
وهذا عام في جميع الأولاد، فإن الإنسان مفتون بولده؛ لأنه ربما عصى الله بسببه وتناول الحرام لأجله، ووقع في العظائم إلا من عصمه الله، ويشهد لهذا ما روي أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يخطب فجاء الحسن والحسين وعليهما قميصان أحمران يعثران فنزل النبي -صلى الله عليه وسلم - إليهما، فأخذهما فوضعهما في حجره على المنبر وقال: "صدق الله ﴿إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ﴾ رأيت هذين الصبيين فلم أصبر عنهما". ثم أخذ في خطبته. (١)
وروى المسعودي عن القاسم قال: لا يقولن أحدكم: اللهم إني أعوذ بك من الفتنة، فإنه ليس منكم أحد إلا وهو مشتمل على فتنة، فأيكم استعاذ فليستعذ بالله من مضلات الفتن (٢).
قوله: ﴿وَاللهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ﴾ قال ابن عباس: ثواب جزيل وهو الجنة (٣). والمعنى لا تعصوه بسبب أولادكم ولا تؤثرونهم على ما عند الله من الأجر العظيم.
١٦ - قوله تعالى: ﴿فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾ قال مقاتل: ما أطقتم (٤).
وقال ابن حيان: هو أن يجتهد المؤمن في تقوى الله ما استطاع (٥).
(٢) ذكره الثعلبي، والبغوي من كلام عبد الله بن مسعود. "الكشف والبيان" ١٣/ ١٣٧ أ، و"معالم التنزيل" ٤/ ٣٥٤.
(٣) "زاد المسير" ٨/ ٢٨٥.
(٤) "تفسير مقاتل" ١٥٨ أ.
(٥) "التفسير الكبير" ٣٠/ ٢٧، و"تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٣٧٧، ولم ينسباه لقائل.

قال قتادة: نسخت هذه الآية ﴿اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ﴾ (١) وقد تقدم الكلام في تلك الآية.
قوله: ﴿وَاسْمَعُوا﴾ أي لله ولرسوله ولكتابه ﴿وَأَطِيعُوا﴾ الله فيما يأمركم ﴿وَأَنْفِقُوا﴾ من أموالكم في حق الله ﴿خَيْرًا لِأَنْفُسِكُمْ﴾ منصوب بما دل عليه ﴿وَأَنْفِقُوا﴾ كانه قيل: وقدموا خيرًا لأنفسكم وهو كقوله: ﴿فَآمِنُوا خَيْرًا لَكُمْ﴾ (٢) وقد مر ﴿وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ﴾ حتى يعطي حق الله.
قوله تعالى: ﴿فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ وقد مر هذا في سورة الحشر (٣) وباقي السورة مفسر فيما سبق.
والله تعالى أعلم.
(٢) من آية (١٧٠) من سورة النساء وانظر: "الكتاب" ١/ ١٤٣، و"إعراب القرآن" للنحاس ٣/ ٤٤٨، و"مشكل إعراب القرآن" ٢/ ٧٣٨.
(٣) آية رقم (٩) من سورة الحشر.