آيات من القرآن الكريم

فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ
ﭮﭯﭰﭱﭲﭳ ﭵﭶﭷﭸﭹﭺ ﭼﭽﭾ ﮀﮁﮂﮃﮄ ﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏ ﮑﮒﮓﮔﮕﮖ

أما ثمود فأهلكوا بالصيحة الطاغية، أي المجاوزة للحدّ، حد الصيحات من الهول، وأما ثمود فأهلكوا بريح باردة تحرق ببردها كإحراق النار، شديدة الهبوب، غضبت لغضب الله عز وجل، أرسلها وسلطها الله تعالى عليهم سبع ليال وثمانية متتابعة، لا تفتر ولا تنقطع، فصار القوم في تلك الليالي والأيام موتى هالكين، كأصول نخل بالية متآكلة الأجواف لا شيء فيها.
وأما فرعون وجنوده فأهلكوا بالإغراق في البحر، وأما المؤتفكات أهل قرى لوط، فدمروا بالريح التي ترميهم بالحصباء تدميرا شاملا بعقوبة زائدة في الشدة على عقوبات سائر الكفار، كما أن أفعالهم كانت زائدة في القبح على أفعال سائر الكفار، وهي الكفر والفواحش.
وأما قوم نوح فأغرقوا بالطوفان، ونجّى الله نوحا ومن آمن معه بركوبهم في السفينة التي صنعها نوح بإلهام من الله تعالى، ليجعل الله ذلك تذكرة وعظة لهذه الأمة، وتحفظها وتسمعها أذن حافظة لما جاء من عند الله.
بعض أهوال القيامة
[سورة الحاقة (٦٩) : الآيات ١٣ الى ١٨]
فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ واحِدَةٌ (١٣) وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبالُ فَدُكَّتا دَكَّةً واحِدَةً (١٤) فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْواقِعَةُ (١٥) وَانْشَقَّتِ السَّماءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ واهِيَةٌ (١٦) وَالْمَلَكُ عَلى أَرْجائِها وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ (١٧)
يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفى مِنْكُمْ خافِيَةٌ (١٨)
الإعراب:
نَفْخَةٌ واحِدَةٌ نائب فاعل، ووصف نَفْخَةٌ ب واحِدَةٌ وإن كانت النفخة لا تكون إلا واحدة، على سبيل التأكيد، كقوله تعالى: وَقالَ اللَّهُ: لا تَتَّخِذُوا إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ

صفحة رقم 87

[النحل ١٦/ ٥١] وإن كان الإلهان لا يكونان إلا اثنين للتأكيد. وجاء تذكير نُفِخَ لأن تأنيث النفخة غير حقيقي.
فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْواقِعَةُ.. يومئذ: ظرف منصوب متعلق ب وَقَعَتِ، وكذلك يَوْمَئِذٍ الثانية يتعلق ب واهِيَةٌ وكذلك يومئذ في يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ يتعلق ب تُعْرَضُونَ.
البلاغة:
وَقَعَتِ الْواقِعَةُ بينهما جناس اشتقاق، وكذلك مثله لا تَخْفى مِنْكُمْ خافِيَةٌ.
المفردات اللغوية:
فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ واحِدَةٌ هي النفخة الأولى التي عندها خراب العالم، والصور:
البوق. حُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبالُ رفعت من أماكنها. فَدُكَّتا دَكَّةً واحِدَةً دقتا وضرب بعضها ببعض، فصارت أرضا مستوية لا عوج فيها، وكتلة واحدة. والدك والدق متقاربان في المعنى، غير أن الدك أبلغ. فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْواقِعَةُ أي فحينئذ قامت القيامة، والواقعة:
النازلة. وَانْشَقَّتِ السَّماءُ تصدعت وتشققت وتبددت. واهِيَةٌ مختلة ضعيفة مسترخية لا تماسك بين أجزائها.
وَالْمَلَكُ الملائكة، فالمراد به الجنس. عَلى أَرْجائِها جوانب السماء وأطرافها، جمع رجا أي جانب. فَوْقَهُمْ فوق الملائكة الذين هم على الأرجاء. ثَمانِيَةٌ ثمانية أملاك.
تُعْرَضُونَ للحساب. لا تَخْفى مِنْكُمْ خافِيَةٌ لا تخفى سريرة من السرائر.
المناسبة:
بعد أن بالغ الله تعالى في تهويل القيامة، وذكر القصص الثلاث لبيان مآل المكذبين بها، تفخيما لشأنها، وتنبيها على إمكانها، شرع سبحانه في بيان تفاصيل أحوال القيامة وأهوالها، وابتدأ بمقدماتها.
التفسير والبيان:
فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ واحِدَةٌ أي فإذا نفخ إسرافيل النفخة الأولى التي يكون عندها خراب العالم. وهذا إخبار عن أهوال يوم القيامة.

صفحة رقم 88

وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبالُ، فَدُكَّتا دَكَّةً واحِدَةً أي رفعت من أماكنها، وأزيلت من مواقعها بالقدرة الإلهية، فضرب بعضها ببعض ضربة واحدة، حتى صارت كتلة واحدة، ورجعت كثيبا مهيلا منثورا، وتبددت وتغيرت عما هو معروف، كما قال تعالى: يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّماواتُ..
[إبراهيم ١٤/ ٤٨]. والدك أبلغ من الدق.
فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْواقِعَةُ فحينئذ قامت القيامة، ووقعت النازلة.
وَانْشَقَّتِ السَّماءُ، فَهِيَ يَوْمَئِذٍ واهِيَةٌ أي وتصدعت السماء، فهي في ذلك اليوم ضعيفة مسترخية غير متماسكة الأجزاء بعد أن كانت قوية محكمة البناء.
وَالْمَلَكُ عَلى أَرْجائِها، وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ أي وتكون الملائكة على جوانب السماء وحافاتها على أهبة الاستعداد لتنفيذ ما يأمرهم به الله عز وجل، ويحمل عرش ربك فوق رؤوس الملائكة الذين هم على الأرجاء ثمانية أملاك، وقيل: ثمانية صفوف من الملائكة، لا يعلم عددهم إلا الله عز وجل. والعرش: أعظم المخلوقات. وحمل العرش مجاز لأن حمل الإله محال، فلا بد من التأويل، وهو أنه تعالى خاطبهم بما يتعارفون، وعلى سبيل الرمز، كإيجاد البيت (الكعبة) وجعل الحفظة على العباد، لا للسكنى في البيت، ولا بسبب احتمال النسيان.
يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفى مِنْكُمْ خافِيَةٌ أي في ذلك اليوم يعرض العباد على الله لحسابهم، فلا يخفى على الله سبحانه من ذواتكم وأقوالكم وأفعالكم وأموركم خافية كائنة ما كانت، فهو يعلم السرّ وأخفى، ويعلم بالظواهر والسرائر والضمائر، وتعرضون على من لا يخفى عليه شيء أصلا، ليكتمل سرور المؤمنين ويعظم توبيخ المذنبين.
والعرض: عبارة عن المحاسبة والمساءلة، شبه ذلك بعرض السلطان

صفحة رقم 89

العسكر، لتعرف أحواله، وقد صور الله تعالى تلك الصورة المهيبة، لا لأنه يقعد على السرير.
وفي هذا تهديد شديد، ووعيد وزجر أكيد، وإخبار بخطورة الحساب العسير.
روى ابن أبي الدنيا عن ثابت بن الحجاج قال: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: «حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أنفسكم قبل أن توزنوا، فإنه أخف عليكم في الحساب غدا أن تحاسبوا أنفسكم اليوم، وتزيّنوا للعرض الأكبر: يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفى مِنْكُمْ خافِيَةٌ».
وروى الإمام أحمد والترمذي وابن ماجه عن أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يعرض الناس يوم القيامة ثلاث عرضات، فأما عرضتان فجدال ومعاذير، وأما الثالثة فعند ذلك تطّيّر الصحف في الأيدي، فآخذ بيمينه، وآخذ بشماله» لكن الترمذي رواه عن أبي هريرة. ورواه ابن جرير أيضا عن عبد الله بن مسعود.
فقه الحياة أو الأحكام:
تدل الآيات على ما يأتي:
١- من مقدمات القيامة: نفخة إسرافيل في الصور (البوق). والمراد النفخة الأولى، قال ابن عباس: هي النفخة الأولى لقيام الساعة، فلم يبق أحد إلا مات.
٢- من أهوال القيامة ومخاوفها: صيرورة الأرض والجبال كالجملة الواحدة متفتتة متكسرة إما بقدرة الله من غير واسطة، وإما بالزلزلة التي تكون في

صفحة رقم 90

القيامة، وإما بريح بلغت من قوة عصفها أنها تحمل الأرض والجبال، أو بملك من الملائكة.
٣- بعد النفخة الأولى في الصور وتفتت الأرض والجبال تقوم القيامة، وتتصدع السماء وتتفطّر، وتصبح ضعيفة واهية غير متماسكة الأجزاء، إيذانا بزوالها وتبدلها وخرابها، بعد ما كانت محكمة شديدة.
٤- تكون الملائكة حين انشقاق السماء على أطرافها، بعد أن كانت السماء مكانهم، فإذا انشقت صاروا في أطرافها، ينتظرون ما يؤمرون به في أهل النار من السّوق إليها، وفي أهل الجنة من التحية والكرامة.
٥- يكون فوق أولئك الملائكة ثمانية أملاك أو ثمانية صفوف لا يعلم عددهم إلا الله يحملون العرش الذي أراده الله بقوله: الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ [المؤمن ٤٠/ ٧] وقوله: وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ [الزمر ٣٩/ ٧٥].
ذكر الثعلبي عن النبي صلّى الله عليه وسلّم: «أن حملة العرش اليوم أربعة، فإذا كان يوم القيامة أيدهم الله تعالى بأربعة آخرين، فكانوا ثمانية».
وخرجه الماوردي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يحمله اليوم أربعة، وهم يوم القيامة ثمانية».
٦- في يوم القيامة الرهيب يعرض العباد على الله للحساب والجزاء، كما قال تعالى: عُرِضُوا عَلى رَبِّكَ صَفًّا
[الكهف ١٨/ ٤٨] وليس ذلك عرضا يعلم به ما لم يكن عالما به، بل معناه الحساب وتقرير الأعمال عليهم للمجازاة، فلا يخفى على الله من أمورهم شيء، فالله عالم بكل شيء من الأعمال. وكل من الحمل والعرض لا يعني التجسيم والتشبيه بالمخلوقات، وإنما للتصوير والرمز والتقريب إلى الأذهان.

صفحة رقم 91
التفسير المنير
عرض الكتاب
المؤلف
وهبة بن مصطفى الزحيلي الدمشقي
الناشر
دار الفكر المعاصر - دمشق
سنة النشر
1418
الطبعة
الثانية
عدد الأجزاء
30
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية