آيات من القرآن الكريم

فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚ ﭜﭝ ﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥ ﭧﭨ ﭪﭫ ﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳ ﭵﭶﭷ ﭹﭺﭻﭼﭽﭾ ﮀﮁﮂﮃ ﮅﮆﮇﮈﮉ ﮋﮌﮍ ﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕ ﮗﮘﮙﮚﮛﮜ ﮞﮟﮠﮡﮢ ﮤﮥﮦﮧﮨ ﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔ ﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟ

أمر الله تعالى لرسوله بعدم إطاعتهم في ما يطلبونه من مسايرة مقابل وعدهم له بالمسايرة في بعض ما يدعو إليه أن المبادئ الأساسية للدعوة لا يصح في أي حال وظرف أن تكون محل مساومة وتمييع. وهذا الأمر قد تكرر على ما تفيده آيات سورة الإسراء [٧٣- ٧٤] التي أوردناها آنفا.
وفي هذا ما فيه روعة وتلقين جليل مستمر المدى.
تعليق على جملة أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ
وجملة أساطير الأولين قد تكررت كثيرا في القرآن حكاية لزعم الكفار عن القرآن، وهذه الجملة أو بتعبير أدق كلمة أساطير تعني الآن القصص التي لا تستند إلى أصل أو يشوبها الغلو أو الخرافة. غير أن الذي يتبادر لنا أن استعمالها في القرآن لم يكن لهذا المعنى فقط، وإنما كان أيضا لمقصد الإشارة إلى كتب الأولين وصحفهم، بما في ذلك كتب النصارى واليهود التي كانت متداولة. وفي سورة الفرقان آية قد تؤيد ذلك حيث جاء فيها: وَقالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَها فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (٥)، وحيث أراد الكفار أن يقولوا إن ما يتلوه النبي صلّى الله عليه وسلّم قد اقتبسه واستكتبه وحفظه من الكتب الأولى المتداولة وليس وحيا.
والجملة في السورة تدل في حد ذاتها على أن ما نزل من القرآن قبل هذه الآيات كان شيئا غير يسير حيث رأى الكفار فيه من التطابق والمواضيع، ما سوغ لهم هذا القول وتؤيد ما قلناه في صدد ترتيب هذه السورة.
[سورة القلم (٦٨) : الآيات ١٧ الى ٣٣]
إِنَّا بَلَوْناهُمْ كَما بَلَوْنا أَصْحابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّها مُصْبِحِينَ (١٧) وَلا يَسْتَثْنُونَ (١٨) فَطافَ عَلَيْها طائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نائِمُونَ (١٩) فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ (٢٠) فَتَنادَوْا مُصْبِحِينَ (٢١)
أَنِ اغْدُوا عَلى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صارِمِينَ (٢٢) فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخافَتُونَ (٢٣) أَنْ لا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ (٢٤) وَغَدَوْا عَلى حَرْدٍ قادِرِينَ (٢٥) فَلَمَّا رَأَوْها قالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ (٢٦)
بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ (٢٧) قالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلا تُسَبِّحُونَ (٢٨) قالُوا سُبْحانَ رَبِّنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ (٢٩) فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَلاوَمُونَ (٣٠) قالُوا يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا طاغِينَ (٣١)
عَسى رَبُّنا أَنْ يُبْدِلَنا خَيْراً مِنْها إِنَّا إِلى رَبِّنا راغِبُونَ (٣٢) كَذلِكَ الْعَذابُ وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (٣٣)

صفحة رقم 375

(١) بلوناهم: امتحنّاهم واختبرناهم.
(٢) الصرم: القطف أو القطع.
(٣) مصبحين: في الصباح الباكر.
(٤) لا يستثنون: لا يقولون إن شاء الله بعد القسم.
(٥) فطاف عليها طائف من ربك: كناية عن بلاء رباني أصاب ثمر الجنة فأيبسه وجعله كالصريم أي كالمقطوف.
(٦) حرثكم: هنا بمعنى بستانكم.
(٧) يتخافتون: يتهامسون.
(٨) حرد: شدة التصميم أو سوء النية والقصد.
(٩) ضالون: هنا بمعنى حائرون أو تائهون.
(١٠) أوسطهم: أعقلهم وأرشدهم.
(١١) ظالمين: وردت كلمة الظلم في القرآن كثيرا وفي معان عديدة، منها الجور ضد العدل. ومنها الانحراف عن طريق الحق. ومنها الجناية على النفس والإضرار بالنفس والغير. ومنها العدوان والبغي على الغير. ومنها الإجرام. ومنها النقص والبخس. وهي هنا بمعنى الجناية على النفس.
(١٢) يتلاومون: يلوم بعضهم بعضا.
(١٣) طاغين: متجاوزين الحد في البغي والتمرد.
هذه الآيات تحكي قصة جماعة كان لهم بستان، أقسموا على قطف ثمره دون أن يقولوا إن شاء الله، وصمموا على حرمان الفقراء منه وغدوا مصبحين إلى تنفيذ عزيمتهم معتمدين على قدرتهم، فسلط الله على الثمر بلاء جعله كالمقطوف عقابا لهم

صفحة رقم 376

على سوء نيتهم، ولما رأوا بستانهم على هذه الحالة ذهلوا حتى لقد ظنوا أنهم ضلوا عنه، ثم عرفوا الحقيقة فأدركوا أنهم قد خسروا ثمرهم وحرموا منه، وكان فيهم رجل صالح عاقل كان ينصحهم بالاعتدال وعدم البغي فقال لهم: ألم أخبركم بما سوف ينتج عن سلوككم؟ وطلب منهم أن يستغفروا الله ويسبّحوه ويعترفوا بذنبهم، فأخذ بعضهم يلوم بعضا وسبّحوا الله واستغفروه واعترفوا بظلمهم وطغيانهم، وأعلنوا توبتهم وإنابتهم إلى الله على أمل أن يعوضهم بما هو خير مما خسروه وحرموا منه.
وقد ابتدأت الآيات بما يفهم منه أن الله قد امتحن المكذبين بما امتحن به أصحاب البستان، وانتهت بالتنويه بعذاب الله الشديد الذي يحل بالظالمين الجاحدين لنعمة الله في الدنيا وبالوعيد بعذاب الآخرة الذي ينتظرهم والذي هو أشد وأكبر.
تعليق على قصة البستان وهدفها
وقد روى المفسرون «١» أن البستان المذكور في القصة كان في اليمن والحبشة، وذكر بعضهم أنه كان لرجل من ثقيف، وأنه كان يترك ما يسقط من الثمر للفقراء، فلما مات وورثه أبناؤه قالوا إن أبانا لأحمق، وصمموا على حرمان الفقراء من ذلك. وبعبارة أخرى إن الحكاية لحادث واقعي. وروح الآيات ومضمونها يلهمان ذلك ويلهمان أيضا أن الحادث مما كان معروفا عند السامعين.
وضمير بَلَوْناهُمْ راجع مباشرة إلى المكذبين الذين حكت الآيات السابقة موقفهم وهم زعماء قريش كما هو المتبادر، وفي ذلك قرينة على أنهم كانوا يعرفون قصة البستان.
وواضح أن القصة أوردت في معرض التذكير والمثل. وهذا شأن جميع القصص والأمثال القرآنية والأسلوب القرآني في ذلك من خصوصيات القرآن،

(١) انظر تفسير الآيات في تفسير الطبري وابن كثير والنيسابوري مثلا.

صفحة رقم 377

لأن ما احتوته الكتب الدينية اليهودية والنصرانية من القصص هي في صدد التاريخ والإخبار. والعظة والتذكرة اللتان تنطويان في هذه القصة هما أن الله قد امتحن المكذبين بالرسالة النبوية، كما امتحن أصحاب البستان بالنعمة التي أنعمها عليهم بثمرهم، وكما أن هؤلاء قد تعرضوا لعذاب الله وبلائه لعدم استماعهم لنصيحة عاقلهم ومرشدهم وعدم شكر نعمة الله، ولسوء النية التي بيتوها بحرمان الفقراء فإن أولئك- أي كفار قريش المكذبين- أمام امتحان رباني، فإذا لم يستمعوا لنصيحة ناصحهم ومرشدهم ولم يستجيبوا إليها ولم يشكروا نعمة الله التي أنعمها عليهم فإنهم سيتعرضون لبلاء الله وعذابه في الدنيا فضلا عما سيتعرضون لعذابه الأكبر في الآخرة. ولهم الأسوة بأصحاب البستان الذين أدركوا مدى ظلمهم وانحرافهم وسوء نيتهم فاستجابوا لمرشدهم وتابوا إلى الله واستغفروه.
والمصحف الذي اعتمدنا عليه يذكر أن هذه الآيات مدنية، غير أننا نلاحظ أولا: أنها منسجمة مع ما قبلها وما بعدها كأنما جميعها في سياق واحد وموضوع واحد. وثانيا: أن مضمونها يلهم كون المثل موجها إلى الناس في مبادئ الدعوة وعهد النبوة. وثالثا أن الضمير في بَلَوْناهُمْ راجع إلى الذين كانوا موضوع الآيات السابقة مما ينطوي فيه الاتصال بين هذه الآيات وسابقاتها. ورابعا أن أسلوبها وطابعها أكثر شبها لأسلوب وطابع الآيات المكية ولذلك فإننا نتوقف في صحة الرواية، وإذا صحت ملاحظاتنا فتكون هذه القصة أولى القصص القرآنية نزولا والله أعلم.
ونقول في هذه المناسبة إن القرآن قد احتوى كثيرا من القصص بأساليب متنوعة، مسهبة حينا ومقتضبة حينا وبإشارات خاطفة حينا، منها قصص خاصة بحياة وسيرة أنبياء الله ورسله، ومنها مزيجة بين حياة وسيرة أنبياء الله ورسله وما جرى بينهم وبين أقوامهم أو الذين أرسلوا إليهم ونتائجه. ومنها قصص أشخاص أو جماعات غير أنبياء. ومن هذه القصص ما ورد جزئيا أو كليا أو مباينا بعض الشيء مع التوافق في أمور. وفي الأسماء في الأسفار التي يتداولها اليهود

صفحة رقم 378

والنصارى التي يجمعها ما يسمى بالكتاب المقدس أو ما يسمى أسفار العهد القديم وأسفار العهد الجديد. ومنها ما هو عائد إلى أسماء وردت في هذه الأسفار دون القصص. ومنها قصص عربية لجماعات وأنبياء وأقوام عاشوا في جزيرة العرب قبل الإسلام. ويصدق على جميعها ما قلناه من أنها جاءت في القرآن في معرض التذكير والمثل، ولسوف نزيد كل هذا شرحا في مناسبات آتية.
تعليق على روايات الآيات المدنية في السور المكية
وبمناسبة ذكر رواية مدنية الآيات المذكورة لأول مرة نقول: إن هناك روايات عديدة عن وجود آيات مدنية في السور المكية. والمصحف الذي اعتمدنا عليه يروي مدنية [١٤٧] آية في [٣٤] سورة مكية، وهناك روايات تزيد في عدد الآيات وأخرى تنقص منها.
والمتدبر في الآيات يرى طابع العهد المكي وصوره وأحداثه بارزا على معظمها، كما يرى انسجام معظمها انسجاما تاما في السياق والمضمون بل والنظم مع ما قبلها وما بعدها، ولا يستبين الحكمة في وضعها لو كانت مدنية حقا بحيث يسوغ الشك والتوقف في صحة الروايات التي تروي مدنيتها وتروي أسباب نزولها في المدينة، إلا إذا فرض أن تكون حكمة التنزيل اقتضت تدعيم السياق المكي بها وهو فرض لا يمكن أن تطمئن النفس به. ومن الجدير بالذكر أن معظم الروايات ليست أحاديث نبوية أو صحابية موثقة ومسندة على أسلوب توثيق الأحاديث وإسنادها. ومما يرد على البال تعليلا لها أن الآيات المكية ذكرت أو استشهد بها بمناسبة بعض أحداث جرت في المدينة وكان بعضهم قد نسيها فالتبس عليهم الأمر وظنوها آيات مدنية.
والكلام ينطبق كما قلنا على معظم الآيات، وهناك بضع آيات في بعض السور المكية تستثنى من ذلك يسوغ طابعها ومضمونها الجزم بصحة رواية مدنيتها.
وقد وضعت في السياق المناسب لمضمونها على ما سوف نشرحه في مناسباتها.

صفحة رقم 379
التفسير الحديث
عرض الكتاب
المؤلف
محمد عزة بن عبد الهادي دروزة
الناشر
دار إحياء الكتب العربية - القاهرة
سنة النشر
1383
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية