أحكام الطلاق والعدة وثمرة التقوى والتوكل
[سورة الطلاق (٦٥) : الآيات ١ الى ٣]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلاَّ أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً (١) فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهادَةَ لِلَّهِ ذلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً (٢) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً (٣)الإعراب:
إِنَّ اللَّهَ بالِغُ أَمْرِهِ بالِغُ بغير تنوين: حذف التنوين للتخفيف، وجر ما بعده بالإضافة، وقرئ بالتنوين على الأصل، لأن اسم الفاعل هنا بمعنى الاستقبال، ونصب أَمْرِهِ به.
البلاغة:
وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ، وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ إظهار في موضع الإضمار للترهيب لا تَدْرِي.. الأصل لا يدري ففيه التفات لمزيد الاهتمام، من الغائب إلى الخطاب.
فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فارِقُوهُنَّ بينهما طباق. صفحة رقم 263
المفردات اللغوية:
يا أَيُّهَا النَّبِيُّ خص النبي ﷺ بالنداء، وعمّ الخطاب بالحكم، فالمراد به أمته، لأنه إمام أمته، فنداؤه كندائهم. إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ أي إذا أردتم الطلاق، مثل قوله تعالى: فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ [النحل ١٦/ ٩٨] أي فإذا أردت قراءته.
فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ أي مستقبلات عدتهن أي وقتها، وهو الطلاق في طهر لإجماع فيه.
وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ اضبطوها واحفظوها وأكملوها ثلاثة قروء.
وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ أطيعوه في أمره ونهيه، واحذروا تطويل العدة والإضرار بهن.
لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ أي من مساكنهن وقت الفراق حتى تنقضي عدتهن. وَلا يَخْرُجْنَ لا يباح لهن الخروج من المساكن أثناء العدة حتى تنقضي. بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ أي بسبب ارتكاب فاحشة (وهي الزنى) واضحة توجب الحد، أو بالتطاول على الزوج أو أسرته، أو بالخروج قبل انقضاء العدة، فتخرج لإقامة الحد عليها، أو للتخلص من بذاءتها، أو لبيان كون خروجها فاحشة.
وَتِلْكَ المذكورات. حُدُودُ اللَّهِ أي أحكامه وشرائعه. ظَلَمَ نَفْسَهُ أضرّ بها إذ عرضها للعقاب. لا تَدْرِي النفس أو أيها النبي أو المطلّق. لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً يحدث بعد الطلاق أمرا جديدا، وهو الندم على الطلاق والرغبة في المطلّقة برجعة أو استئناف عقد.
فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ قاربن انقضاء عدتهن. فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أي راجعوهن بحسن عشرة. أَوْ فارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ اتركوهن مع إيفاء الحق واتقاء الضرار بالمراجعة، كأن يراجعها ثم يطلقها تطويلا لعدتها. وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ يندب الإشهاد على المراجعة أو الفرقة بعدا عن الرّيبة وقطعا للنزاع، مثل قوله تعالى: وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ [البقرة ٢/ ٢٨٢]. وَأَقِيمُوا الشَّهادَةَ لِلَّهِ أدّوا أيها الشهود عند الحاجة الشهادة خالصة لوجه الله بلا تحريف، لا للمشهود له أو عليه. ذلِكُمْ جميع ما في الآية، أو المراد الحث على الشهادة والإقامة (الأداء). يُوعَظُ بِهِ مَنْ كانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ خصص المؤمن، لأنه المنتفع بالوعظ، والمراد تذكيره.
وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً طريقا للخروج من كرب الدنيا والآخرة، جملة اعتراضية مؤكدة لما سبق، بوعد المحافظين على حدود الله وأحكامه. وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ أي يفوض أموره لله. فَهُوَ حَسْبُهُ كافيه. إِنَّ اللَّهَ بالِغُ أَمْرِهِ منفذ حكمه ومراده وقضاءه في خلقه، يفعل ما يشاء، ويبلغ ما يريد. قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ من رخاء وشدة. قَدْراً تقديرا أو مقدارا أو أجلا وميقاتا.
سبب النزول:
نزول الآية (١) :
يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ..:
أخرج ابن أبي حاتم وابن جرير وابن المنذر عن أنس قال: طلّق رسول الله ﷺ حفصة، فأتت أهلها، فأنزل الله تعالى:
يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَ
فقيل له، راجعها فإنها صوّامة قوّامة، وهي من أزواجك ونسائك في الجنة.
وأخرج البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي والدار قطي عن ابن عمر: «أنه طلّق امرأته، وهي حائض، فذكر ذلك عمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فتغيظ منه، ثم قال: ليراجعها ثم يمسكها حتى تطهر، ثم تحيض، فتطهر، فإن بدا له أن يطلّقها فليطلّقها طاهرا قبل أن يمسّها، فتلك العدة التي أمر بها الله عز وجل».
وفي لفظ مسلم: «فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء».
وفي لفظ الدارقطني: «ليراجعها ثم ليمسكها حتى تحيض حيضة مستقبلة سوى حيضتها التي طلقها فيها، فإن بدا له أن يطلقها فليطلقها طاهرا من حيضتها قبل أن يمسّها فذلك الطلاق للعدة كما أمر الله».
سبب نزول الآية (٢) :
وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ..:
أخرج الحاكم عن جابر قال: نزلت هذه الآية:
وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً في رجل من أشجع كان فقيرا، خفيف ذات اليد، كثير العيال، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسأله، فقال له: اتق الله، واصبر، فلم يلبث إلا يسيرا حتى جاء ابن له بغنم
، وكان العدو أصابوه، فأتى رسول الله ﷺ فأخبره خبرها، فقال: كلها، فنزلت. قال الذهبي: حديث منكر، له شاهد.
وأخرج ابن مردويه والخطيب عن ابن عباس قال: «جاء عوف بن مالك الأشجعي، فقال: يا رسول الله، إن ابني أسره العدو، وجزعت أمه، فما تأمرني؟ قال: آمرك وإياها أن تستكثروا من: لا حول ولا قوة إلا بالله فقالت المرأة: نعم ما أمرك، فجعلا يكثران منها، فتغفل عنه العدو، فاستاق غنمهم، فجاء بها إلى أبيه، فنزلت: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً».
التفسير والبيان:
يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ، فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ: أي يا أيها الرسول والمؤمنون به إذا أردتم تطليق النساء وعزمتم عليه، فطلقوهن مستقبلات لعدتهن أو قبل وقت عدتهن. والمراد الأمر بالطلاق في طهر لم يقع فيه جماع، والنهي عن إيقاعه في الحيض، كما وردت السنة الصريحة بذلك في حديث ابن عمر المتقدم.
وإنما كان النداء خاصا بالنبي صلى الله عليه وسلم، والخطاب بالحكم عاما له ولأمته، تكريما له صلى الله عليه وسلم، وإظهارا لجلالة منصبه، كما يقال لرئيس القوم، أو قائد الجند: يا فلان، افعلوا كذا وكذا، إظهارا لمقامه فيهم، وكونه القائد المسؤول عن التوجيه.
والآية دليل على حرمة الطلاق في الحيض، وذكر الفقهاء أن الطلاق أنواع ثلاثة «١» : طلاق سني، وطلاق بدعي «٢»، وطلاق ليس بسني ولا بدعي، أما الطلاق السني: فهو الطلاق في طهر لإجماع فيه، أو أثناء حمل قد استبان. وأما
(٢) سمي طلاق السنة لاتفاقه مع تقدير القرآن والسنة، وسمي طلاق البدعة للزيادة على الأقراء الثلاثة، لأنها إذا طلقت وهي حائض لم تحسب حيضتها، بل تزيد على ثلاثة أقراء فتطول العدة عليها.
الطلاق البدعي: فهو الطلاق أثناء الحيض، أو في طهر قد تم فيه الوقاع، خشية الحمل، وهو حرام لإلحاقه الضرر بالزوجة، بتطويل المدة التي تنتظرها لانتهاء العدة، لأن بقية الحيض لا تحسب من العدة عند القائلين بأن الأقراء الأطهار، وكذلك الطهر الذي بعد الحيضة التي طلقت فيها عند القائلين بأن الأقراء الحيضات، ولا بد من حيضات ثلاث كاملة.
وألحق الفقهاء بذلك في الحرمة الطلاق في النفاس.
ونصت السنة على صورة الطلاق البدعي المحرم في طهر جامعها فيه، إذ ربما تحمل، ويندم الرجل على الطلاق.
لكن الخلع في الحيض بعوض من المرأة ليس محرما عند كثير من الفقهاء، لأن بذلها المال يشعر بحاجتها إلى الخلاص، وبرضاها بتطويل المدة، والله تعالى قال: فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ [البقرة ٢/ ٢٢٩] وأذن النبي ﷺ لثابت بن قيس في الخلع على مال، دون سؤال عن حال زوجته.
وأما الطلاق الذي ليس بسني ولا بدعي: فهو طلاق الصغيرة والآيسة من الحيض وغير المدخول بها.
والأفضل بالاتفاق كون الطلقة مرة واحدة، ويكره عند مالك الثلاث متفرقة أو مجموعة، وعند الحنفية: يكره الزيادة على الواحدة في طهر واحد، ويباح عند الشافعي الثلاث.
واستدل الشافعي بقوله تعالى: فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ على أن الأقراء:
الأطهار، لأن اللام لام الوقت، أي فطلقوهن وقت عدتهن، ويؤيده حديث ابن عمر المتقدم الذي بين فيه النبي ﷺ أن العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء هي الطهر الذي بعد الحيضة، ولو كان القرء هو الحيض، كان قد طلقها قبل العدة، لا في العدة، وكان ذلك تطويلا عليها.
وتأول الحنفية والحنابلة قوله تعالى: فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ أن المعنى لاستقبال عدتهن، لا في عدتهن، إذ من المحال أن يكون الطلاق وهو سبب العدة واقعا في العدة، والذي يستقبل إنما هو الحيض لا الطهر.
لكن المعروف أن اللام إذا دخلت الوقت أفادت معنى التأقيت والاختصاص بذلك الوقت، فيكون المعنى: فطلقوهن للوقت الذي يشرعن فيه في العدة على الاتصال بالطلاق.
ثم أمر الله تعالى بضبط العدة وإحصاء وقتها، فقال:
وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ أي احفظوها واعرفوا ابتداءها وانتهاءها، لتكون عدة كاملة، وهي ثلاثة قروء تامة، والخطاب للأزواج. وضبط العدة واجب لإجزاء أحكامها فيها من تحديد حق الرجعة للزوج والإشهاد عليها، ونفقة الزوجة وسكناها، وعدم خروجها من بيتها قبل انقضائها.
وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ فلا تعصوه فيما أمركم، ولا تضارّوهن بتطويل العدة على المرأة، فتمتنع من الأزواج.
لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ أي لا تخرجوا المطلقات من بيوتهن في مدة العدة، فلكل امرأة معتدة حق السكنى على الزوج، ما دامت معتدة منه، فليس للرجل أن يخرجها، ولا يجوز لها أيضا الخروج، فليس للمعتدات الزوجات الخروج من تلك البيوت ما دمن في العدة إلا لأمر ضروري، رعاية لحق الزوج، فإذا خرجت المعتدة لغير ضرورة ليلا أو نهارا، كان الخروج حراما.
وفيه دليل على وجوب السكنى للزوجات المطلقات أو المعتدات ما دمن في العدة، وأضاف البيوت إليهن، وهي لأزواجهن لتأكيد النهي عن الإخراج والخروج، ببيان كمال استحقاقهن للسكنى، كأنها ملك لهن.
والصحيح عند الحنفية أن للشرع في ملازمة المعتدة بيت الزوجية حقا في ذلك، لا يملك الزوج إسقاطه، فيكون قوله تعالى: لا تُخْرِجُوهُنَّ دالا على حرمة إخراجهن بمنطوقه، وعلى حرمة الإذن لهن في الخروج بإشارته، لأن الإذن في المحرم محرم.
ورأى الشافعية أن ملازمة المعتدة بيت الزوجية خالص حق الزوجين، فلو اتفقا على الانتقال جاز، لأن الحق لهما وحدهما. وهذا هو المطبق فعلا اليوم حال الطلاق، فلا نرى مطلقة تبقى في بيت الفراق.
إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ أي لا تخرجوهن من بيوتهن إلا إذا ارتكبن فاحشة الزنى، أو إذا نشزن أو صدر منهن بذاءة في اللسان واستطالة على الساكن معهن في ذلك البيت من أهل الرجل، وآذتهم المرأة في الكلام والفعال، فحينئذ يحل إخراجهن في المساكن لبذاءتهن وسوء خلقهن.
وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ، وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ، فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ أي وهذه الأحكام السابقة التي بينها الله لعباده هي حدود الله التي حدها لهم، لا يحل لهم أن يتجاوزوها إلى غيرها، ومن يتجاوز هذه الحدود المذكورة فقد أوقع نفسه في الظلم وأضرّ بها وأوردها مورد الهلاك.
ثم ذكر الله تعالى علة تحريم تعدي حدود الله، فقال:
لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً أي لا تدري أيها المطلّق، فإنما أبقينا المطلقة في منزل الزوج في مدة العدة، لعل الزوج يندم على طلاقها، ولعلها إذا بقيت في بيتها أن يؤلف الله بين قلوبهما، فيتراجعا، بأن يراجعها الزوج، فيكون ذلك أيسر وأسهل، فالمقصود بالآية الرجعة.
وهذا واقع غالب، فإن غالب الطلاق يحدث نتيجة ثورة غضب جامحة، أو مكايدة ظاهرية، ثم تزول عوامل القلق، وتهدأ الأعصاب، ويعود الرجل إلى
عقله ووعيه، ويحس بقسوة خلو البيت من المرأة أو التفكير بالزواج بامرأة أخرى، ويتذكر محاسن امرأته، ويغض النظر عن مساوئها، كما
قال ﷺ فيما أخرجه مسلم عن أبي هريرة: «لا يفرك مؤمن مؤمنة إن سخط منها خلقا رضي خلقا»
وقد تكون المرأة حاملا. والحديث مؤيد للآية: فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً، وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً [النساء ٤/ ١٩].
ثم بيّن الله تعالى الحكم عند الاقتراب من نهاية العدة، فقال:
فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ، فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أي إذا شارفن على انقضاء العدة، وقاربن ذلك، أي قاربت العدة على الانتهاء، ولكنها لم تنته تماما، فلكم أيها الأزواج اختيار أحد أمرين: إما الإمساك بالمعروف، وهو الرجعة إلى عصمة الزوج والاستمرار في الزوجية، مع الإحسان إليها في الصحبة، وإما المفارقة بالمعروف، أي تركهن إلى انقضاء عدتهن مع إيفاء حقهن واتقاء الضرار بهن، من غير توبيخ ولا تعنيف ولا مشاتمة، بل تطلق المرأة على وجه جميل وسبيل حسن. أما الإمساك للمضارة أو التسريح مع الأذى ومنع الحق، فإن ذلك لا يحل لأحد.
ثم أمر الله تعالى بالإشهاد على الرجعة أو الفراق، فقال:
وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ، وَأَقِيمُوا الشَّهادَةَ لِلَّهِ أي وأشهدوا على الرجعة إن راجعتم، أو المفارقة إن فارقتم، قطعا للنزاع، وحسما لمادة الخصومة أو الإنكار، وأدوا الشهادة أيها الشهود وأتوا بها خالصة لوجه الله، وتقربا إليه لإظهار الحق، دون تحيز أو مجاملة لأحد الخصمين، المشهود له أو عليه.
وهذه الشهادة على الرجعة والفرقة مندوبة، والأمر للندب والاستحباب عند أئمة المذاهب الأربعة في الجديد عند الشافعي، كما في قوله تعالى: وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ [البقرة ٢/ ٢٨٢] ودليل صرف الأمر عن الوجوب الإجماع على عدم
الوجوب عند الطلاق، فكذلك عند الإمساك.
وقوله: وَأَقِيمُوا الشَّهادَةَ لِلَّهِ دليل على وجوب أداء الشهادة عند القضاة على الحقوق كلها، لأن الشهادة هنا اسم للجنس. وإنما حث تعالى على أداء الشهادة لإظهار الحق، وترك التكاسل والتهرب من بعض المتاعب أو المشاق في الذهاب إلى المحاكم وانتظار القضاة، خشية تعطيل العمل أو الوقت بالنسبة للشاهد.
ذلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أي ذلكم المذكور الذي أمرناكم به من الإشهاد على الرجعة والفرقة وإقامة الشهادة خالصة لله، وإيقاع الطلاق على وجه السنة، وإحصاء العدة، والكف عن الإخراج والخروج، إنما يأتمر به من يؤمن بالله واليوم الآخر ويخاف عقاب الله في الدار الآخرة. وخص المؤمن، لأنه المنتفع بذلك دون غيره.
ثم أكد الله تعالى بجملة معترضة وجوب احترام هذه الأحكام والتزام حدود الله بقوله: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً، وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ أي ومن يتق الله فيما أمره به، وترك ما نهاه عنه، ووقف عند حدوده التي حدها لعباده، يجعل له من أمره مخرجا أو مخلصا مما وقع فيه، ويرزقه من وجه لا يخطر بباله، ولا يكون في حسابه.
وهذا دليل على أن التقوى سبيل النجاة من المآزق والهموم والغموم الدنيوية والأخروية وعند الموت، وهي أيضا سبب للرزق الطيب الحلال الواسع غير المتوقع.
روى الإمام أحمد عن أبي ذر قال: جعل رسول الله ﷺ يتلو عليّ هذه الآية: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً، وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ حتى فرغ من الآية، ثم قال: «يا أبا ذر، لو أن الناس كلهم أخذوا بها كفتهم».
وروى ابن أبي حاتم عن عبد الله بن مسعود أنه قال: إن أجمع آية في القرآن: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وإن أكبر آية في القرآن فرجا:
وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً.
وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ، إِنَّ اللَّهَ بالِغُ أَمْرِهِ، قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً أي ومن يثق بالله فيما نابه وفوض إليه أمره بعد اتخاذ الأسباب ومنها السعي لكسب الرزق، كفاه ما أهمه، في جميع أموره، لأن الله هو القادر على كل شيء، الغني عن كل شيء، إن الله يبلغ ما يريده، ولا يفوته مراد، ولا يعجزه مطلوب، قد جعل للأشياء قدرا قبل وجودها، وقدّر لها أوقاتها، فجعل سبحانه للشدة أجلا تنتهي إليه، وللرخاء أجلا ينتهي إليه. وإذا كان الرزق وغيره من الأشياء لا يكون إلا بتقدير الله تعالى، ولا يقع إلا على وفق علمه، فليس للعاقل إلا التسليم للقدر كما قال تعالى: وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدارٍ [الرعد ١٣/ ٨]. وهذا دليل على وجوب التوكل على الله وتفويض الأمر إليه، مع بيان السبب والحكمة.
فقه الحياة أو الأحكام:
دلت الآيات على الأحكام التالية:
١- الطلاق جائز مشروع في الإسلام، على أن تلتزم فيه ضوابط الشرع وآدابه، فهو وإن كان جائزا مباحا وبيد الرجل، فيجب الامتناع عنه إلا عند الضرورة أو الحاجة وأن يكون متفرقا وألا يزيد عن طلقة واحدة، وفي حال الرضى، لما
روى أبو داود عن محارب بن دثار أن رسول الله ﷺ قال: «ما أحل الله شيئا أبغض إليه من الطلاق».
وروى الثعلبي عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن من أبغض الحلال إلى الله تعالى الطلاق
وروى أبو داود والترمذي عن ثوبان أن رسول الله ﷺ قال: «أيّما امرأة سألت زوجها الطلاق من غير بأس، حرّم الله عليها رائحة الجنة».
٢- أن يستقبل بالطلاق العدة، لقوله تعالى: فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ ولما روى أبو داود عن أسماء بنت يزيد بن السّكن الأنصارية أنها طلّقت على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يكن للمطلقة عدّة، فأنزل الله سبحانه حين طلّقت أسماء بالعدة للطلاق، فكانت أول من أنزل فيها العدة للطلاق.
٣- من طلّق في طهر لم يجامعها فيه، نفذ طلاقه وأصاب السّنة، وإن طلقها حائضا نفذ طلاقه وأخطأ السنة، عملا بحديث ابن عمر المتقدم، وبقول ابن مسعود فيما رواه الدارقطني: طلاق السنة: أن يطلقها في كل طهر تطليقة، فإذا كان آخر ذلك، فتلك العدة التي أمر الله تعالى بها.
قال علماء المالكية: طلاق السنة ما جمع شروطا سبعة: وهو أن يطلقها واحدة، وهي ممن تحيض، طاهرا، لم يمسّها في ذلك الطهر، ولا تقدّمه طلاق في حيض. ولا تبعه طلاق في طهر يتلوه، وخلا عن العوض. وهذه الشروط السبعة من حديث ابن عمر المتقدم.
وقال أبو حنيفة: طلاق السنة: أن يطلّقها في كل طهر طلقة. وقال الشافعي: طلاق السنة أن يطلقها في كل طهر خاصة، ولو طلقها ثلاثا في طهر، لم يكن بدعة، لظاهر الآية: فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وهذا عام في كل طلاق كان، واحدة أو اثنتين أو أكثر. وإنما راعى الله سبحانه الزمان في هذه الآية، ولم يعتبر العدد. وكذلك حديث ابن عمر، لأن النبي ﷺ علّمه الوقت، لا العدد. قال ابن العربي: وهذه غفلة عن
الحديث الصحيح، فإنه قال: «مره فليراجعها»
وهذا يدفع الثلاث.
وفي الحديث أنه قال: أرأيت لو طلقها ثلاثا؟ قال: حرمت عليك، وبانت منك بمعصية.
وقال تعالى: الطَّلاقُ مَرَّتانِ [البقرة ٢/ ٢٢٩] أي مرة بعد مرة.
والطلاق المخالف للسنة يقع، وهو إثم، لما
روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: أن رجلا طلق امرأته ثلاثا بين يديه، فقال له: «أو تلعبون بكتاب الله، وأنا بين أظهركم».
والظاهر عند الشافعية كراهة تطليق المدخول بها واحدة بائنة.
٤- قال الجرجاني: اللام في قوله تعالى: لِعِدَّتِهِنَّ بمعنى (في)، كقوله تعالى: هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ دِيارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ [الحشر ٥٩/ ٢] أي في أول الحشر، فقوله: لِعِدَّتِهِنَّ أي في الزمان الذي يصلح لعدّتهن، والإجماع على أن الطلاق في الحيض ممنوع، وفي الطهر مأذون فيه. وهذا دليل على أن القرء هو الطهر.
٥- قوله تعالى: وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ هذا في المدخول بها المعتدة بالأقراء، لقوله تعالى: فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ، ولأن غير المدخول بها لا عدة عليها، للآية: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِناتِ، ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ، فَما لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَها.. [الأحزاب ٣٣/ ٤٩] وله أن يراجعها فيما دون الثلاث قبل انقضاء العدة، ويكون بعدها كأحد الخطّاب، ولا تحلّ له في الثلاث إلا بعد زوج.
٦- قوله تعالى: وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ معناه احفظوا الوقت الذي وقع فيه الطلاق، حتى إذا انتهت الثلاثة قروء في قوله تعالى: وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ [البقرة ٢/ ٢٢٨] حلّت للأزواج. وهذا يدل على أن العدة هي الأطهار، وليست بالحيض، وهو مذهب المالكية والشافعية، ويؤكده ويفسره قراءة النبي صلى الله عليه وسلم، وقراءة ابن مسعود: فطلقوهن لقبل عدتهن وقبل الشيء: بعضه لغة وحقيقة، بخلاف استقباله، فإنه يكون غيره.
٧- الصحيح أن المخاطب بقوله: وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ الأزواج، لأن الضمائر كلها من طَلَّقْتُمُ وأَحْصُوا ولا تُخْرِجُوهُنَّ على نظام واحد
يرجع إلى الأزواج. ولكن الزوجات داخلة فيه بالإلحاق بالزوج، وكذلك الحاكم يحتاج إلى الإحصاء للعدة للفتوى بها والحكم بموجبها.
٨- ليس للزوج إخراج المعتدة من مسكن الزواج ما دامت في العدة، ولا يجوز لها الخروج أيضا لحق الزوج إلا لضرورة ظاهرة، فإن خرجت أثمت ولا تنقطع العدّة. والرجعية والمبتوتة (المطلقة ثلاثا) في هذا سواء. وهذا لصيانة ماء الرجل، منعا لاختلاط الأنساب.
وآراء العلماء في خروج المعتدة هي:
قال مالك وأحمد: إن المعتدة تخرج بالنهار في حوائجها، وإنما تلزم منزلها بالليل، سواء كانت رجعية أو بائنة، لما
أخرجه مسلم عن جابر بن عبد الله قال: «طلّقت خالتي، فأرادت أن تجدّ «١» نخلها، فزجرها رجل أن تخرج، فأتت النبي ﷺ فقال: بلى فجدّي نخلك، عسى أن تصدّقي أو تفعلي معروفا».
وذهب الشافعي إلى أنه لا يجوز للمعتدة مطلقا، رجعية أو مبتوتة أو متوفى عنها زوجها، الخروج من موضع العدة ليلا ولا نهارا إلا لعذر، عملا بالآية:
لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ، وَلا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ.
ورأي أبو حنيفة أنه لا يجوز للمطلقة الخروج ليلا ونهارا، سواء كانت رجعية أو مبتوتة، للآية السابقة، ويجوز للمتوفى عنها زوجها الخروج نهارا في حوائجها، لاحتياجها إلى اكتساب النفقة، ولا تخرج ليلا، لعدم الحاجة.
٩- لا تخرج المعتدة من بيتها في العدة إلا لفاحشة مبينة، كإقامة الحد عليها بسبب الزنى، أو بذاءة لسانها واستطالتها على أهل الزوج، ونشوزها. قال ابن
عباس وغيره: الفاحشة: كل معصية كالزنى والسرقة والبذاء على الأهل. وأجاز الشافعي كما تقدم التراضي على إسقاط الزوجة حقها في السكنى أثناء العدة.
١٠- هذه الأحكام المبينة هي أحكام الله على العباد، فيمنع التجاوز عنها، ومن تجاوزها فقد ظلم نفسه، وأوردها مورد الهلاك، إذ قد يستجد أمر في شأن المطلقة، فيندم الرجل، ويرغب في الرجعة، قال جميع المفسرين في قوله تعالى: لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً: أراد بالأمر هنا الرغبة في الرجعة. ومعنى القول: التحريض على طلاق المطلقة الواحدة، والنهي عن الثلاث، فإنه إذا طلّق ثلاثا، أضرّ بنفسه عند الندم على الفراق، والرغبة في الارتجاع، فلا يجد عند الرجعة سبيلا.
١١- إذا قاربت المعتدة انقضاء العدة فعلى الرجل إما الإمساك بمعروف، أي المراجعة بالمعروف من غير قصد المضارّة في الرجعة، تطويلا لعدتها، أو المفارقة بالمعروف، أي الترك حتى تنقضي عدتها، فتملك نفسها. وقوله تعالى: فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ دليل على أن القول قول المرأة في انقضاء العدة إذا ادّعت ذلك.
١٢- الإشهاد على الطلاق وعلى الرجعة مندوب إليه في المذاهب الأربعة، منعا للتجاحد، وعدم الاتهام في الإمساك، وعدم التذرع بثبوت الزوجية للإرث بعد الموت. والرجعة عند الحنفية تحصل بالقول مثل: راجعتك، وبالفعل كالقبلة والمباشرة والملامسة بشهوة والنظر إلى الفرج. وعند الشافعي: تكون الرجعة بالكلام. وتحصل الرجعة عند المالكية بالقول أو الفعل أو النية، وتحصل الرجعة عند الحنابلة والأوزاعي بالقول الصريح وبالوطء، سواء نوى به الرجعة أم لم ينو به الرجعة، ولا تحصل الرجعة بالتقبيل أو اللمس بشهوة، أو النظر إلى الفرج أو الخلوة بالمرأة والحديث معها، لأن المذكور كله ليس في معنى الوطء، وهو الذي يدل على ارتجاعها دلالة ظاهرة.
١٣- من ادعى بعد انقضاء العدة أنه راجع امرأته في العدة، فإن صدقته
جاز، وإن أنكرت حلفت، فإن أقام بيّنة أنه ارتجعها في العدة، ولم تعلم بذلك، لم يضره جهلها بذلك، وكانت زوجته. وإن تزوجت ولم يدخل بها الزوج الثاني، ثم أقام الأول بيّنة على رجعتها، فلمالك في ذلك روايتان: إحداهما- أن الأوّل أحق بها، والأخرى- أن الثاني أحق بها. فإن دخل بها الثاني فلا سبيل للأول إليها.
١٤- الإشهاد يكون بالرجال المسلمين دون الإناث، إذ لا مدخل للنساء فيما عدا الأموال. ويجب أن تكون الشهادة تقربا إلى الله في إقامتها وأدائها على وجهها إذا مسّت الحاجة إليها من غير تبديل ولا تغيير.
١٥- إن المؤمن هو الذي يرضى بهذه الأحكام وينتفع بهذه المواعظ، أما غير المؤمن بالله واليوم الآخر، فلا ينتفع بها.
١٦- كل من يتقي الله في تطبيق أحكام الشريعة في الطلاق والعدة والإشهاد ونحوها، يجعل الله له مخرجا من كل شدة وضيق، ويرزقه الثواب الحسن ويبارك له فيما آتاه.
روى أحمد والنسائي وابن ماجه عن ثوبان: «إن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه، ولا يرد القدر إلا الدعاء، ولا يزيد في العمر إلا البر».
١٧- كل من يتوكل على الله وفوض الأمر إليه، كفاه ما أهمه في الدنيا والآخرة، لأن الله بالغ أمره فيما أراد، وقاض أمره في كل الناس، سواء من توكل عليه ومن لم يتوكل عليه، وجعل لكل شيء من الشدة والرخاء أجلا ينتهي إليه.
ولا يعني التوكل إهمال اتخاذ الأسباب أو الحفظ والصون،
لقوله ﷺ فيما رواه الترمذي عن أنس، وهو ضعيف: «اعقلها وتوكل».
وقال تعالى: فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ، فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ [الجمعة ٦٢/ ١٠]. وقال سبحانه: فَامْشُوا فِي مَناكِبِها وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ [الملك ٦٧/ ١٥].