آيات من القرآن الكريم

أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ فَذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣ ﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰ ﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻ ﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋ ﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙ ﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬ ﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢ ﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮ ﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌﰍ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜ

تفسير سورة التغابن عدد ٢٢- ١٠٨- ٦٤
نزلت بالمدينة بعد سورة التحريم. وهي ثماني عشرة آية، ومئتان وأربعون كلمة، والف وسبعون حرفا. ومبدأها كمبدأ الآية الأولى من سورة الجمعة فقط، وختمت بما ختمت به سورة الحشر والجاثية، ولا يوجد مثلها في عدد الآي.

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

قال تعالى: «يُسَبِّحُ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ لَهُ الْمُلْكُ» الدنيوي والملكوت الأخروي يتصرف فيهما كيف يشاء ويحكم بمن فيهما كما يريد «وَلَهُ الْحَمْدُ» من كافة خلقه على نعمائه راجع بحث الحمد في المقدمة وبحث التسبيح أول سورة الحديد المارة «وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» (١) لا يعجزه شيء ولا يفلت منه أحد ولا يفوته فائت لا مانع ولا مدافع له ولا معقب لحكمه ولا راد لقضائه «هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ» أيها الناس من نفس واحدة «فَمِنْكُمْ كافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ» في هذه الدّنيا كما أنتم في الأزل عند الله وسيعيدكم في الآخرة كذلك «وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ» (٢) قبل أن تعملوه لا يعزب عنه شيء من أعمالكم الموافقة لما هو في علمه ومدونة في لوحه. روى مسلم عن عائشة رضي الله عنها وعن أبيها أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال إن الله خلق للجنة أهلا خلقهم لها وهم في أصلاب آبائهم، وخلق النار أهلا خلقهم لها وهم في أصلاب آبائهم. راجع ما يتعلق في هذا البحث في الآية ٥٨ من سورة هود في ج ٢ وما ترشدك إليه من المواضع. قال تعالى «خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ» لا عبثا ولا لهوا ولا لعبا وباطلا «وَصَوَّرَكُمْ» أيها النّاس في أرحام أمهاتكم، وجعل فيكم روحا منه لارادة غيركم، وجمّلكم «فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ» في هذه الدّنيا لأنها على صورته، فقد صح عنه صلّى الله عليه وسلم أنه قال إن الله خلق آدم على صورته. وفي رواية على صورة الرّحمن. وهذه نافية لقول من قال إن الضّمير في صورته يعود على آدم لا على الله جل جلاله، وهو بعيد جدا عن المعنى، وقد أراد هذا القائل التحاشي عن وصفه تعالى بسمات خلقه، مع أنه لا مانع من القول أن الله تعالى له وجه ويد لا كأوجه خلقه

صفحة رقم 242

وأيديهم، وهو ما مشى عليه الماتريدية أجمع، أما الأشعرية فلا يقولون بهذا، ويقولون ما جاء في القرآن من هذه السّمات بالقدرة والكمال والرّحمة وشبهها «وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ» (٣) في الآخرة لا إلى غيره راجع الآية ٧ من آل عمران المارة في بحث الأرحام وما يتعلق بها «يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ» من حركة أو سكون «وَيَعْلَمُ ما تُسِرُّونَ» أيها النّاس في صدوركم وتحدثون به أنفسكم ويلوح في خاطركم «وَما تُعْلِنُونَ» من أقوالكم وأفعالكم «وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ» (٤) في مكامنها ودخائلها وما تحوكه من نية أو خطرة أو هاجس قال تعالى «أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَؤُا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ» من الأمم السالفة كيف فعلنا بهم لما كذبوا رسلنا وأصروا على جحودنا أهلكناهم «فَذاقُوا وَبالَ أَمْرِهِمْ» جزاء ما وقع منهم في الدّنيا، فدمرناهم تدميرا فظيعا «وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ» (٥) في الآخرة لا تطيقه القوى البشرية، ولا الجبال الرّاسيات، فاتعظوا أيها النّاس بما جرى بهم، واعتبروا بسوء عاقبتهم، وارجعوا لربكم كيلا يصيبكم ما أصابهم «ذلِكَ» الذي حل بهم من العذاب الدّنيوي، والذي سيجازون عليه في الآخرة «بِأَنَّهُ كانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَقالُوا» ساخرين بهم ومستهزئين «أَبَشَرٌ يَهْدُونَنا» استفهام انكاري أي كيف يهدي البشر مثله؟ وهذا من سخافة عقولهم لأنهم ينكرون هداية البشر لمثله ولم ينكروا على أنفسهم إضلال البشر لمثله وعبادة الأوثان وطلب الخير في الدّنيا والشّفاعة في الآخرة منها «فَكَفَرُوا» بالله ورسله بما جاءوهم من عند الله ولم يأخذوا بما جاءوهم لهدايتهم «وَتَوَلَّوْا» عن الانقياد لطاعتهم والإيمان بربهم، وأصروا على الكفر والطغيان «وَاسْتَغْنَى اللَّهُ» عنهم وعن إيمانهم «وَاللَّهُ غَنِيٌّ» عن جميع خلقه برهم وفاجرهم «حَمِيدٌ ٦» لمن آمن به وصدق رسله ثم ذكر نوعا آخر من سفههم الذي كانوا عليه، فقال «زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا» بعد موتهم في الدّنيا فأنكروه ولم يصدقوا الرّسل بإخبارهم بالبعث يوم القيامة تبعا لعقيدتهم الجاهلية، إذ كان آباؤهم ينكرون ذلك ويجحدون الحساب والعقاب والثواب «قُلْ» لهؤلاء الحمقى يا سيد الرّسل «بَلى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ» من قبوركم

صفحة رقم 243

يوم القيامة يوم يقوم النّاس لرب العالمين مخلوقين خلقا ثانيا من أجزائهم لمتفتتة، ويعودون كما كانوا عليه في الدّنيا «ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ» في ذلك اليوم «بِما عَمِلْتُمْ» في دنياكم وتعلمون جهلكم بالخلق الأوّل أدى لجهلكم بالخلق الثاني «وَذلِكَ» البعث بعد الموت والإنباء بما كان منكم وعليكم في الدّنيا «عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ» ٧ سهل
هين لا كلفة فيه، وكما أن خلقكم أول مرة بمجرد قول كن فكذلك تكون إعادتكم، وهي كلمة جزئية لا صعوبة فيها لو أنها تصدر من الخلق فكيف إذا صدرت من الخالق بلا صوت ولا حرف «فَآمِنُوا بِاللَّهِ» الذي خلقكم أيها النّاس ثم أماتكم بأنه يحييكم ثانيا «وَرَسُولِهِ» الذي أرسله لهدايتكم آمنوا أيضا «وَالنُّورِ» أي الكتاب «الَّذِي أَنْزَلْنا» عليه كما أنزلنا على من قبله من الأنبياء آمنوا أيضا، إذ لا يكفي الإيمان بالله دون الإيمان برسوله وكتابه، كما لا يكفي الإيمان بالكتاب والرّسول دون الإيمان بمنزل الكتب ومرسل الرّسل «وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ» (٨) لا يغرب عنه مثقال ذرة في السّموات ولا في الأرض، واحذروا أيها النّاس «يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ» هو يوم القيامة إذ يجمع فيه الأولون والآخرون من أهل السّماء والأرض.
مطلب يوم التغابن في الآخرة وفتنة الأموال والأولاد في الدّنيا والأمر بالتقوى حسب الاستطاعة وذم البخل وفضل الصّدقة:
ذلك اليوم المسمى يوم الجمع هو «يَوْمُ التَّغابُنِ» الذي يظهر بالأعمال والأقوال الذي ما بعده تغابن، بخلاف تغابن الدّنيا الذي يكون بالتجارة وشبهها فإنه فان لا قيمة له، لأن هذا يضع الله تعالى به سعداء الدّنيا فقط منازل الأشقياء في الآخرة والأشقياء بالدنيا بسبب الفقر والفاقة والصّبر على الأذى فيها من أجل إيمانهم بالله ورسله الّذين ماتوا على ذلك مكان السّعداء في الآخرة، وإذ ذاك يظهر غبن الكافر بتركه الإيمان الموصل للسعادة الأخروية، فيتأسف ويندم ولات حين مندم، ويرد العود إلى الدّنيا ليعمل الخير وهيهات، وكذلك يظهر غبن المؤمن المقصر في الأعمال الصّالحة لأنه يرى من كان دونه في الدّنيا أعلى منه رتبة في الآخرة وأحسن مكانا ومكانة عند الله وأعلى درجة في الجنّة، فيندم أيضا على تقصيره

صفحة رقم 244
بيان المعاني
عرض الكتاب
المؤلف
عبد القادر بن ملّا حويش السيد محمود آل غازي العاني
الناشر
مطبعة الترقي - دمشق
الطبعة
الأولى، 1382 ه - 1965 م
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية