهم الموجودين عندك الآن. وكل ما يقي من الشمس يسمى ظلة حتى الشمسية المتعارفة لأنها تقي من وهج الشمس والمطر، ولذلك تسمى ظلة ومظلة «وَظَنُّوا» تيقنوا وجزموا «أَنَّهُ واقِعٌ بِهِمْ» لا محالة إن لم يمتثلوا ما أمروا به وقلنا لهم «خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ» بجد وعزم وحزم أي تقبلوا أحكامه جبرا عنكم «وَاذْكُرُوا ما فِيهِ» كله لا تنسوه واعملوا به فإن عدم العمل به يؤدي إلى النسيان، والنسيان يؤدي إلى الهلاك، وإذا أردتم النجاة داوموا على ذكره «لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ١٧١» وقوع الجبل عليكم وسبب ذلك أنهم أبو قبول أحكام التوراة لمشقّتها فلما رأوا الجبل ساقطا عليهم لا محالة سجد كل منهم على خدّه وحاجبه الأيسرين وجعل ينظر إلى الجبل بعينه اليمنى خوفا من سقوطه عليه إلى أن زيح عنهم، ولذلك إذا اقتضى أن يسجدوا لله شكرا أو لصلاة اعتادوها سجدوا كذلك على تلك الصفة. انتهت الآيات المدنيات.
مطلب كيفية أخذ العهد على الذرية:
قال تعالى «وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ» وبين كيفية الإشهاد بقوله «أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ» مربّيكم ومالك أمركم وليس لأحد دخل في شأنكم غيري «قالُوا بَلى شَهِدْنا» على أنفسنا بذلك، وهنا يحسن الوقف لأنه من تتمة كلام الذرية، ومن استحسن الوقف على بلى قال إن شهدنا من كلام الملائكة، أي قال لهم اشهدوا على خلقي هؤلاء قالوا شهدنا، والأول أولى بالنظر لسياق الآية وعدم ذكر الملائكة قبلها يؤيده قوله تعالى «أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ» حين نسألكم عن هذا العهد «إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا» الميثاق «غافِلِينَ ١٧٢» أي لم ننتبه إليه حين أخذه علينا «أَوْ تَقُولُوا إِنَّما أَشْرَكَ آباؤُنا مِنْ قَبْلُ» زماننا هذا وقد سنّوا لنا الشرك بالتاء على الخطاب للذرية وهي القراءة المختارة في المصاحف، أما القراءة بالياء على الغيبة فيتجه ولكنه

صفحة رقم 450

ليس مختارا، لأن الله تعالى صرف الخطاب عن حبيبه محمد إلى نسم الذرية كافة لئلا يحتجوا بعد فيقولوا «وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ» لم نهتد إلى طريق التوحيد ورفض الشرك «أَفَتُهْلِكُنا» يا ربنا «بِما فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ ١١٣» أسلافنا وهذا الخطاب لجميع الخلق الموجودين ومن بعدهم ومن تقدمهم على طريق التغليب، أي فعلنا ما فعلنا من أخذ هذا العهد عليكم أيها الناس، لئلا يبقى لكم عذر، ولا يسعهم الاعتذار إذ ذاك، ولا تقبل لهم حجة لثبوت أخذه عليهم كلهم في الأزل ولأن الرسل المتتابعة ذكرتهم به فضلا عن أنه مما يتذكر به بمجرد العقل، لأن العاقل يفهم بادىء الرأي أن شيئا لا ينفع ولا يضر لا يستحق الاحترام والتعظيم فكيف يستحق العبادة، وان إلها قادرا على الإحياء والإماتة خالفا لهذه المكونات الذي هو من جملتها، هو المستحق للعبادة وحده، كيف وقد جبلت النفوس على حبّ النفع وكره الضر، فكيف لا يتيقظون لذلك؟ ولهذا قطع الله قبول عذرهم في هذه الآية التي ذكر بها رسوله محمدا وأخبره بهذا العهد المأخوذ من البشر فردا فردا، وخلاصة القول في كيفية هذا العهد على ما قاله الأنبارى من مذاهب أصحاب الحديث وغيرهم، وما استنبط من بعض الآيات والأحاديث وأقوال كبار العلماء، أن الله جلّت قدرته أخرج ذرية آدم من صلبه وأصلاب أولاده إلى يوم القيامة بعضهم من بعض بحسب ما يتوالد الأبناء عن الآباء، ولذلك لم يقل من ظهر آدم مع أن الذرية في الحقيقة كلها من ظهره، وإذا تنبهت إلى معنى قوله تعالى في الآية ٩٨ من سورة الأنعام في ج ٢، وهو جملة (فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ) عرفت ذلك بداهة كما سيأتي في تفسيرها. ثم أخذ عليهم الميثاق بأنه خالقهم وأنهم من مصنوعاته وحده، وأن لا رب لهم يستحق العبادة غيره، فاعترفوا بذلك وأذعنوا بعد أن ركب فيهم عقولا عرفوا بها ما عرض عليهم، وقبلوا ما كلّفوه، كما جعل للجبال عقولا خاطبهم بها، راجع تفسير الآية ١٠ من سورة سبأ والآية ١١ من سورة فصلت والآية ٦٨ من سورة النحل والآية ٨٠ من سورة الأنبياء في ج ٢ تعلم حقيقة هذا، إذ جعل الجماد والحيوان صالحا للخطاب بما ركب فيهما من عقل

صفحة رقم 451

كيف وهو الذي جعل النملة تتكلم بما ينم عن رفع الضر عنها وعن جماعتها وجلب النفع لهم، كما سيأتي في الآية ١٨ من سورة النمل الآتية بما ركب فيها من عقل، وجعل البعير والظبي والحجر والشجر تكلم حضرة الرسول بما أودع فيها من فهم لرفع ظلامتها إليه، وسعي الشجرة إليه، وانشقاق القمر بإشارته، إذا فلا يمتري من عنده لمحة من عقل أن يتردد في هذا العهد وأخذه من نسم الذرية وإجابتهم لخالقهم بما ذكر، اعترافا بالعبودية له وإذعانا لعظمته، وإن هذا العهد لقطع العذر يوم القيامة، وعدم قبول الاحتجاج بعدم علمهم به حينما يسألون عنه، وهذا هو المختار في تفسير هذه الآية الموافق لمذهب أهل السنة والجماعة من السلف الصالح والخلف الناجح، وهو مؤيد بالحديث الصحيح الذي رواه مسلم بن يسار الجهني بأن عمر بن الخطاب رضي الله عنه سئل عن قوله تعالى: (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ) الآية قال: سئل عنها رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقال إن الله تبارك وتعالى خلق آدم ثم مسح ظهره بيمينه فاستخرج منه ذريته فقال خلقت هؤلاء للجنة وبعمل أهل الجنة يعملون، ثم مسح ظهره فاستخرج منه ذرية فقال خلقت هؤلاء للنار وبعمل أهل النار يعملون.
فقال يا رسول الله ففيم العمل؟ فقال صلّى الله عليه وسلم: إن الله سبحانه وتعالى إذا خلق العبد للجنة استعمله بعمل أهل الجنة حتى يموت على عمل من أعمال أهل الجنة، فيدخل الجنة، وإذا خلق العبد للنار استعمله بعمل أهل النار حتى يموت على عمل أهل النار، فيدخل النار- أخرجه مالك في الموطأ وأبو داود وقال حديث حسن، وأخرج الطبري نحوه عن أبي هريرة، وأخرجه الترمذي أيضا وقال حديث حسن صحيح ولا منافاة بين الآية والحديث من حيث أن الحديث يقول من ظهر آدم والآية تتضمن من ظهر ذريته لما مر تفصيله في تفسيرها آنفا، وقد بين الله تعالى سبب أخذ العهد آخر الآية وخاطبهم بإيجاب الاعتراف بربوبيته عليهم على طريق الاستفهام التقريري وإجابته بأسرها بالإيجاب، وأوجب على الرسل تذكير أقوامهم ومن أرسلوا إليهم بهذا العهد، وان الرسل لا شك نبهوهم له وأرشدوهم للمحافظة عليه، لئلا يبقى لهم عذر، فمن أنكر كان معاندا ناقضا عهده لا عذر له البتة، قال تعالى

صفحة رقم 452

«وَكَذلِكَ» أو مثل هذا التفصيل البليغ «نُفَصِّلُ الْآياتِ» ونوضحها ليتدبرها الناس فيعرضوا عن الكفر ويرجعوا إلى الإيمان «وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ١٧٤» إلى تذكر ميثاقهم الأول فيعملون بمقتضاه حتى لا تحق عليهم كلمة العذاب.
هذا، وبعد أن ذكر الله تعالى رسوله بتذكير قومه في هذا العهد العظيم وبين كيفيته ذكّره بقضية أخرى ليذكرها لقومه على سبيل الاتعاظ والانتباه والتحذير فقال عز قوله «وَاتْلُ» يا أكرم الرسل «عَلَيْهِمْ» أي قومك. وقال بعض المفسرين على اليهود، وهو غير سديد، لأن الآية مكية ولا مخاطبة بينه وبين اليهود بمكة، على أن لا مانع من شمولها اليهود وغيرهم لأنها جاءت بلفظ عام ولأنه مرسل إلى الخلق كافة ولا سيما أنه تلاها عليهم عند وصوله إلى المدينة بعد هجرته من مكة لا عند نزول الآية، فالقول باختصاصهم بها لاصحة له. أي أخبرهم «نَبَأَ الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا» من علماء بني إسرائيل.
مطلب قصة بلعام ابن باعوراء وسببها:
قيل إنه من الكنعانيين من بلد الجبارين، أو من مدينة البلقاء، واسمه بلعام أو بلعم بن باعوراء أو باعراء أو ابن امرئ، اوتي علما ببعض كتب الله المنزلة على الرسل قبله وفي زمانه فكفر بها ونبذها وراء ظهره «فَانْسَلَخَ مِنْها» انسلاخ الجلد عن الشاة، ويقال لكل من فارق شيئا على أتم وجه انسلخ منه.
وفي هذه الآية دلالة على أن العلم لا ينزع من الرجل لقوله جل شأنه انسلخ لا انسلخت منه، يؤيده ما جاء في الحديث الصحيح: (إن الله لا ينزع العلم انتزاعا من قلوب الرجال، وإنما يكون بفقد العلم بموت العلماء). والقرآن يفسر ببعضه وبالسنة تدبر قوله جل قوله «فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ» لحقه وأدركه، وفيه تلميح المبالغة باللحوق إذ جعل كأنه أمام الشيطان والشيطان مبالغ في اتباعه وهو من الذم بمكان على حد قوله:

صفحة رقم 453

«فَكانَ مِنَ الْغاوِينَ ١٧٥» بعد أن كان من المهتدين الراشدين، قال تعالى «وَلَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ بِها» بتلك الآيات التي علمها إلى منازل الأبرار ومراتب الأخيار «وَلكِنَّهُ أَخْلَدَ» ركن ومال ملازما «إِلَى الْأَرْضِ» أي الدنيا رغبة بملاذّها، ونزولا لشهواتها الوضيعة، وأصل الإخلاد اللزوم للمكان من الخلود، ولما في ذلك من الميل فسّر به كما فسرت الأرض بالدنيا لأنها حاوية لشهواتها، وبالطلب منها أنه يخلد إليها فخلد «وَاتَّبَعَ هَواهُ» بإيثار الدنيا على الآخرة «فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ» بالخساسة والدناءة لأنه يرجع من قيئه ويأكل القذرة والجيفة أحب إليه من اللحم الغريفي، قال الإمام الشافعي رحمه الله:
ليت الكلاب لنا كانت مجاورة... وليتنا ما نرى مما نرى أحدا
إن الكلاب لتهدا في مرابضها... والناس ليس بهاد شرهم أبدا
وقال الفقيه منصور في شعب الإيمان:
الكلب أحسن عشرة... وهو النهاية في الخساسة
ممّن ينازع في الريا... سة قبل أوقات الرياسة
والكلب المضروب به المثل «إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ» لتزجره أيها الإنسان وتشد عليه وتطرده «يَلْهَثْ» يدلع لسانه بالنفس الشديد، وهو طبع في الكلب لأنه لا يقدر لنقص الهواء المتسخّن وجلب الهواء البارد بسهولة لضعف قلبه وانقطاع فؤاده، بخلاف سائر الحيوانات فإنها لا تحتاج إلى النفس الشديد ولا يلحقها الكرب والمضايقة إلا عند التعب والإعياء «أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ» فاللهث غريزة فيه لا تنقيد في حال التعب والعطش وشدة الحر، إلا أن الحالة تزداد معه فيها «ذلِكَ» المثل الذي ضربه الله عز وجل لعباده فيمن آتاه الحكمة وتركها وعدل عنها فترك آخرته وآثر دنياه في الخسة والضعة، بأخس الحيوانات في أحسن أحواله، لأن الكلب حال لهثه لا يقدر على نفع نفسه وهذا هو «مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا» أي مثل العالم الذي اتبع هواه لا يقدر على نفع نفسه، لأن الحريص على الدنيا إذا وعظته لا ينجع به وإن لم تعظه، فهو باق على حرصه فصار الحرص على الدنيا

صفحة رقم 454

طبعا له غريزيا، وهذا المثل الذي ضربه الله للمكذب بآياته يعم كل مكذب بها لأنهم إذا جاءتهم الرسل بالهداية لم يهتدوا فهم ضلال في كل حال «فَاقْصُصِ» يا سيد الرسل على قومك هذا «الْقَصَصَ» من أخبار الكافرين بآياتنا «لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ١٧٦» فيها فيتعظون، ولفظ الكلب لم يأت في القرآن إلا هنا وفي الآيتين ١٧ و ٢٣ من سورة الكهف في ج ٢، «ساءَ مَثَلًا» أي بئس المثل مثل «الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا» وقدم المفعول للحصر فقال «وَأَنْفُسَهُمْ كانُوا يَظْلِمُونَ ١٧٧» لا غيرها لأن وبال تكذيبهم خاص بهم، قال تعالى «مَنْ يَهْدِ اللَّهُ» منكم أيها الناس «فَهُوَ الْمُهْتَدِي» حقا وثواب هدايته له «وَمَنْ يُضْلِلْ (منكم) فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ ١٧٨» دنياهم وآخرتهم، ولا أضر من هذا الخسران. وخلاصة القصة على ما ذكره الأخباريون ونقله ابن عباس ومحمد بن اسحق والسدي وغيرهم هو أن موسى عليه السلام لما قصد الجبّارين نزل أرض كنعان من الشام، فقال أهلها إلى بلعام، وكان عنده اسم الله الأعظم إن موسى صنديد ومعه جنود كثيرة وأنت رجل مجاب الدعوة، فادع عليه ليرد نفسه وجنوده عنا لئلا يخرجنا من بلادنا ويقتلنا ويحلّها بني إسرائيل، فقال لهم هذا نبي وإن فعلت معه ما تريدون ذهبت دنياي وآخرتي، قالوا لا بد أن تفعل، فقال حتى أستأمر ربي، قالوا لا بأس، فاستخار ربه فأري أن لا يدعو عليه، فأخبر قومه، فألحوا عليه وأهدوا إليه هذايا وطلبوا منه أن يدعو عليه، فاستأمر ربه ثانية فلم يؤمر بذلك، فأخبرهم فراجعوه، وقالوا لو كره ربك لنهاك عنه، ثم تضرعوا إليه وأغروه بما قدموا له من المال حتى فتنوه، فركب أتانه وتوجه إلى جبل هناك يسمى حسانا ليظلع عليه بني إسرائيل ويدعو عليهم، فربضت الأتان فصار يضربها فقامت ثم ربضت أيضا، وهكذا عدة مرات، ولما آلمها قالت له إنك تسوقني والملائكة يردونني، ويلك كف عني، أتذهب ويحك إلى مناوأة نبيّ الله الذي علمك اسمه لتستجلب به رضاه أو سخطه فتدعو على نبيه، فلم ينزع عن ضربها، فألهمت بمطاوعته كما ألهمت معاكسته، فانطلقت به وصعدت الجبل، فترجل عنها ونظر

صفحة رقم 455

إلى بني إسرائيل حتى إذا أشرف عليهم صار يدعو باسم الله الأعظم أن يخذلهم، فانصرف دعاؤه إلى قومه، وصار كلما دعا على قوم موسى بشيء أوقعه الله على قومه ولا يدعو لقومه بشيء إلا صرفه الله إلى قوم موسى، وذلك أنه صار ينطق بغير اختياره فقال له قومه: ويلك يا بلعام إنما تدعو لهم وعلينا فقال هذا مما لا أملكه، فقد غلبني الله عليه، ولم يزل يدعو لقومه وعلى بني إسرائيل وهو يجاب بالعكس حتى اندلع لسانه وقال لهم ذهبت دنياي وآخرتي ولم يبق لكم إلا المكر والحيل، وسأبين لكم ما يكون به إليكم الغلبة عليه، فقالوا كيف قال: جمّلوا نساءكم واتركوهن بين معسكرهم وأوصوهن أن لا يمنعن أحدا من الزنى بهنّ فإن زنى واحد منهم بواحدة منكم كفيتموهم، ففعلوا وطافت نساؤهم بين عساكرهم فمرت امرأة تسمى كستى بنت صور من أجمل النساء على رمزي بن شلهوم من عظماء بني إسرائيل فاقتادها، قرآه موسى فقال هي حرام عليك لا تقربها، فلم ينته، وأدخلها قبته وضاجعها، فأرسل الله الطاعون على قوم موسى، وكان صاحب أمره فخاص ابن العيزار غائبا، فلما
حضر وبلغه ذلك دخل عليهما بالقبة وانتظمهما بحربته، ورفعهما إلى السماء وقال اللهم هذا فعلنا بمن عصاك فأرنا فعلك في عدونا واكشف عنا ما ابتلينا به بسببه، فرفع الله عنهم الطاعون، وقد بلغ من مات من حين ضاجعها إلى زمن قتلهما سبعين ألفا. وفي بلعام المذكور نزلت هذه الآية على حضرة الرسول ليقصها على قومه، وهي من الإخبار بالغيب معجزة له صلّى الله عليه وسلم. وتروى هذه القصة بصورة أخرى. وهي أن ملك البلقاء كلف بلعاما أن يدعو على بني إسرائيل وموسى وكان ما كان مما قصصناه أعلاه وفيها أن الله استجاب دعاءه ووقع موسى وقومه في التيه، وأن موسى قال رب كما استجبت دعاءه فاستجب دعائي عليه وانزع منه اسمك الأعظم والإيمان، فاستجاب الله دعاءه وسلخه من المعرفة، فخرجت من صدره كحمامة بيضاء، ولا يقال كيف يدعو موسى بسلبه الإيمان ويرضى له بالكفر مع علو منصبه وأمره بدعوة الناس إلى الإيمان ذلك لأنه لم يدع عليه إلا بعد أن ثبت عنده كفره وارتداده عن الإيمان بدعائه عليه وعلى قومه وإيثاره الدنيا على الآخرة

صفحة رقم 456

إلا أن هذه الرواية بعيدة عن الصواب بحق موسى، لأن التيه قدره عليهم بسبب مخالفتهم لأمره في حرب الجبارين وكان عليه روح وراحة، وهذا مما لا شك فيه في حقه، أما على قومه، فكان فيه بعض المشقة والكلفة جزاء مخالفتهم أمره وكان هذا بدعائه عليهم لا بدعاء بلعام كما سيأتي في الآية ٢٥ من المائدة في ج ٣، قال الألوسي في تفسيره روح المعاني أنا أعجب من هذا الشقي لم لم يدع على ملك البلقاء ليخلص من شره ويدعو على موسى، ما هي إلا جهالة سوداء. هذا، وما جاء في كلام أبي المعتمر من أن بلعاما أوتي النبوة مردود لأن الأنبياء معصومون مما وقع من بلعام وان بلعاما كفر وهم معصومون من الكفر، ولعل هذا أراد ما أوتيه من الآيات والاسم الأعظم، على حد قوله صلّى الله عليه وسلم من حفظ القرآن فقد طوى النبوة في جنبيه.
مطلب قصة أمية بن الصلت:
وقال عبد الله بن عمر وبن العاص وسعيد بن المسيب وزيد بن أسلم إن هذه الآية نزلت في أمية بن الصلت الثقفي، وكان قرأ الكتب القديمة وعلم أن الله مرسل رسولا ورجا أن يكون هو، فلما شرف محمدا بالرسالة حسده وكذبه وقال لو كان نبيا ما قتل أقرباءه، قاتله الله ألم يعلم أن النبي مرسل للقريب والبعيد، وأن الكافر عنده كافر سواء كان من أقربائه أو من أعدائه، لأن الجامع فيما بينه وبين الناس هو الإيمان، فلما مات أتت أخته ضارعة إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم فسألها عن كيفية وفاته فقالت: نزل عليه اثنان من السقف فقعد أحدهما عند رأسه والآخر عند رجليه، فقال الذي عند رأسه أوعى فقال وعى، قال أذكى قال أبى، فسألته عن هذا فقال خيرا أريد بي فصرف عني ثم قال:

وكان فتى من جند إبليس فارتقى به الحال حتى صار إبليس من جنده
كل عيش وإن تطاول دهرا صائر مرة إلى أن يزولا
ليتني قبل ما قد بدا لي في خلال الجبال أرعى الوعولا
إن يوم الحساب يوم عظيم شاب فيه الصغير يوما ثقيلا
فقال لها صلّى الله عليه وسلم بعد أن سمع هذا منها أنشديني ما سمعت من شعره، فقالت سمعته يقول ذات يوم:

صفحة رقم 457

لك الحمد والنعماء والفضل ربنا... ولا شيء أعلى منك جدا وأمجد
مليك على عرش السماء مهيمن... لعزته تعنو الوجوه وتسجد
من قصيدة طويلة أتت على آخرها ثم قالت أيضا:
وقف الناس للحساب جميعا... فشقىّ معذب وسعيد
حتى أتت على آخرها ثم قالت أيضا:
عند ذي العرش يعرضون عليه... يعلم الجهر والخفاء الخفيّا
يوم يأت الرحمن وهو رحيم... إنه كان وعده مأتيا
رب إن تعف فالمعافاة ظني... أو تعاقب فلم تعاقب بريّا
فقال صلّى الله عليه وسلم: إن أخاك آمن شعره وكفر قلبه.
مطلب قصتي النعمان والبسوس:
وقيل إنها نزلت في النعمان بن صيفي الراهب، كما روي عن ابن أبي حاتم بأنه رجل ترهب في الجاهلية وقدم المدينة على حضرة الرسول، فسأله عن دينه فقال صلّى الله عليه وسلم الحنيفية ديني ودين جدّي إبراهيم عليه السلام، فقال له أنا عليها، فقال صلّى الله عليه وسلم:
لكنك أدخلت فيها ما ليس منها فلست عليها، فقال له: أمات الله الكاذب منا طريدا وحيدا، وخرج إلى الشام واستنفر المنافقين، وطلب من قيصر النجدة لمحاربة الرسول صلّى الله عليه وسلم، فلم يجبه ولم يوفق لمطلبه وبقي مقهورا حتى مات بالشام طريدا وحيدا.
إلا أن هذه لا تصح أن تكون سببا للنزول، لأن الآية مكية والحادثة هذه وقعت في المدينة، وإنما تنطبق في المعنى على هذا وأضرابه من كل من آثر دنياه على آخرته كما تقدم في تفسيرها، ولأن بين نزول هذه الآية وحادثة النعمان هذا الذي سلب الله نعمته وأهلكه بحكمه على نفسه سنين كثيرة راجع تفسير الآية ١٠٧ من سورة التوبة في ج ٣. وقيل إنها نزلت في البسوس، وهي رواية عن ابن عباس، وخلاصة القصة أنه كان رجلا له زوجة وثلاثة أولاد وقد أعطي ثلاث دعوات مستجابات، فقالت له زوجته اجعل لي منها واحدة ففعل، فقالت أدع

صفحة رقم 458

الله أن يجعلني أجمل امرأة، فدعا فصارت فرغبت عنه، فدعا عليها فصارت كلبة، فقال أولادها لأبيهم إن الناس تعيرنا بأمنا فادع الله أن يردّها إلى حالتها الأولى ففعل، فذهبت دعواته فيها. وليست بشيء لأن البسوس امرأة لا رجل، ويضرب فيها المثل فيقال أشأم من البسوس (وحرب البسوس) وهي بنت منقذ التميمية خالة جساس بن مرّة الذي قتل ابن عمه كليب بسبب قتله ناقتها التي دخلت في حماه، فشكته إلى جساس فاغتاظ منه واستحين الفرصة من كليب، ولا زال يترصده حتى رآه خرج إلى حماه أعزل فتبعه وطعنه من قفاه بحربته فوقع صريعا على الأرض، ولما رآه وعرفه أنه ابن عمه طلب منه ماء فأعطاه طعنة أخرى فقال كليب:

المستجير بعمر وعند كربته كالمستجير من الرمضاء بالنار
فذهبت مثلا ومات كليب فطلب ثأره أخوه المهلهل ودام الحرب بينهما أربعين سنة، وقصتها مشهورة بالتواتر ولم يذكر لنا التاريخ بسوسا غير هذه. وأخرج ابن المنذر عن مالك بن دينار أن الذي نزلت فيه هذه الآية رجل من علماء بني إسرائيل كان يقدمه موسى عليه السلام في الشدائد ويكرمه وينعم عليه، فبعثه إلى مدين يدعوهم إلى الإيمان به، وكان مجاب الدعوة فترك دين موسى وتبع دين ملك مدين، قال المرحوم السيد محمود الآلوسي: هذه الرواية أولى عندي بالقبول ووجه اختياره لها، والله أعلم أن نظم التنزيل جاء مطلقا وتنطبق الآية على من هذا شأنه، لأن الرواية جاءت مطلقة في رجل من بني إسرائيل والآية مطلقة أيضا فلذلك اختارها. وقال الحسن وابن كيسان إن المراد بهذه الآية منافقو أهل الكتاب، وهذا بعيد أيضا إذ لا منافقين في مكة والآية مكية، وأبعد منه قول أبي مسلم إن المراد به فرعون وبالآيات الحجج والمعجزات التي ظهرت على يد موسى والأول أولى، قال تعالى «وَلَقَدْ ذَرَأْنا» خلقنا وهذا قسم من الله أي وعزتنا لقد هيأنا «لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ» الكافرين منهم ولا تنافي بين هذه الآية وقوله: (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) الآية ٥٧ من الذاريات، لأنه تعالى خلق للعبادة من علم أنه يعبده، وخلق لجهنم من علم

صفحة رقم 459

أنه يجحده وكم من عام يراده به الخصوص، ومن قال أن هذه اللام التي فى لجهنم لام العاقبة كاللام في قوله تعالى: (لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ) الآية ٨٨ من سورة يونس في ج ٢، وكاللام في قول صاحب الزبد:

له ملك ينادي كل يوم لدوا للموت وابنوا للخراب
بمعنى أنه لما كانت عاقبتهم جهنم جعلوا كأنهم خلقوا لها فرارا عن إرادة المعاصي.
لا عبرة به، لأنه عدول عن الظاهر، ولأن اللام واقعة في جواب القسم كما ذكرنا، والآية الأخرى والبيت المستشهد به لا قسم فيهما. على أن هذه الآية نفسها حجة واضحة لمذهب أهل السنة القائلين: إن الله تعالى خالق أعمال العباد جميعها خيرها وشرها بصريح اللفظ قال تعالى: (وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ) الآية ٩٧ من الصافات في ج ٢، ولا زيادة على بيان الله، ثم وصف هؤلاء المخلوقين لجهنم بقوله عز قوله «لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها» لأن معنى الفقه الفهم والعلم ثم جعل علما على علم الدين، وهؤلاء لا يفهمون المراد من خلقهم ولا يعلمون ما يصيرون إليه «وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِها» طريق الهدى والرشد ولا ينظرون بها آيات الله وأدلة توحيده في سمائه وأرضه «وَلَهُمْ آذانٌ لا يَسْمَعُونَ بِها» المواعظ سماع قبول لأنهم صمّ فإنهم للشر أسمع من الخير، ولكنهم قوم صرفوا حواسهم كلها إلى الدنيا وأعرضوا عن الآخرة، لذلك حرموا نعم تلك الحواس فيما يؤول به إلى خيرهم فلم ينتفعوا فيها قال الشاعر:
وعوراء الكلام صممت عنها وإني إذ أشاء لها سميع
ولهذا قال ابن الفارض رحمه الله:
إذا نظرت ليلى فكلي أعين وإن نطقت ليلى فكلي مسامع
«أُولئِكَ» الذين هذه صفتهم «كَالْأَنْعامِ» البهائم العجم «بَلْ هُمْ أَضَلُّ» منها لأنها تعرف ما ينفعها ويضرها ولهذا تراها تجتنب بعض الأعشاب ولا تلقي نفسها من الصعدات، وتخاف كل صيحة، وتنقي ما تراه من أسورة وغيرها فتتنبه وتقف وترجع إلى الوراء وتجتنب الحفر والمياه، وهؤلاء لا يعرفون عاقبة ما يضرهم ولا

صفحة رقم 460

نفع ما يسرهم معرفته حقيقة، مع أنهم أعطوا ما لم تعطه الحيوانات من القوة العقلية «أُولئِكَ» المشبهون بالأنعام «هُمُ الْغافِلُونَ ١٧٨» عن فهم هذه الأمثال المضروبة لمن يعقل عله يتعظ بها.
مطلب في أسماء الله الحسنى:
«وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى» تأنيث الأحسن اسم تفضيل، لأنها أحسن أسمائه وكل أسمائه حسنة، إلا أن هذه تدل على معاني حسنه من تحميد وتمجيد وتقديس وتنبىء عن معاني كثيرة ومغازي شريفة لا تدل عليها غيرها. قال مقاتل: إن رجلا من أصحاب محمد صلّى الله عليه وسلم دعا الله ودعا الرحمن، فقال أبو جهل قبحه ولعنه الله:
يزعمون أنهم يعبدون ربا واحدا فما لهذا يدعو إلهين؟ جهلا منه بصفات الله، فنزلت هذه الآية. أما ما قيل من أنها نزلت حينما قرأ رجل في صلاته (قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ) الآية قبل الأخيرة من سورة الإسراء الآتية، فغير وجيه لأنها لم تنزل، بعد وسنأتي على معاني أسماء الله الحسنى في أوائل سورة طه الآتية إن شاء الله. روى البخاري ومسلم عن ابي هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم:
(إن لله تسعة وتسعين اسما من حفظها دخل الجنة، والله وتر يحب الوتر) وفي رواية، من أحصاها. وفي رواية أخرى إن لله تسعة وتسعين اسما مائة إلا واحدا لا يحفظها أحد إلا دخل الجنة وهو وتر يحب الوتر، وهي معلومة محصورة في نوعين الأول عدم افتقاره إلى غيره والثاني افتقار غيره إليه «فَادْعُوهُ بِها» أيها الناس لا بغيرها من الأسماء، وفي هذه الجملة دليل على أن أسماء الله تعالى توقيفية لا اصطلاحية، ويؤكده عدم جواز قولك الله سخي بدل جواد، وعاقل بدل عالم، وطبيب بدل حكيم، وعارف بدل خبير، وعدم جواز الدعاء بغيرها لقوله جل قوله «وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمائِهِ» لا تقلدوهم بما يقولون واتركوهم وشأنهم إذا لم يمتثلوا أمركم بالميل عن الإلحاد الذي هو عدول عن القصد والاستقامة إذ لا يجوز أن تطلق أسماء غيره عليه ولا أسماءه على غيره ولا نسميه بما لم يسم به نفسه مما لم يرد في قرآن أو سنة، فلا يجوز أن تقول يا ضار يا مانع يا خالق القردة

صفحة رقم 461
بيان المعاني
عرض الكتاب
المؤلف
عبد القادر بن ملّا حويش السيد محمود آل غازي العاني
الناشر
مطبعة الترقي - دمشق
الطبعة
الأولى، 1382 ه - 1965 م
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية