آيات من القرآن الكريم

فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْرًا لِأَنْفُسِكُمْ ۗ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ
ﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘ

وهذا عام في جميع الأولاد، فإن الإنسان مفتون بولده؛ لأنه ربما عصى الله بسببه وتناول الحرام لأجله، ووقع في العظائم إلا من عصمه الله، ويشهد لهذا ما روي أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يخطب فجاء الحسن والحسين وعليهما قميصان أحمران يعثران فنزل النبي -صلى الله عليه وسلم - إليهما، فأخذهما فوضعهما في حجره على المنبر وقال: "صدق الله ﴿إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ﴾ رأيت هذين الصبيين فلم أصبر عنهما". ثم أخذ في خطبته. (١)
وروى المسعودي عن القاسم قال: لا يقولن أحدكم: اللهم إني أعوذ بك من الفتنة، فإنه ليس منكم أحد إلا وهو مشتمل على فتنة، فأيكم استعاذ فليستعذ بالله من مضلات الفتن (٢).
قوله: ﴿وَاللهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ﴾ قال ابن عباس: ثواب جزيل وهو الجنة (٣). والمعنى لا تعصوه بسبب أولادكم ولا تؤثرونهم على ما عند الله من الأجر العظيم.
١٦ - قوله تعالى: ﴿فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾ قال مقاتل: ما أطقتم (٤).
وقال ابن حيان: هو أن يجتهد المؤمن في تقوى الله ما استطاع (٥).

(١) أخرجه الإمام أحمد في "المسند" ٥/ ٣٥٤، وقال ابن حجر: أخرجه أصحاب السنن، وابن حبان، والحاكم، وأحمد، وإسحاق، وابن أبي شيبة، وأبو يعلي، والبزار، من رواية حسين بن واقد، عن ابن بريدة، عن أبيه. قال البزار: لا نعلم له طريقًا إلا هذا. "تخريجات الكشاف" ص ١٧٣، والحسين بن واقد ثقة، له أوهام. "التقريب" ١/ ١٨٠.
(٢) ذكره الثعلبي، والبغوي من كلام عبد الله بن مسعود. "الكشف والبيان" ١٣/ ١٣٧ أ، و"معالم التنزيل" ٤/ ٣٥٤.
(٣) "زاد المسير" ٨/ ٢٨٥.
(٤) "تفسير مقاتل" ١٥٨ أ.
(٥) "التفسير الكبير" ٣٠/ ٢٧، و"تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٣٧٧، ولم ينسباه لقائل.

صفحة رقم 488

قال قتادة: نسخت هذه الآية ﴿اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ﴾ (١) وقد تقدم الكلام في تلك الآية.
قوله: ﴿وَاسْمَعُوا﴾ أي لله ولرسوله ولكتابه ﴿وَأَطِيعُوا﴾ الله فيما يأمركم ﴿وَأَنْفِقُوا﴾ من أموالكم في حق الله ﴿خَيْرًا لِأَنْفُسِكُمْ﴾ منصوب بما دل عليه ﴿وَأَنْفِقُوا﴾ كانه قيل: وقدموا خيرًا لأنفسكم وهو كقوله: ﴿فَآمِنُوا خَيْرًا لَكُمْ﴾ (٢) وقد مر ﴿وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ﴾ حتى يعطي حق الله.
قوله تعالى: ﴿فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ وقد مر هذا في سورة الحشر (٣) وباقي السورة مفسر فيما سبق.
والله تعالى أعلم.

(١) قوله تعالى ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: ١٠٢]. وانظر: "تفسير عبد الرزاق" ٢/ ٢٩٥، و"جامع البيان"٢٨/ ٨٢، و"تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٣٧٧، ذكره عن سعيد بن جبير، ومما قال: (وروي عن أبي العالية، وزيد بن أسلم، وقتادة، والربيع بن أنس، والسدي، ومقاتل بن حيان نحو ذلك). وقال مكي بن أبي طالب: (وأكثر العلماء على أنه محكم لا نسخ فيه، لأن الأمر بتقوى الله لا ينسخ، والآيتان ترجعان إلى معنى واحد. وهذا القول حسن؛ لأن معنى ﴿اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ﴾ اتقوه بغاية الطاقة، فهو قوله: ﴿فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾ إذ لا جائز أن يكلف الله أحدًا ما لا يطيق..) "الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه"، ص ٢٠٣ - ٢٠٤.
(٢) من آية (١٧٠) من سورة النساء وانظر: "الكتاب" ١/ ١٤٣، و"إعراب القرآن" للنحاس ٣/ ٤٤٨، و"مشكل إعراب القرآن" ٢/ ٧٣٨.
(٣) آية رقم (٩) من سورة الحشر.

صفحة رقم 489

سورة الطلاق

صفحة رقم 491
التفسير البسيط
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن علي الواحدي، النيسابوري، الشافعي
الناشر
عمادة البحث العلمي - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
سنة النشر
1430
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية