آيات من القرآن الكريم

قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ ۖ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺ ﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇ

فى جنب الله وعلموا أنهم قد ضلوا ضلالا بعيدا بعبادة العجل قالوا إن ذنبنا لعظيم وإن جرمنا لكبير، وإنه لن يسعهم بعد هذا الذنب إلا رحمة الله التي وسعت كل شىء، ولئن لم يرحمنا ربنا بقبول توبتنا والتجاوز عن جريمتنا لنكونن من الذين خسروا سعادة الدنيا وهى الحرية والاستقلال فى أرض الموعد، وخسروا سعادة الآخرة وهى دار الكرامة والنعيم المقيم وجنات النعيم.
[سورة الأعراف (٧) : الآيات ١٥٠ الى ١٥١]
وَلَمَّا رَجَعَ مُوسى إِلى قَوْمِهِ غَضْبانَ أَسِفاً قالَ بِئْسَما خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الْأَلْواحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْداءَ وَلا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (١٥٠) قالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (١٥١)
تفسير المفردات
الأسف: الحزن والغضب، ويقال أسف من باب تعب حزن وتلهف، وأسف كغضب وزنا ومعنى، ويعدّى بالهمزة فيقال: آسفته، ومن استعمال الأسف بمعنى الحزن قوله تعالى حكاية عن يعقوب «وَقالَ يا أَسَفى عَلى يُوسُفَ» وبمعنى الغضب قوله:
«فَلَمَّا آسَفُونا انْتَقَمْنا مِنْهُمْ» وعجله: سبقه، وأعجله: استعجله، وألقى: طرح، والشماتة: الفرح بالمصيبة.
المعنى الجملي
بعد أن ذكر ما أحدثه السامري من اتخاذه العجل لبنى إسرائيل وعبادتهم له ثم ندمهم على ما فرط منهم فى جنب الله وطلبهم الرحمة من ربهم- ذكر هنا ما حدث

صفحة رقم 70

من موسى من الأسى والحزن حين رأى قومه على هذه الحال من الضلال والغى، ومن التعنيف واللوم لهارون على السكوت على قومه حين رآهم فى ضلالتهم يعمهون.
الإيضاح
(وَلَمَّا رَجَعَ مُوسى إِلى قَوْمِهِ غَضْبانَ أَسِفاً) أي ولما رجع موسى من الطور إلى قومه غضبان على أخيه هرون، إذ رأى أنه لم يكن فيهم صليب الرأى قوىّ الشكيمة، نافذ الكلمة، حزينا على ما وقع منهم من كفر الشرك وإغضاب الله والتفريط فى جنبه.
(قالَ بِئْسَما خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي) أي بئس خلافة خلفتمونيها من بعد ذهابى عنكم إلى مناجاة ربى وقد كنت لقنتكم التوحيد، وكففتكم عن الشرك وبينت لكم فساده وسوء مغبته وحذرتكم صنيع القوم الذين كانوا يعكفون على أصنام لهم من تماثيل البقر.
وقد كان من الحق عليكم أن تقتفوا أثرى، وتتبعوا سيرتى بيد أنكم سلكتم ضد ذلك، فصنعتم صنما كأحد أصنامهم فعبده بعضكم ولم يردعكم عن ذلك باقيكم.
(أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ؟) قال صاحب الكشاف: المعنى أعجلتم عن أمر ربكم وهو انتظار موسى حافظين لعهده وما وصاكم به فبنيتم الأمر على أن الميعاد قد بلغ آخره ولم أرجع إليكم، فحدثتكم أنفسكم بموتى فغيّرتم كما غيرت الأمم بعد أنبيائهم.
وروى أن السامري قال لهم حين أخرج لهم العجل وقال: «هذا إِلهُكُمْ وَإِلهُ مُوسى» إن موسى لن يرجع وإنه قد مات اهـ.
(وَأَلْقَى الْأَلْواحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ) أي وطرح الألواح من يديه وأخذ برأس أخيه يجره إليه بذؤابته ظنا منه أنه قد قصّر فى ردعهم وتأنيبهم وكفّهم عن عبادة العجل كما فعل هو بتحريقه وإلقائه فى اليم إن قدر، أو أن يتبعه إلى جبل الطور إن

صفحة رقم 71

لم يستطع كما حكى الله تعالى عنه فى سورة طه: «قالَ يا هارُونُ ما مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي؟».
ولا شك أن سياسة الأمم تختلف باختلاف أحوال رعاتها وسائسيها، فالقوى منهم الشديد الغضب للحق كموسى يشعر بما لا يشعر به من يغلب عليه الحلم ولين العريكة كهرون عليه السلام.
ثم ذكر سبحانه جواب هرون لموسى فقال:
(قالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكادُوا يَقْتُلُونَنِي) أي يا ابن أمي لا تعجل بلومي وتعنيفى وتظنن تقصيرى فى جنب الله فإنى لم آل جهدا فى الإنكار على القوم والنصح لهم، لكنهم قد استضعفوني ولم يرعووا لنصحى ولم يمتثلوا لأمرى بل أوشكوا أن يقتلونى.
(فَلا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْداءَ وَلا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) أي فلا تفعل بي من اللوم والتقريع ما يجعل الأعداء يشمتون بي، ولا تجعلنى فى زمرة القوم الظالمين لأنفسهم، وهم الذين عبدوا العجل فتغضب منى كما غضبت منهم وتؤاخذني كما اخذتهم فإنى لست منهم فى شىء. وفى هذا دليل على أن هرون كان دون موسى فى شدة العزيمة وقوة الإرادة وأخذ الأمور بالحزم، وهذا ما أطبق عليه المسلمون وأهل الكتاب.
ثم أبان سبحانه أثر هذا الاستعطاف فى قلب موسى عليه السلام فقال:
(قالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) أي قال رب اغفر لى ما فرط منى من قول وفعل فيهما غلظة وجفاء، واغفر له ما عساه يكون قد قصّر فيه من مؤاخذة القوم على ما اجترموه من الآثام خوفا مما توقعه من الإيذاء الذي قد يصل إلى القتل، وأدخلنا فى رحمتك التي وسعت كل شىء واغمرنا بجودك وفضلك فأنت أرحم بعبادك من كل رحم.
والآية صريحة فى براءة هرون من جريمة اتخاذ العجل وفى إنكاره على متخذيه

صفحة رقم 72

وعابديه من قومه، وبهذا قد صححت ما وقع فى التوراة التي بين يدى أهل الكتاب من نسبة اتخاذ العجل إلى هرون وجعله هو الفاعل لذلك كما جاء فى الفصل الثاني والثلاثين من سفر الخروج قال:
ولما رأى الشعب أن موسى قد أبطأ فى النزول من الجبل اجتمع الشعب على هرون وقالوا: قم فاصنع لنا آلهة تسير أمامنا، لأن موسى الرجل الذي كان قد أصعدنا من أرض مصر لا نعلم ما قد أصابه، فقال لهم هرون انزعوا أقراط الذهب التي فى آذان نسائكم وبنيكم وبناتكم وائتوني بها فنزع كل الشعب أقراط الذهب التي كانت فى آذانهم وأتوا بها إلى هرون، فأخذ ذلك من أيديهم وصوّره بالأزميل وصنعه عجلا مسبوكا فقالوا هذه آلهتك يا إسرائيل التي أصعدتك من أرض مصر، فلما نظر هرون بنى مذبحا أمامه ونادى هرون وقال: غدا عيد للرب فبكروا فى الغد وأصعدوا محرقات وقدموا ذبائح سلامة، وجلس الشعب للأكل والشرب ثم قاموا للعب، فقال الرب لموسى:
اذهب انزل، لأنه قد فسد شعبك الذي أصعدته من أرض مصر، زاغوا سريعا عن الطريق الذي أوصيتهم به صنعوا عجلا مسبوكا وسجدوا له وذبحوا له وقالوا: هذه آلهتك يا إسرائيل الذي أصعدتك من أرض مصر- ثم قال:
وكان عند ما اقترب إلى المحلة أنه أبصر العجل والرقص فحمى غضب موسى وطرح اللوحين من يديه وكسرهما فى أسفل الجبل، ثم أخذ العجل الذي صنعوا وأحرقه بالنار وطحنه حتى صار ناعما وذرّاه على وجه الماء وسقى بنى إسرائيل وقال موسى لهرون:
ماذا صنع بك هذا الشعب حتى جلبت عليه خطية عظيمة فقال هرون: لا يحمم غضب سيدى على، أنت تعرف الشعب، إنه فى شر، فقالوا اصنع لنا آلهة تسير أمامنا...
ثم ذكر طلب موسى من الرب أن يغفر لقومه، وأمر الرب إياهم أن يقتل كل واحد أخاه وكل واحد صاحبه، وكل واحد قريبه، وأن بنى لاوى فعلوا ذلك فقتل منهم فى ذلك اليوم نحو ثلاثة آلاف رجل- وقد تقدم ذكر ذلك فى سورة البقرة.

صفحة رقم 73
تفسير المراغي
عرض الكتاب
المؤلف
أحمد بن مصطفى المراغي
الناشر
شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابى الحلبي وأولاده بمصر
الطبعة
الأولى، 1365 ه - 1946 م
عدد الأجزاء
30
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية