من الذل والعار والخزي والقتل والغرق «إِنَّ هؤُلاءِ» الذين ترونهم يعبدون الأصنام ويتخذون عبادتها قربة إلى الله، الذين تريدون أن يكون لكم مثل ما لهم من الأوثان «مُتَبَّرٌ» مدمّر هالك «ما هُمْ فِيهِ» من الحال ويؤدي إلى تدميرهم وليس بدين يتدين به وأن الله سيقدرني على تحطيم أصنامهم هذه وتبديدها وتصييرها فتاتا، لأن عبادتهم لها كفر محض واشراك مع حضرة الربوبية ومثل هذا الطلب محرم وهؤلاء قوم حمق «وَباطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ ١٣٩» من صنعها وعبادتها فهم كفار يجب قتالهم، لأنهم لم يريدوا بعبادتها وجه الله ثم «قالَ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلهاً» كلا لا إله غيره «وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ ١٤٠» في زمانكم وهو المستحق للعبادة وحده لأنه النافع الضار، وهذه الأصنام لا تنفع ولا تضر فكيف تريدون عبادتها وهي لا تدفع شرا عن نفسها هذا جزاء الله منكم أيها الفسقة. أخرج الترمذي عن أبي واقد الليثي أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم لما خرج إلى غزوة حنين امرّ بشجرة للمشركين كانوا يعلقون عليها أسلحتهم يقال لها ذات أنواط فقالوا (أي طائفة ممن معه) اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط، فقال صلّى الله عليه وسلم سبحان الله هذا كما قال قوم موسى (اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ) والذي نفسي بيده لتركين سنن من قبلكم، الحديث.
ثم شرع يعدد عليهم نعمه فقال «وَإِذْ أَنْجَيْناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ» يولونكم ويكلفونكم ويبغونكم «سُوءَ الْعَذابِ» أشده وأقساه ثم بينه بقوله «يُقَتِّلُونَ أَبْناءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ وَفِي ذلِكُمْ» العذاب المهين محنة فظيعة «بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ ١٤١» لا أعظم منه في الدنيا فهو غاية الذل ونهاية الخزي والعار، فالرب الذي أنجاكم من وأهلك عدوكم وملككم أرضه وماله، أليق بكم أن تشتغلوا بعبادته طلبا لرضاه وشكرا لما أولاكم وأجدر أن لا تشركوا معه شيئا أبدا، لا أن تقولوا اجعل لنا إلها من أحجار وأخشاب ومعادن جامدة أو من حيوان عاجز، انتهوا عن هذا واستغفروا لئلا يحل بكم غضبه، قال تعالى «وَواعَدْنا مُوسى ثَلاثِينَ لَيْلَةً» للتشرف بمناجاتنا وهو شهر ذي القعدة «وَأَتْمَمْناها بِعَشْرٍ» من ذي الحجة «فَتَمَّ مِيقاتُ رَبِّهِ
أَرْبَعِينَ لَيْلَةً»
مع يوم العيد الذي هو يوم الوعد، وذلك أنه عليه السلام بعد أن نجى الله قومه وعبر بهم البحر وزجرهم على ما وقع منهم، وكان وعد قومه بأنه إذا أهلك الله عدوهم يأتيهم بكتاب من عند ربه فيه ما يأتون وما يذرون.
ولما تمّ له ذلك طالبه قومه به، فسأل ربه انجاز وعده، فأمره أن يصوم ذا القعدة ثلاثين يوما فصامها، وأنكر خلوف فمه، فأوحى الله إليه أما علمت أن خلوف فم الصائم عندي أطيب من ريح المسك، ثم أمره أن يصوم عشرة أيام من أول ذي الحجة ويحضر لمناجاته وإنزال الكتاب عليه، فصامها وتوجه إلى المحل الذي أمره أن يحضر فيه «وَقالَ... لِأَخِيهِ هارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي» مدة ذهابي لمناجاة ربي «وَأَصْلِحْ» أمورهم واحسن خلافتي فيك وفيهم وراقبهم في حركاتهم وسكناتهم «وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ ١٤٢» منهم، وقد أعطى هذه الأوامر أخاه وهو يعلم أنه يصلح ولا يسلك سبيل من أفسد منهم ولكنه من قبيل التوكيد لشدة حرصه عليهم، ولعلمه بصغر عقولهم، ولأنهم قوم ترّبوا على الذل والصغار لا يأمن أن يستميلهم الأشرار، وتوصية لهرون الذي لا يتصور منه وقوع ما أوصاه به، وحذره عنه، على حد قول سيدنا إبراهيم (لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي) الآية ٢٦٠ من البقرة في ج ٣، وعلى حد قوله تعالى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا) الآية ١٣٤ من سورة النساء، أي اثبتوا على إيمانكم وداوموا عليه، فكأنه يقول لأخيه دم على أخلاقك وإصلاحك شأنهم كما كنت أنا وأنت دائبين عليه، وكأنه عليه السلام نفث في روعه أنهم سيزيغون عن عبادة الله بما يسوله لهم شرارهم فأوصى أخاه بما أوصاه لأن الأنبياء ملهمون، وسبب وصيته هذه أن الرئاسة كانت لموسى دون هرون، وقال الشيخ محي الدين العربي الأكبر في فتوحاته ما معناه إن هرون نبي أصالة ورسول بحكم التبعية فلعل هذا الاستخلاف من آثار تلك التبعية، وقيل إن هذا كان كما يقوله أحد المأمورين بمصلحة واحدة إذا أراد الذهاب لحاجة كن عوضا عني، أي ابذل جهدك ووسعك بحيث يكون عملك عمل اثنين، وهو وصية لأن هرون مثل موسى مرسل لبني إسرائيل أيضا.
مطلب ميقات موسى وتكليمه:
قال تعالى «وَلَمَّا جاءَ مُوسى لِمِيقاتِنا» الذي عينّاه له في طور سيناء «وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ» من غير واسطة ولا كيفية. وقد ذهب الحنابلة ومن تابعهم إلى أن كلام الله تعالى حروف وأصوات متقطعة وأنه قديم، وذهب المتكلمون إلى أنه صفة مغايرة لهذه الحروف والأصوات وهي صفة أزلية قديمة، وعليه فإن القائلين بهذا القول قالوا إن موسى سمع تلك الصفة القديمة الأزلية حقيقة وقالوا:
فكما أنه لا تبعد رؤية ذاته وليست جسما ولا عرضا، فكذلك لا يبعد سماع كلامه مع أنه ليس بصوت ولا حرف، ومع هذا فإنه لا يشبه كلام المخلوقين ولا محذور من ذلك، أما من قال إن تكليمه تعالى عبارة عن خلق الكلام منطوقا به في بعض الأجرام كما خلقه محفوظا في الألواح، وهو ما ذهب إليه الزمخشري ومن على طريقته من المعتزلة فهو قول باطل، لانه يقضي بأن تقول الشجرة التي كلمه منها أو الجرم الذي كلمه عليه إنني أنا الله، وإن هذه الشجرة أو ذلك الجرم لا يقول ذلك فظهر فساد مذهبهم في هذا. وإن مذهب أهل السنة والجماعة الذي عليه جمهور العلماء وبعض من المتكلمين سلفا وخلفا، هو أن الله تعالى متكلم بكلام قديم وسكتوا عن الخوض في تأويله، والحقيقة أن الله تعالى كلم موسى بلا واسطة ولا كيفية، وأسمعه كلامه ومناجاته، فاستحلى ما سمع وطمع في رؤيته لغلبة شوقه إليه «قالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ» سأل عليه السلام ربه أن يريه ذاته المقدسة مع علمه بأن الله لا يرى في الدنيا بسائق ما هاج به من الغرام في لذة المناجاة وما فاض عليه من الجلال حتى استغرق في بحر محبّته، فسأل الرؤية، ولعل هذه أيضا من جملة ما ألهم بأنه سيأتي نبي بعده يرى ربه بأم عينه فطمع بذلك وطلبها، أو أنه طلب التمكن من الرؤية مطلقا بالتجلي والظهور وهما مقدمان على النظر ومسببان له، ففي الكلام ذكر الملزوم وإرادة اللازم فيكون المعنى: مكني من رؤيتك أو تجلّ علي فأنظر إليك وأراك، ولم يرد إيجاد الرؤية لعلمه باستحالتها في الدنيا فأجابه ربه بالمنع «قالَ لَنْ تَرانِي» وأنت على ما أنت عليه لأن البشر لا يطيق
النظر إليّ في هذه الدار، وفي هذا دليل لأهل السنة والجماعة على جواز الرؤية في الآخرة، لأن موسى اعتقد أن الله يرى، فسأل الرؤية لأنها جائزة واعتقاد جواز ما لا يجوز على الله كفر، ولأنه تعالى لم يقل لن أرى ليكون نفيا للجواز ولو لم يكن مرئيا لأخبر بأنه ليس بمرئي إذ الحالة حالة الحاجة إلى البيان، قال تعالى «وَلكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ» طور سيناء الذي هو قريب منه واسمه زبيد «فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ» بعد أن تجلى عليه وبقي كما هو عليه الآن «فَسَوْفَ تَرانِي» إذا تجليت عليك أيضا، وهذا دليل أيضا على جواز الرؤية لأنه علقها باستقرار الجبل وهو ممكن وتعليق الشيء بالممكن دليل على إمكانه كالتعليق بالممتنع دليل على امتناعه، والدليل على أن استقرار الجبل ممكن قوله (جَعَلَهُ دَكًّا) ولم يقل اندك، وما أوجده الله تعالى كان جائزا أن لا يوجد لو لم يوجده، لأنه مختار في فعله، ولأنه تعالى ما آيسه من الرؤية ولا عاتبه على طلبها كما عاتب نوحا بقوله:
(أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ) الآية ٤٦ من سورة هود في ج ٢، ولا يقال أن محمدا من البشر وكيف رأى ربه وقوي على رؤيته، لأن الله تعالى أودع فيه قوة على ذلك مكنته من الرؤية لأنها من خصوصياته صلّى الله عليه وسلم كما خص موسى بالتكليم وقواه على سماع كلامه مشافهة دون غيره، فلا مناقشة في هذا وما عموم إلا خصص.
هذا، ومن قال انّ (لن) للتأييد والدوام واستدل على عدم جواز الرؤية حتى في الآخرة فقد أخطأ إذ لا شاهد له بالعربية على قوله، ولا دليل له في الكتاب والسنة وأن الدلائل لإثبات الرؤية في الآخرة صريحة في قوله تعالى (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ) الآية ٢٤ من سورة القيامة المارة، وجاء في الصحيحين أن المؤمنين يرون ربهم يوم القيامة، ومما ينقض قوله أنّ لن للنفي ألا يرى قوله تعالى في نعت اليهود (وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً) الآية ٩٥ من البقرة في ج ٣، مع أنهم يتمنونه يوم القيامة في قوله تعالى (وَنادَوْا يا مالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ) الآية ٧٧ من الزخرف في ج ٢، وقوله (يا لَيْتَها كانَتِ الْقاضِيَةَ) الآية ١٧ من سورة الحاقة في ج ٢، وقوله في الآية ٢٥ من سورة مريم الآتية (يا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هذا) ت (٢٧)
فظهر لك من هذا كله أنّ لن ليست للتأييد، قال تعالى «فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ» أي ظهر له على الوجه اللائق بجنابه بعد أن جعله مدركا، لذلك قال الشيخ أبو منصور نقلا عن الأشعري، أنه تعالى خلق في الجبل حياة وعلما ورؤية حتى رأى ربه، فلما رآه جلت رؤيته «جَعَلَهُ دَكًّا» مفتوتا ساوى به الأرض بحيث لم يبق له أثر، والدّكّ والدق أخوان وكذلك الشك والشق، وهذا نص بكونه مرئيا ثابت لا مرية فيه، ونص بجهل منكر الرؤية كما مرت الإشارة إليه، ولا يستغرب هذا، لأنه داخل في قوله تعالى: (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ) الآية ٤٤ من سورة الإسراء الآتية، فظاهر هذه الآية يستلزم كون جميع الأشياء حية مدركة بحياة وإدراك لا يقين بها، وكل بنسبة عالمه، وإذا دققت النظر في مغزى اسمه القادر هان عليك ما لا يقبله عقلك أو تنصوره مخيّلنك، اللهم بصرنا وأرشدنا إلى ما به النجاة من الحيرة. هذا، والاحتجاج بجمادية الجبل لا قيمة له، لأن الله تعالى قال في الآية ٩ من سورة سباء في ج ٢ (يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ) فالذي أقدر الجبال على التسبيح مع داود عليه السلام أقدر هذا الجبل على الفهم والتعقل وخلق فيه رؤية متعلقة بذات الله تعالى، وكونه مخاطبا بهذا الخطاب مشروط بحلول الحياة له والعقل فيه فهكذا هنا، فلم يبق مجال للقول بإنكار الرؤية وجوازها بعد أن بان لك تبعتها بالدلائل العقلية والسمعية، وعلمت بأن ما جاء به منكر الرؤية مصدره التأويل والتفسير راجع تفسير الآية ١٠٢ من سورة الأنعام في ج ٢، قال ابن عباس: ظهر نور الربوبية للجبل فصار ترابا «وَخَرَّ مُوسى صَعِقاً» صائحا مغشيا عليه ساقطا على الأرض من هيبة الربوبية وعظمتها التي لا تكيف «فَلَمَّا أَفاقَ قالَ سُبْحانَكَ» تعاليت وتنزهت عن المثالية والمشابهة لخلقك وعن أن يثبت أحد لمشاهدتك «تُبْتُ إِلَيْكَ» عن سؤال الرؤية في الدنيا ومن أن أسألك شيئا بغير إذنك «وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ ١٤٣» بأن البشر لا يطيق رؤيتك في الدنيا إلا من قربته منك وقويته بمعونتك وأيدته بتأييدك وخصصته بها دون سائر خلقك، وكان رمز إليه بأنه سيظهر نبي بعدك يرى ربه «قالَ يا مُوسى
صفحة رقم 418
إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ»
اخترتك وميزتك «عَلَى النَّاسِ» الموجودين على الأرض في زمنك «بِرِسالاتِي» التي أرسلتك بها لتبلغها لعبادي وهي الصحف التي أنزلتها إليك قبل أسفار التوراة التي أنزلها عليك الآن «وَبِكَلامِي» لك دون واسطة «فَخُذْ ما آتَيْتُكَ» من هذه الفضائل التي خصصتك بها وحدك ولم تكن لأحد قبلك فاقبلها واعمل بها «وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ ١٤٤» نعمائي من تشريفك بالرسالة وتتويجك بالتكليم، ولا يضق صدرك من منعي لك الرؤية لأنها لم تقدر لك في أزلي، فرضي موسى، وشكر ربه، قال تعالى «وَكَتَبْنا لَهُ فِي الْأَلْواحِ» المسطور عليها التوراة «مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ» يحتاج إليه هو وقومه من أمر ونهي وحلال وحرام وحدود وأحكام «فَخُذْها بِقُوَّةٍ» بجد وعزم وحزم «وَأْمُرْ قَوْمَكَ» يا رسولي «يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِها» عند وقوع شيء له جهتان، كالعفو فإنه أحسن من القصاص، والصبر فإنه خير من الانتقام والضجر، والكظم فهو أولى من الانتصار، والصلة فهي أحسن من القطيعة، وهذه موافقة لشريعتنا قال تعالى (وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ) الآية ٥٥ من سورة الزمر في ج ٢، والقرآن كله حسن وإنما الفرق بين الحسن والأحسن كثرة الثواب، ويستدل من هذه الآية أن التكليف كان على موسى أشد منه على
قومه إذ لم يرخص له ما رخص لهم من الأخذ بالأحسن بل خصصه بالحزم، وهو من أولي العزم إذ يقول له (فَخُذْها بِقُوَّةٍ) وكذلك كلف صلّى الله عليه وسلم بأكثر مما كلفت أمته فكلف بقيام الليل على سبيل الفرض ومنع من تطليق نسائه ومن الزواج عليهنّ، إلى غير ذلك.
مطلب أعمال الكفرة ورؤية موسى ربه:
هذا، وقد أمره ربه في مناجاته هذه بعد أن أقر عينه بالاصطفاء أن يمرّن قومه على الأخلاق الفاضلة لعلمه بما يصدر عنهم بخلافها لتكون عليهم الحجة ولهذا نبههم بقوله «سَأُرِيكُمْ دارَ الْفاسِقِينَ ١٤٥» الخارجين عن الطاعة الذين يؤثرون الأخلاق السافلة على العالية، فليعتبر قومك يا محمد بالأمم الماضية كيف دمرناها لما
أصروا على الكفر، وعليهم أن يتعظوا قبل أن يحل بقومك ما حل بهم من الوبال والتنكيل وليعلموا أني «سَأَصْرِفُ عَنْ» فهم ومعرفة معنى «آياتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ» على خلقي «بِغَيْرِ الْحَقِّ» حسبما تسوّل لهم أنفسهم فيظلمون ويبغون على الناس بمقتضى دينهم الباطل الذي اختلقوه وتلقوه من آبائهم الضالين «وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ» من آياتي التي أظهرتها لهم على أيدي رسلهم «لا يُؤْمِنُوا بِها» ولا يزيدهم نزولها وتبليغها لهم من قبل رسلهم إلا إنكارا وإصرارا على الكفر «وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا» بل يعرضون عنه «وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا» عنادا وعتوا لا جهلا لأن كل من عنده لمحة من إدراك يميز بين الرشد والغي، كما يميز بين الظلمة والنور فيعرف الأول نافعا والثاني ضارا ولكنهم لا يريدون إلا الانكباب على عوائدهم الشائنة «ذلِكَ» اختيارهم طريق الشر على طريق الخير، وإيثارهم الكفر على الإيمان «بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا» الواضحة الدالة على حسن ما أمرناهم به بواسطة رسلنا «وَكانُوا عَنْها غافِلِينَ ١٤٦» غير مفكرين بها ولا ملقين لها بالا، لاهين عن الاتعاظ بها معرضين عنها «وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَلِقاءِ الْآخِرَةِ» فجمعوا بين التكذيب والجحود أمثال من تقدمهم من الأمم المهلكين، المصرفين عن فهم حقائق آياتنا والتصديق بالبعث والحشر «حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ» التي عملوها بالدنيا من برّ وصلة وقرى ضيف وفك أسير وإغاثة ملهوف وإقالة عثرة ومطلق إحسان، مما يثاب عليه المؤمن في الآخرة من عوائدهم الحسنة التي كانوا يفعلونها بطلت ومحق ثوابها، لأنهم لم يفعلوها لوجه الله في الدنيا ولذلك لم ينتفعوا فيها بالآخرة، وقد حرموا من ثوابها بسبب تكذيبهم وكفرهم، ولأنا قد كافأناهم عليها في الدنيا بكثرة الأموال والأولاد والصحة والأمن والجاه لأنا لا نضيع أجر من أحسن عمله، فإن كان مؤمنا أثبناه عليه في الدنيا والآخرة، وإن كان كافرا كافيناه عليه في الدنيا فقط وما له في الآخرة من نصيب، فانظروا «هَلْ يُجْزَوْنَ» هؤلاء وأضرابهم يوم القيامة «إِلَّا ما كانُوا يَعْمَلُونَ ١٤٧» بدنياهم فيجازون عليه إن خيرا فخير، وان شرا فشر، إلا أن الكافر يعجل له
صفحة رقم 420
ثواب عمله الصالح في الدنيا ليلقى الله ولا حسنة له راجع تفسير الآية ٢٠ من سورة الأحقاف في ج ٢، والمؤمن يدخر له هذا.
مطلب إشارات القوم في الرؤية:
وقد اختلف المفسرون والعلماء بأن موسى عليه السلام هل رأى ربه بعد هذا الطلب أم لا؟ فذهب الأكثر إلى عدم الرؤية لا قبل الصعق ولا بعده، وقال الشيخ الأكبر إنه رآه بعد الصعق، لأنه كان موتا، أخذا من قوله تعالى:
(فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ) الآية ٦٨ من سورة الزمر في ج ٢، أي أنه حين صعق مات فرأى ربه وسأله عما جاء في الآية وأجابه بما جاء فيها، ووافقه على هذا، القطب الرازي. أخرج الحاكم والترمذي في نوادر الأصول وأبو نعيم في الحلية عن ابن عباس قال: تلا رسول الله صلّى الله عليه وسلم هذه الآية (رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ) فقال: قال الله يا موسى إنه لن يراني حيّ إلا مات ولا يابس إلا تدهده، ولا رطب إلا تفرق، وإنما يراني أهل الجنة الذين لا تموت أعينهم ولا تبلى أجسامهم. وجاء في الخبر الذي رواه أبو الشيخ عن ابن عباس: يا موسى إنه لا يراني أحد فيحيا، قال موسى رب ان أراك ثم أموت أحب إلي من ألا أراك ثم أحيا. وجاء في باب الإشارات: (قالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ) قال هيهات ذلك وأين الثريا من الثرى ومن يد المتناول أنت بعد في بعد الاثنينية وحجاب جبل الانانية، فإذا أردت ذلك فخل نفسك وأتني، فهان عليه الفناء في جانب الرؤية للمحبوب ولم يعز لديه كل شيء إذا رأى عزة المطلوب، فبذل وجوده وأعطاه موجوده، فتجلى ربه لجبل أنانيته ثم منّ عليه برؤيته، وكان وما كان وأشرقت الأرض بنور ربها وطغى المصباح إذ طلع الصباح وصدح هزار الانس في رياض القدس (ينعم)
ولقد خلوت مع الحبيب وبيننا | سر أرقّ من النسيم إذا سرى |
وأباح طرفي نظرة أمّلتها | فغدوت معروفا وكنت منكرا |
فدهشت بين جماله وجلاله | وغدا لسان الحال عني مخبرا |
ما تقرّ به العين ويشرح الصدر وترتاح له الجوارح، وإن كتب الصوفية العارفين كالرسالة القشيرية والأبريز والإنسان الكامل وغيرها مما تقدم ذكره في المقدمة ملأى من هذا، فمن أراد الوصول إلى حضرة القبول، فليخل نفسه ويتوجه بكلية قلبه ولبه إلى ربه، وإلّا لا وصول ولا قبول. قال عيسى عليه السلام: لا يقدر أحد أن يخدم سيدين، ولن يلج ملكوت السموات إلّا من ولد مرتين. هذا، وإن السادة الصوفية قالوا بصحة الصعق الذي يحصل لبعضهم عند سماع آية رغبة أو رهبة أو ما في معناهما من هذا، كما أشرنا إليه في تفسير الآية ١٤ من سورة المزمل المارة.
وأرى أن لا يعترض عليهم في ذلك كما لا يعترض على ما جاء في كتبهم من عبارات قصر الفهم عن إدراك معناها ووقف العقل عن تناول مغزاها.
مطلب الصعق وتحريم النظر في كتب القوم لغيرهم:
فقد جاء في ص ٢٩٤ في الجزء الثالث من حاشية الدر المختار لابن عابدين ما نصه:
(نحن قوم يحرم النظر في كتبنا) وذلك لأنهم تواطأوا على ألفاظ اصطلحوا عليها فيما بينهم وأرادوا بها غير معناها المتعارف، فمن حملها على معناها الظاهر فقد كفر.
وقد سئل بعضهم عن هذا فأجابه بما نصه: (الغيرة على أن يدعي طريقنا من لا يحسنه ويدخل فيه من ليس من أهله) وقد سئل العلامة عز الدين بن عبد السلام عن ابن العربي وكان يطعن فيه ويقول هو زنديق، فقال هو القطب، فقال لم تطعن فيه، فقال لا أخون ظاهر الشرع، أي أنه كان يرى منه ما يخالف الشرع ظاهرا فيطعن فيه من هذه الجهة. راجع تفسير الآية ٤٢ من سورة والنجم، ومن هذا القبيل كان اعتراض موسى عليه السلام على الخضر. راجع الآية ٦٥ فما بعدها من سورة الكهف في ج ٢، ولهذا البحث صلة في تفسير الآية ٢٧ من سورة الزمر في ج ٢. هذا، وقد ذهب الشيخ ابراهيم الكوراني إلى أنه عليه السلام رأى ربه سبحانه حقيقة قبل الصعق فصعق لذلك كما دكّ الجبل عند التجلي، واستدل بما أخرج أبو الشيخ عن أبي هريرة عن النبي صلّى الله عليه وسلم قال: لما تجلى الله لموسى عليه السلام كان يبصر دبيب النمل على الصفا في الليلة الظلماء من مسيرة عشرة فراسخ،
وبما أخرجه عن أبي معشر أنه قال: مكث موسى عليه السلام أربعين ليلة لا ينظر إليه أحد إلا مات من نور رب العالمين، وجمع بين هذا وبين قوله صلّى الله عليه وسلم إن الله أعطى موسى الكلام وأعطاني الرؤية وفضلني بالمقام المحمود والحوض المورود.
بأن الرؤية التي أعطاها لنبينا صلّى الله عليه وسلم هي الرؤية مع الثبات والبقاء من غير صعق، كما أن الكلام الذي إعطاء لموسى كذلك بخلاف رؤية موسى فإنها لم تجتمع له مع البقاء، وعلى هذا فمعنى قوله عليه الصلاة والسلام في حديث الدجال أنه لن يرى أحدكم ربه حتى يموت، هو أن أحدا لا يراه في الدنيا مع البقاء ولا يجمع له في الدنيا بينهما، ولهذا قال عيسى عليه السلام: لن يلج ملكوت السموات من لم يولد مرتين، أي بعد أن يصل إلى درجة الأبرار فتموت نفسه فتنقل إلى رتبة المقربين فتحيا بها فيرى أن ما كان منه في الدرجة الأولى خطأ ينبغي الاستغفار منه والتوبة عن مثله، لما هو من العمل الذي ولد عليه في رتبة المقربين. ولهذا قالوا حسنات الأبرار سيئات المقربين، هذا والله أعلم. واعلم أن الذاهبين إلى عدم الرؤية مطلقا، وهو ما ذهبت إليه يجيبون عما ذكر في حديث أبي هريرة وخبر أبي معشر المارين آنفا، بأن الثاني ليس فيه أكثر من اثبات سطوع نور الله تعالى على وجه موسى وليس في ذلك إثبات الرؤية لجواز أن يشرق نور منه تعالى على وجهه عليه السلام في غير رؤية، إذ لا تلازم بين الرؤية وإشراق النور، وبأن الأول ليس نصا في ثبوت الرؤية المطلوبة له عليه السلام، لأنها كما قال غير واحد عبارة عن التجلي الذاتي ولله تجليات شتى غير ذلك، فلعل التجلي الذي أشار إليه الحديث على تقدير صحته واحد منها وقد يقطع بذلك، فإنه سبحانه تجلى عليه بكلامه واصطفائه وقرب منه على الوجه الخاص اللائق به، ولا يبعد أن يكون هذا سببا لذلك الابصار، وهذا أولى مما قيل إن اللام في لموسى للتعليل، ومتعلق تجلى محذوف، أي لما تجلى الله للجبل لأجل إرشاد موسى كان عليه السلام يبصر بسبب إشراق بعض أنواره تعالى عليه حين التجلي للجبل ما يبصر، وهذا الحق الذي لا محيص عنه. أما الزمحشري فقد بالغ في عدم إمكان الرؤية وأصر على أنّ لن للتأييد ولدوام النفي وتأكيده،
وقال إن قول موسى (تبت إليك) دليل على خطأه بسؤال الرؤية، وقال في كشافه أعجب من المتسمين بالإسلام المسميين بأهل السنة والجماعة كيف اتخذوا هذه العظيمة مذهبا، ولا يغرنك تسترهم بالبلكفة (أي قولهم إن الله تعالى يرى بلا كيفية مثل الحوقلة والبسملة والصلعمة وغيرها) فإنه من مصنوعات أشياخهم والقول ما قاله بعض العدلية فيهم:
وجماعة سموا هواهم سنة | وجماعة حمر لعمري مؤكفه |
قد شبهوه بخلقه فتخوفوا | شنع الورى فتستروا بالبلكفه |
عجبا لقوم ظالمين تلقبوا | بالعدل ما فيهم لعمري معرفة |
قد جاءهم من حيث لا يدرونه | تعطيل ذات الله مع نفي الصفة |
وتلقّبوا عدلية قلنا نعم | عدلوا بربهم فحسبهم سفه |
يراه المؤمنون بغير كيف | وإدراك وضرب من مثال |
فينسون النعيم إذا رأوه | فيا خسران أهل الاعتزال |
مطلب أصوات الحيوانات وقصة العجل:
حيث يسمى خوارا، كالثغاء للغنم، واليعار للمعز، والينيب للنيس، والنباح للكلب، والسحيل. والنهيق للحمار، والزئير للأسد، والعواء والوعوعة للذئب، والضباح صفحة رقم 424
للثعلب، والصنّى للفيل، والثغيم للضبي، والقباع للخنزير، والمواء للهرة، والصهيل والضبح والقنع والحمحمة للخيل، والرغاء للناقة، والضغيب للأرنب، والعرار للظليم ذكر النعام، والعرمرة للبازي، والغقغقة للصقر، والصفير للنسر، والهديل للحمام، والسجيع للقمري، والسقسقة للعصفور، والنعيق والنعيب للغراب، والصقاع والزقاء للديك، والقوقاء والنقنقة للدجاج، والفحيح للحية، والنقيق للضفدع، والصّئيّ للعقرب وللفأر، والصرير للجراد، إلى غير ذلك. وقرأ عليّ كرم الله وجهه جوار بجيم مضمومة وهمزة، وهو الصوت الشديد كالصياح والصراخ، وهي تصحيف خوار بلا زيادة في الحروف. وخلاصة القصة أن بني إسرائيل كانوا استعاروا حلي القبط ليتزينوا به في عيدهم وذهبوا مع موسى إلى البحر قبل أن يردّوه إليهم، وقد هلك القبط في البحر حينما تبعوهم ونجوهم منه وبقي حليهم عندهم فصار ملكا لهم، لأن الاستيلاء على مال الكفّار يوجب زوال ملكيته عنهم وصيرورته ملكا للمتولى عليه، لذلك نسبه الله إليهم، وهذا مما هو موافق لشريعتنا من شريعة موسى عليه السلام إذا كان لا يعد من الغنائم الحربية لأنها لم تحل لبني إسرائيل ومن شريعتهم حرقها، أما في شريعتنا فهي حلال ومن خصائص الأمة المحمدية الخمس المختص بحضرة الرسول الآتي بيانه في الآية ١٥٨ الآتية، ولما مر على ذهاب موسى عليه السلام ثلاثون يوما ولم يعد إليهم ولم يعلموا أن الله زاده عشرة أيام أخر ويعلمون أن موسى لا يخلف وعده، وكان السامري من قوم موسى منافقا وكان رجلا حاذقا وهو كما قيل رباه جبريل عليه السلام واسمه موسى أيضا وفيه وفي موسى عليه السلام قال القائل:
إذا المرء لم يخلق سعيدا تحيرت | عقول مربيه وخاب المؤمل |
فموسى الذي رباه جبريل كافر | وموسى الذي رباه فرعون مرسل |
لهم أخذه، فأحضروه له فصاغه عجلا وأخرج ذلك التراب فوضعه في هيكل العجل فصار له صراخ كصراخ العجل، فقال لهم هذا هو الإله الذي قصده موسى قد نسيه هنا، لأن المدة المعينة مضت ولم يحضر وأغراهم بذلك وأمرهم بعبادته، وصاروا كلما صاح سجدوا له. وهذا الذي خطر على قلب موسى في توصية أخيه وخوفه على بني إسرائيل الضلال. قيل إن تصويته كان يحصل من أنابيب صاغها في بطنه وكلما دخل فيها الهواء صوتت، والأول أصح على القول بأنه وضعت فيه حياة خاصة بسبب التراب المار ذكره، والثاني أجدر بالقبول للعقول لما للهواء من التأثير في المكونات التي اطلع عليها البشر، وخاصة أهل هذا الزمن والعجل لولد البقر خاصة، ولولد الناقة حرار، والفرس مهر، والحمار جحش، والشاة حمل، والمعزى جدي، والأسد شبل، والفيل دغفل، والكلب جرو، والظبي خشف، والأرنب خرنق، ويضرب فيه المثل بالنعومة قال:
إذا العجوز غضبت فطلق | ولا ترضّاها ولا تملق |
واعمد لأخرى ذات دلّ مونق | ليّنة اللمس كمس الخرنق |
«وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ» هذا مثل تقوله العرب لكل نادم على أمر لأن من شأن من اشتد ندمه أن يعض يده ويضرب بها على فخذه فتصير يده ساقطة والسقوط عبارة عن النزول من أعلى إلى أسفل، لذلك يقولون لمن هذا شأنه سقط في يده «وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا» تيقنوا وعلموا أن عبادتهم العجل خطأ صراح، وندموا على ما وقع منهم وعدم التفاتهم إلى نصح هرون عليه السلام في ترك عبادته، ولاموا بعضهم فانقسموا شطرين شطرا مع السامري عكفوا على عبادته، وشطرا مع هرون امتنعوا عنها ثم ندم بعض الذين أغواهم السامري حيث عرفوا الحق مع هرون بعد أن أكثر لهم من إسداء النصح وتفنيد الصورة المصنوغة وطلبوا من هرون العفو وسؤال المغفرة من الله «قالُوا لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنا رَبُّنا وَيَغْفِرْ لَنا» ذلتنا هذه «لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ ١٤٩» في الدنيا والآخرة اعترافا منهم بالذنب وإظهارهم الرغبة إلى الله رهبة منه وطلبا لإقالة عثرتهم، قال تعالى «وَلَمَّا رَجَعَ مُوسى إِلى قَوْمِهِ» من طور سيناء حيث أخبره ربه بما فعل قومه كما سيأتي في الآية ٨٤ من سورة طه أيضا، وكان عليه السلام «غَضْبانَ أَسِفاً» شديد الحزن على ما وقع من قومه أثناء مناجاة ربه بما أوجب تركها ورجوعه لإنقاذهم مما هم فيه «قال» مخاطبا لهم جميعا أو لكل من الفريقين على حدة، لأن منهم من لم يزل منكبا على عبادة العجل حتى شاهدهم بنفسه كما قال تعالى في الآية ٩٩ من سورة طه حينما كلفهم هرون بالانكفاف عنه قالوا (لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنا مُوسى) «بِئْسَما خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي» وهذا صالح لخطاب الطرفين لعبدة العجل والسامري، لأنهم كفروا بعبادة العجل وتركهم عبادة الله وإلى هرون ومن معه إذ لم يمنعوهم ويحولوا دون عبادتهم للعجل فيحجبونهم عن الكفر فقال الظالمون تأخرت عن موعدك وظننا أن هذا هو الإله الذي ذهبت إليه فعبدناه، قال موسى «أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ» فتقدمتم به قبل وقته. وهذا معنى العجلة، ولذلك صارت مذمومة بخلاف السرعة لأنها عمل الشيء أول وقته فلا تكون مذمومة وعليها قوله تعالى في الآية من سورة طه: (وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضى) ولما سمع
صفحة رقم 427