آيات من القرآن الكريم

لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ
ﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮ ﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷ ﭹﭺﭻﭼﭽ ﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏ

على الأعضاء والجوارح هو الذي ألقاهم على وجوههم سجدا لرب العالمين الذي بيده ملكوت كل شىء- وزالت من نفوسهم عظمة فرعون الدنيوية الزائلة- بعد أن ظهر لهم صغاره أمام هذه الآية فنطقوا بما حكى الله عنهم.
(قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعالَمِينَ. رَبِّ مُوسى وَهارُونَ) أي قالوا صدقنا بما جاءنا به موسى، وأن الذي علينا أن نعبده هو رب الإنس والجن وجميع الأشياء المدبر لها رب موسى وهارون.
[سورة الأعراف (٧) : الآيات ١٢٣ الى ١٢٦]
قالَ فِرْعَوْنُ آمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّ هذا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْها أَهْلَها فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (١٢٣) لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ (١٢٤) قالُوا إِنَّا إِلى رَبِّنا مُنْقَلِبُونَ (١٢٥) وَما تَنْقِمُ مِنَّا إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِآياتِ رَبِّنا لَمَّا جاءَتْنا رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً وَتَوَفَّنا مُسْلِمِينَ (١٢٦)
تفسير المفردات
المكر: صرف الإنسان عن مقصده بحيلة، وهو نوعان: محمود ويراد به الخير.
ومذموم يقصد به الشر، وتقطيع الأيدى والأرجل من خلاف أن تقطع اليد اليمنى والرجل اليسرى والعكس بالعكس، والصلب الشد على خشبة ونحوها، وشاع فى تعليق الشخص بنحو حبل فى عنقه ليموت وهو المتعارف اليوم- ونقمت الشيء:
إذا أنكرته إما باللسان وإما بالعقوبة كما قال تعالى «وَما نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْناهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ» - «وَما نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ» وأفرغ علينا: أي أفض علينا صبرا يغمرنا كما يفرغ الماء من القرب.

صفحة رقم 33

المعنى الجملي
فى هذه الآية إخبار بما توعد به فرعون السحرة لما آمنوا بموسى عليه السلام وبما عزم عليه من التنكيل بهم وبما رد به السحرة عليه من استسلامهم لأمر الله لا لأمره ودعائهم ربهم بالتوفى على ملة الإسلام.
الإيضاح
(قالَ فِرْعَوْنُ آمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ) آمنتم إما خبر يراد به التوبيخ، وإما استفهام يراد به الإنكار والتوبيخ: أي آمنتم به واتبعتموه مذعنين لرسالته قبل أن آذن لكم؟
(إِنَّ هذا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْها أَهْلَها) أي إن هذا الذي فعلتموه أنتم وهو- ليس إلا مكرا مكرتموه واتفاقا دبّرتموه من قبل بما أظهرتم من المعارضة والرغبة فى الغلب عليه- مع إسرار اتباعه بعد ادعاء ظهور حجته كما جاء فى سورة طه:
«إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ» فأجمعتم كيدكم لنا فى هذه المدينة لأجل أن تخرجو المصريين منها بسحركم، ويكون لكم فيها مع بنى إسرائيل ما هو لنا الآن من الملك والرياسة والتصرف فى البلاد.
وكل ذى لب وفطنة يعلم أن هذه مقالة لا نصيب لها من الصحة، ولا ظل لها من الحقيقة، فإن موسى إثر مجيئه من مدين دعا فرعون إلى الله وأظهر المعجزات الباهرة، فلم يكن من فرعون إلا أن أرسل فى المدائن حاشرين ووعدهم بالعطاء الجزيل، وموسى لا يعرف منهم أحدا ولا رآه ولا اجتمع به وفرعون يعلم ذلك وإنما قال ذلك تسترا وتدليسا على رعاع دولته وجهلتهم كما قال تعالى «فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطاعُوهُ».
(فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ) ما أصنع بكم من العذاب جزاء على هذا المكر والخداع.
ثم بين ذلك بقوله:

صفحة رقم 34

(لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ) أي قسما لأنكلنّ بكم أشد التنكيل، لأقطعن الأيدى والأرجل من خلاف ثم لأصلبنّ كل واحد منكم وهو على تلك الحال لتكونوا عبرة لمن تحدّثه نفسه بالكيد لنا والترفع عن الخضوع لعظمتنا.
والخلاصة- إن اتهامه السحرة بالتواطؤ مع موسى إثما كان تمويها على قومه المصريين، إذ خاف عاقبة إيمان الشعب بموسى فادّعى أنه لا ينتقم من السحرة إلا حبّا فيهم ودفاعا عنهم وإبقاء لاستقلالهم فى وطنهم كما هو شأن كل رئيس أو ملك فى شعب يخاف أن ينتقض عليه وتجتمع كلمته على اختيار زعيم آخر يقوم بدعوة دينية أو سياسية.
وعند ما سمع السحرة هذا التهديد والوعيد من ذلك الجبار المتكبر أجابوه.
(قالُوا إِنَّا إِلى رَبِّنا مُنْقَلِبُونَ) أي إنهم لا يأبهون بقتلهم، لأنهم راجعون إلى ربهم راجون مغفرته ورحمته، فتعجيل القتل يكون سببا لقرب لقائه والتمتع بجزائه.
وقد يكون المعنى- إنا وإياك سننقلب إلى ربنا وما أنت بمخلّد بعدنا، فلئن قتلتنا فسيحكم الله بعدله بينك وبيننا.

إلى ديّان يوم الدين نمضى وعند الله تجتمع الخصوم
وفى هذا إيماء إلى تكذيبه فى دعوى الربوبية وتصريح بإيثار ما عند الله على ما عنده من الشهوات الدنيوية الزائلة.
وما جاء فى سورة الشعراء من قولهم: «قالُوا لا ضَيْرَ إِنَّا إِلى رَبِّنا مُنْقَلِبُونَ. إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنا رَبُّنا خَطايانا أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ» يؤيد المعنى الأول.
(وَما تَنْقِمُ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِآياتِ رَبِّنا لَمَّا جاءَتْنا) أي وما تعيب منا وما تنكر إلا خير الأعمال وأصل المفاخر وهو الإيمان بالله، ومثل هذا لا يمكن العدول عنه مرضاة لك ولا طلبا للزلفى إليك.
وفيه تيئيس له، وكأنهم قالوا لا مطمع لك فى رجوعنا عن إيماننا، وإلى أن تهديدك لا يجدى فائدة.

صفحة رقم 35
تفسير المراغي
عرض الكتاب
المؤلف
أحمد بن مصطفى المراغي
الناشر
شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابى الحلبي وأولاده بمصر
الطبعة
الأولى، 1365 ه - 1946 م
عدد الأجزاء
30
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية