
سورة التغابن
مكية إلّا قوله يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ الآية وهي ألف وسبعون حرفا، ومائتان وإحدى وأربعون كلمة، وثماني عشرة آية
أخبرنا أبو الحسن المحاربي قال: حدّثنا أبو الشيخ الحافظ قال: حدّثنا أبو داود سليمان ابن أحمد بن الوليد قال: حدّثنا سلمة بن شبيب قال: حدّثنا الوليد بن الوليد الدمشقي عن عبد الرحمن بن ثومان عن عطاء بن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما من مولود يولد إلّا وفي تشابيك رأسه مكتوب خمس آيات من فاتحة سورة التغابن» [٣٠٨] «١».
وأخبرني نافل بن راقم قال: حدّثنا عبد الله بن أحمد بن محمّد قال: حدّثنا عمرو بن محمد قال: حدّثنا أسباط بن اليسع قال: حدّثنا يحيى بن عبد الله السلمي قال: حدّثنا أبو عصمة نوح بن أبي مريم عن علي بن زيد عن ذر عن أبي قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من قرأ سورة التغابن دفع عنه موت الفجأة» [٣٠٩] «٢».
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
[سورة التغابن (٦٤) : الآيات ١ الى ٨]بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
يُسَبِّحُ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١) هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٢) خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (٣) يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ ما تُسِرُّونَ وَما تُعْلِنُونَ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (٤)أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ فَذاقُوا وَبالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٥) ذلِكَ بِأَنَّهُ كانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَقالُوا أَبَشَرٌ يَهْدُونَنا فَكَفَرُوا وَتَوَلَّوْا وَاسْتَغْنَى اللَّهُ وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (٦) زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِما عَمِلْتُمْ وَذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (٧) فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنا وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (٨)
يُسَبِّحُ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
(٢) تفسير مجمع البيان: ١٠/ ٢٧.

هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ اختلف العلماء في حكم هذه الآية، فقال قوم: إنّ الله سبحانه خلق الخلق مؤمنين وكافرين.
قال ابن عبّاس: بدأ الله خلق بني «١» آدم مؤمنا وكافرا ثمّ يعيدهم يوم القيامة كما بدأ خلقهم مؤمنا وكافرا.
واحتجّوا بحديث الصادق المصدّق
وقوله: «السعيد من سعد في بطن أمّه والشقي من شقي في بطن أمّه» [٣١٠].
وكما
أخبرنا عبد الله بن كامل الأصبهاني قال: أخبرني أبو بكر أحمد بن محمد بن يحيى العبدي بنو شيخ قال: حدّثنا أحمد بن نجدة بن العريان قال: حدّثنا المحاملي قال: حدّثنا ابن المبارك عن أبي لهيعة قال: حدّثني بكر بن سوادة عن أبي تميم الحسائي عن أبي ذر عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إذا مكث المني في الرحم أربعين ليلة أتاه ملك النفوس، فعرج به إلى الرّب تبارك وتعالى، فقال: يا رب أذكر أم أنثى؟ فيقضي الله سبحانه ما هو قاض. أشقي أم سعيد؟ فيكتب ما هو لاق» وقرأ أبو ذر من فاتحة التغابن خمس آيات» [٣١١] «٢».
وأخبرنا عبد الخالق قال: أخبرنا ابن حبيب قال: حدّثنا إبراهيم بن إسماعيل السيوطي قال: حدّثنا داود بن المفضل قال: حدّثنا نصر بن طريف قال: أخبرنا قتادة عن أبي حسان الأعرج عن ناجيه بن كعب عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «خلق الله سبحانه فرعون في بطن أمّه كافرا، وخلق يحيى بن زكريّا في بطن أمّه مؤمنا» [٣١٢] «٣».
وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الغلام الذي قتله الخضر طبع يوم طبع كافرا [٣١٣] «٤».
وقال الله سبحانه وَلا يَلِدُوا إِلَّا فاجِراً كَفَّاراً.
إنّ الله سبحانه خلق الخلق ثم كفروا وآمنوا. قالوا وتمام الكلام عند قوله: هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثم وصفهم فَمِنْكُمْ كافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ وهو مثل قوله: اللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي [عَلى بَطْنِهِ] «٥» الآية، قالوا: فالله خلقهم والمشي فعلهم، وهذا اختيار الحسن ابن الفضل.
قالوا: أو خلقهم مؤمنين وكافرين لما وصفه بفعلهم في قوله: فَمِنْكُمْ كافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ الكفر فعل الكافر، والإيمان فعل المؤمن.
واحتجّوا بقوله سبحانه: فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها
وبقوله: «كل مولود يولد على الفطرة»
[٣١٤] «٦»،
وقوله حكاية عن ربّه: «إنّي خلقت عبادي كلّهم حنفاء»
[٣١٥] «٧» ونحوها من
(٢) الدر المنثور: ٦/ ٢٢٧.
(٣) كنز العمال: ١١/ ٥٢٢ ح ٣٢٤٣٦.
(٤) سنن الترمذي: ٤/ ٣٧٤.
(٥) سورة النور: ٤٥. [.....]
(٦) مسند أحمد: ٢/ ٢٣٣.
(٧) صحيح مسلم: ٨/ ١٥٩ وفيه: «حنفاء كلّهم».

الأخبار، ثم اختلفوا في تأويلها، فروى أبو الجوزاء عن ابن عبّاس قال: «فمنكم مؤمن يكفر، ومنكم كافر يؤمن».
وقال أبو سعيد الخدري: «فَمِنْكُمْ كافِرٌ حياته مؤمن في العاقبة، وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ حياته كافر في العاقبة»، وقال الضحاك: فَمِنْكُمْ كافِرٌ في السّر مؤمن في العلانية كالمنافق، وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ في السّر، كافر في العلانية كعمّار وذويه. فَمِنْكُمْ كافِرٌ بالله مؤمن بالكواكب، وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ بالله كافر بالكواكب، يعني في شأن الأنوار.
قال الزجّاج: وأحسن ما قيل فيها هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كافِرٌ بأنّ الله خلقه، وهو مذهب أهل الدهر والطبائع. وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ بأنّ الله خلقه.
وجملة القول في حكم هذه الآية ومعناها والّذي عليه جمهور الأمّة والأئمة والمحقّقون من أهل السنّة هي أنّ الله خلق الكافر وكفره فعلا له وكسبا، وخلق المؤمن وإيمانه فعلا له وكسبا، فالكافر يكفر ويختار الكفر بعد خلق الله سبحانه إيّاه لأنّ الله سبحانه وتعالى قدّر عليه ذلك وعلمه منه، والمؤمن يؤمن ويختار الإيمان بعد خلق الله تعالى إيّاه لأنّ الله سبحانه أراد ذلك منه وقدّره عليه وعلمه منه، ولا يجوز أن يوجد من كلّ واحد منهم غير الذي قدّره الله عليه وعلمه منه، لأنّ وجود خلاف المقدور عجز، وخلاف المعلوم جهل، وهما لا يليقان بالله تعالى، ولا يجوزان عليه، ومن سلك هذا السبيل سلم من الجبر والقدر فأصاب الحقّ كقول القائل:
يا ناظرا في الدّين ما الأمر | لا قدر صحّ ولا جبر «١» |
خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ ما تُسِرُّونَ وَما تُعْلِنُونَ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ يعني الأمم الخالية فَذاقُوا وَبالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ. ذلِكَ العذاب. بِأَنَّهُ كانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَقالُوا أَبَشَرٌ يَهْدُونَنا لأنّ البشر وإن كان لفظه واحد فإنّه في معنى الجمع وهو اسم الجنس وواحده إنسان ولا واحد له من لفظه.
فَكَفَرُوا وَتَوَلَّوْا وَاسْتَغْنَى اللَّهُ عن إيمانهم وَاللَّهُ غَنِيٌّ عن خلقه، حَمِيدٌ في أفعاله.