آيات من القرآن الكريم

إِنَّ هَٰؤُلَاءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ
ﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴ

و ﴿مُتَبَّرٌ﴾ أي هالك ومدمر، وهنا يوضح لهم موسى أن هؤلاء الجماعة التي تعبد الأصنام؛ وهم وأصنامهم هالكون، وما يعملون هو باطل لأن قضايا الكون إن أردتم أن تعرفوا حقيقتها، فلابد لها من ثبوث، والحق ثابت لا يتغير أبداً لأن له واقعاً يُستقرأ، ومثال ذلك إذا حصلت حادثة بالفعل أمامنا جميعاً، ثم طلب من كل واحد على انفراد أن يقول ما رآه فلن نختلف في الوصف لأننا نستوحي واقعاً، لكن إن كانت القضية غير واقعية فكل واحد سيقولها بشكل مختلف، ولذلك نجد من لباقة القضاء أن القاضي يحاور الشهود محاورات ليتبيّن ما يثبتون عليه وما يتضاربون فيه. وإن كان الشهود يستوحون حقيقة واقعية، فلن يختلفوا في روايتهم، ولكنهم يختلفون حين لا يتأكد أحدهم من الواقعة أو أن تكون غير حقيقية.
والمثل العربي يقول: «إن كنت كذوباً فكن ذكوراً» أي إن كذبت - والعياذ بالله - وقلت قولاً غير صادق فعليك أن تتذكر كذبتك، وأنت لن تتذكرها لأنها أمر متخيّل وليس أمراً ثابتاً. وقد يجوز أن يأخذ غير الواقع زهوة ولمعاناً فنقول: إياك أن تغتر بهذه الزهوة لأن الحق سبحانه وتعالى يقول: ﴿أَنَزَلَ مِنَ السمآء مَآءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فاحتمل السيل زَبَداً رَّابِياً وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النار ابتغآء حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِّثْلُهُ كذلك يَضْرِبُ الله الحق والباطل فَأَمَّا الزبد فَيَذْهَبُ جُفَآءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ الناس فَيَمْكُثُ فِي الأرض كذلك يَضْرِبُ الله الأمثال﴾ [الرعد: ١٧]
لقد شبه سبحانه الباطل بالزبد وهو ما يعلو السائل أو الماء من الرغوة والقش والمخلفات التي تعوم على سطح المياه إنه يتلاشى ويذهب، أما ما ينفع الناس فيبقى. ونحن نختبر المعادن لنعرف هل هي مغشوشة أو لا.. ونعرضها على النار، فيطفوا ما فيها من مادة غير أصيلة وما فيها من شوائب، ويبقى في القاع المعدن الأصيل.

صفحة رقم 4331

وهنا يقول الحق على لسان موسى: ﴿إِنَّ هؤلاء مُتَبَّرٌ مَّا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾ [الأعراف: ١٣٩]
والأحداث إما فعل أو قول، والقول: عملية اللسان، والفعل: لبقية الجوارح، وكل الأحداث ناشئة عن قول أو عن فعل، والقول والفعل معاً هما «عمل». ولذلك يقول الحق: ﴿لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ﴾ [الصف: ٢]
إذن فالعمل يشمل القول، ويشمل الفعل.
وقوله الحق: ﴿وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾ إن الأصنام التي كانوا يصنعونها ويعبدونها، كانت تقوم على أقوال وأفعال، كأن يقولوا: يا هبلٍ، يا لات، يا عزّى، ويناجون هذه الأصنام ويطلبون منها أن تحقق لهم بعضاً من الأعمال وكانوا يقفون أمامها صاغرين أذلاء، إذن فقد صدر منهم قول وفعل يضمهما معاً العمل.
ويتابع الحق على لسان موسى عليه السلام: ﴿قَالَ أَغَيْرَ الله أَبْغِيكُمْ... ﴾

صفحة رقم 4332
تفسير الشعراوي
عرض الكتاب
المؤلف
محمد متولي الشعراوي
الناشر
مطابع أخبار اليوم
سنة النشر
1991
عدد الأجزاء
20
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية