
وَما وَجَدْنا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ الضمير للناس على الإطلاق، أى وما وجدنا لأكثر الناس من عهد يعنى أنّ أكثرهم نقض عهد الله وميثاقه في الإيمان والتقوى وَإِنْ وَجَدْنا وإنّ الشأن والحديث وجدنا أكثرهم فاسقين، خارجين عن الطاعة مارقين. والآية اعتراض. ويجوز أن يرجع الضمير إلى الأمم المذكورين، وأنهم كانوا إذا عاهدوا الله في ضرّ ومخافة، لئن أنجيتنا لنؤمننّ، ثم نجاهم نكثوا كما قال قوم فرعون لموسى عليه السلام: لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ، إلى قوله إِذا هُمْ يَنْكُثُونَ والوجود بمعنى العلم من قولك: وجدت زيداً ذا الحفاظ، بدليل دخول «إن» المخففة واللام الفارقة. ولا يسوغ ذلك إلا في المبتدإ والخبر. والأفعال الداخلة عليهما.
[سورة الأعراف (٧) : الآيات ١٠٣ الى ١٠٥]
ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسى بِآياتِنا إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلائِهِ فَظَلَمُوا بِها فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (١٠٣) وَقالَ مُوسى يا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (١٠٤) حَقِيقٌ عَلى أَنْ لا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلاَّ الْحَقَّ قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرائِيلَ (١٠٥)
مِنْ بَعْدِهِمْ الضمير للرسل في قوله وَلَقَدْ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ أو للأمم فَظَلَمُوا فكفروا بآياتنا. أجرى الظلم مجرى الكفر لأنهما من واد واحد إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ أو فظلموا الناس بسببها حين او عدوهم وصدّوهم عنها، وآذوا من آمن بها، ولأنه إذا وجب الإيمان بها فكفروا بدل الإيمان كان كفرهم بها ظلماً، فلذلك قيل: فظلموا بها، أى كفروا بها واضعين الكفر غير موضعه، وهو موضع الإيمان. يقال لملوك مصر: الفراعنة، كما يقال لملوك فارس الأكاسرة، فكأنه قال:
يا ملك مصر وكان اسمه قابوس. وقيل: الوليد بن مصعب بن الريان حَقِيقٌ عَلى أَنْ لا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ فيه أربع قراآت، المشهورة: وحقيق علىّ أن لا أقول «١»، وهي قراءة نافع وحقيق أن لا أقول
وتشقى الرماح بالضياطرة الحمر
وكقوله:
قد صرح السر عن كتمان وابتذلت | وضع المحاجن بالمهرية الدقن |
والسيف يشقى كما تشقى الضلوع به | وللسيوف كما للناس آجال |
طوال الردينيات يقصفها دمى | وبيض السريجيات يقطعها لحمى |

وهي قراءة عبد الله وحقيق بأن لا أقول وهي قراءة أبىّ وفي المشهورة إشكال، ولا تخلو من وجوه، أحدها: أن تكون مما يقلب من الكلام لأمن الإلباس، كقوله:
وَتَشْقَى الرِّمَاحُ بِالضَّيَاطِرَةِ الْحُمْرِ «١»
ومعناه: وتشقى الضياطرة بالرماح، وحقيق علىّ أن لا أقول، وهي قراءة نافع. والثاني: أنّ ما لزمك فقد لزمته، فلما كان قول الحق حقيقاً عليه كان هو حقيقاً على قول الحق، أى لازماً له.
والثالث: أن يضمن حَقِيقٌ معنى حريص، كما ضمن «هيجنى» معنى ذكرني في بيت الكتاب.
والرابع- وهو الأوجه- الأدخل في نكت القرآن: أن يعرق موسى «٢» في وصف نفسه بالصدق في ذلك المقام لا سيما وقد روى أنّ عدو الله فرعون قال له- لما قال إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ
كذبتم وبيت الله حين تعالجوا | قوادم حرب لا تلين ولا نمرى |
نزلت بخيل لا هوادة بينها | وتشقى الرماح بالضياطرة الحمر |
الصلح والبقية من القوم يرجى بها صلاحهم، والمعنى أنهم لا يرجى صلحهم. وتشقى: أى تتعب الرماح بسبب الضياطرة، وهو من باب القلب لا من اللبس. والمعنى: وتشقى الضياطرة بالرماح. والضيطر: الضخم الجبان.
وقياس جمعه ضياطير، إلا أنه عوض الهاء من الياء. والحمر عند العرب: كناية عن العجم، لأنها تصف الحسن بالأخضر، والقبيح بالأحمر. والمعنى: تتعب ضياطرتهم من حمل رماحهم. ويجوز أن المراد من طعن رماحنا.
ويحتمل أن لا قلب، وأنه بالغ في ضخمهم، حتى كأن الرماح تتعب من طعنهم، لكن الأول هو المنقول.
والمعنى: لا تصالحوهم بل نحاربهم.
(٢). قوله «أن يعرق موسى» لعله: يغرق بالمعجمة. وفي الصحاح. أغرق النازع في القوس، أى استوفى مدها. (ع)