آيات من القرآن الكريم

فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ
ﭮﭯﭰﭱﭲﭳ ﭵﭶﭷﭸﭹﭺ ﭼﭽﭾ ﮀﮁﮂﮃﮄ ﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏ ﮑﮒﮓﮔﮕﮖ ﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠ ﮢﮣﮤﮥﮦ ﮨﮩﮪﮫ ﮭﮮﮯ ﮱﯓ ﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜ ﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧ ﯩﯪﯫﯬ ﯮﯯﯰ ﯲﯳﯴﯵﯶ ﯸﯹﯺ ﯼﯽ ﯿﰀﰁ ﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉ ﰋﰌﰍﰎﰏﰐ ﰒﰓﰔﰕﰖ ﰘﰙﰚﰛﰜ ﭑﭒﭓﭔﭕ ﭗﭘﭙﭚ

فأما ثمود فأخذهم ربك بالصيحة فأصبحوا في ديارهم جاثمين حين كذبوا أخاهم صالحا وكفروا بالله ولم يصدقوا بالبعث، فأهلكوا بسبب أعمالهم الطاغية المتجاوزة الحدود في العقل والعرف والشرع، أما تفصيل السبب فقد ذكر في قصة الناقة في سورة هود وغيرها، وأما عاد فأهلكوا بريح قوية شديدة، متجاوزة الحد في البطش وقسوة الإهلاك لأنهم كفروا بالله وكذبوا رسولهم هودا ولم يؤمنوا بالبعث، وضموا إلى ذلك أعمالا أخرى فإنهم كانوا يبنون قصورهم في الطريق وعلى سفوح الجبال للعبث واللهو والمجون ويتخذون مصانع لعلهم يخلدون... إلخ ما مرّ من سورة الشعراء وغيرها.
هذه الريح التي أهلكتهم سخرها عليهم ربك سبع ليال وثمانية أيام لم تدع شيئا إلا جعلته كالرميم، فقطعت كل نبت وزرع وولد وخير، وأهلكت القوم حتى كنت تراهم صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية بالية، فهل ترى لهم من باقية؟ لست ترى لهم أثرا ولا عينا. وجاء فرعون ومن قبله من الأمم، وجاء قوم لوط أصحاب القرى المؤتفكة، جاءوا بالفعلة الخاطئة والإثم الكبير، حيث كفروا وكذبوا وأنكروا البعث فأخذهم ربك أخذة رابية شديدة، أخذ عزيز مقتدر.
واذكروا أيها المشركون من سلالة قوم نوح، أنه لما طغى الماء، وتجاوز حده حملناكم في السفينة ونجيناكم من الغرق وأهلكنا المكذبين الكفار، فأنتم أيها المعاصرون أبناء من نجاهم الله، فهل يليق بكم أن تكفروا به؟؟
حملنا آباءكم في الجارية لنجعلها لكم تذكرة وعبرة وموعظة، ولتعيها آذان واعية فيرويها الخلف عن السلف فيحفظها ويعتبر بها، فاحذروا يا كفار مكة أن تكونوا مثل هذه الأمم احذروا. ثم احذروا!
يوم الحساب وما فيه من مواقف للأبرار والفجار [سورة الحاقة (٦٩) : الآيات ١٣ الى ٣٧]
فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ واحِدَةٌ (١٣) وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبالُ فَدُكَّتا دَكَّةً واحِدَةً (١٤) فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْواقِعَةُ (١٥) وَانْشَقَّتِ السَّماءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ واهِيَةٌ (١٦) وَالْمَلَكُ عَلى أَرْجائِها وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ (١٧)
يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفى مِنْكُمْ خافِيَةٌ (١٨) فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ (١٩) إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ (٢٠) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ (٢١) فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ (٢٢)
قُطُوفُها دانِيَةٌ (٢٣) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِما أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخالِيَةِ (٢٤) وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِشِمالِهِ فَيَقُولُ يا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتابِيَهْ (٢٥) وَلَمْ أَدْرِ ما حِسابِيَهْ (٢٦) يا لَيْتَها كانَتِ الْقاضِيَةَ (٢٧)
ما أَغْنى عَنِّي مالِيَهْ (٢٨) هَلَكَ عَنِّي سُلْطانِيَهْ (٢٩) خُذُوهُ فَغُلُّوهُ (٣٠) ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ (٣١) ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُها سَبْعُونَ ذِراعاً فَاسْلُكُوهُ (٣٢)
إِنَّهُ كانَ لا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ (٣٣) وَلا يَحُضُّ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ (٣٤) فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هاهُنا حَمِيمٌ (٣٥) وَلا طَعامٌ إِلاَّ مِنْ غِسْلِينٍ (٣٦) لا يَأْكُلُهُ إِلاَّ الْخاطِؤُنَ (٣٧)

صفحة رقم 735

المفردات:
الصُّورِ: هو البوق. حُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبالُ: رفعتا وسيرتا.
فَدُكَّتا دَكَّةً واحِدَةً: الدك والدق متقاربان في المعنى غير أن الدك أبلغ والمراد ضرب بعضهما في بعض وصارتا كتلة واحدة، أى: صارت مجموعة السهول من الأرض مع مجموعة الجبال كتلة واحدة. وَقَعَتِ الْواقِعَةُ: قامت القيامة.
وَانْشَقَّتِ السَّماءُ: وهذا كناية عن انصداعها وتشققها وتبدل أحوالها.

صفحة رقم 736

واهِيَةٌ: مختلة ضعيفة لا تماسك بين أجزائها. وَالْمَلَكُ أى: الملائكة.
أَرْجائِها: جنباتها، جمع رجا بمعنى الجانب. عَرْشَ رَبِّكَ: هو سرير الملك، أو كناية عن العز والملك والسلطان. خافِيَةٌ أى: حالة خافية كنتم تسترونها عن الناس. كِتابَهُ: صحيفة عمله. بِيَمِينِهِ أى: بيده اليمين، وهي كناية عن اليمن والخير والبركة. هاؤُمُ: خذوا. ظَنَنْتُ أى: تيقنت.
راضِيَةٍ: ذات رضا ويرضى عنها أصحابها. قُطُوفُها دانِيَةٌ: جمع قطف وهو الثمر الذي حان وقت قطافه، والدانية: القريبة التي لا تعب في إحضارها.
فَغُلُّوهُ: ضعوا فيه الغل، أى: ما يكبل به الأسير من القيود والسلاسل.
صَلُّوهُ أى: اجعلوه في جهنم يصلى نارها ويحترق بها. ذَرْعُها: طولها.
حَمِيمٌ: صديق حميم. غِسْلِينٍ: ما يسيل من أهل جهنم من قيح أو صديد أو دم. الْخاطِؤُنَ: الآثمون.
المعنى:
هذا هو وصف ليوم القيامة الموعود به، والذي عبر عنه القرآن أول السورة بقوله:
الحاقة، والذي كذبت به الأمم السابقة، فأهلكها الله جزاء تكذيبها، وحذر قريشا أن تسلك مسلكها.
فإذا أراد الله أن يعلم الناس بيوم القيامة، نفخ الموكل بالبوق نفخة واحدة، يصعق لها ما في السموات وما في الأرض إلا من شاء الله، ثم ينفخ فيه أخرى فإذا الناس قيام ينظرون الحساب: فإذا نفخ في الصور نفخة واحدة، وحملت الأرض والجبال واضطربت ورفعت من مكانها وَإِذَا الْجِبالُ سُيِّرَتْ فدكتا، أى: الأرض السهلة والجبال المرتفعة دكة واحدة حتى صارت مستوية كأنها كتلة واحدة، فيومئذ تتزلزل الأرض وتمور مورا، وتسير الجبال سيرا وتنسف حتى تصير كثيبا من الرمل مهيلا، يوم إذ يحصل هذا تقع الواقعة وتقوم القيامة، فالسماء وعوالمها عند ذلك يختل نظامها وتتشقق جوانبها فهي يومئذ بالية متداعية لا ترى فيها هذا النظام المحكم الدقيق، أما سكانها من الملائكة فيقفون على جوانبها حين تتصدع، كالبيت إذا انهدم منه جزء انتشر سكانه في أرجائه وجوانبه التي لم تسقط.
ويحمل عرش ربك يومئذ ثمانية فوقهم، وهذا تمثيل لكمال عزته وانفراد جلالته

صفحة رقم 737

بالملك والسلطان، وأن الكل خاضع لجبروته سبحانه وتعالى لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ؟ لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ [سورة غافر آية ١٦].
وهذه الأوصاف التي ورد ذكرها في هذه الآيات وغيرها مما يجب أن نؤمن به كما ورد في القرآن والسنة الصحيحة، على أن تشعر قلوبنا بالخشية والخوف من هول ذلك اليوم! يومئذ تعرضون للحساب والثواب لا تخفى منكم حالة خافية كنتم تريدون سترها وإخفاءها وكيف تخفى على علام الغيوب خافية؟ وهو العليم بذات الصدور، إذا كان الأمر كذلك، فأما المتقون الذين اتقوا الله وخافوا هذا اليوم فأولئك يؤتون كتابهم بيمينهم، ويأخذون صحائف أعمالهم باليمين، واليمين يستعملها العرب في مواضع الخير والبركة والفرح والسرور، ولذلك يقول فرحا مسرورا لإخوانه: خذوا اقرءوا كتابي إنه كتاب يسر قارئيه، ولا عجب في ذلك إنى تيقنت أنى ملاق هذا اليوم للحساب فعملت له خير عمل وتجنبت لأجله كل سوء ومعصية، ولذلك كانت النتيجة أنه أصبح في عيشة مرضية وحياة سعيدة هنية، هذه الحياة في جنة عالية البنيان شامخة الأركان، قطوفها دانية على طرف الثّمار ثم يقال له ولأمثاله: كلوا واشربوا هنيئا جزاء ما أسلفتم وقدمتم من صالح الأعمال في الأيام الخوالى.
وأما من أوتى كتابه بشماله لأنه لم يعد لهذا الموقف حسابه، والشمال تستعمل في مواضع الشؤم والحزن ولذلك تراه يقول: يا ليتني لم أعط هذا الكتاب الذي جمع كل الأعمال ولم يترك صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها، ويا ليتني مت فلم أدر ما حسابيه، يا ليت الموتة الأولى كانت القاضية ولم يكن هناك حياة ثانيةا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً
«١».
يا قوم: أين مالي وأهلى وقوتي وسلطاني؟! ما أغنى عنى مالي وهلك بعيدا عنى سلطاني. ثم يقول الله لملائكته: خذوه وضعوا في يديه الأغلال والأصفاد ثم ألقوه في جهنم يصطلى بنارها، أدخلوه في سلسلة طولها سبعون ذراعا، أدخلوه في نار جهنم.
ولا عجب، إنه كان لا يؤمن بالله العظيم، لم يؤمن بالله ولا باليوم الآخر، وما كان يحض على طعام الفقير والمسكين، وإذا كان الأمر كذلك فليس له اليوم ها هنا حميم ولا صديق كريم مع أنه في أشد الحاجة إلى الناصر والمعين، وليس له من طعام إلا من قيح وصديد، لا يأكله إلا الخاطئون المذنبون قساة القلوب وأصحاب الأعمال السيئة.

(١) - سورة النبأ آية ٤٠.

صفحة رقم 738
التفسير الواضح
عرض الكتاب
المؤلف
محمد محمود حجازي
الناشر
دار الجيل الجديد
سنة النشر
1413
الطبعة
العاشرة
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية