آيات من القرآن الكريم

أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِهَا أَنْ لَوْ نَشَاءُ أَصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ ۚ وَنَطْبَعُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ
ﮥﮦﮧﮨﮩﮪ ﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚ ﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫ ﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹ ﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢ ﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬ ﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶ ﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂ ﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗ

بما كان قبل أن يكون وما سيكون قبل تكوينه. ونظير هذا قول إبراهيم في الآية ٨٠ من سورة الأنعام في ج ٢ لأنه لما ردّ الأمر الى المشيئة وهي غيب عليه مجد الله بالانفراد بعلم الغيب، وكذلك شعيب لما رد المشيئة الى الله مجده بقوله وسع إلخ وقال «عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنا» في أمورنا كلها فقد أظهر عجزه لله واعتماده عليه وحده وأعرض عن المفاوضة مع الكافرين إذ رأى إصرارهم وأيس من ايمانهم، ثم قال هو والمؤمنون به «رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا» الذين لم يؤمنوا بك وهم مكلفون أن يؤمنوا إيمانا «بِالْحَقِّ» الواجب عليهم اتباعه وسلوكه «وَأَنْتَ خَيْرُ الْفاتِحِينَ ٨٩» الحاكمين، وفتح هنا بمعنى حكم وقضى بلغة اليمن وفرقة من حمير ومراد قال قائلهم:

ألا أبلغ بني عصم رسولا فإني عن فتح حكم غنيّ
أي غني عن قاضيهم وإن اهل عمان يسمون القاضي فاتحا، ويؤذن قوله عليه السلام بانه ترك الأسباب الى مسبها واقبل الى ربه بمن معه «وَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ» لبعضهم «لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْباً» وتركتم دين آبائكم الذي عليه أسلافكم من قبل «إِنَّكُمْ إِذاً لَخاسِرُونَ ٩٠» مغبونون لخلافكم اوائلكم وحرمانكم من فوائد البخس والتطفيف الذي ينهاكم عنه فلما أظهر الله للناس إصرارهم على الكفر والمعاصي أهلكهم
«فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ ٩١» تقدم تفسيره آنفا في الآية ٧٨ المارة قال تعالى «الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا» أي ذهبوا وكأنهم لم يوجدوا في الدنيا دهرا طويلا برغادة عيش وهذا معنى غنى وضده الفقر قال حاتم..
غنينا زمانا بالتصعلك والغنى فكلا سقاناه بكأسهما الدهر
فما زادنا بغيا على ذي قرابة غنانا ولا أزرى بأحسابنا الفقر
«الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً كانُوا هُمُ الْخاسِرِينَ ٩٢» أنفسهم ونشبهم في الدنيا والنعيم المقيم في الآخرة «فَتَوَلَّى» شعيب «عَنْهُمْ» أي المهلكين «وَقالَ» آسفا على عدم إيمانهم ومبيّنا تقصيرهم وعدم تقصيره بإرشادهم «يا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ آسى» أحزن وأتوجع «عَلى قَوْمٍ كافِرِينَ ٩٣» أي

صفحة رقم 386

لا يجب على ذلك لأني لم آل جهدا في نصحهم، وانما قال هذا لأنه كان يتوقع منهم الإيمان وكانوا كثيرين لذلك أحس بالحزن عليهم واشتد به الأمر حتى قال ما قال وعزّى نفسه بأنهم هم الذين اهلكوا أنفسهم بإصرارهم على الكفر وعدم التفاتهم الى نصحه وقد تقدم إليهم بالمعذرة وهكذا عاقبة كل أمة لم تؤمن برسولها وهو شأن صغار العقول الذين يقال فيهم:
إذا الأحوال دبّرها شباب... فإن مصيرها صاح الرزايا
متى تصل العطاش الى ارتواء... إذا استقت البحار من الركايا
ومن يثني الأصاغر عن مراد... وقد جلس الأكابر في الزوايا
وانّ ترفّع الوضعاء يوما... على الرفعاء من بعض البلايا
إذا استوت الأسافل والأعالي... فقد طابت منادمة المنايا
مطلب قصه سيدنا شعيب عليه السلام:
هذا ما قصه الله علينا في أمر شعيب وقومه وكيفية إهلاكهم، اما ما ذكره القصاص فخلاصته أنه عليه السلام أرسله الله الى اصحاب الأيكة فلم يؤمنوا فأرسل عليهم حرا شديدا أخذ بانفاسهم وحبس الريح عليهم سبعة أيام ولم يجدوا ما يقيهم منه حيث لا واقي من أمر الله فهربوا إلى البرية فأظلتهم سحابة فيها ريح طيبة وهي الظلة المذكورة في الآية ١٨٩ من سورة الشعراء الآية، فاجتمعوا تحتها كلهم فالهبها الله نارا عليهم ورجفت بهم الأرض، فاحترقوا جميعا، ثم أرسله إلى أهل مدين الذين كان ملوكهم أبجد وهوز وحطي وكلمن وسعفص وقرشت، وكان ملكهم حين إهلاك الظلة، كلمن، فلما دعاهم الى الإيمان ولم يؤمنوا أيضا أرسل عليهم جبريل عليه السلام فصاح بهم صيحة أخذتهم الرجفة من هولها فأهلكوا جميعا كما جاء في الآية ٣٧ من سورة العنكبوت ج ٢ وقالوا ان كلمن رثته بنته عند نزول العذاب بهم بقولها:
كلمن قد هدّد كن... هلكه وسط المحلة
سيد القوم أتاه... الحتف نار تحت ظلة
جعلت نارا عليهم... دارهم كالمضمحلة

صفحة رقم 387

وليس هذا مما يعول عليه، والأحرى عدم صحته لأن العذاب نزل دفعة واحدة فمتى تمكنت من إنشاء هذه الأبيات، وعلى القول بأنها كانت مع المسلمين، فإن أباها لم يهلك بالظّلة لأن أصحاب الظلة أهل الأيكة الذي ذكرهم في الآية ١٨٩ من سورة الشعراء وأبوها هلك بالصيحة مع قومه أهل مدين، وهذه الزيادة أسقطت اعتبار صحة الأبيات فيها على فرض أنها مسلمة لم تهلك، وهكذا الأخباريون أحيانا يهرفون بما لا يعرفون، ولذلك لا يوقن بنقلهم قال تعالى «وَما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ» تشير هذه الجملة بالإجمال إلى سائر الأمم وأحوالها مع أنبيائها وفيها تخويف لقريش وتحذير من أن تكون عاقبتهم الإهلاك إن لم يؤمنوا كسائر الأمم الكافرة، وفيها حذف وإضمار أي فكذبوه «إِلَّا أَخَذْنا أَهْلَها بِالْبَأْساءِ» الفقر ودواعيه «وَالضَّرَّاءِ» المرض ولوازمه «لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ ٩٤» إلى ربهم فيرجعون عن كفرهم فيؤمنوا فيقبلهم ويعفو عنهم، وفي هذه الجملة زجر لكافة الكفرة بأن يقلعوا عما هم عليه وإلا فمصيرهم التدمير. وتعريف لحضرة الرسول بأحوال الأنبياء مع أممهم وسنة الله فيهم تسلية له ليهون عليه ما يلاقيه من قومه من الأذى والتكذيب «ثُمَّ بَدَّلْنا مَكانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ» أي بدل البلاء والمحنة والشدة التي كانوا عليها بالسعة والصحة والرخاء مما يستدعي الإيمان بنا والانقياد إلى طاعتنا شكرا لنعمنا عليهم بدفع السيء عنهم وجلب الحسن لهم «حَتَّى عَفَوْا» كثروا ونموا في أنفسهم وأموالهم، وعفى تأتي بمعنى زاد قال تعالى (وَيَسْئَلُونَكَ ماذا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ) الآية ٢٢٩ من البقرة في ج ٣ وبمعنى كثر ونمى كما هاهنا، أما ما جاء في الحديث أعفوا اللحى واحفوا الشارب، بمعنى اتركوا اللحى لا تحلقوها وليس المراد لا تقصوا منها شيئا إذ يجوز أخذ ما زاد منها على القبضة والمراد بإحفاء الشارب الأخذ منه أيضا بحيث تظهر حواف الشفة، وقد غلط من فسّره بالحلق، لأن الرسول لم يفعله ولأنه مثلة والشريعة جميلة مجملة لا تأمر بما هو مثلة، ولهذا البحث صلة في الآية ١٨٧ من هذه السورة. أما ما فسره أبو مسلم بأن المراد من عفوا اعرضوا عن الشكر، فليس بيانا للمعنى اللغوي بل أخذا من معنى الآية وليس بشيء

صفحة رقم 388

«وَقالُوا» لما غفلوا عن استدراجنا إياهم ولم يعلموا كيفية إملائنا للظالم وأخذه على غرّة، واننا تارة نأخذ العاصين بالشدّة وطورا بالرخاء، وظنوا أن عادة الدهر هكذا مرة سيئا وأخرى حسنا، وأن الشدة لم تكن عقوبة، قال بعضهم لبعض اثبتوا على ما أنتم عليه كما ثبت آباؤكم من قبل إذ «قَدْ مَسَّ آباءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ» مثلنا فصبروا ولم يغيروا دينهم بسبب ما أصابهم، ولما أظهروا ما انطوت عليه سرائرهم إثر إنعامنا عليهم ولم يصغوا لنصح رسلهم أوقعنا بهم ما هدّدوا به «فَأَخَذْناهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ ٦٥» بشيء من المخاوف لأنهم كانوا في مأمن من العذاب بزعمهم ولم يخطر مكروه ببالهم قال تعالى «وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا» بالله ورسله وعملوا ما أمروا به وانتهوا عما نهوا عنه «وَاتَّقَوْا» الكفر والإفساد في الأرض «لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ» من رياح لينة وغيث نافع «وَالْأَرْضِ» من نبات وثمر ولصببنا عليهم الخيرات من كل جهة «وَلكِنْ كَذَّبُوا» آياتنا ورسلنا «فَأَخَذْناهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ ٩٦» من الأعمال الخبيثة وعاقبناهم بأنواع العذاب «أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى» كفار مكة وأضرابهم فيشمل كل أهل قرية كذبت الرسل وأنكرت ما جاءتهم به «أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا» عذابنا «بَياتاً وَهُمْ نائِمُونَ ٩٧» أي لا يأمنوا وقوع العذاب بهم على غرة وغفلة «أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ ٩٨» حالة كونهم لاهين عما يراد بهم خائضين بالكفر معرضين عن الإيمان، وفي هاتين الآيتين تهديد شديد وزجر ووعيد لكل من هذا شأنهم «أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ» استدراجه إياهم بالنعم وأخذه لهم على بغتة ليلا أو نهارا، وأنهم متى ما أمنوا مكر الله هلكوا «فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ ٩٩» أنفسهم وأهليهم وأموالهم في الدنيا والسعادة الدائمة في الأخرى، لأن الله تعالى إذا أسدى نعمه على عبده وجب عليه شكرها فإذا لم يفعل كان كافرا لها جاحدا المنعم بها، وحينئذ عليه أن لا يظن أنها نعمة حقيقية لخيره بل نقمة محضة لشره، قالت ابنة الربيع بن هيثم: يا
أبت ما لي أرى الناس ينامون ولا أراك تنام؟ قال يا بنتاه إن أباك يخاف البيات، أراد الآية المارة، رحمه الله

صفحة رقم 389
بيان المعاني
عرض الكتاب
المؤلف
عبد القادر بن ملّا حويش السيد محمود آل غازي العاني
الناشر
مطبعة الترقي - دمشق
الطبعة
الأولى، 1382 ه - 1965 م
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية