آيات من القرآن الكريم

وَمِنْ قَوْمِ مُوسَىٰ أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲ ﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟ ﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢ ﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫ

ونقم، ومن عافية وبلاء، هو امتحان لإيمانهم، وابتلاء لحمدهم للخير أو كفرهم به، ولصبرهم على الضرّ أو جزعهم منه..
فالذى ابتلى به بنو إسرائيل بعد خروجهم من مصر هو نعمة وعافية، ولكنهم كفروا بهذه النعمة، وتمردوا على الله بتلك العافية، فابتلوا بالبلاء والنقمة.
وقوله: «أَنْتَ وَلِيُّنا فَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغافِرِينَ» هو تضرع من موسى إلى الله أن يغفر لهم ويرحمهم، «وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ» ؟.. إنه هو ولىّ من يتوب إليه، ويلجأ إلى حماه..
وفى النظم القرآنى تقديم وتأخير.. فاختيار موسى لمن اختارهم من بنى إسرائيل لميقاته مع ربه، كان قبل أن تقع هذه الأحداث التي وقعت فى بنى إسرائيل، من عبادة العجل، وما كان بين موسى وهرون، من لوم، ومؤاخذة، وفى هذا إلفات إلى ما ينبغى الالتفات إليه من أمر القوم، على حسب ما يقع للناظر إليهم، وما يطلع عليه من منكراتهم وآثامهم..!
الآيات: (١٥٦- ١٥٩) [سورة الأعراف (٧) : الآيات ١٥٦ الى ١٥٩]
وَاكْتُبْ لَنا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنا إِلَيْكَ قالَ عَذابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنا يُؤْمِنُونَ (١٥٦) الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (١٥٧) قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ يُحيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِماتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (١٥٨) وَمِنْ قَوْمِ مُوسى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ (١٥٩)

صفحة رقم 490

التفسير: هنا يدعو موسى ربّه أن يكتب له ولقومه فى هذه الدنيا حسنة، وفى الآخرة حسنة، أي يجعل لهم حظّا من رحمته فى الدنيا والآخرة، بعد أن تابوا إليه وقالوا: «إِنَّا هُدْنا إِلَيْكَ» أي رجعنا إليك بعد أن فارقناك بعبادة غيرك.. والمراد بالحسنة فى الدنيا: النعم، وسعة الرزق، وعبّر عنها بالحسنة، لأنها مما يحسن وقعه وأثره فى النفوس.
وقوله تعالى: «قالَ عَذابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ».. هو بيان لحكم الله تعالى فى عباده.. فعذابه واقع على من يشآء من عباده، وليس على كل عباده، وإنما هو نازل بأهل الكفر والضلال..
وأما رحمته فهى عامة شاملة، تسع الوجود كلّه، وهى على سعتها، وعمومها وشمولها، لا ينالها إلا أهل طاعته الذين آمنوا واتقوا..
وقوله تعالى: «فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنا يُؤْمِنُونَ» هو ردّ على طلب موسى فى قوله مخاطبا ربّه: «وَاكْتُبْ لَنا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ».. المراد بالكتابة التقدير والوقوع، والجعل، والشمول، وعبّر عن ذلك بالكتابة لأنها أوثق وأثبت.
والمعنى: إن رحمة الله مع أنها عامة شاملة، تسع الوجود كلّه- لا تنال إلّا الذين آمنوا بالله، وأخلصوا دينهم لله.
والذي ينبغى الالتفات إليه هنا، هو أن الله سبحانه وتعالى لم يستجب

صفحة رقم 491

لموسى ما سأل فى قومه أن يكتب لهم فى الدنيا حسنة، وفى الآخرة حسنة، إذ كان قول الله لموسى: «عَذابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ» حكما عاما يقع على الناس جميعا، ولا يتعلق بهذا الدعاء الذي دعا به موسى ربّه.
وفى هذا ما يدلّ على أن الله سبحانه لم يشمل بنى إسرائيل بتحقيق هذا الدعاء فيهم، بل وضعهم جميعا تحت الحكم العام الذي يأخذ الله به عباده، وهذا يعنى أن الله سبحانه وتعالى يعلم من هؤلاء القوم أنهم لن يستأهلوا هذه النعمة التي لو استجاب الله لموسى فيها، لكانت بركة تحفّ بهم إلى يوم القيامة.. ذلك أن القوم قد مسّتهم لعنة الله قبل ذلك، ونزل بهم غضبه، فكان ذلك هو الثوب الذي يلبسونه، وتلبسه أجيالهم المتتابعة أبد الدهر..
وانظر.. إن الله سبحانه وتعالى استجاب لجميع أنبيائه فيما سألوه لأقوامهم من خير أو شر.
فهذا نوح عليه السلام يدعو ربه بهلاك قومه: «رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلَّا فاجِراً كَفَّاراً» (٢٦- ٢٦: نوح). فيهلكهم الله بالطوفان.
وإبراهيم- عليه السلام- يقول: «رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ» فيكون جواب الله له: «فَبَشَّرْناهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ» (١٠٠- ١٠١: الصافات) ويقول: «رَبِّ اجْعَلْ هذا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَراتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ..» فيجىء حكم الله: «قالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلى عَذابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ» (١٣٦: البقرة) وموسى عليه السلام، يدعو ربّه ليأخذ فرعون وملأه، وهرون- عليه السلام- يردد معه الدعاء: «رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ وَاشْدُدْ

صفحة رقم 492

عَلى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ» فيلقاهما الله سبحانه بقوله: «قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما» (٨٨- ٨٩: يونس).
أما هنا، إذ يدعو موسى ربه له ولأخيه ولقومه، فلا يقبل الله هذا الدعاء على إطلاقه، بل يقبله فى المؤمنين، الذين يستقيمون على طريق الإيمان والخير: «عَذابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ» وفى تقديم العذاب إشارة إلى أن العذاب هو الجزاء المرصود لبنى إسرائيل، وأن الرحمة التي تنالهم، هى الرحمة العامة التي تسع الوجود كله، حتى أهل النار فى النار! والسؤال هنا: ما معنى «وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ» إذا كانت لا تنال العصاة والضالين والكافرين؟، أليس هؤلاء العصاة الضالون الكافرون من أشياء هذا الوجود؟. فكيف لا تسعهم رحمة الله التي وسعت كل شىء؟.
والجواب على هذا: أن كتابة الرحمة شيء، وسعتها للناس شىء آخر.
فالكتابة لمن كتبت لهم الرحمة تعنى- كما قلنا- تقريرها ووقوعها، وشمولها، فمن كتبت لهم الرحمة- جعلنا الله منهم- فهم السعداء، الذين تفتح لهم أبواب الجنة، ويلقّون فيها تحيّة وسلاما.. وأما سعة الرحمة فإن الوجود جميعه- علوه وسفله- والناس جميعا- برّهم وفاجرهم- داخلون فى رحمة الله، التي وسعت كل شىء.. وقد قلنا من قبل إن الوجود فى ذاته- على أسوأ وجه يراه الإنسان- هو فى ذاته نعمة، ورحمة، لأنه خير من العدم.. ثم إن العصاة- فى الدنيا- لم يحجب الله عنهم نعمه، ولم يحرمهم رزقه، ولم يصبهم فى جوارحهم التي يعيشون بها مثل سائر الناس.
وأصحاب النار وهم فى النار، هم ممن وسعتهم رحمة الله، إذ هناك عذاب فوق هذا العذاب، وبلاء أكبر من هذا البلاء، وقد وقف الله بهم عند هذا

صفحة رقم 493

الحدّ من العذاب الذي هم فيه، وذلك رحمة من رحمته، ولولا ذلك لضاعف لهم هذا العذاب الذي هم أهل له بما ارتكبوا من آثام.
وقوله تعالى: «الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ».
فى هذه الآية أمور.. منها:
أولا: أنها بيان لمن يستجيب الله لموسى فيهم من قومه، ويكتب لهم فى هذه الدنيا حسنة وفى الآخرة حسنة، وأنهم هم الذين يتقون الله ويؤتون الزكاة، ويؤمنون بآياته، ويعملون بها ويستقيمون عليها.. وذلك فى عهد موسى، وإلى أن يأتى النبيّ الأمى الذي يجدونه مكتوبا عندهم فى التوراة والإنجيل.
وثانيا: إذ جاء هذا النبىّ الأمىّ الذي يجدون صفته عندهم فى التوراة والإنجيل. فإن الله لا يكتب لهم الرحمة ولا يدخلهم مداخل المؤمنين، حتى يتبعوا هذا النبىّ ويؤمنوا به.. «الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ» فهؤلاء هم اليهود والنصارى، وقد عرف الفريقان صفة هذا النبىّ فى كتبهم التي بين أيديهم، وأمروا بالإيمان به عند ظهوره..
وثالثا: من صفات هذا النبيّ.. أنه رسول، ونبىّ، وأمي، وأنه يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر، ويحلّ لهم الطيبات ويحرّم عليهم الخبائث، ويضع عنهم إصرهم، أي العهود التي أخذها الله عليهم، وهى الأحكام التأديبية التي أدّبهم بها، وفرض عليهم التزامها، كتحريم كل ظفر، وكتحريم شحوم الغنم والبقر إلا ما حملت ظهورها، أو الحوايا أو ما اختلط بعظم، وكتحريم

صفحة رقم 494

العمل فى يوم السبت.. وهذه كلّها قيود وأغلال قيدهم الله بها، وغلّ أهواءهم الجامحة عن الحركة.. وهذا فى شأن اليهود، أما النصارى- وهم يهود أصلا- فقد كان فى شرع المسيح لهم ما هو أقسى من هذا قسوة وأشدّ تنكيلا، ويكفى ما جاء فى وصاة المسيح لهم فى قوله: «من لطمك على خدّك الأيمن، فحوّل له خدّك الآخر أيضا، ومن أراد أن يخاصمك ويأخذ ثوبك فاترك له الرداء أيضا» (٥: إنجيل متى) !
رسالة الإسلام ونسخها للرسالات السابقة
فالنبى الأمّىّ هو الذي جاء رحمة عامة شاملة للناس جميعا، قد جعل الله محامل دعوته عامة إلى جميع الأمم والشعوب... ومن هنا كان مبعثه إيذانا برفع هذه القيود التي قيّد الله بها أولئك الذين جعل سبحانه من شريعته لهم، هذا التأديب الشرعىّ، الذي لا يرفع عنهم ثقله أبدا، إلا إذا ظهر النبي الأمّى، وإلا إذا اتبعوا هذا النبىّ الأمى، وعندئذ فقط يسقط عنهم هذا الحمل الذي وضعه الله على ظهورهم، ويرفع هذا العهد الذي أخذه الله عليهم، وتوعّدهم بالعذاب الأليم إن هم نقضوه، قبل ظهور هذا النبي الأمى، والإيمان بهذا النبىّ الأمّىّ، والأخذ بشريعته.. «فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ».. ومعنى عزّروه:
منعوه من أعدائه، وكانوا سندا له ووقاية، والمراد بالنور الذي أنزل معه، القرآن الكريم.. وهو نور وهدى لمن طلبه، وفتح عينه وقلبه له.
وهذه الآية تقرر فى صراحة صريحة أن رسالة الإسلام رسالة عامة شاملة، وأن اليهود والنّصارى لن تكتب لهم رحمة الله، ولن يكونوا من المؤمنين، إلا إذا تابعوا النبىّ الأمىّ، واستجابوا لدعوته، ودخلوا فى دين الله، وهو الإسلام.

صفحة رقم 495

ويتقرر هذا الحكم من وجهين:
أولهما: ما نصّ عليه القرآن فى هذه الآية، وما أسمعه الله تعالى موسى، وهو يطلب إلى الله أن يكتب له ولقومه فى الدنيا حسنة وفى الآخرة حسنة..
فإن الله سبحانه وتعالى ما استجاب هذه الدعوة على إطلاقها، بل استجابها للمتقين الذين يؤمنون بآيات الله التي نزلت على موسى، وعلى من جاء إلى بنى إسرائيل بعده من أنبياء، وخاصة عيسى عليه السلام، حتى إذا جاء النبي الأمىّ- محمد صلوات الله وسلامه عليه- لم يكتب لأتباع التوراة والإنجيل حسنة فى الدنيا ولا فى الآخرة حتى يؤمنوا به.. وهذا هو بعض السرّ فى وصل قوله تعالى: «فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنا يُؤْمِنُونَ» بقوله سبحانه بعد هذا: «الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ... » فالذين يتبعون الرسول النبي الأمى، بدل من قوله تعالى: «فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنا يُؤْمِنُونَ».. ومعنى هذا أن حكم كتابة الحسنة مشروط بشرطين: يتحقق أحدهما فى عهد موسى، ومن جاء بعده من أنبياء بنى إسرائيل، إلى عيسى. والشرط هو تقوى الله والإيمان بآياته التي يحملها رسله.: وهذا الشرط وحده يكفى لتقرير الحكم إلى أن يبعث النبي الأمى، فإذا بعث هذا النبىّ، أضيف إلى هذا الشرط الشرط الآخر، وهو الإيمان بهذا النبي الأمى، الذي لا يتحقق الشرط الأول، وهو التقوى والإيمان بآيات الله إلا بالإيمان به، وبالكتاب الذي معه! وثانيهما. أن هذين الشرطين قد حملتهما التوراة، التي هى شريعة أتباع موسى وأتباع عيسى معا، وأن الإيمان بعد ظهور محمد لا يتم إلا إذا تحقق الشرطان معا، وإلا إذا آمن اليهود والنصارى بما فى كتابيهما اللذين

صفحة رقم 496

دعواهم إلى الإيمان بهذا النبي، فإذا لم يؤمنوا به، فقد كفروا بالكتاب الذي فى أيديهم، وبهذا لم يكونوا من المؤمنين..
وفى قوله تعالى: «قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ يُحيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِماتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ» توكيد لعموم رسالة النبيّ الأمىّ، وأنه مبعوث للناس جميعا، ولهذا أمر الله نبيه الكريم أن يؤذّن فى الناس، بما أمره الله أن يؤذن به فيهم: «يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً».
وهذا القول ليس من قول النبىّ الذي حكاه القرآن عنه، وإنما هو مما أمره الله به، فقال تعالى: «قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً..»
ثم أتبع هذه الدعوة بعرض بعض ما لله الذي يدعو إلى الإيمان به، من صفات:
«الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ يُحيِي وَيُمِيتُ».. فالله سبحانه له ملك السموات والأرض، لا شريك له فى ملكه، ولا إله معه- بيده الحياة والموت، «فَآمِنُوا بِاللَّهِ» الذي هذا ملكه، وذلك سلطانه، «وَرَسُولِهِ» الذي يحمل رسالته إلى الناس جميعا.. «النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِماتِهِ» فهذا الرسول، من صفاته أنه نبىّ أمي، لا يقرأ ولا يكتب، وأنه يؤمن بالله، ويؤمن بكلمات الله التي نزلت عليه، وعلى رسل الله من قبله.. «وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ» فإن فى الإيمان بالله ورسوله، وفى اتباع هذا النبىّ والاستجابة له- الهداية والرشاد، ولن يكون لمخالفه والمتأبّى عليه، والمحادّ له، رجاء فى هدى أو مطمع فى نجاة.
وقوله تعالى: «وَمِنْ قَوْمِ مُوسى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ» هو تحريض لليهود على متابعة النبي والاستجابة له، والانتصار لدعوته، وذلك أن

صفحة رقم 497
التفسير القرآني للقرآن
عرض الكتاب
المؤلف
عبد الكريم يونس الخطيب
الناشر
دار الفكر العربي - القاهرة
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية