آيات من القرآن الكريم

أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ
ﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟ ﯡﯢﯣﯤﯥﯦ ﯨﯩﯪ ﯬﯭﯮﯯ ﯱﯲﯳﯴﯵ ﯷﯸﯹﯺﯻ ﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈ ﰊﰋﰌﰍ ﰏﰐﰑﰒﰓﰔﰕﰖ ﰘﰙﰚﰛﰜﰝﰞﰟﰠ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜ

وقوله: عَلى حَرْدٍ يَحْتَمِلُ أنْ يريدَ عَلى مَنْعٍ، من قولهم: حَارَدَتِ الإبِلُ إذا قَلَّتْ ألبانُها فمنَعتْهَا، وحَارَدَتِ السنةُ إذا كَانَتْ شَهْبَاء لاَ غَلَّةَ لها، ويحتملُ أن يريدَ بالحَرْدِ الغَضَبَ، يقال حَرَدَ الرجلُ حَرْداً إذَا غَضِبَ، قال البخاريّ قَالَ قتادة: عَلى حَرْدٍ [أي:
على جدٍّ] «١» في أنفسهم، انتهى «٢».
وقوله تعالى: قادِرِينَ يحتملُ أن يكون من القُدْرَةِ، أي: قادرون في زعمهِم ويَحْتَمِلُ أنْ يَكُونَ مِن التَّقْدِيرِ الذي هو تَضْيِيقٌ، كأنّهم قَدْ قَدَرُوا عَلَى المسَاكِينِ، أي ضَيَّقُوا عليهم، فَلَمَّا رَأَوْها أي: مُحْتَرِقَةً قالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ طريقَ جَنَّتِنَا فَلَما تَحقَّقُوها/ عَلِمُوا أَنها قَدْ أصيبتْ فقالوا: بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ أي: قَدْ حُرِمْنَا غَلَّتَها وبَرَكَتها، فقال لهم أعدلهُم قَوْلاً وعَقْلاً وخُلُقاً وهو الأوسَط أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلا تُسَبِّحُونَ قِيلَ هي عبارةٌ عَنْ تعظيمِ اللَّهِ والعَمَلِ بطاعتهِ سبحانَه، فَبادَرَ القَوْمُ عَنْدَ ذَلِكَ وَتَابُوا وسبَّحُوا، واعترفُوا بظلمِهم في اعتقادهم مَنْعَ الفقراءِ، ولاَمَ بعضُهم بَعْضاً واعترفوا بأنهم طَغَوا، أي: تَعَدَّوْا مَا يَلْزَم مِنْ مُوَاسَاةِ المساكينِ، ثم انصرفوا إلى رَجَاءِ اللَّه سبحانَه وانتظارِ الفَضْلِ من لَدُنْهُ في أن يُبْدِلَهُمْ، بِسَبَبِ تَوْبَتِهم، وإنابتِهم خَيْراً من تلك الجنة، قال الثعلبي: قال ابن مسعود: بلغني أن القومَ لما أخلصوا وعلم الله صدقهم أبدلهم الله- عز وجل- بها جنةً يقال لها الحَيَوَانُ، فيها عِنَبٌ يَحْمِلُ البغلُ العنقُودَ منها «٣»، وعن أبي خالد اليماني أَنه رأَى تلكَ الجنةَ ورَأَى كُلَّ عُنْقُودٍ منها كالرَّجُلِ الأسْوَدِ القائِم، انتهى، ، وقدرةُ اللَّه أعْظَمُ فلا يُسْتَغْرَبُ هذا إنْ صَحّ سنده.
[سورة القلم (٦٨) : الآيات ٣٣ الى ٤٣]
كَذلِكَ الْعَذابُ وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (٣٣) إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ (٣٤) أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (٣٥) ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (٣٦) أَمْ لَكُمْ كِتابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ (٣٧)
إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَما تَخَيَّرُونَ (٣٨) أَمْ لَكُمْ أَيْمانٌ عَلَيْنا بالِغَةٌ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَما تَحْكُمُونَ (٣٩) سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذلِكَ زَعِيمٌ (٤٠) أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ فَلْيَأْتُوا بِشُرَكائِهِمْ إِنْ كانُوا صادِقِينَ (٤١) يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ (٤٢)
خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سالِمُونَ (٤٣)
وقوله سبحانه: كَذلِكَ الْعَذابُ أي: كَفِعْلِنَا بأهْلِ الجنةِ نَفْعَلُ بِمَنْ تعدَّى حدودَنا.
وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ أي: أعْظَم مما أصَابَهُمْ، إنْ لَمْ يتوبوا في الدنيا.

(١) سقط في: د.
(٢) أخرجه الطبري (١٢/ ١٩١)، برقم: (٣٤٦٤٤)، وذكره البغوي (٤/ ٣٨٠)، وابن كثير (٤/ ٤٠٦). [.....]
(٣) ذكره البغوي (٤/ ٣٨١).

صفحة رقم 469

ثم أخْبَر تعالى ب إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ فَرُوِيَ أنه لما نزلت هذه الآيةُ قَالَتْ قريشٌ: إنْ كَانَ ثَمَّ جَنَّاتِ نعيمٍ فَلَنَا فِيها أكْبَرُ الحَظِّ، فنزلتْ أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ الآية تَوْبِيخاً لهم.
أَمْ لَكُمْ كِتابٌ مُنَزَّلٌ من عندِ اللَّهِ تَدْرُسُونَ فيه أنَّ لَكُمْ مَا تَخْتَارُونَ مِنَ النعيمِ، ف إِنَّ معمولة ل تَدْرُسُونَ وكُسِرَتِ الهمزَةُ مِنْ إِنَّ لدخولِ اللامِ في الخبرِ، وهي في معنى (أن) - بفتح الألِف- وقرىء شاذاً «١» :«أنَّ لَكُمْ» بالفتح، وقرأ الأعرج «٢» :«أنّ/ لَكُمْ فِيهِ» على الاستفهام، ثم خَاطَب تعالى الكفارَ بقولهِ: أَمْ لَكُمْ أَيْمانٌ عَلَيْنا بالِغَةٌ كأنه يقُولُ هل أقْسَمْنَا لكم قَسَماً فهو عَهْدٌ لكم بأنَّا نُنَعِّمُكُمْ في يومِ القيامة، وما بعدَه، وقرأ الأعرج «٣» :«آن لكم لما تحكمون» على الاستفهامِ، أيضاً.
سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذلِكَ زَعِيمٌ أي: ضَامِنٌ ت: قال الهروي: وقوله: أَيْمانٌ عَلَيْنا بالِغَةٌ أي مُؤكَّدَة، انتهى.
وقوله تعالى: فَلْيَأْتُوا بِشُرَكائِهِمْ قيل: هو استدعاءٌ وتوقيفٌ في الدنيا، أي:
لِيُحْضِرُوهُم حَتَّى يُرَى هلْ هُمْ بحالِ مَنْ يَضُرُّ وينفعُ أم لا؟ وقيلَ: هو استدعاءٌ وتوقيف على أن يأتوا بهم يومَ القيامةِ يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ وقرأ ابن عباس «٤» :«تُكْشَفُ» - بضم التاء- على مَعْنَى: تُكْشَفُ القيامةُ والشدةُ والحالُ الحاضرة، وقرأ ابن عباس «٥» أيضاً:
«تَكْشِفُ» - بفتح التاء- على أنَّ القيامةَ هي الكاشِفَةُ، وهذه القراءة مفسِّرَة لقراءَةِ الجماعةِ، فما وَرَدَ في الحديثِ والآيةِ مِنْ كَشْفِ الساقِ فهو عبارة عَنْ شدةِ الهول.
وقوله- جلت عظمته-: وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ وفي الحديثِ الصحيحِ: «فَيَخِرُّونَ للَّهِ سُجّداً أجْمَعونَ ولا يبقى أحَدٌ كَانَ يسجدُ في الدنيا رياءً ولا سمعةً ولاَ نِفَاقاً إلا صَارَ ظهرُهُ طَبَقاً وَاحِداً كُلَّما أرَادَ أنْ يسجد خرّ على قفاه» «٦»، الحديث، وفي

(١) قرأ بها الأعرج، كما ذكر ابن خالويه في «مختصر الشواذ» ص: (١٦٠)، وقرأ بها طلحة، والضحاك، كما في «الدر المصون» (٦/ ٣٥٧).
(٢) ينظر: «مختصر الشواذ» ص (١٦٠)، و «المحرر الوجيز» (٥/ ٣٥٢) و «البحر المحيط» (٨/ ٣٠٩)، و «الدر المصون» (٦/ ٣٥٧).
(٣) ينظر: «المحرر الوجيز» (٥/ ٣٥٢)، و «البحر المحيط» (٨/ ٣٠٩).
(٤) ينظر: «المحتسب» (٢/ ١٦٠)، و «المحرر الوجيز» (٥/ ٣٥٣).
(٥) ينظر: مصادر القراءة السابقة.
(٦) أخرجه البخاري (٨/ ٥٣١)، كتاب «التفسير» باب: يوم يكشف عن ساق (٤٩١٩) نحوه. -

صفحة رقم 470
الجواهر الحسان في تفسير القرآن
عرض الكتاب
المؤلف
أبو زيد عبد الرحمن بن محمد بن مخلوف الثعالبي
تحقيق
عادل أحمد عبد الموجود
الناشر
دار إحياء التراث العربي - بيروت
سنة النشر
1418
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية