
قَوْله تَعَالَى: ﴿فَاتَّقُوا الله مَا اسْتَطَعْتُم﴾ قَالَ ربيع بن أنس: بجهدكم وطاقتكم. وروى معمر، عَن قَتَادَة أَن هَذِه الْآيَة نسخت قَوْله تَعَالَى: ﴿اتَّقوا الله حق تُقَاته﴾ وَمثل هَذَا عَن جمَاعَة من التَّابِعين. وَقَالَ جمَاعَة من أهل الْعلم: الأولى أَن يُقَال: هَذِه الْآيَة رخصَة وَلَيْسَت بناسخة. وَذكر الْقفال أَن هَذِه الْآيَة مبينَة لقَوْله تَعَالَى: ﴿اتَّقوا الله حق تُقَاته﴾ لِأَن الله تَعَالَى لَا يُكَلف نفسا إِلَّا وسعهَا. وَذكر مثل ذَلِك على ابْن عِيسَى وَغَيره.
صفحة رقم 454
﴿لأنفسكم وَمن يُوقَ شح نَفسه فَأُولَئِك هم المفلحون (١٦) إِن تقرضوا الله قرضا حسنا يضاعفه لكم وَيغْفر لكم وَالله شكور حَلِيم (١٧) ﴾ وَالْمُخْتَار مَا عَلَيْهِ السّلف، وَهُوَ القَوْل الأول. وَقد ذكرنَا عَن ابْن مَسْعُود فِي قَوْله تَعَالَى: ﴿اتَّقوا الله حق تُقَاته﴾ هُوَ أَن يطاع فَلَا يعْصى، وَيذكر وَلَا ينسى، ويشكر فَلَا يكفر.
وَقَوله: ﴿واسمعوا وَأَطيعُوا وأنفقوا خيرا لأنفسكم﴾ نصب قَوْله: ﴿خيرا﴾ على تَقْدِير: اتَّقوا فِي الْإِنْفَاق خيرا. وَمثله قَوْله تَعَالَى: ﴿انْتَهوا خيرا لكم﴾.
وَقَوله: ﴿وَمن يُوقَ شح نَفسه﴾ أَي: بخل نَفسه، وَيُقَال: الشُّح هُوَ منع حُقُوق الله الْوَاجِبَة. وَقَالَ سُفْيَان بن عُيَيْنَة: الشُّح هَاهُنَا هُوَ الظُّلم دون الْبُخْل؛ لِأَن الله تَعَالَى قد قَالَ: ﴿وَمن يبخل فَإِنَّمَا يبخل عَن نَفسه﴾.
وَقَوله: ﴿فَأُولَئِك هم المفلحون﴾ قد بَينا.