آيات من القرآن الكريم

أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِهَا أَنْ لَوْ نَشَاءُ أَصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ ۚ وَنَطْبَعُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ
ﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗ

قال المفسرون: (معنى مكر الله: استدراجه إياهم بالنعمة والصحة، وذلك مما يبطرهم ويحملهم على المعصية والتمادي في الغي فيكون في الحقيقة إضرارًا بهم من حيث لا يشعرون) (١).
وقال الزجاج في هذه الآية (٢): (أي: فأمنوا (٣) عذاب الله أن يأتيهم بغتة). وهذا القول غير الأول.
١٠٠ - قوله تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِهَا﴾، قال ابن عباس ومجاهد والسدي وابن زيد (٤): (أولم يتبين)، والمراد بقوله: ﴿لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ﴾ كفار مكة ومن حولهم، قاله ابن

(١) انظر: "تفسير الطبري" ٩/ ٩، والبغوي ٣/ ٢٦٠، وابن عطية ٦/ ١٨.
(٢) "معاني الزجاج" ٢/ ٣٦٠، وهو قول النحاس في "معانيه" ٣/ ٥٨، و"السمرقندي" ١/ ٥٥٧، والمكر: إيصال الشيء إلى الغير بطريق خفي لمن يستحقه عقوبة له. وهو صفة ثابتة لله سبحانه وتعالى على ما يليق بجلاله وعظمته، والمكر يحمل حقيقة على بابه. انظر: "الفتاوى" ٣/ ١١١ - ١١٢، وقال ابن القيم (كما في "بدائع التفسير" ٢/ ٢٦١): (قوله تعالى: ﴿أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ﴾ إنما هو في حق الفجار والكفار، ومعنى الآية: فلا يعصي ويأمن مقابلة الله على مكر السيئات بمكره به ﴿إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ﴾، والذي يخافه العارفون بالله من مكره أن يؤخر عنهم عذاب الأفعال فيحصل منهم نوع إغترار، فيأنسوا بالذنوب فيجيئهم العذاب على غرة وفترة). اهـ.
(٣) في (ب): (أي أفأمنوا) وهو الأنسب بالسياق، وعند الزجاج في "معانيه" ٢/ ٣٦٠: (أي وأمنوا).
(٤) أخرجه الطبري في "تفسيره" ٩/ ١٠ من عدة طرق جيدة عن ابن عباس ومجاهد والسدي وابن زيد، وأخرجه ابن أبي حاتم ٥/ ١٥٢٩ بسند جيد عن مجاهد، وهو في "تفسيره" ١/ ٢٤١ قال ابن أبي حاتم: (وروي عن السدي وعطاء الخراساني مثل ذلك)، وهذا القول هو قول عامة أهل التفسير واللغة. انظر: "مجاز القرآن" ١/ ٢٢٣، و"معاني الأخفش" ٢/ ٣٠٧، والزجاج ٢/ ٣٦١، و"تفسير الطبري" ٩/ ٩، و"معاني النحاس" ٣/ ٥٨، و"تفسير السمرقندي" ١/ ٥٥٨.

صفحة رقم 253

عباس (١) ومجاهد (٢)، و (٣) أما فاعل الهداية في قوله: ﴿أَوَلَمْ يَهْدِ﴾ فقال (٤) الزجاج: (كأن المعنى: أولم يبين الله أنه لو يشاء) (٥).
وقال غيره: [المعنى (٦) أولم يهد لهم مشيئتنا) فـ (أن) (٧) في قوله: ﴿أَنْ لَوْ نَشَاءُ﴾ في موضع رفع لأنه فاعل (يهد)، والمعنى: أولم يهد لهم أن لو نشاء أصبناهم بذنوبهم؛ كما قال في آية أخرى: ﴿أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا﴾ [السجدة: ٢٦]، وهذا هو قول أبي عبيد (٨).
وقوله تعالى: ﴿أَصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ﴾. قال ابن عباس: (يريد أخذناهم) (٩). وقال الكلبي (١٠) ومجاهد (١١): (عذبناهم).

(١) "تنوير المقباس" ٢/ ١١٥، وذكره أبو حيان في "البحر" ٤/ ٣٥٠.
(٢) لم أقف عليه، وهو قول السمرقندي ١/ ٥٥٨، والقرطبي ٧/ ٢٥٤.
(٣) لفظ: (الواو) ساقط من (ب).
(٤) في (ب): (قال الزجاج فقال المعنى أو لم يبين)، وهو تحريف.
(٥) "معاني الزجاج" ٢/ ٣٦١، وهو قول السمرقندي ١/ ٥٥٨.
(٦) لفظ: (المعنى) ساقط من (ب).
(٧) في (ب): (وأن) بالواو.
(٨) في (ب): (أبو عبيدة) ولم أقف عليه عنهما، وقال السمين في "الدر" ٥/ ٣٩٣: (الأظهر في فاعل يهدي أنه المصدر المؤول من أن وما في حيزها والمفعول محذوف والتقدير: أو لم يهد أي يبين ويوضح للوارثين مآلهم وعاقبة أمرهم وإصابتنا إياهم بذنوبهم لو شئنا ذلك، فقد سبكنا المصدر من أن ومن جواب لو) اهـ. وانظر: "إعراب النحاس" ١/ ٦٢٧، و"المشكل" ١/ ٢٩٦ - ١٩٧، و"غرائب الكرماني" ١/ ٤١٥، و"البيان" ١/ ٣٦٩، و"التبيان" ص ٣٨٤، و"الفريد" ٢/ ٣٣٦، وفي الجميع الفاعل قوله: ﴿أَنْ لَوْ نَشَاءُ﴾.
(٩) لم أقف عليه.
(١٠) "تنوير المقباس" ٢/ ١١٥.
(١١) لم أقف عليه.

صفحة رقم 254

وقوله تعالى: ﴿وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ﴾. قال ابن الأنباري: (هذا فعل مستأنف و (١) منقطع من الذي قبله؛ لأن قوله أصبنا ماضٍ، ﴿وَنَطبَعُ﴾ مستقبل) (٢).
وقال أبو إسحاق: (المعنى: ونحن نطبع على قلوبهم) (٣).
قال أبو بكر: (ويجور أن يكون معطوفاً على أصبنا إذ كان بمعنى: نصيب، والتأويل: أن لو نشاء نصيبهم ونطبع، فوضع الماضي في موضع المستقبل عند وضوح معنى الاستقبال؛ كقوله تعالى: ﴿تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْرًا مِنْ ذَلِكَ﴾ [الفرقان: ١٠] والمعنى: يجعل؛ يدل علي ذلك قوله: ﴿وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُورًا﴾) (٤) [الفرقان: ١٠].
قال الفراء: (وجاز أن تُرد (يَفْعَلُ) على (فَعَلَ) في جواب (لو) كما قال: ﴿وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ﴾ [يونس: ١١]، قوله: ﴿فَنَذَرُ﴾ مردودة على ﴿لَقُضِيَ﴾ وإذا جاءك جواب (لو) آثرت فيه (فَعَلَ) على (يَفْعَلُ)، وعطف (فَعَلَ) على (يَفْعَلُ)، و (يفعل) على (فَعَلَ)، جائزة لأن التأويل كتأويل الجزاء) (٥). وفي قوله:

(١) لفظ: (الواو) ساقط من (ب).
(٢) ذكره الواحدي في "الوسيط" ١/ ٢١٣، والسمين في "الدر" ٥/ ٣٩٤.
(٣) "معاني الزجاج" ٢/ ٣٦١ وفيه: (لأنه لو حمل على ﴿أَصَبْنَاهُمْ﴾ لكان و (لطبعنا) لأنه على اللفظ الماضي وفي معناه. ويجوز أن يكون محمولًا على الماضي ولفظه لفظ المستقبل، كما ﴿أَنْ لَوْ نَشَاءُ﴾ معناه: لو شئنا) اهـ.
(٤) ذكره الواحدي في "الوسيط" ١/ ٢١٣، وابن الجوزي ٣/ ٢٣٥، وأبو حيان في "البحر" ٤/ ٣٥١، والسمين في "الدر" ٥/ ٣٩٤.
(٥) انظر: "معاني الفراء" ١/ ٣٨٦، وقال أبو حيان في "البحر" ٤/ ٣٥٠ - ٣٥١: (الظاهر أنها جملة مستأنفة أي: نحن نطبع على قلوبهم والمعنى: إن من أوضح الله =

صفحة رقم 255
التفسير البسيط
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن علي الواحدي، النيسابوري، الشافعي
الناشر
عمادة البحث العلمي - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
سنة النشر
1430
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية