آيات من القرآن الكريم

قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ
ﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢ ﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰ ﭲﭳﭴﭵﭶ ﭸﭹﭺﭻ ﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃ ﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔ ﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢ

[سورة الأعراف (٧) : الآيات ١١ الى ١٨]

وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ ثُمَّ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (١١) قالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (١٢) قالَ فَاهْبِطْ مِنْها فَما يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيها فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ (١٣) قالَ أَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (١٤) قالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (١٥)
قالَ فَبِما أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (١٦) ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمانِهِمْ وَعَنْ شَمائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ (١٧) قالَ اخْرُجْ مِنْها مَذْؤُماً مَدْحُوراً لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ (١٨)
وقوله سبحانه: وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ... الآية: هذه الآية مَعْنَاهَا التَّنْبِيهُ على مواضع العِبْرَةِ، والتعجيب من غريب الصنعة، وإسداء النعمة.
واختلف العلماء في تَرْتِيبِ هذه الآية لأن ظاهرها/ يَقْتَضِي أن الخَلْقَ والتصوير لبني آدم قَبْلَ القَوْلِ للملائكة أَن يَسْجُدُوا، وقد صححت الشريعة أن الأَمْرَ لم يَكُنْ كذلك، فقالت فرقة: المُرَادُ بقوله سبحانه: وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ آدم، وإن كان الخِطَابُ لبنيه.
وقال مجاهد: المعنى: ولقد خَلَقْنَاكم، ثم صورناكم في صُلْبِ آدم، وفي وقت استخراج ذريّة آدم من ظَهْرِهِ أمثال الذّر في صورة البَشَرِ «١»، ويترتب في هَذَيْنِ القولين أن تكون «ثم» على بابها في الترتيب، والمُهْلَةِ.
وقال ابن عباس، والربيع بن أنس: أما «خلقناكم» فآدم، وأما «صورناكم» فذرّيته في بُطُونِ الأمهات «٢».
وقال قتادة، وغيره: بل ذلك كله في بُطُونِ الأمهات من خَلْقٍ، وتصوير «٣»، وثُمَّ لترتيب الأخبار بهذه الجمل لا لترتيب الجُمَلِ في أنفسها.
وقوله سبحانه: فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ قالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ قالَ فَاهْبِطْ مِنْها فَما يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيها فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ قالَ أَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ قالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ قالَ فَبِما أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ تقدم الكلام على قصص الآية في «سورة البقرة».
(١) أخرجه الطبري (٥/ ٤٣٧) برقم: (١٤٣٥٦) بلفظ: «في صلب آدم»، وذكره ابن عطية (٢/ ٣٧٨)، وذكر نحوه البغوي (٢/ ١٥٠) بلا نسبة.
(٢) أخرجه الطبري (٥/ ٤٣٦)، برقم: (١٤٤٣- ١٤٤٤)، وذكره ابن عطية (٢/ ٣٧٨)، وذكره ابن كثير (٢/ ٢٠٣) بنحوه، والسيوطي في «الدر المنثور» (٣/ ١٣٤).
(٣) ذكره ابن عطية (٢/ ٣٧٨).

صفحة رقم 10

«وما» في قوله: مَا مَنَعَكَ استفهام على جِهَةِ التوبيخ والتقريع، و «لا» في قوله:
أَلَّا تَسْجُدَ قيل: هي زائدة، والمعنى: ما مَنَعَكَ أن تَسْجُدَ، وكذلك قال أبو حَيَّان «١» :
إنها زائدة «٢»، كهي في قوله تعالى: لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ [الحديد: ٢٩].
قال: ويدلُّ على زيادتها سُقُوطها في قوله تعالى: مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ [ص: ٧٥] في «ص» انتهى. وجواب إبليس اللعين ليس بمُطابق لما سئل عنه، لكن [لما] جاء بِكَلاَمٍ يتضمن الجَوَابَ والحجة، فكأنه قال: منعني فَضْلِي عليه، إذ أنا خير منه، وظن إبليس أن النار أَفْضَلُ من الطين، وليس كذلك بل هما في دَرَجَةٍ وَاحِدَةٍ من حيث إنهما جَمَادٌ مخلوق، ولما ظن إبليس أن صُعُودَ النار، وَخِفَّتَهَا يقتضي فَضْلاً على سُكُونِ الطين وبلادته، قَاسَ أن ما خُلِقَ منها أَفْضَلُ مما خُلِقَ من الطين، فأخطأ قياسه، وذهب عليه أن الروح الذي نُفِخَ في آدم ليس من الطِّين.
وقال الطبري «٣» : ذهب عليه ما في النَّارِ من الطَّيْشِ، والخِفَّةِ، والاضطراب، وفي الطين من الوَقَارِ، والأَنَاةِ والحِلْمِ، والتثبت وروي عن الحسن، وابن سيرين أنهما قالا: أول مَنْ قَاسَ إبليس، وما عبدت الشمس والقمر إلا بالقِيَاس «٤»، وهذا القَوْلُ منهما ليس هو بإنكار للقياس «٥». وإنما خرّج كلاهما نَهْياً عما كان في زمانهما من مَقَايِيسِ الخوارج

(١) ينظر: «البحر المحيط» (٤/ ٢٧٣).
(٢) ذكره ابن عطية (٢/ ٣٧٨)، ولم يعزه لأحد.
(٣) ينظر: «تفسير الطبري» (٥/ ٤٤٠).
(٤) أخرجه الطبري (٥/ ٤٤١)، برقم: (١٤٣٦٠)، وبرقم: (١٤٣٦١)، بلفظ: «قاس إبليس، وهو أول من قاس»، وذكره ابن عطية (٣/ ٣٧٩)، والبغوي (٢/ ١٥٠)، وذكره ابن كثير (٢/ ٢٠٣)، والسيوطي في «الدر المنثور» (٣/ ١٣٤) عن الحسن نحوه.
(٥) ينظر: الكلام على القياس في:
«البرهان» لإمام الحرمين (٢/ ٧٤٣)، «البحر المحيط» للزركشي (٥/ ٥)، «الإحكام في أصول الأحكام للآمدي» (٣/ ١٦٧)، «سلاسل الذهب» للزركشي ص: (٣٦٤)، «التمهيد» للأسنوي ص: (٤٦٣)، «نهاية السول» له (٤/ ٢)، «زوائد الأصول» له ص: (٣٧٤)، «منهاج العقول» للبدخشي (٣/ ٣)، «غاية الوصول» للشيخ زكريا الأنصاري ص: (٢١١)، «التحصيل من المحصول» للأرموي (٢/ ١٥٥)، «المنخول» للغزالي ص: (٣٢٣)، «المستصفى» له (٢/ ٢٢٨)، «حاشية البناني» (٢/ ٢٠٢)، «الإبهاج» لابن السبكي (٣/ ٣)، «الآيات البينات» لابن قاسم العبادي (٤/ ٢)، «حاشية العطار على جمع الجوامع» (٢/ ٢٣٩)، «المعتمد» لأبي الحسين (٢/ ١٩٥)، «إحكام الفصول من أحكام الأصول» للباجي ص:
(٥٢٨)، «الإحكام في أصول الأحكام» لابن حزم (٧/ ٣٦٨)، (٨/ ٤٨٧)، «أعلام الموقعين» لابن القيم (١/ ١٠١)، «التحرير» لابن الهمام ص: (٤١٥)، «تيسير التحرير» لأمير باد شاه (٣/ ٢٦٣) «التقرير والتحبير» لابن أمير الحاج (٣/ ١١٧). [.....]

صفحة رقم 11

وغيرهم، فأرادا حمل الناس على الجَادَّةِ.
وقوله سبحانه: فَاهْبِطْ مِنْها الآية: يظهر منه أنه أهبط أولاً، وأخرج من الجَنَّةِ، وصار في السماء لأن الأخبار تَظَاَهَرَتْ أنه أغوى آدم وحواء من خارج الجَنَّة، ثم أُمِرَ آخراً بالهُبُوطِ من السماء مع آدم، وحواء، والحية. وقوله: إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ حكم عليه بضدِّ معصيته التي عصى بها، وهي الكبرياء، فعوقب بالحمل عليه، بخلاف شهوته، وأمله والصَّغَارُ: الذل قاله السدي.
ومعنى: أَنْظِرْنِي أخِّرْنِي «١» فَأَعْطَاهُ اللَّه النَّظِرَةَ إلى النفخة الأولى. قاله/ أكثر الناس «٢» وهو الأصح والأشهر في الشَّرْع.
وقوله: فَبِما يريد به القَسَمَ، كقوله في الآية الأخرى: فَبِعِزَّتِكَ [ص: ٨٢] وأَغْوَيْتَنِي قال الجمهور: معناه: أضللتني من الغيِّ، وعلى هذا المعنى قال محمد بن كَعْبٍ القرظي: قاتل اللَّه القدرية لإِبْلِيسُ أعلم باللَّه منهم، يُرِيدُ في أنه علم أن اللَّه يَهْدِي وَيضل «٣».
وقوله: لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ المعنى: لاعترضنَّ لهم في طَريق شرعك، وعبادتك، ومنهج النجاة، فَلأَصُدَّنهم عنه.
ومنه قوله عليه السلام: «إن الشيطان قَعَدَ لابن آدَمَ بأطرُقِهِ «٤» نَهَاهُ عن الإِسْلاَمِ، وقال: تَتْرُكُ دِينَ آبائك، فَعَصَاهُ فأسلم، فنهاه عن الهِجْرَةِ فقال: تَدَعُ أَهْلَكَ وَبَلَدَك، فعصاه فهاجر، فنهاه عن الجِهَاد، فقال: تُقْتَلُ وتترك وَلَدَكَ، فَعَصَاهُ فجاهد فله الجَنَّة «٥»... »
الحديث.
وقوله سبحانه: ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمانِهِمْ وَعَنْ شَمائِلِهِمْ وَلا

(١) وذكره ابن عطية (٢/ ٣٧٩)، والبغوي (٢/ ١٥١).
(٢) أخرجه الطبري (٥/ ٤٤٢)، برقم: (١٤٣٦٥) نحوه، وذكره ابن عطية (٢/ ٣٧٩)، والبغوي (٢/ ١٥١).
(٣) أخرجه الطبري (٥/ ٤٤٤)، برقم: (١٤٣٦٨)، وذكره ابن عطية (٢/ ٣٨٠).
(٤) هي جمع طريق على التأنيث لأن الطريق تذكر وتؤنث، فجمعه على التذكير: أطرقة: كرغيف وأرغفة، وعلى التأنيث: أطرق، كيمين وأيمن.
ينظر: «النهاية» (٣/ ١٣٣).
(٥) أخرجه ابن أبي شيبة (٥/ ٢٩٣)، والنسائي (٦/ ٢١- ٢٢)، كتاب «الجهاد»، باب: ما لمن أسلم وهاجر وجاهد، وابن حبان (١٦٠١- موارد)، والطبراني في «الكبير» (٧/ ١٣٨)، من حديث سبرة بن أبي الفاكه.

صفحة رقم 12

تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ قالَ اخْرُجْ مِنْها مَذْؤُماً مَدْحُوراً لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ مقصد الآية أن إبليس أَخْبَرَ عن نفسه أنه يأتي إِضْلاَلَ بني آدم من كُلِّ جهة، فعبر عن ذلك بأَلْفَاظٍ تقتضي الإِحَاطَةَ بهم، وفي اللفظ تَجَوُّزٌ، وهذا قَوْلُ جَمَاعَةٍ من المفسرين.
قال الفخر «١» : وقوله: لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ أي: على صِرَاطِكَ. أجمع النحاة على تقدير «على» في هذا الموضع. انتهى.
وقوله: وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ أخبر اللعين أن سَعَايَتَهُ تفعل ذلك ظَنًّا منه، وتوسُّماً في خِلْقَةِ آدم حين رأى خِلْقَتَهُ من أشياء مختلفة، فعلم أنه سَتَكُونُ لهم شِيَمٌ تقتضي طَاعَتَهُ، كالغِلِّ، والحَسَدِ، والشهوات، ونحو ذلك.
قال ابن عباس، وقتادة: إلا أن إبليس لم يَقُلْ: إنه يأتي بني آدم من فَوْقِهِمْ، ولا جعل اللَّه له سبيلاً إلى أن يَحُولَ بينهم وبين رحمة اللَّه وعفوه ومَنِّهِ، وما ظنه إبليس صدقه اللَّه عز وجل «٢».
ومنه قوله سبحانه: وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [سبأ: ٢٠] فجعل أكثر العالم كفرة، ويبيّنه قوله صلّى الله عليه وسلّم في الصَّحيح: «يَقُولُ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ: يا آدَمُ أَخْرِجْ بَعْثَ النَّارِ، فيقول: يا رَبِّ وَمَا بَعْثُ النَّارِ، فيقول: مِنْ كُلِّ أَلْفٍ تِسْعمَائةً وتِسْعَةً وتَسْعِينَ إلى النَّارِ، وواحداً إلى الجَنَّةَ» «٣».
ونحوه مما يخصُّ أمة نبينا محمد صلّى الله عليه وسلّم: «ما أنتم في الأمم إلا كالشَّعرة البَيْضَاءِ في الثور الأسود» «٤» وشاكِرِينَ معناه: مُؤْمنين لأن ابن آدم لا يَشْكُرُ نعمة اللَّه إلا بأن يُؤمن. قاله ابن عباس وغيره «٥».
وقوله سبحانه: اخْرُجْ مِنْها أي: من الجنة مَذْؤُماً أي مَعِيباً مَدْحُوراً أي:
مقصيًّا مبعداً.
لَمَنْ تَبِعَكَ بفتح اللام هي لام قسم.

(١) ينظر: «تفسير الرازي» (١٤/ ٣٢).
(٢) ينظر: «تفسير الرازي» (١٤/ ٣٢).
(٣) تقدم تخريجه.
(٤) تقدم تخريجه.
(٥) ذكره ابن عطية (٢/ ٣٨١).

صفحة رقم 13
الجواهر الحسان في تفسير القرآن
عرض الكتاب
المؤلف
أبو زيد عبد الرحمن بن محمد بن مخلوف الثعالبي
تحقيق
عادل أحمد عبد الموجود
الناشر
دار إحياء التراث العربي - بيروت
سنة النشر
1418
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية