آيات من القرآن الكريم

فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚ ﭜﭝ ﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥ ﭧﭨ ﭪﭫ ﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳ ﭵﭶﭷ ﭹﭺﭻﭼﭽﭾ ﮀﮁﮂﮃ ﮅﮆﮇﮈﮉ ﮋﮌﮍ ﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕ ﮗﮘﮙﮚﮛﮜ ﮞﮟﮠﮡﮢ ﮤﮥﮦﮧﮨ ﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔ ﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟ

اعتاضوا عنه بالضرب وتحميم الوجه «١»، وهذا وضع باطل.
ومن الوسم الصحيح في الوجه: ما رأى العلماء من تسويد وجه شاهد الزور علامة على قبح المعصية، وتشديدا لمن يتعاطاها لغيره، ممّن يرجى تجنبه بما يرجى من عقوبة شاهد الزور وشهرته. وقد كان عزيزا بقول الحق، وصار مهينا بالمعصية، وأعظم الإهانة: إهانة الوجه، وكذلك كانت الاستهانة به في طاعة الله سببا لحياة الأبد، والتحريم له على النار فإن الله قد حرّم على النّار أن تأكل من ابن آدم أثر السجود حسبما ثبت في الصحيح «٢».
قصة أصحاب الجنة
[سورة القلم (٦٨) : الآيات ١٧ الى ٣٣]
إِنَّا بَلَوْناهُمْ كَما بَلَوْنا أَصْحابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّها مُصْبِحِينَ (١٧) وَلا يَسْتَثْنُونَ (١٨) فَطافَ عَلَيْها طائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نائِمُونَ (١٩) فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ (٢٠) فَتَنادَوْا مُصْبِحِينَ (٢١)
أَنِ اغْدُوا عَلى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صارِمِينَ (٢٢) فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخافَتُونَ (٢٣) أَنْ لا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ (٢٤) وَغَدَوْا عَلى حَرْدٍ قادِرِينَ (٢٥) فَلَمَّا رَأَوْها قالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ (٢٦)
بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ (٢٧) قالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْتُسَبِّحُونَ (٢٨) قالُوا سُبْحانَ رَبِّنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ (٢٩) فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَلاوَمُونَ (٣٠) قالُوا يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا طاغِينَ (٣١)
عَسى رَبُّنا أَنْ يُبْدِلَنا خَيْراً مِنْها إِنَّا إِلى رَبِّنا راغِبُونَ (٣٢) كَذلِكَ الْعَذابُ وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (٣٣)

(١) تحميم الوجه: تسخيمه بالفحم.
(٢) أحكام القرآن لابن العربي: ٤/ ١٨٤٥.

صفحة رقم 56

الإعراب:
فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ كالشيء المصروم، وهو فعيل بمعنى مفعول، مثل عين كحيل، وكف خضيب، ولحية دهين، أي عين مكحولة، وكفّ مخضوبة، ولحية مدهونة.
أَنِ اغْدُوا عَلى حَرْثِكُمْ تفسير ل فَتَنادَوْا أو أَنِ مصدرية، أي بأن. وكذا قوله: أَنْ لا يَدْخُلَنَّهَا.
وَغَدَوْا عَلى حَرْدٍ قادِرِينَ عَلى حَرْدٍ: جار ومجرور، في موضع نصب على الحال، وتقديره: وغدوا حاردين قادرين.
البلاغة:

فَطافَ عَلَيْها طائِفٌ بينهما جناس اشتقاق.
المفردات اللغوية:
بَلَوْناهُمْ امتحنا أهل مكة بالقحط والجوع وغيرهما من ألوان البلاء والآفات، أي عاملناهم معاملة المختبر. الْجَنَّةِ البستان، كان دون صنعاء بفرسخين، وكان لرجل صالح، ينادي الفقراء وقت الصرام ويترك لهم ما أخطأه المنجل وألقته الريح، أو بعد عن البساط الذي يبسط تحت النخلة، فيجتمع لهم شيء كثير، فلما مات قال بنوه: إن فعلنا ما كان يفعل أبونا، ضاق علينا، فحلفوا ليصرمنها وقت الصباح خفية عن المساكين.
لَيَصْرِمُنَّها يقطعون ثمرتها. مُصْبِحِينَ وقت الصباح كيلا يشعر بهم المساكين، فلا يعطون منها ما كان أبوهم يتصدق به عليهم منها. وَلا يَسْتَثْنُونَ لا يقولون في يمينهم إن شاء الله، وإنما سمّاه استثناء لأن معنى: لا أخرج إن شاء الله، ولا أخرج إلا أن يشاء الله، واحد، والجملة مستأنفة، أي وشأنهم ذلك. فَطافَ عَلَيْها على الجنة. طائِفٌ أي أصابها بلاء طارق أو نازل من عذاب ربّك، وهو نار أحرقتها. كَالصَّرِيمِ كالبستان الذي صرم ثماره بحيث لم يبق فيه شيء، أو كالليل في السواد بعد أن احترقت، أي سوداء.
فَتَنادَوْا نادى بعضهم بعضا. أَنِ اغْدُوا اخرجوا في الغدوة مبكّرين. عَلى حَرْثِكُمْ بستاتكم أو غلتكم. إِنْ كُنْتُمْ صارِمِينَ مريدين قطع ثماره، وجواب الشرط دل عليه ما قبله. يَتَخافَتُونَ يتسارّون فيما بينهم ويتناجون حتى لا يسمعهم أحد. اغْدُوا ساروا غدوة إلى حرثهم. عَلى حَرْدٍ أي على منع للفقراء، وقيل: الحرد: القصد والسرعة. قادِرِينَ على الصرم في ظنهم.

صفحة رقم 57

فَلَمَّا رَأَوْها رأوا الجنة سوداء محترقة. لَضَالُّونَ تائهون عنها، أي ليست هذه.
مَحْرُومُونَ ممنوعون ثمرتها بمنعنا الفقراء منها. قالَ أَوْسَطُهُمْ خيرهم وأرجحهم رأيا. تُسَبِّحُونَ هلا تذكرون الله وتستغفرونه من فعلكم وتتوبون إليه من خبث نيتكم. إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ بمنع الفقراء حقهم.
يَتَلاوَمُونَ يلوم بعضهم بعضا على قصدهم وإصرارهم على منع المساكين. يا وَيْلَنا يا هلاكنا، ويا: للتنبيه. طاغِينَ متجاوزين حدود الله. أَنْ يُبْدِلَنا خَيْراً مِنْها ببركة التوبة والاعتراف بالخطيئة، وقد روي أنهم بدّلوا خيرا منها. إِلى رَبِّنا راغِبُونَ طالبون منه العفو والخير. كَذلِكَ الْعَذابُ أي مثل ذلك العذاب لهؤلاء أصحاب الجنة عذاب الدنيا.
الْعَذابُ لمن خالف أمرنا من أهل مكة وغيرهم. أَكْبَرُ أعظم منه. لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ أي لو علموا عذابها لاحترزوا عما يؤدّيهم إلى العذاب.
سبب النزول: نزول الآية (١٧) :
إِنَّا بَلَوْناهُمْ..: أخرج ابن أبي حاتم عن ابن جريج أن أبا جهل قال يوم بدر: خذوهم أخذا، فاربطوهم في الحبال، ولا تقتلوا منهم أحدا، فنزلت:
إِنَّا بَلَوْناهُمْ كَما بَلَوْنا أَصْحابَ الْجَنَّةِ أي في قدرة أهل مكة على المؤمنين، كما اقتدر أصحاب الجنة على الجنة.
المناسبة:
بعد أن ذكر الله تعالى عن الوليد بن المغيرة أو غيره أنه لأجل كونه ذا مال وبنين، جحد وكفر وعصى وتمرد، بطريق الاستفهام على سبيل الإنكار، بيّن في هذه الآية أنه تعالى إنما أعطاه المال والبنين على سبيل الابتلاء والامتحان، ليعرف هل يصرفه في طاعة الله ويشكر نعم الله، فيزيده من النعمة، أم يكفر بها فيقطعها عنه، ويصب عليه أنواع البلاء والآفات؟ ومثله في هذا ومثل أهل

صفحة رقم 58

مكة كمثل أصحاب الجنة ذات الثمار، كلّفوا أن يشكروا النعم ويعطوا الفقراء حقوقهم، فلما جحدوا النعمة وحرموا المساكين، حرمهم الله الثمار كلها.
روي أن واحدا من ثقيف، وكان مسلما، كان يملك ضيعة فيها نخل وزرع بقرب صنعاء، وكان يجعل من ناتجها عند الحصاد نصيبا وافرا للفقراء، فلما مات، ورثها منه بنوه، ثم قالوا: عيالنا كثير، والمال قليل، ولا يمكننا أن نعطي المساكين، مثلما كان يفعل أبونا، فأحرق الله جنتهم.
التفسير والبيان:
إِنَّا بَلَوْناهُمْ كَما بَلَوْنا أَصْحابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّها مُصْبِحِينَ، وَلا يَسْتَثْنُونَ أي إنا اختبرنا كفار مكة وامتحناهم بالجوع والقحط بدعوة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، كما اختبرنا أصحاب البستان المعروف خبرهم عند قريش، حين حلفوا أنهم سيقطعون ثمر الجنة (البستان) عند الصباح، حتى لا يعلم بهم الفقراء، فيأخذون ما كانوا يأخذونه، طمعا في اقتناء كامل الغلة والزرع، ولم يقولوا: إن شاء الله، فالأكثرون أنهم إنما لم يستثنوا فيما حلفوا به بمشيئة الله تعالى لأنهم كانوا كالواثقين بأنهم يتمكنون من ذلك لا محالة. وقال آخرون: بل المراد أنهم يصرمون كل الزرع، ولا يستثنون للمساكين نصيبهم أو القدر الذي كان أبوهم يدفعه إليهم.
والمقصود اختبار أهل مكة، لمعرفة حالهم، أيشكرون نعم الله عليهم، فيؤمنون بالرسول صلّى الله عليه وسلّم الذي أرسله الله إليهم مبشرا ونذيرا، أم يكذبونه ويكفرون برسالته، ويجحدون حق الله عليهم؟ فيجازوا بما يستحقونه، كما جوزي أصحاب الجنة، وهو ما أخبر عنه في قوله تعالى:
فَطافَ عَلَيْها طائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نائِمُونَ، فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ أي طاف على تلك الجنة من عند الله نار أحرقتها، أي أصابتها آفة سماوية، حتى

صفحة رقم 59

صارت سوداء كالليل الأسود المظلم. ووجه التشبيه أنها يبست وذهبت خضرتها، أو لم يبق منها شيء.
أخرج ابن أبي حاتم عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إياكم والمعاصي، إن العبد ليذنب الذنب، فيحرم به رزقا قد كان هيئ له، ثم تلا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: فَطافَ عَلَيْها طائِفٌ مِنْ رَبِّكَ، وَهُمْ نائِمُونَ، فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ قد حرموا خير جنتهم بذنبهم».
ولكنهم لم يدروا بما حدث، وانطلقوا مصمّمين على ما أرادوا، فقال تعالى:
فَتَنادَوْا مُصْبِحِينَ، أَنِ اغْدُوا عَلى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صارِمِينَ أي فنادى بعضهم بعضا وقت الصباح، ليذهبوا إلى الجذاذ أي القطع: أن اخرجوا مبكرين في الصباح إلى الثمار والزرع، إن كنتم قاصدين للصرام أي القطع. قال مجاهد:
كان حرثهم عنبا.
فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخافَتُونَ أَنْ لا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ أي فبادروا مسرعين إلى حرثهم، وهم يتسارون ويتناجون ويقول بعضهم لبعض: لا تمكّنوا اليوم فقيرا يدخل عليكم، فيطلب منكم أن تعطوه منها ما كان يعطيه أبوكم.
وَغَدَوْا عَلى حَرْدٍ قادِرِينَ أي وذهبوا في الغداة مبكرين، زاعمين أنهم قادرون على الصرام ومنع المساكين وحرمانهم. فقوله: عَلى حَرْدٍ على قصد المنع، وقيل: الحرد: القصد والجدّ والسرعة. وقوله: قادِرِينَ من باب عكس الكلام للتهكم. وفيه أنهم طلبوا حرمان الفقراء، فعورضوا بنقيض مقصودهم.
فَلَمَّا رَأَوْها قالُوا: إِنَّا لَضَالُّونَ أي فلما وصلوا إليها وشاهدوها وهي على الحالة المؤلمة من الاحتراق والسواد، قال بعضهم لبعض: قد أخطأنا وتهنا طريق جنتنا، وليست هذه.

صفحة رقم 60

ثم لما تأملوا وعلموا أنها جنتهم، وأن الله سبحانه قد عاقبهم بإذهاب ما فيها من الثمر والزرع قالوا:
بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ أي بل في الحقيقة والواقع حرمنا الله ثمر جنتنا، بسبب عزمنا على منع المساكين وحرمانهم من خيرها، فلا حظ لنا ولا نصيب، ونحن نادمون على ما فعلنا، كما أخبر تعالى فيما يأتي:
قالَ أَوْسَطُهُمْ: أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْتُسَبِّحُونَ أي قال أمثلهم وأعقلهم وأعدلهم وخيرهم رأيا وتدينا: هلا تسبّحون الله وتذكرونه وتشكرونه على ما أعطاكم وأنعم به عليكم، وتستغفرون الله من فعلكم وتتوبون إليه من هذه النية التي عزمتم عليها.
ولما صدموا بالحقيقة المرة ذكروا الله واعترفوا بذنبهم قائلين:
قالُوا: سُبْحانَ رَبِّنا، إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ أي قالوا: تنزيها لله عن أن يكون ظالما فيما صنع بجنتنا، فإنا كنا ظالمين أنفسنا في حرماننا المساكين حقوقهم. ولكنهم أتوا بالطاعة حيث لا تنفع، وندموا واعترفوا حيث لا ينجع الندم.
ثم لام بعضهم بعضا كما قال تعالى:
فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَلاوَمُونَ أي ثم أخذ بعضهم يلوم بعضا على ما كانوا أصروا عليه من منع المساكين من حق الجذاذ أي القطاف، ولم يجدوا سبيلا إلا الاعتراف بالخطيئة والذنب، والدعاء على أنفسهم بالهلاك، فقال تعالى:
قالُوا: يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا طاغِينَ أي قالوا: يا هلاكنا أقبل، فإنا كنا معتدين متجاوزين الحد، حتى أصابنا ما أصابنا.

صفحة رقم 61

ثم دعوا ربهم أن يعوضهم عما حلّ بهم، فقالوا:
عَسى رَبُّنا أَنْ يُبْدِلَنا خَيْراً مِنْها، إِنَّا إِلى رَبِّنا راغِبُونَ أي لعل الله ربّنا أن يعطينا بدلا خيرا من جنتنا، فإنا راجون العفو والخير منه. قال مجاهد: إنهم تابوا فأبدلوا خيرا منها.
ثم ذكر الله تعالى العبرة من القصة، فقال:
كَذلِكَ الْعَذابُ، وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ أي مثل ذلك العذاب الذي بلونا به أهل الجنة من الحرمان، وأهل مكة من القحط والقتل عذاب الدنيا، وهو عذاب كل من خالف أمر الله، وبخل بما آتاه الله وأنعم به عليه، ومنع حق المسكين والفقير، وإن عذاب الآخرة أشد وأعظم وأشق من عذاب الدنيا، فلو كان المشركون يعلمون ذلك، لعادوا إلى رشدهم، وبادروا إلى الإيمان بدعوة النبي المصطفى صلّى الله عليه وسلّم، وأقلعوا عن الغي والضلال، ولكنهم لا يعلمون. وهذا دليل على غفلتهم وجهلهم وبعدهم عن الحق والصواب.
فقه الحياة أو الأحكام:
دلّت قصة أصحاب الجنة على ما يأتي:
١- الدنيا دار ابتلاء واختبار، فقد ابتلى الله تعالى أصحاب الجنة (البستان) وابتلى أهل مكة، بأن أعطاهم ربّهم أموالا ليشكروا، لا ليبطروا، فلما بطروا، وعادى المشركون محمدا صلّى الله عليه وسلّم، ابتلاهم بالجوع والقحط، كما ابتلى (اختبر) أهل الجنة المعروف خبرها عندهم لأنهم من أهل اليمن القريبة منهم، على بعد ستة أميال من صنعاء.
٢- قال بعض العلماء: على من حصد زرعا أو جدّ ثمرة أن يواسي منها من حضره، وذلك معنى قوله تعالى: وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ [الأنعام ٦/ ١٤١]

صفحة رقم 62

وأنه غير الزكاة، لذا نهي عن الحصاد في الليل، لا خشية الحيّات وهوّام الأرض لأن عقوبة أصحاب الجنة كانت بسبب ما أرادوه من منع المساكين، كما ذكر الله تعالى.
٣- دلّ قوله تعالى: إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّها مُصْبِحِينَ على أن العزم مما يؤاخذ به الإنسان لأنهم عزموا على أن يفعلوا، فعوقبوا قبل فعلهم. ونظير هذه الآية: وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ، نُذِقْهُ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ [الحج ٢٢/ ٢٥].
وفي الصحيح عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «إذا التقى المسلمان بسيفيهما، فالقاتل والمقتول في النار، قيل: يا رسول الله، هذا القاتل، فما بال المقتول؟ قال: إنه كان حريصا على قتل صاحبه».
٤- إن الإنسان ضعيف القوة والتدبير والرأي، فلقد أحكم أصحاب الجنة الخطّة، وصمموا على صرام الزرع والثمر أو العنب في الصباح الباكر قبل أن ينتشر المساكين في البساتين، وذهبوا جادين مسرعين، متسارّين، أي يخفون كلامهم ويسرّونه لئلا يعلم بهم أحد قائلين: لا يدخل علينا مسكين، أي لا تمكنوه من الدخول، وعزموا على حرمان المساكين، مع كونهم قادرين على نفعهم، وهم يظنون أنهم تمكنوا من مرادهم، ففوجئوا بتدمير الله وإحراقه الحرث وإتلافه الغلة والثمر.
٥- ولما رأوا الجنة محترقة لا شيء فيها، قد صارت كالليل الأسود وأضحت كالرماد، شكوا فيها، وقالوا: ضللنا الطريق إلى جنتنا، ثم لما تيقنوا منها قالوا: بل نحن محرومون، أي حرمنا جنتنا بما صنعنا. وهذا دليل على أن الرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل.
٦- كان أوسطهم، أي أمثلهم وأعدلهم وأعقلهم قد أمرهم بالاستثناء وهو سبحان الله أي تنزيها لله عزّ وجلّ، فقال لهم: هلّا تسبّحون الله أي تقولون:

صفحة رقم 63

سبحان الله وتشكرونه على ما أعطاكم، وتعلقون الأمر بمشيئة الله، وتتوبون إليه من خبث نيّتكم، فإن الله ينتقم من المجرمين، ولكنهم لم يطيعوه.
ثم تذكروا قوله، واعترفوا بالمعصية، ونزّهوا الله عن أن يكون ظالما فيما فعل، وإنما هم الظالمون أنفسهم في منعهم المساكين.
٧- لام بعضهم بعضا في تدبير الخطة، كشأن كل جماعة تخيب في أمرها، فقال أحدهم لغيره: أنت أشرت علينا بهذا الرأي، وقال الآخر: أنت خوّفتنا بالفقر، وقال الثالث: أنت الذي رغبتني في جمع المال.
٨- أكد أصحاب الجنة اعترافهم بالمعصية، فقالوا: يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا طاغِينَ أي عاصين بمنع حق الفقراء وترك الاستثناء، وكان استثناؤهم تسبيحا كما قال مجاهد وغيره، وهو في موضع: «إن شاء الله» لأن المعنى تنزيه الله عزّ وجلّ أن يكون شيء إلا بمشيئته. والخلاصة في رأي الأكثرين أن معنى قوله: تُسَبِّحُونَ هلا تستثنون، فتقولون: إن شاء الله.
٩- أعلن أصحاب الجنة توبتهم وأخلصوا نيّتهم في رأي الأكثرين، حين قالوا: عَسى رَبُّنا أَنْ يُبْدِلَنا خَيْراً مِنْها إِنَّا إِلى رَبِّنا راغِبُونَ فإنهم تعاقدوا وتعاهدوا وقالوا: إن أبدلنا الله خيرا منها لنصنعن كما صنعت آباؤنا، فدعوا الله وتضرعوا، فأبدلهم الله، من ليلتهم تلك، ما هو خير منها. والإبدال: رفع الشيء ووضع آخر مكانه. قال مجاهد: إن هذه كانت توبة منهم، فأبدلوا خيرا منها.
١٠- هدد الله المكلفين من أهل مكة وغيرهم بقوله: كَذلِكَ الْعَذابُ أي عذاب الدنيا وهلاك الأموال، والمعنى: مثلما فعلنا بهؤلاء أصحاب الجنة، نفعل بمن تعدّى حدودنا في الدنيا. ثم خوّف تعالى الكفار بعذاب أشد وهو عذاب الآخرة في قوله: وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ، لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ.

صفحة رقم 64
التفسير المنير
عرض الكتاب
المؤلف
وهبة بن مصطفى الزحيلي الدمشقي
الناشر
دار الفكر المعاصر - دمشق
سنة النشر
1418
الطبعة
الثانية
عدد الأجزاء
30
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية