
الْأَرْضِ
[الحشر ٥٩/ ١] وقوله: سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ [الحديد ٥٧/ ١] فهما للدلالة على التسبيح في الجملة على سبيل المبالغة.
٢- الله تعالى هو خالق الإنسان وبارئه، ويعلم حال كل واحد في علمه الأزلي قبل وجوده من إيمان وكفر، أخرج البخاري والترمذي من حديث ابن مسعود: وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع أو باع، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل النار، فيدخلها. وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار، حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع أو باع، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل الجنة، فيدخلها» قال العلماء: والمعنى تعلق العلم الأزلي بكل معلوم، فيجري ما علم وأراد وحكم. فقد يريد إيمان شخص على عموم الأحوال، وقد يريده إلى وقت معلوم. وكذلك الكفر.
٣- خلق الله العالم كله سماءه وأرضه بالعدل والحكمة البالغة، وحقا يقينا لا ريب فيه، وخلق الإنسان في أحسن شكل وصورة وتقويم، وإليه في الحياة الآخرة المرجع، فيجازي كلّا بعمله.
٤- الله سبحانه عالم الغيب والشهادة، لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، ويعلم السرائر والظواهر، ويعلم ما في الضمائر والقلوب.
إنكار المشركين الألوهية والنبوة والبعث
[سورة التغابن (٦٤) : الآيات ٥ الى ٧]
أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ فَذاقُوا وَبالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٥) ذلِكَ بِأَنَّهُ كانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَقالُوا أَبَشَرٌ يَهْدُونَنا فَكَفَرُوا وَتَوَلَّوْا وَاسْتَغْنَى اللَّهُ وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (٦) زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِما عَمِلْتُمْ وَذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (٧)

الإعراب:
أَبَشَرٌ يَهْدُونَنا بَشَرٌ مبتدأ، وإنما قال: يَهْدُونَنا الذي هو الخبر لأنه كنى به عن بَشَرٌ، وبَشَرٌ يصلح للجمع كما يصلح للواحد، والمراد به هنا الجمع، مثل قوله تعالى: ما أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا [يس ٣٦/ ١٥]. ولو أراد الواحد لقال: «يهدينا» كما في آية:
فَقالُوا: أَبَشَراً مِنَّا واحِداً نَتَّبِعُهُ [القمر ٥٤/ ٢٤].
زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا زَعَمَ: فعل يتعدى إلى مفعولين، وجملة: أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا سدت مسد المفعولين، لما فيها من ذكر الحديث والمحدث عنه، كقوله تعالى:
أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا [العنكبوت ٢٩/ ٢]. وأَنْ: مخففة من (أنّ) واسمها محذوف، أي أنهم.
المفردات اللغوية:
أَلَمْ يَأْتِكُمْ أيها الكفار، والاستفهام للتعجيب من أمرهم. نَبَأُ خبر مهم. الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ كقوم نوح وهود وصالح عليهم السلام. فَذاقُوا وَبالَ أَمْرِهِمْ عقوبة وضرر كفرهم في الدنيا أو عاقبته، وأصل الوبال: الثقل، ومنه طعام وبيل، أي ثقيل على المعدة، والوابل: المطر الثقيل، ثم أطلق على الضرر الذي يصيب الإنسان، لأنه يثقل عليه، وأَمْرِهِمْ كفرهم، إشارة إلى أنه أمر عظيم خطير. وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ أي لهم في الآخرة عذاب مؤلم.
ذلِكَ أي المذكور من الوبال وعذاب الدنيا. بِأَنَّهُ أي بسبب أنه، والهاء: ضمير الشأن، أي بسبب أن الشأن. بِالْبَيِّناتِ بالمعجزات والحجج الظاهرات على الإيمان. أَبَشَرٌ يَهْدُونَنا المراد به جنس البشر، أنكروا وتعجبوا أن يكون الرسول بشرا، والبشر: يطلق على الواحد والجمع. فَكَفَرُوا بالرسل. وَتَوَلَّوْا أعرضوا عن الإيمان والتدبر في البينات.
وَاسْتَغْنَى اللَّهُ أظهر غناه عن كل شيء، ومنه طاعتهم وإيمانهم إذ أهلكهم. وَاللَّهُ غَنِيٌّ عن خلقه وعن عبادتهم وغيرها. حَمِيدٌ محمود في أفعاله ويحمده كل مخلوق. بَلى أي تبعثون وهي كلمة جواب تقع بعد النفي للإثبات. وَرَبِّي قسم، أكد به الجواب. لَتُبْعَثُنَّ لتخرجن من قبوركم أحياء وتحاسبن وتجزون بأعمالكم. ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِما عَمِلْتُمْ لتخبرن بأعمالكم بالمحاسبة والجزاء. وَذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ لقدرته التامة وقبول المادة ما أراد.
المناسبة:
بعد بيان أدلة وجود الله تعالى وقدرته وآثاره في الكون، حذر مشركي مكة من الكفر وإنكار الألوهية: الَّذِينَ كَفَرُوا وإنكار النبوة: أَبَشَرٌ

يَهْدُونَنا
وإنكار البعث: أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا وأبان عقوبتهم في الدنيا وما أعدّ لهم من العذاب في الآخرة، وأثبت أن البعث حق كائن لا ريب فيه، وأن كل إنسان سيجازى بما فعل يوم القيامة.
التفسير والبيان:
أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ، فَذاقُوا وَبالَ أَمْرِهِمْ، وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ أي ألم يبلغكم يا كفار مكة خبر كفار الأمم الماضية، كقوم نوح وعاد وثمود، وما حل بهم من العذاب والنكال بسبب مخالفة الرسل والتكذيب بالحق، فقد دعتهم رسلهم إلى توحيد الله وعبادته وترك الأوثان التي اتخذوها أربابا من دون الله، فأصابهم عاقبة كفرهم وتكذيبهم ورديء أفعالهم من عذاب الدنيا، ولهم في الآخرة عذاب مؤلم جدا وهو عذاب النار. وهذا تعجيب من حالهم الغريبة.
ثم بيّن الله تعالى أسباب عقابهم الدنيوي والأخروي، فقال:
ذلِكَ بِأَنَّهُ كانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ، فَقالُوا: أَبَشَرٌ يَهْدُونَنا؟ فَكَفَرُوا وَتَوَلَّوْا، وَاسْتَغْنَى اللَّهُ، وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ أي ذلك العذاب في الدارين بسبب أنه كانت تجيئهم الرسل المرسلة إليهم بالمعجزات الظاهرة، والأدلة والبراهين الواضحة، فقال كل قوم لرسولهم: كيف يتصور أن يهدينا البشر، أو من كان من جنس البشر؟ أي إنهم استبعدوا أن تكون الرسالة في البشر، وأن يكون هداهم على يدي البشر مثلهم، فكفروا بالرسل وما جاؤوا به، وأعرضوا عنهم وعن الحق وعن العمل به، ولم يتدبروا فيما جاؤوا به، واستغنى الله عن إيمانهم وعبادتهم، إذ أهلكهم، والله غير محتاج إلى العالم ولا إلى عبادتهم له، محمود من كل مخلوقاته بلسان المقال أو الحال.

ثم أخبر الله تعالى عن الكفار والمشركين والملحدين أنهم يزعمون أنهم لا يبعثون، فقال:
زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا أي ادعى المشركين أنه لا بعث ولا حساب ولا جزاء، كما قال في آية أخرى: أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً، أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ [المؤمنون ٢٣/ ٨٢]. وفي هذا تقريع لكفار مكة، لأن الزعم ادعاء العلم مع ظهور أمارات خلافه. جاء في الحديث: «زعموا: مطية الكذب».
فرد الله عليهم بقوله:
قُلْ: بَلى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِما عَمِلْتُمْ، وَذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ أي قل أيها الرسول لهم وأخبرهم بأنكم والله ستبعثون وتخرجون من قبوركم أحياء، ولتخبرنّ بجميع أعمالكم جليلها وحقيرها، صغيرها وكبيرها، إقامة للحجة عليكم، ثم تجزون به، وذلك البعث والجزاء هيّن سهل على الله تعالى، لا يصرفه صارف. وقوله: بَلى إثبات لما بعد أَنْ وهو البعث.
وهذه هي الآية الثالثة التي أمر الله رسوله ﷺ أن يقسم بربه عز وجل على وقوع المعاد ووجوده، الأولى منها قوله تعالى: وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ: إِي وَرَبِّي، إِنَّهُ لَحَقٌّ وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ [يونس ١٠/ ٥٣] والثانية منها قوله سبحانه: وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا: لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ، قُلْ: بَلى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ [سبأ ٣٤/ ٣] والثالثة هذه الآية.
ونظير الآية: قالَ: مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ، قُلْ: يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ، وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ [يس ٣٦/ ٧٨- ٧٩].