
الْمَخْزُومِيُّ فَقَالَتْ: إِنَّ أَبَا عَمْرِو بْنَ حَفْصٍ أَرْسَلَ إِلَيَّ وَهُوَ مُنْطَلِقٌ فِي جَيْشٍ إِلَى الْيَمَنِ بِطَلَاقِي، فَسَأَلْتُ أَوْلِيَاءَهُ النَّفَقَةَ عَلَيَّ وَالسُّكْنَى، فَقَالُوا: مَا أَرْسَلَ إِلَيْنَا فِي ذَلِكَ شَيْئًا، وَلَا أَوْصَانَا بِهِ. فَانْطَلَقْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ أَبَا عَمْرِو بْنَ حَفْصٍ أَرْسَلَ إِلَيَّ بِطَلَاقِي، فَطَلَبْتُ السُّكْنَى وَالنَّفَقَةَ عَلَيَّ، فَقَالَ: أَوْلِيَاؤُهُ: لَمْ يُرْسِلْ إِلَيْنَا فِي ذَلِكَ بِشَيْءٍ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّمَا النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى لِلْمَرْأَةِ إِذَا كَانَ لِزَوْجِهَا عَلَيْهَا رَجْعَةٌ، فَإِذَا كَانَتْ لَا تَحِلُّ لَهُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا وَلَا سُكْنَى".
وَكَذَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ (١) عَنْ أَحْمَدَ بْنِ يَحْيَى الصُّوفِيِّ، عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ الْفَضْلِ بْنِ دُكَيْن، عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَزِيدَ وَهُوَ الْأَحْمَسِيُّ البَجَلي الْكُوفِيُّ. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ: وَهُوَ شَيْخٌ، يَرْوِي عَنْهُ (٢)
﴿فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (٢) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا (٣) ﴾
يَقُولُ تَعَالَى: فَإِذَا بَلَغَتِ الْمُعْتَدَّاتُ أَجَلَّهُنَّ، أَيْ: شَارَفْنَ عَلَى انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَقَارَبْنَ ذَلِكَ، وَلَكِنْ لَمْ تَفْرُغِ الْعِدَّةُ بِالْكُلِّيَّةِ، فَحِينَئِذٍ إِمَّا أَنْ يَعْزِمَ الزَّوْجُ عَلَى إِمْسَاكِهَا، وَهُوَ رَجْعَتُهَا إِلَى عِصْمَةِ نِكَاحِهِ وَالِاسْتِمْرَارُ بِهَا عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ عِنْدَهُ. ﴿بِمَعْرُوفٍ﴾ أَيْ: مُحْسِنًا إِلَيْهَا فِي صُحْبَتِهَا، وَإِمَّا أَنْ يَعْزِمَ عَلَى مُفَارَقَتِهَا ﴿بِمَعْرُوفٍ﴾ أَيْ: مِنْ غَيْرِ مُقَابَحَةٍ وَلَا مُشَاتَمَةٍ وَلَا تَعْنِيفٍ، بَلْ يُطَلِّقُهَا عَلَى وَجْهٍ جَمِيلٍ وَسَبِيلٍ حَسَنٍ.
وَقَوْلُهُ: ﴿وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ﴾ أَيْ: عَلَى الرَّجْعَةِ إِذَا عَزَمتم عَلَيْهَا، كَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ، عَنْ عِمْرَانَ (٣) بْنِ حُصَين: أَنَّهُ سُئِل عَنِ الرَّجُلِ يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ ثُمَّ يَقَعُ بِهَا وَلَمْ يُشْهِدْ عَلَى طَلَاقِهَا وَلَا عَلَى رَجْعَتِهَا فَقَالَ: طَلَّقتَ لِغَيْرِ سُنَّةٍ، وَرَجَعْتَ لغير سنة، وأشهِدْ عَلَى طَلَاقِهَا وَعَلَى رَجْعَتِهَا، وَلَا تَعُدْ (٤) (٥)
وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: كَانَ عَطَاءٌ يَقُولُ: ﴿وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ﴾ قَالَ: لَا يَجُوزُ فِي نِكَاحٍ وَلَا طَلَاقٍ وَلَا رِجَاعٍ إِلَّا شَاهِدَا عَدْلٍ، كَمَا قَالَ اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ عُذْرٍ.
وَقَوْلُهُ: ﴿ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ﴾ أَيْ: هَذَا الَّذِي أَمَرْنَاكُمْ بِهِ مِنَ الْإِشْهَادِ وَإِقَامَةِ الشَّهَادَةِ، إِنَّمَا يَأْتَمِرُ بِهِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَأَنَّهُ شَرَّعَ هَذَا، وَمَنْ يَخَافُ عِقَابَ (٦) اللَّهِ في الدار الآخرة.
(٢) الجرح والتعديل لابن أبي حاتم (٤/٧٤).
(٣) في م: "عن عمرو"
(٤) في أ: "ولا تعتد".
(٥) سنن أبي داود برقم (٢١٨٦) وسنن ابن ماجة برقم (٢٠٢٥).
(٦) في م: "ويخاف عذاب".

وَمِنْ هَا هُنَا ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ -فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ-إِلَى وُجُوبِ الْإِشْهَادِ فِي الرَّجْعَةِ، كَمَا يَجِبُ عِنْدَهُ فِي ابْتِدَاءِ النِّكَاحِ. وَقَدْ قَالَ بِهَذَا طَائِفَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ، وَمَنْ قَالَ بِهَذَا يَقُولُ: إِنَّ الرَّجْعَةَ لَا تَصِحُّ إِلَّا بِالْقَوْلِ لِيَقَعَ الْإِشْهَادُ عَلَيْهَا.
وَقَوْلُهُ: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ﴾ أَيْ: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ فِيمَا أَمَرَهُ بِهِ، وتَرَك مَا نَهَاهُ عَنْهُ، يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ مَخْرَجًا، وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ، أَيْ: مِنْ جِهَةٍ لَا تَخْطُرُ بِبَالِهِ.
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ، أَخْبَرَنَا كَهمس بْنُ الْحَسَنِ، حَدَّثَنَا أَبُو السَّلِيلِ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتْلُو عَلَيَّ هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ﴾ حَتَّى فَرَغَ مِنَ الْآيَةِ، ثُمَّ قَالَ: "يَا أَبَا ذَرٍّ، لَوْ أَنَّ النَّاسَ كُلَّهُمْ أَخَذُوا بِهَا كَفَتْهُمْ". وَقَالَ: فَجَعَلَ يَتْلُوهَا ويُرددها عَلَيَّ حَتَّى نَعَست، ثُمَّ قَالَ: "يَا أَبَا ذَرٍّ، كَيْفَ تَصْنَعُ إِنْ (١) أُخْرِجْتَ مِنَ الْمَدِينَةِ؟. "قُلْتُ: إِلَى السَّعَةِ وَالدَّعَةِ (٢) أَنْطَلِقُ، فَأَكُونُ حَمَامَةً مِنْ حَمَامِ مَكَّةَ. قَالَ: "كَيْفَ تَصْنَعُ إِنْ أُخْرِجْتَ مِنْ مَكَّةَ؟ ". قَالَ: قُلْتُ: إِلَى السَّعَةِ وَالدَّعَةِ، وَإِلَى الشَّامِ وَالْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ. قَالَ: "وَكَيْفَ تَصْنَعُ إِنْ أخرجتَ مِنَ الشَّامِ؟ ". قُلْتُ: إِذًا -وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ (٣) -أَضَعُ سَيْفِي عَلَى عَاتِقِي. قَالَ: "أَوَخَيْرٌ مِنْ ذَلِكَ؟ ". قُلْتُ: أَوَخَيْرٌ مِنْ ذَلِكَ؟ قَالَ: "تَسْمَعُ وَتُطِيعُ، وَإِنْ كَانَ عَبْدًا حَبَشِيًّا" (٤)
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، حَدَّثَنَا يَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ، حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا، عَنْ عَامِرٍ، عَنْ شُتَير (٥) بْنِ شكَل قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ: إِنَّ أَجْمَعَ آيَةٍ فِي الْقُرْآنِ: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ﴾ [النَّحْلِ: ٩٠] وَإِنَّ أَكْثَرَ آيَةٍ فِي الْقُرْآنِ فَرَجًا: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا﴾
وَفِي الْمُسْنَدِ: حَدَّثَنِي مَهْدِيُّ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ مُصْعَبٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ أَكْثَرَ مِنْ الِاسْتِغْفَارَ جَعَلَ اللَّهُ لَهُ مَنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجًا، وَمَنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجًا، وَرَزَقَهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ" (٦)
وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا﴾ يَقُولُ: يُنْجِيهِ مِنْ كُلِّ كَرْبٍ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، ﴿وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ﴾
وَقَالَ الرَّبِيعُ بْنُ خُثَيْمٍ: ﴿يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا﴾ أَيْ: مِنْ كُلِّ شَيْءٍ ضَاقَ عَلَى النَّاسِ.
وَقَالَ عِكْرِمَةُ: مَنْ طَلَّقَ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا. وَكَذَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عباس، والضحاك.
(٢) في م: "إلى الدعة والسعة".
(٣) في أ: "بالحق نبيا".
(٤) المسند (٥/١٧٨).
(٥) في أ: "عن بسر".
(٦) المسند (١/٢٤٨).

وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ، وَمَسْرُوقٌ: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا﴾ يَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ إِنْ شَاءَ مَنَعَ، وَإِنْ شَاءَ أَعْطَى ﴿مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ﴾ أَيْ (١) مِنْ حَيْثُ لَا يَدْرِي.
وَقَالَ قَتَادَةُ: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا﴾ أَيْ: مِنْ شُبُهَاتِ الْأُمُورِ وَالْكَرْبِ (٢) عِنْدَ الْمَوْتِ، ﴿وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ﴾ وَمِنْ حَيْثُ لَا يَرْجُو أَوْ لَا يَأْمُلُ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ﴾ يُطَلِّقْ لِلسُّنَّةِ، وَيُرَاجِعْ لِلسُّنَّةِ، وَزَعَمَ أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَالُ لَهُ: "عَوْفُ بْنُ مَالِكٍ الْأَشْجَعِيُّ" كَانَ لَهُ ابْنٌ، وَأَنَّ الْمُشْرِكِينَ أَسَرُوهُ، فَكَانَ فِيهِمْ، وَكَانَ أَبُوهُ يَأْتِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَشْكُو إِلَيْهِ مَكَانَ ابْنِهِ وَحَالِهِ الَّتِي هُوَ بِهَا وَحَاجَتَهُ، فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُهُ بِالصَّبْرِ، وَيَقُولُ لَهُ: "إِنَّ اللَّهَ سَيَجْعَلُ لَكَ فَرَجًا" (٣) فَلَمْ يَلْبَثْ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَّا يَسِيرًا أَنِ انْفَلَتَ ابْنُهُ مِنْ أَيْدِي الْعَدُوِّ فَمَرَّ بِغَنَمٍ مِنْ أَغْنَامِ الْعَدُوِّ، فَاسْتَاقَهَا فَجَاءَ بِهَا إِلَى أَبِيهِ، وَجَاءَ مَعَهُ بِغِنًى (٤) قَدْ أَصَابَهُ مِنَ الْغَنَمِ، فَنَزَلَتْ فِيهِ هذه الآية: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ﴾
رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ، (٥) وَرُوِيَ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ مُرْسَلًا نَحْوُهُ (٦)
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، حَدَّثَنَا وكَيع، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عِيسَى، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ الْعَبْدَ لَيُحْرَمُ الرِّزْقَ بِالذَّنْبِ يُصيبُه، وَلَا يَرُدُّ الْقَدَرَ إِلَّا الدُّعَاءُ، وَلَا يَزِيدُ فِي الْعُمُرِ إِلَّا الْبِرُّ".
وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ، مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ -وَهُوَ الثَّوْرِيُّ-بِهِ (٧)
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: جَاءَ مَالِكٌ الْأَشْجَعِيُّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: لَهُ أُسِرَ ابْنِي عَوْفٌ. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَرْسِلْ إِلَيْهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ يَأْمُرُكَ أَنْ تُكْثِرَ مِنْ قَوْلِ: لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ". وَكَانُوا قَدْ شَدُّوهُ بِالْقِدِّ فَسَقَطَ القِد عَنْهُ، فَخَرَجَ، فَإِذَا هُوَ بِنَاقَةٍ لَهُمْ فَرَكِبَهَا، وَأَقْبَلَ فَإِذَا بسَرْح الْقَوْمِ الَّذِينَ كَانُوا قَدْ شَدُّوهُ فَصَاحَ بِهِمْ، فَاتَّبَعَ أَوَّلُهَا آخِرَهَا، فَلَمْ يَفْجَأْ أَبَوَيْهِ إِلَّا وَهُوَ يُنَادِي بِالْبَابِ، فَقَالَ أَبُوهُ: عَوْفٌ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ. فَقَالَتْ أُمُّهُ: وَاسَوْأَتَاهْ. وَعَوْفٌ كَيْفَ يَقْدَمُ لِمَا هُوَ فِيهِ مِنَ الْقِدِّ -فَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَالْخَادِمَ، فَإِذَا عَوْفٌ قَدْ مَلَأَ الْفِنَاءَ إِبِلًا فَقَصَّ عَلَى أَبِيهِ أَمْرَهُ وَأَمْرَ الْإِبِلِ، فَقَالَ أَبُوهُ: قِفَا حَتَّى آتِيَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَسْأَلُهُ عَنْهَا. فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ بِخَبَرِ عَوْفٍ وَخَبَرِ الْإِبِلِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اصْنَعْ بِهَا مَا أَحْبَبْتَ، وَمَا كُنْتَ صَانِعًا بِمَالِكَ". وَنَزَلَ: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ﴾
(٢) في أ: "والكروب".
(٣) في م، أ: "مخرجًا".
(٤) في م: "يغنم".
(٥) تفسير الطبري (٢٨/٨٩).
(٦) تفسير الطبري (٢٨/٩٠) وقد جاء موصلاً، أخرجه الحاكم في المستدرك (٢/٤٩٢) من طريق عبيد بن كثير العامري، عن عباد بن يعقوب، عن يحيى بن آدم، عن إسرائيل، عن عمار بن أبي معاوية، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ جَابِرٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ... فذكر نحو رواية السدي، وقال الحاكم: "صحيح الإسناد ولم يخرجاه" وتعقبه الذهبي بقوله: "بل منكر، فيه عباد بن يعقوب رافضي جبل، وعبيد بن كثير العامري متروك، قاله الأزدي".
(٧) المسند (٥/٢٧٧) وسنن ابن ماجة برقم (٤٠٢٢).

رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ شَقِيقٍ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْأَشْعَثِ، حَدَّثَنَا الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ (١) عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَين قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنِ انْقَطَعَ إِلَى اللَّهِ كَفَاهُ اللَّهُ كُلَّ مَئُونة، وَرَزَقَهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ، وَمَنِ انْقَطَعَ إِلَى الدُّنْيَا وكَلَه إِلَيْهَا" (٢)
وَقَوْلُهُ: ﴿وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ﴾ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ:
حَدَّثَنَا يُونُسُ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ، حَدَّثَنَا قَيْسِ بْنِ الْحَجَّاجِ، عَنْ حَنَش الصَّنْعَانِيِّ، عَنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ حَدَّثَهُ أَنَّهُ رَكِبَ خَلْفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَا غُلَامُ، إِنِّي مُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ: احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، وَإِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ، لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ، وَلَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ، لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الْأَقْلَامُ، وَجَفَّتِ الصُّحُفُ".
وَقَدْ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، وَابْنِ لَهِيعة، بِهِ (٣) وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا وَكِيع، حَدَّثَنَا بَشِيرُ بْنُ سَلْمَانَ، عَنْ سَيَّارٍ أَبِي الْحَكَمِ، عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ -هُوَ ابْنُ مَسْعُودٍ-قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ نَزَلَ بِهِ حَاجَةٌ فَأَنْزَلَهَا بِالنَّاسِ كَانَ قَمِنًا أَنْ لَا تُسَهَّل حَاجَتُهُ، وَمَنْ أَنْزَلَهَا بِاللَّهِ أَتَاهُ اللَّهُ بِرِزْقٍ عَاجِلٍ، أَوْ بِمَوْتٍ آجِلٍ".
ثُمَّ رَوَاهُ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ بَشِيرٍ، عَنْ سَيَّارٍ أَبِي حَمْزَةَ، ثُمَّ قَالَ: وَهُوَ الصَّوَابُ، وَسَيَّارٌ أَبُو الْحَكَمِ لَمْ يُحَدِّثْ عَنْ طَارِقٍ (٤)
وَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ﴾ أَيْ: مُنْفِذٌ قَضَايَاهُ وَأَحْكَامَهُ فِي خَلْقِهِ بِمَا يُرِيدُهُ وَيَشَاؤُهُ ﴿قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا﴾ كَقَوْلِهِ: ﴿وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ﴾ [الرعد: ٨]
(٢) ورواه الطبراني في المعجم الصغير (١/١١٦) ومن طريقه الخطيب في تاريخه (٧/١٩٧) من طريق جعفر بن محمد البغدادي، عَنْ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ شَقِيقٍ به، وقال الطبراني: "لم يروه عن هشام إلا الفضيل، تفرد به إبراهيم بن الأشعث" وقال الهيثمي في المجمع (١٠/٣٠٤) :"وفيهإبراهيم بن الأشعث صاحب الفضيل وهو ضعيف، وَقَدْ ذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ وَقَالَ: يغرب ويخطئ ويخالف، وبقية رجاله ثقات".
(٣) المسند (١/٢٩٣) وسنن الترمذي برقم (٢٣٢٦).
(٤) المسند (١/٤٤٢).