آيات من القرآن الكريم

إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ۚ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ
ﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯ ﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼ ﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇ ﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛ ﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥ ﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘ ﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦ ﯨﯩﯪﯫﯬ

حقيقة السعداء بنزولهم في منازلهم من النار، أو جعل ذلك تغابنا مبالغة على طريق المشاكلة فالتفاعل على هذا القول على ظاهره وهو حسن إلا أن التغابن فيه تغابن السعداء والأشقياء على التقابل، والأحسن الإطلاق، وتغابن السعداء على الزيادة ثبت في الصحاح، واختار ذلك محيي السنة حيث قال: التغابن تفاعل من الغبن وهو فوت الحظ، والمراد بالمغبون من غبن في أهله ومنازله في الجنة فيظهر يومئذ غبن كل كافر بترك الإيمان وغبن كل مؤمن بتقصيره في الإحسان، قال الطيبي: وعلى هذا الراغب حيث قال: الغبن أن يبخس صاحبك في معاملة بينك وبينه بضرب من الإخفاء فإن كان ذلك في مال يقال: غبن فلان بضم الغين وكسر الباء، وإن كان في رأي يقال: غبن بفتح الغين وكسر الباء، ويَوْمُ التَّغابُنِ يوم القيامة لظهور الغبن في المبايعة المشار إليها بقوله تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ [البقرة: ٢٠٧] وقوله سبحانه: إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ [التوبة: ١١١] وقوله عز وجل: الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلًا [آل عمران: ٧٧] فعلم أنهم قد غبنوا فيما تركوا من المبايعة وفيما تعاطوه من ذلك جميعا انتهى، والجملة مبتدأ وخبر، والتعريف للجنس، وفيها دلالة على استعظام ذلك اليوم وأن تغابنه هو التغابن في الحقيقة لا التغابن في أمور الدنيا وإن جلت وعظمت.
وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صالِحاً أي عملا صالحا يُكَفِّرْ أي الله تعالى عَنْهُ سَيِّئاتِهِ في ذلك اليوم وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً أي مقدرين الخلود فيها، والجمع باعتبار معنى مَنْ كما أن الإفراد باعتبار لفظه، وقرأ الأعرج وشيبة وأبو جعفر وطلحة ونافع وابن عامر والمفضل عن عاصم وزيد ابن علي والحسن بخلاف عنه- نكفر. وندخله- بنون العظمة فيهما ذلِكَ أي ما ذكر من تكفير السيئات وإدخال الجنات الْفَوْزُ الْعَظِيمُ الذي لا فوز وراءه لانطوائه على النجاة من أعظم الهلكات والظفر بأجلّ الطلبات.
وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ خالِدِينَ فِيها وَبِئْسَ الْمَصِيرُ أي النار، وكأن هذه الآية- والتي قبلها لاحتوائهما على منازل السعداء والأشقياء- بيان للتغابن على تفسيره بتغابن الفريقين على التقابل ولما فيه من التفصيل نزل منزلة المغاير فعطف بالواو وكذا على الإطلاق لكنه عليه بيان في الجملة.
ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ أي ما أصاب أحدا مصيبة على أن المفعول محذوف، ومِنْ زائدة، ومُصِيبَةٍ فاعل، وعدم إلحاق التاء في مثل ذلك فصيح لكن الإلحاق أكثر كقوله تعالى: ما تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَها [الحجر:
٥، المؤمنون: ٤٣] وَما تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ [الأنعام: ٤] والمراد- بالمصيبة- الرزية وما يسوء العبد في نفس أو مال

صفحة رقم 319

أو ولد أو قول أو فعل أي ما أصاب أحدا من رزايا الدنيا أي رزية كانت إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ أي بإرادته سبحانه وتمكينه عز وجل كأن الرزية بذاتها متوجهة إلى العبد متوقفة على إرادته تعالى وتمكينه جل وعلا، وجوز أن يراد- بالمصيبة- الحادثة من شر أو خير، وقد نصوا على أنها تستعمل فيما يصيب العبد من الخير وفيما يصيبه من الشر لكن قيل: إنها في الأول من الصوب أي المطر، وفي الثاني من إصابة السهم، والأول هو الظاهر، وإن كان الحكم بالتوقف على الإذن عاما.
وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ عند إصابتها للصبر والاسترجاع على ما قيل، وعن علقمة للعلم بأنها من عند الله تعالى فيسلم لأمر الله تعالى ويرضى بها، وعن ابن مسعود قريب منه، وقال ابن عباس: يَهْدِ قَلْبَهُ لليقين فيعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه، وقيل: يَهْدِ قَلْبَهُ أي يلطف به ويشرحه لازدياد الخير والطاعة، وقرأ ابن جبير وطلحة وابن هرمز والأزرق عن حمزة- نهد- بنون العظمة.
وقرأ السلمي والضحاك وأبو جعفر «يهد» بالياء مبنيا للمفعول «قلبه» بالرفع على النيابة عن الفاعل، وقرىء كذلك لكن بنصب «قلبه»، وخرج على أن نائب الفاعل ضمير مِنْ وقَلْبَهُ منصوب بنزع الخافض أي يهد في قلبه، أو يهد إلى قلبه على معنى أن الكافر ضال عن قلبه بعيد منه، والمؤمن واجد له مهتد إليه كقوله تعالى: لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ [ق: ٣٧] فالكلام من الحذف والإيصال نحو اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ [الفاتحة: ٦]، وفيه جعل القلب بمنزلة المقصد فمن ضل فقد منع منه ومن وصل فقد هدي إليه، وجوز أن يكون نصبه على التمييز بناء على أنه يجوز تعريفه.
وقرأ عكرمة وعمرو بن دينار ومالك بن دينار «يهدأ» بهمزة ساكنة «قلبه» بالرفع أي يطمئن قلبه ويسكن بالإيمان ولا يكون فيه قلق واضطراب، وقرأ عمرو بن فايد- يهدا- بألف بدلا من الهمزة الساكنة، وعكرمة ومالك بن دينار أيضا «يهد» بحذف الألف بعد إبدالها من الهمزة، وإبدال الهمزة في مثل ذلك ليس بقياس على ما قال أبو حيان، وأجاز ذلك بعضهم قياسا، وبني عليه جواز حذف تلك الألف للجازم، وخرج عليه قول زهير بن أبي سلمى:

جريء متى يظلم يعاقب بظلمه سريعا وإن لا يبد بالظلم يظلم
أصله يبدأ فأبدلت الهمزة ألفا ثم حذفت للجازم تشبيها بألف- يخشى- إذا دخل عليه الجازم، وقوله تعالى:
وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ من الأشياء التي من جملتها القلوب وأحوالها عَلِيمٌ فيعلم إيمان المؤمن ويهدي قلبه عند إصابة المصيبة فالجملة متعلقة بقوله تعالى: وَمَنْ يُؤْمِنْ إلخ، وجوز أن تكون متعلقة بقوله سبحانه: ما أَصابَ إلخ على أنها تذييل له للتقرير والتأكيد، وذكر الطيبي أن في الكلام الكشاف رمزا إلى أن في الآية حذفا أي فمن لم يؤمن لم يلطف به أو لم يهد قلبه، ومن يؤمن بالله يهد قلبه، وبني عليه أن المصيبة تشمل الكفر والمعاصي أيضا لورودها عقيب جزاء المؤمن والكافر وإردافها بالأمر الآتي وأي مصيبة أعظم منهما؟ وهو كما أشار إليه يدفع في نحر المعتزلة وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ كرر الأمر للتأكيد والإيذان بالفرق بين الاطاعتين في الكيفية، وتوضيح مورد الولي في قوله تعالى: فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ أي عن إطاعة الرسول، وقوله تعالى: فَإِنَّما عَلى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ تعليل للجواب المحذوف أقيم مقامه أي فلا بأس عليه إذ ما عليه إلا التبليغ المبين وقد فعل ذلك بما لا مزيد عليه، وإظهار الرسول مضافا إلى نون العظمة في مقام إضماره لتشريفه عليه الصلاة والسلام، والإشعار بمدار الحكم الذي هو كون وظيفته صلّى الله تعالى عليه وسلم محض البلاغ ولزيادة تشنيع التولي عنه، والحصر في الكلام إضافي واللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الكلام فيها كالكلام في كلمة التوحيد، وقد مر وحلا وَعَلَى اللَّهِ أي عليه تعالى خاصة دون غيره لا

صفحة رقم 320

استقلالا ولا اشتراكا فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ وإظهار الجلالة في موقع الإضمار للإشعار بعلة التوكل. أو الأمر به فإن الألوهية مقتضية للتبتل إليه تعالى بالكلية، وقطع التعلق بالمرة عما سواه من البرية، وذكر بعض الأجلة أن تخصيص المؤمن بالأمر بالتوكل لأن الإيمان بأن الكل منه تعالى يقتضي التوكل، ومن هنا قيل: ليس في الآيات لمن تأمل في الحث على التوكل أعظم من هذه الآية لإيمائها إلى أن من لا يتوكل على الله تعالى ليس بمؤمن، وهي على ما قال الطيبي: كالخاتمة والفذلكة لما تقدم، وكالمخلص إلى مشرع آخر.
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ أي إن بعضهم كذلك فمن الأزواج أزواجا يعادين بعولتهم ويخاصمنهم ويجلبن عليهم، ومن الأولاد أولادا يعادون آباءهم ويعقونهم ويجرعونهم الغصص والأذى، وقد شاهدنا من الأزواج من قتلت زوجها، ومن أفسدت عقله بإطعام بعض المفسدات للعقل، ومن كسرت قارورة عرضه، ومن مزقت كيس ماله- ومن، ومن- وكذا من الأولاد من فعل نحو ذلك فَاحْذَرُوهُمْ أي كونوا منهم على حذر ولا تأمنوا غوائلهم وشرهم، والضمير للعدو فإنه يطلق على الجمع نحو قوله تعالى: فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي [الشعراء: ٧٧] فالمأمور به الحذر عن الكل، أو للأزواج، والأولاد جميعا، فالمأمور به إما الحذر عن البعض لأن منهم من ليس بعدو، وإما الحذر عن مجموع الفريقين لاشتمالهم على العدو وَإِنْ تَعْفُوا عن ذنوبهم القابلة للعفو بأن تكون متعلقة بأمور الدنيا، أو بأمور الدين لكن مقارنه للتوبة بأن لم تعاقبوهم عليها وَتَصْفَحُوا تعرضوا بترك التثريب والتعيير وَتَغْفِرُوا تستروها بإخفائها وتمهيد معذرتهم فيها فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ قائم مقام الجواب، والمراد يعاملكم بمثل ما عملتم، ويتفضل عليكم فإنه عز وجل غَفُورٌ رَحِيمٌ ولما كان التكليف هاهنا شاقا لأن الأذى الصادر ممن أحسنت إليه أشد نكاية وأبعث على الانتقام ناسب التأكيد في قوله سبحانه: وَإِنْ تَعْفُوا إلخ، وقال غير واحد: إن عداوتهم من حيث إنهم يحولون بينهم وبين الطاعات والأمور النافعة لهم في آخرتهم، وقد يحملونهم على السعي في اكتساب الحرام وارتكاب الآثام لمنفعة أنفسهم كما
روي عنه صلّى الله تعالى عليه وسلم «يأتي زمان على أمتي يكون فيه هلاك الرجل على يد زوجه وولده يعيرانه بالفقر فيركب مراكب السوء فيهلك».
ومن الناس من يحمله حبهم والشفقة عليهم على أن يكونوا في عيش رغد في حياته وبعد مماته فيرتكب المحظورات لتحصيل ما يكون سببا لذلك وإن لم يطلبوه منه فيهلك، وسبب النزول أوفق بهذا القول.
أخرج الترمذي والحاكم وصححاه وابن جرير وغيرهم عن ابن عباس قال: نزلت هذه الآية يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ إلخ في قوم من أهل مكة أسلموا وأرادوا أن يأتوا النبي صلّى الله تعالى عليه وسلم فأبى أزواجهم وأولادهم أن يدعوهم فلما أتوا رسول الله صلّى الله تعالى عليه وسلم فرأوا الناس قد فقهوا في الدين هموا أن يعاقبوهم فأنزل الله تعالى الآية ومن رواية أخرى عنه أنه قال: كان الرجل يريد الهجرة فيحبسه امرأته وولده فيقول: أما والله لئن جمع الله تعالى بيني وبينكم في دار الهجرة لأفعلنّ ولأفعلنّ فجمع الله عز وجل بينهم في دار الهجرة فأنزل الله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ الآية.
وقيل: إنهم قالوا لهم لئن جمعنا الله تعالى في دار الهجرة لم نصبكم بخير فلما هاجروا منعوهم الخير فنزلت، وعن عطاء بن أبي رباح أن عوف بن مالك الأشجعي أراد الغزو مع النبي صلّى الله عليه وسلم فاجتمع أهله وأولاده فثبطوه وشكوا إليه فراقه فرقّ ولم يغز، ثم إنه ندم فهم بمعاقبتهم فنزلت، واستدل بها على أنه لا ينبغي للرجل أن يحقد على زوجه وولده إذا جنوا معه جناية وأن لا يدعو عليهم نَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ
أي بلاء

صفحة رقم 321

ومحنة لأنهم يترتب عليهم الوقوع في الإثم والشدائد الدنيوية وغير ذلك،
وفي الحديث «يؤتى برجل يوم القيامة فيقال: أكل عياله حسناته»
، وعن بعض السلف العيال سوس الطاعات.
وأخرج الإمام أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة والحاكم وصححه عن بريدة قال: «كان النبي صلّى الله عليه وسلم يخطب فأقبل الحسن والحسين عليهما قميصان أحمران يمشيان ويعثران فنزل رسول الله عليه الصلاة والسلام من المنبر فحملهما واحدا من ذا الشق وواحدا من ذا الشق، ثم صعد المنبر فقال: صدق الله نَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ
إني لما نظرت إلى هذين الغلامين يمشيان ويعثران لم أصبر أن قطعت كلامي ونزلت إليهما»

وفي رواية ابن مردويه عن عبد الله بن عمر «أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم بينما هو يخطب الناس على المنبر خرج حسين بن علي على رسول الله وعليهما الصلاة والسلام فوطئ في ثوب كان عليه فسقط فبكى فنزل رسول الله صلّى الله تعالى عليه وسلم عن المنبر فلما رآه الناس سعوا إلى حسين يتعاطونه يعطيه بعضهم بعضا حتى وقع في يد رسول الله صلّى الله تعالى عليه وسلم فقال: قاتل الله الشيطان إن الولد لفتنة، والذي نفسي بيده ما دريت (١) أني نزلت عن منبري».
وقيل: إذا أمكنكم الجهاد والهجرة فلا يفتنكم الميل إلى الأموال والأولاد عنهما قال في الكشف: الفتنة على هذا الميل إلى الأموال والأولاد دون العقوبة والإثم، وقدمت الأموال قيل: لأنها أعظم فتنة كَلَّا إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى [العلق: ٦، ٧]،
وأخرج أحمد والطبراني والحاكم والترمذي وصححه عن كعب بن عياض سمعت رسول الله صلّى الله تعالى عليه وسلم يقول: «إن لكل أمة فتنة وإن فتنة أمتي المال».
وأخرج نحوه ابن مردويه عن عبد الله بن أوفى مرفوعا
وكأنه لغلبة الفتنة في الأموال والأولاد لم يذكر من التبعيضية كما ذكرت فيما تقدم اللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ
لمن آثر محبة الله تعالى وطاعته على محبة الأموال والأولاد والسعي في مصالحهم على وجه يخل بذلك فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ أي ابذلوا في تقواه عز وجل جهدكم وطاقتكم كما أخرجه عبد بن حميد وابن المنذر عن الربيع بن أنس، وحكي عن أبي العالية.
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال: لما نزلت اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ [آل عمران: ١٠٢] اشتد على القوم العمل فقاموا حتى ورمت عراقيبهم وتقرحت جباههم فأنزل الله تعالى تخفيفا على المسلمين فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ فنسخت الآية الأولى. وجاء عن قتادة نحو منه، وعن مجاهد المراد أن يطاع سبحانه فلا يعصى، والكثير على أن هذا هو المراد في الآية التي ذكرناها وَاسْمَعُوا مواعظه تعالى وَأَطِيعُوا أوامره عز وجل ونواهيه سبحانه وَأَنْفِقُوا مما رزقكم في الوجوه التي أمركم بالإنفاق فيها خالصا لوجهه جل شأنه كما يؤذن به قوله تعالى: خَيْراً لِأَنْفُسِكُمْ وذكر ذلك تخصيص بعد تعميم، ونصب خَيْراً عند سيبويه على أنه مفعول به لفعل محذوف أي وأتوا خيرا لأنفسكم أي افعلوا ما هو خير لها وأنفع، وهذا تأكيد للحث على امتثال هذه الأوامر وبيان لكون الأمور خيرا لأنفسهم من الأموال والأولاد، وفيه شمة من التجريد، وعند أبي عبيد على أنه خبر ليكن مقدرا جوابا للأمر أي يكن خيرا، وعند الفراء والكسائي على أنه نعت لمصدر محذوف أي إنفاقا خيرا، وقيل: هو نصب- بأنفقوا- والخير المال، وفيه بعد من حيث المعنى، وقال بعض الكوفيين: هو نصب على الحال وهو بعيد في المعنى والإعراب وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ وهو البخل مع الحرص.

(١) ليت شعري لو رأى رسول الله صلّى الله عليه وسلم حال الحسين على جده وعليه الصلاة والسلام في واقعة كربلاء ماذا كان يصنع فلعنة الله تعالى وملائكته ورسله والناس أجمعين على من أمر بما كان ومن ألجم وأسرج، أو رضي أو كثر سوادا اه منه.

صفحة رقم 322

فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ الفائزون بكل مرام إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ تصرفوا المال إلى المصارف التي عينها عز وجل، وفي الكلام استعارة تمثيلية قَرْضاً حَسَناً مقرونا بالإخلاص وطيب النفس يُضاعِفْهُ لَكُمْ يجعل لكم جل شأنه بالواحد عشرا إلى سبعمائة وأكثر، وقرىء- يضعفه- وَيَغْفِرْ لَكُمْ ببركة الانفاق ما فرط منكم من بعض الذنوب وَاللَّهُ شَكُورٌ يعطي الجزيل بمقابلة النزر القليل حَلِيمٌ لا يعاجل بالعقوبة مع كثرة الذنوب عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ لا يخفى عليه سبحانه شيء الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ المبالغ في القدرة والحكمة، وفي الآية من الترغيب بالإنفاق ما فيها لكن اختلف في المراد به فقيل: الإنفاق المفروض يعني الزكاة المفروضة وقد صرح به، وقيل: الإنفاق المندوب، وقيل: ما يعم الكل، والله تعالى أعلم.

صفحة رقم 323
روح المعاني
عرض الكتاب
المؤلف
أبو المعالي محمود شكري بن عبد الله بن محمد بن أبي الثناء الألوسي
تحقيق
علي عبد البارى عطية
الناشر
دار الكتب العلمية - بيروت
سنة النشر
1415
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية