آيات من القرآن الكريم

فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ
ﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔ

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ... (١٣٦) يحتمل أن يكون قوله: (فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ) ما ذكر على إثره من الغرق: (فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ).
ويحتمل أن يكون قوله: (فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ) من الطوفان وأنواع العذاب الذي كان حل بهم، ثم كان الإغراق من بعد.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا).
يحتمل الآيات التي جاء بها موسى على وحدانية اللَّه تعالى وربوبيته، وهي الحجج والآيات التي تقدم ذكرها من الطوفان والجراد والقمل، وما ذكر.
وقال الحسن: بآياتنا: ديننا.
وقوله: (وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ) قيل: معرضين مكذبين بها، لا أنهم كانوا على غفلة وسهو عنها، لكنهم أعرضوا عنها مكابرين معاندين كأنهم غافلين عنها، وجائز أن يكون: غافلين عما يحل بهم من العقوبة بتكذيبهم.
وقوله: (وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا... (١٣٧)
هو ما سبق من الوعد لهم بوراثة الأرض، وإنزالهم فيها، وهو قوله: (عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ)، وكقوله: (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ)، كان وعدهم الاستخلاف والإنزال في أرض عدوهم، ثم أخبر أنه أنزلهم وأورثهم على ما - وعدهم بقوله: (وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ) باستعبادهم، وقوله: ، (مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا) قيل: فيه بوجوه:
قيل: مشارق الأرض ومغاربها: مملكة فرعون مصر ونواحيها، ما يلي ناحية الشرق وناحية الغرب.
وقيل: كان في بني إسرائيل من بلغ ملكه مشارق الأرض ومغاربها من نحو ذي القرنين، وداود، وسليمان.

صفحة رقم 551

وقيل: مشارق الأرض ومغاربها: أن فضلوا على أهل مشارق الأرض ومغاربها؛ كقوله: (وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ)، قيل: على عالمي هذا الزمان، ثم تفضيله إياهم على البهائم بالجوهر، والخلقة، وعلى الجن بالرسالة والنبوة والمنافع، وعلى جوهرهم من بني آدم بالرسالة والحكمة والملك؛ كقوله: (وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ).
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا).
قيل: أرض الشام.
وقيل: أرض مصر ونواحيها.
وقيل: سماها مباركة لأنها مكان الأنبياء - عليهم السلام.
وقيل: مباركة لكثرة أنزالها وسعتها.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى).

صفحة رقم 552

قيل: هي الجنة، أي: تمت لهم الجنة بما صبروا، وقيل: (وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى) بما كان وعدهم أنه ينزلهم فيها، ويستخلفهم، تم ذلك الوعد لهم وهو كما قال: (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ) تم ما وعد لهم أن يمنَّ عليهم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (بِمَا صَبَرُوا) يحتمل: بما صبروا على أذى فرعون، ويحتمل: (بِمَا صَبَرُوا) من أداء ما أوجب عليهم، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ).
قَالَ بَعْضُهُمْ: قوله: (وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ): على الوقف على (وَقَوْمُهُ) (وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ): معطوف على قوله: (وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا) (وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ): وهو من العرش الذي يتخذه الملوك.
وقيل: (وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ) -أيضًا-، أي: أهلكنا ما كانوا يعرشون.
قَالَ الْقُتَبِيُّ: يعرشون، أي: يبنون، والعرش: بيوت، والعرش: سقوف.
وقال أَبُو عَوْسَجَةَ: (وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ)، أي: أهلكنا وأفسدنا، (وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ) عَرَش، يَعْرُش ويَعْرِش يعني: يبنون من البيوت والكروم والأشجار.
وقيل في قوله: (كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ): يعني بالاستضعاف: قتل الأبناء واستحياء النساء بأرض " مصر "، ورثهم اللَّه ذلك.

صفحة رقم 553
تأويلات أهل السنة
عرض الكتاب
المؤلف
محمد بن محمد بن محمود، أبو منصور الماتريدي
تحقيق
مجدي محمد باسلوم
الناشر
دار الكتب العلمية - بيروت، لبنان
سنة النشر
1426
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
10
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية