آيات من القرآن الكريم

۞ وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ ۖ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ ۖ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ ۖ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ ۚ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ ۚ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ ۖ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ
ﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡ ﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯ ﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜ ﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞ ﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲ ﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈ ﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛ ﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮ ﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥ ﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲ

سورة المنافقون
[سورة المنافقون (٦٣) : الآيات ١ الى ١١]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ قالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ (١) اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ ساءَ مَا كانُوا يَعْمَلُونَ (٢) ذلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ (٣) وَإِذا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (٤)
وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُؤُسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ (٥) سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ (٦) هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنْفِقُوا عَلى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزائِنُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ (٧) يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ (٨) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (٩)
وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْناكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ (١٠) وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذا جاءَ أَجَلُها وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (١١)

صفحة رقم 177

الْجِسْمُ وَالْخَشَبُ مَعْرُوفَانِ. أَسْنَدْتُ ظَهْرِي إِلَى الْحَائِطِ: أَمَلْتُهُ وَأَضَفْتُهُ إِلَيْهِ، وَتَسَانَدَ الْقَوْمُ:
اصْطَفُّوا وَتَقَابَلُوا لِلْقِتَالِ.
إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ قالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ، اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ ساءَ مَا كانُوا يَعْمَلُونَ، ذلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ، وَإِذا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ، وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُؤُسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ، سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ، هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنْفِقُوا عَلى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزائِنُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ، يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ، وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْناكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ، وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذا جاءَ أَجَلُها وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ.
هَذِهِ السُّورَةُ مَدَنِيَّةٌ، نَزَلَتْ فِي غَزْوَةِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ، كَانَتْ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أبي بن سَلُولَ وَأَتْبَاعِهِ فِيهَا أَقْوَالٌ، فَنَزَلَتْ. وَسَبَبُ نُزُولِهَا مَذْكُورٌ فِي قِصَّةٍ طَوِيلَةٍ، مِنْ مَضْمُونِهَا: أَنَّ اثْنَيْنِ مِنَ الصَّحَابَةِ ازْدَحَمَا عَلَى مَاءٍ، وَذَلِكَ فِي غَزْوَةِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ، فَشَجَّ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ، فَدَعَا الْمَشْجُوجُ: يَا لَلْأَنْصَارِ، وَالشَّاجُّ: يَا لَلْمُهَاجِرِينَ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أبي بن سَلُولَ:
مَا حَكَى اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ مِنْ قَوْلِهِ: لَا تُنْفِقُوا عَلى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا، وَقَوْلِهِ: لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ، وَعَنَى الْأَعَزَّ نَفْسَهُ، وَكَلَامًا قَبِيحًا.
فَسَمِعَهُ زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ، وَنَقَلَ ذَلِكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَلَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْدَ اللَّهِ، فَحَلَفَ مَا قَالَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، فَاتُّهِمَ زَيْدٌ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ إِلَى قَوْلِهِ: لَا يَعْلَمُونَ،
تَصْدِيقًا لِزَيْدٍ وَتَكْذِيبًا لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيِّ.

صفحة رقم 178

وَمُنَاسَبَةُ هَذِهِ السُّورَةِ لِمَا قَبْلَهَا: أَنَّهُ لَمَّا كَانَ سَبَبُ الِانْفِضَاضِ عَنْ سَمَاعِ الْخُطْبَةِ رُبَّمَا كَانَ حَاصِلًا عَنِ الْمُنَافِقِينَ، وَاتَّبَعَهُمْ نَاسٌ كَثِيرٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي ذَلِكَ، وَذَلِكَ لِسُرُورِهِمْ بِالْعِيرِ الَّتِي قَدِمَتْ بِالْمِيرَةِ، إِذْ كَانَ وَقْتَ مَجَاعَةٍ، جَاءَ ذِكْرُ الْمُنَافِقِينَ وَمَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ كَرَاهَةِ أَهْلِ الْإِيمَانِ، وَأَتْبَعَهُ بِقَبَائِحِ أَفْعَالِهِمْ وَقَوْلِهِمْ: لَا تُنْفِقُوا عَلى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا، إِذْ كَانُوا هُمْ أَصْحَابَ أَمْوَالٍ، وَالْمُهَاجِرُونَ فُقَرَاءُ قَدْ تَرَكُوا أَمْوَالَهُمْ وَمَتَاجِرَهُمْ وَهَاجَرُوا لِلَّهِ تَعَالَى. قالُوا نَشْهَدُ: يَجْرِي مَجْرَى الْيَمِينِ، وَلِذَلِكَ تُلُقِّيَ بِمَا يُتَلَقَّى بِهِ الْقَسَمُ، وَكَذَا فِعْلُ الْيَقِينِ. وَالْعِلْمِ يَجْرِي مَجْرَى الْقَسَمِ بِقَوْلِهِ: إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ، وَأَصْلُ الشَّهَادَةِ أن يواطىء اللِّسَانُ الْقَلْبَ هَذَا بِالنُّطْقِ، وَذَلِكَ بِالِاعْتِقَادِ فَأَكْذَبَهُمُ اللَّهُ وَفَضَحَهُمْ بِقَوْلِهِ: وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ: أَيْ لَمْ تُوَاطِئْ قُلُوبُهُمْ أَلْسِنَتَهُمْ عَلَى تَصْدِيقِكَ، وَاعْتِقَادُهُمْ أَنَّكَ غَيْرُ رَسُولٍ، فَهُمْ كَاذِبُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ مَنْ خَبُرَ حَالَهُمْ، أَوْ كَاذِبُونَ عِنْدَ أَنْفُسِهِمْ، إِذْ كَانُوا يَعْتَقِدُونَ أَنَّ قَوْلَهُمْ: إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ كَذِبٌ. وَجَاءَ بَيْنَ شَهَادَتِهِمْ وَتَكْذِيبِهِمْ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ، إِيذَانًا أَنَّ الْأَمْرَ كَمَا لَفَظُوا بِهِ مِنْ كَوْنِهِ رَسُولَ اللَّهِ حَقًّا. وَلَمْ تَأْتِ هَذِهِ الْجُمْلَةُ لِتُوهِمَ أَنَّ قَوْلَهُمْ هَذَا كَذِبٌ، فَوَسَّطَتِ الْأَمْرَ بَيْنَهُمَا لِيَزُولَ ذَلِكَ التَّوَهُّمُ. اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ: سَمَّى شَهَادَتَهُمْ تِلْكَ أَيْمَانًا. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: أَيْمَانَهُمْ، بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ جَمْعُ يَمِينٍ وَالْحَسَنُ: بِكَسْرِهَا، مَصْدَرُ آمَنَ. وَلَمَّا ذَكَرَ أَنَّهُمْ كَاذِبُونَ، أَتْبَعَهُمْ بِمُوجِبِ كُفْرِهِمْ، وَهُوَ اتِّخَاذُ أَيْمَانِهِمْ جُنَّةً يَسْتَتِرُونَ بِهَا، وَيَذُبُّونَ بِهَا عَنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ، كَمَا قَالَ بَعْضُ الشُّعَرَاءِ:

وَمَا انْتَسَبُوا إِلَى الْإِسْلَامِ إِلَّا لِصَوْنِ دِمَائِهِمْ أَنْ لَا تُسَالَا
وَمِنْ أَيْمَانِهِمْ أَيْمَانُ عَبْدِ اللَّهِ، وَمَنْ حَلَفَ مَعَهُ مِنْ قَوْمِهِ أَنَّهُ مَا قَالَ مَا نَقَلَهُ زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، جَعَلُوا تِلْكَ الْأَيْمَانَ جُنَّةً تَقِي مِنَ الْقَتْلِ، وَقَالَ أَعْشَى هَمْدَانَ:
إِذَا أَنْتَ لَمْ تَجْعَلْ لِعِرْضِكَ جُنَّةً مِنَ الْمَالِ سَارَ الْقَوْمُ كُلَّ مَسِيرِ
وَقَالَ الضَّحَّاكُ: اتَّخَذُوا حَلِفَهُمْ بِاللَّهِ أَنَّهُمْ لَمِنْكُمْ. وَقَالَ قَتَادَةُ: كُلَّمَا ظَهَرَ شَيْءٌ مِنْهُمْ يُوجِبُ مُؤَاخَذَتَهُمْ، حَلَفُوا كَاذِبِينَ عِصْمَةً لِأَمْوَالِهِمْ وَدِمَائِهِمْ. وَقَالَ السُّدِّيُّ: جُنَّةً مِنْ تَرْكِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِمْ إِذَا مَاتُوا، فَصَدُّوا: أَيْ أَعْرَضُوا وَصَدُّوا الْيَهُودَ وَالْمُشْرِكِينَ عَنِ الدُّخُولِ فِي الْإِسْلَامِ، ذلِكَ أَيْ ذَلِكَ الْحَلِفُ الْكَاذِبُ وَالصَّدُّ الْمُقْتَضِيَانِ لَهُمْ سُوءَ الْعَمَلِ بِسَبَبِ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ كُفْرِهِمْ. وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: ذَلِكَ إِشَارَةٌ إِلَى فِعْلِ اللَّهِ بِهِمْ فِي فَضِيحَتِهِمْ وَتَوْبِيخِهِمْ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ الْإِشَارَةُ إِلَى سُوءِ مَا عَمِلُوا، فَالْمَعْنَى: سَاءَ عَمَلُهُمْ بِأَنْ

صفحة رقم 179

كَفَرُوا. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: ذَلِكَ الْقَوْلُ الشَّاهِدُ عَلَيْهِمْ بِأَنَّهُمْ أَسْوَأُ النَّاسِ أَعْمَالًا بِسَبَبِ أَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا، أَوْ إِلَى مَا وَصَفَ مِنْ حَالِهِمْ فِي النِّفَاقِ وَالْكَذِبِ وَالِاسْتِخْفَافِ بِالْإِيمَانِ، أَيْ ذَلِكَ كُلُّهُ بِسَبَبِ أَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: فَطُبِعَ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ وَزَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ: مَبْنِيًّا لِلْفَاعِلِ: أَيْ فَطَبَعَ اللَّهُ وَكَذَا قِرَاءَةُ الْأَعْمَشِ وَزَيْدٍ فِي رِوَايَةٍ مُصَرِّحًا بِاللَّهِ.
وَيَحْتَمِلُ عَلَى قِرَاءَةِ زَيْدٍ الْأُولَى أَنْ يَكُونَ الْفَاعِلُ ضَمِيرًا يَعُودُ عَلَى الْمَصْدَرِ الْمَفْهُومِ مِنْ مَا قَبْلَهُ، أَيْ فَطَبَعَ هُوَ، أَيْ بِلَعِبِهِمْ بِالدِّينِ. وَمَعْنَى آمَنُوا: نَطَقُوا بِكَلِمَةِ الشَّهَادَةِ وَفَعَلُوا كَمَا يَفْعَلُ الْمُسْلِمُونَ، ثُمَّ كَفَرُوا: أَيْ ظَهَرَ كُفْرُهُمْ بِمَا نَطَقُوا بِهِ مِنْ قَوْلِهِمْ: لَئِنْ كَانَ مُحَمَّدٌ مَا يَقُولُهُ حَقًّا فَنَحْنُ شَرٌّ مِنَ الْحَمِيرِ، وَقَوْلُهُمْ: أَيَطْمَعُ هَذَا الرَّجُلُ أَنْ تُفْتَحَ لَهُ قُصُورُ كِسْرَى وَقَيْصَرَ؟ هَيْهَاتَ، أَوْ نَطَقُوا بِالْإِيمَانِ عِنْدَ الْمُؤْمِنِينَ وَبِالْكُفْرِ عِنْدَ شَيَاطِينِهِمْ، أَوْ ذَلِكَ فِيمَنْ آمَنَ ثُمَّ ارْتَدَّ.
وَإِذا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسامُهُمْ: الْخِطَابُ لِلرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَوْ لِلسَّامِعِ: أَيْ لِحُسْنِهَا وَنَضَارَتِهَا وَجَهَارَةِ أَصْوَاتِهِمْ، فَكَانَ مَنْظَرُهُمْ يَرُوقُ، وَمَنْطِقُهُمْ يَحْلُو. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ:
تَسْمَعْ بتاء الخطاب وعكرمة وَعَطِيَّةُ الْعَوْفِيُّ: يُسْمَعْ بِالْيَاءِ مبنيا للمفعول، ولِقَوْلِهِمْ: الْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ هُوَ الْمَفْعُولُ الَّذِي لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ، وَلَيْسَتِ اللَّامُ زَائِدَةً، بَلْ ضَمَّنَ يُسْمَعْ مَعْنَى يُصْغِ وَيُمْلِ، تَعَدَّى بِاللَّامِ وَلَيْسَتْ زَائِدَةً، فَيَكُونُ قَوْلُهُمْ هُوَ الْمَسْمُوعُ.
وَشُبِّهُوا بِالْخَشَبِ لِعُزُوبِ أَفْهَامِهِمْ وَفَرَاغِ قُلُوبِهِمْ مِنَ الإيمان، ولم يكن حَتَّى جَعَلَهَا مُسْنَدَةً إِلَى الْحَائِطِ، لَا انْتِفَاعَ بِهَا لِأَنَّهَا إِذَا كَانَتْ فِي سَقْفٍ أَوْ مَكَانٍ يُنْتَفَعُ بِهَا، وَأَمَّا إِذَا كَانَتْ غَيْرَ مُنْتَفَعٍ بِهَا فَإِنَّهَا تَكُونُ مُهْمَلَةً مُسْنَدَةً إِلَى الْحِيطَانِ أَوْ مُلْقَاةً عَلَى الْأَرْضِ قَدْ صُفِّفَتْ، أَوْ شُبِّهُوا بِالْخَشَبِ الَّتِي هِيَ الْأَصْنَامُ وَقَدْ أُسْنِدَتْ إِلَى الْحِيطَانِ، وَالْجُمْلَةُ التَّشْبِيهِيَّةُ مُسْتَأْنَفَةٌ، أَوْ عَلَى إِضْمَارِهِمْ. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: خُشُبٌ بِضَمِّ الْخَاءِ والشين والبراء بْنُ عَازِبٍ وَالنَّحْوِيَّانِ وَابْنُ كَثِيرٍ: بِإِسْكَانِ الشِّينِ، تَخْفِيفُ خُشُبٍ الْمَضْمُومِ. وَقِيلَ: جَمْعُ خَشْبَاءَ، كَحُمُرٍ جَمْعُ حَمْرَاءَ، وَهِيَ الْخَشَبَةُ الَّتِي نُخِرَ جَوْفُهَا، شُبِّهُوا بِهَا فِي فَسَادِ بَوَاطِنِهِمْ. وَقَرَأَ ابْنُ الْمُسَيَّبِ وَابْنُ جُبَيْرٍ: خَشَبٌ بِفَتْحَتَيْنِ، اسْمُ جِنْسٍ، الْوَاحِدُ خَشَبَةٌ، وَأَنَّثَ وَصْفَهُ كَقَوْلِهِ: أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ «١»، أَشْبَاحٌ بِلَا أَرْوَاحٍ، وَأَجْسَامٌ بِلَا أَحْلَامٍ. وَذَكَرَ مِمَّنْ كَانَ ذَا بَهَاءٍ وَفَصَاحَةٍ عَبْدَ الله بن أبي، وَالْجَدِّ بْنِ قَيْسٍ، وَمُعَتِّبِ بْنَ قُشَيْرٍ. قَالَ الشَّاعِرُ فِي مِثْلِ هَؤُلَاءِ:

لَا تَخْدَعَنَّكَ اللِّحَى وَلَا الصُّوَرُ تِسْعَةُ أَعْشَارِ مَنْ تَرَى بقر
(١) سورة الحاقة: ٦٩/ ٧.

صفحة رقم 180

تَرَاهُمْ كَالسَّحَابِ مُنْتَشِرًا وَلَيْسَ فِيهَا لِطَالِبٍ
مَطَرُ فِي شجر السر ومنهم شَبَهٌ لَهُ رُوَاءٌ وَمَا لَهُ ثَمَرُ
وَقِيلَ: الْجُمْلَةُ التَّشْبِيهِيَّةُ وَصْفٌ لَهُمْ بِالْجُبْنِ وَالْخَوَرِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ: يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ فِي مَوْضِعِ الْمَفْعُولِ الثَّانِي لِيَحْسَبُونَ، أَيْ وَاقِعَةٌ عَلَيْهِمْ، وَذَلِكَ لِجُبْنِهِمْ وَمَا فِي قُلُوبِهِمْ مِنَ الرُّعْبِ. قَالَ مُقَاتِلٌ: كَانُوا مَتَى سَمِعُوا بِنِشْدَانِ ضَالَّةٍ أَوْ صِيَاحًا بِأَيِّ وَجْهٍ كَانَ، أَوْ أُخْبِرُوا بِنُزُولِ وَحْيٍ، طَارَتْ عُقُولُهُمْ حَتَّى يَسْكُنَ ذَلِكَ وَيَكُونَ فِي غَيْرِ شَأْنِهِمْ، وَكَانُوا يَخَافُونَ أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِمْ مَا تُبَاحُ بِهِ دِمَاؤُهُمْ وَأَمْوَالُهُمْ، وَنَحْوُ هَذَا قَوْلُ الشَّاعِرِ:
يَرُوعُهُ السِّرَارُ بِكُلِّ أَرْضٍ مَخَافَةَ أَنْ يَكُونَ بِهِ السِّرَارُ
وَقَالَ جَرِيرٌ:
مَا زِلْتَ تَحْسَبُ كُلَّ شَيْءٍ بَعْدَهُمْ خَيْلًا تَكِرُّ عَلَيْهِمْ وَرِجَالَا
أَنْشَدَهُ ابْنُ عَطِيَّةَ لِجَرِيرٍ، وَنَسَبَ هَذَا الْبَيْتَ الزَّمَخْشَرِيُّ لِلْأَخْطَلِ. قَالَ: وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هُمُ الْعَدُوُّ الْمَفْعُولَ الثَّانِيَ كَمَا لَوْ طَرَحْتَ الضَّمِيرَ. فَإِنْ قُلْتَ: فَحَقُّهُ أَنْ يَقُولَ:
هِيَ الْعَدُوُّ. قُلْتُ: مَنْظُورٌ فِيهِ إِلَى الْخَبَرِ، كَمَا ذُكِرَ فِي هَذَا رَبِّي، وَأَنْ يُقَدَّرَ مُضَافٌ مَحْذُوفٌ عَلَى يَحْسَبُونَ كُلَّ أَهْلِ صَيْحَةٍ. انْتَهَى. وَتَخْرِيجُ هُمُ الْعَدُوُّ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ ثَانٍ لِيَحْسَبُونَ تَخْرِيجٌ مُتَكَلَّفٌ بَعِيدٌ عَنِ الْفَصَاحَةِ، بَلِ الْمُتَبَادِرِ إِلَى الذِّهْنِ السَّلِيمِ أَنْ يَكُونَ هُمُ الْعَدُوُّ إِخْبَارًا مِنْهُ تَعَالَى بِأَنَّهُمْ، وَإِنْ أَظْهَرُوا الْإِسْلَامَ وَأَتْبَاعُهُمْ، هُمُ الْمُبَالِغُونَ فِي عَدَاوَتِكَ وَلِذَلِكَ جَاءَ بَعْدَهُ أَمْرُهُ تَعَالَى إِيَّاهُ بِحَذَرِهِمْ فَقَالَ: فَاحْذَرْهُمْ، فَالْأَمْرُ بالحذر متسبب عن إخبار بأنهم هم العدو. وقاتَلَهُمُ اللَّهُ: دُعَاءٌ يَتَضَمَّنُ إِبْعَادَهُمْ، وَأَنْ يَدْعُوَ عَلَيْهِمُ الْمُؤْمِنُونَ بِذَلِكَ. أَنَّى يُؤْفَكُونَ: أَيْ كَيْفَ يُصْرَفُونَ عَنِ الْحَقِّ، وَفِيهِ تَعَجُّبٌ مِنْ ضَلَالِهِمْ وَجَهْلِهِمْ.
وَلَمَّا أَخْبَرَهُ تَعَالَى بِعَدَاوَتِهِمْ، أَمَرَهُ بِحَذَرِهِمْ، فَلَا يَثِقُ بِإِظْهَارِ مَوَدَّتِهِمْ، وَلَا بلين كلامهم. وقاتَلَهُمُ اللَّهُ: كَلِمَةُ ذَمٍّ وَتَوْبِيخٍ، وَقَالَتِ الْعَرَبُ: قَاتَلَهُ اللَّهُ مَا أَشْعَرَهُ. يَضَعُونَهُ مَوْضِعَ التَّعَجُّبِ، وَمَنْ قَاتَلَهُ اللَّهُ فَهُوَ مَغْلُوبٌ، لِأَنَّهُ تَعَالَى هُوَ الْقَاهِرُ لِكُلِّ مُعَانِدٍ. وَكَيْفَ اسْتِفْهَامٌ، أَيْ كَيْفَ يُصْرَفُونَ عَنِ الْحَقِّ وَلَا يَرَوْنَ رُشْدَ أَنْفُسِهِمْ؟ قَالَ ابن عطية: ويحتمل أن يَكُونَ أَنَّى ظَرْفًا لِقَاتَلَهُمْ، كَأَنَّهُ قَالَ: قَاتَلَهُمُ اللَّهُ كَيْفَ انْصَرَفُوا أَوْ صُرِفُوا، فَلَا يَكُونُ فِي هَذَا الْقَوْلِ اسْتِفْهَامٌ عَلَى هَذَا. انْتَهَى. وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ أَنَّى لِمُجَرَّدِ الظَّرْفِ، بل لا بد يَكُونَ ظَرْفًا اسْتِفْهَامًا، إِمَّا بِمَعْنَى أَيْنَ، أَوْ بِمَعْنَى مَتَى، أَوْ بِمَعْنَى كَيْفَ، أَوْ شَرْطًا بِمَعْنَى أَيْنَ.

صفحة رقم 181

وَعَلَى هَذِهِ التَّقَادِيرِ لَا يَعْمَلُ فِيهَا مَا قَبْلَهَا، وَلَا تَتَجَرَّدُ لِمُطْلَقِ الظَّرْفِيَّةِ بِحَالٍ مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ مَا ذَكَرْنَاهُ، فَالْقَوْلُ بِذَلِكَ بَاطِلٌ.
وَلَمَّا صَدَّقَ اللَّهُ زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ فِيمَا أَخْبَرَ بِهِ عَنِ ابْنِ سَلُولَ، مَقَتَ النَّاسُ ابْنَ سَلُولَ وَلَامَهُ الْمُؤْمِنُونَ مِنْ قَوْمِهِ، وَقَالَ لَهُ بَعْضُهُمْ: امْضِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاعْتَرِفْ بِذَنْبِكَ يَسْتَغْفِرْ لَكَ، فَلَوَّى رَأْسَهُ إِنْكَارًا لِهَذَا الرَّأْيِ، وَقَالَ لَهُمْ: لَقَدْ أَشَرْتُمْ عَلَيَّ بِالْإِيمَانِ فَآمَنْتُ، وَأَشَرْتُمْ عَلَيَّ بِأَنْ أُعْطِيَ زَكَاةَ مَالِي فَفَعَلْتُ، وَلَمْ يَبْقَ لَكُمْ إِلَّا أَنْ تأمروني بالسجود لمحمد! ويستغفر مَجْزُومٌ عَلَى جَوَابِ الْأَمْرِ، ورسول الله يطلب عاملان، أَحَدُهُمَا يَسْتَغْفِرْ، وَالْآخَرُ تَعالَوْا فَأَعْمَلَ الثَّانِيَ عَلَى الْمُخْتَارِ عِنْدَ أَهْلِ الْبَصْرَةِ، وَلَوْ أُعْمِلَ الْأَوَّلُ لَكَانَ التَّرْكِيبُ:
تَعَالَوْا يُسْتَغْفَرْ لَكُمْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَرَأَ مُجَاهِدٌ ونافع وأهل الْمَدِينَةِ وَأَبُو حَيْوَةَ وَابْنُ أَبِي عَبْلَةَ وَالْمُفَضَّلُ وَأَبَانٌ عَنْ عَاصِمٍ وَالْحَسَنِ وَيَعْقُوبَ، بِخِلَافٍ عَنْهُمَا: لَوَّوْا، بِفَتْحِ الْوَاوِ وَأَبُو جَعْفَرٍ وَالْأَعْمَشُ وَطَلْحَةُ وَعِيسَى وَأَبُو رَجَاءٍ وَالْأَعْرَجُ وَبَاقِي السَّبْعَةِ: بِشَدِّهَا لِلتَّكْثِيرِ. وَلَيُّ رُءُوسِهِمْ، عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِهْزَاءِ وَاسْتِغْفَارُ الرَّسُولِ لَهُمْ، هُوَ اسْتِتَابَتُهُمْ مِنَ النِّفَاقِ، فَيَسْتَغْفِرُ لَهُمْ، إِذْ كَانَ اسْتِغْفَارُهُ مُتَسَبِّبًا عَنِ اسْتِتَابَتِهِمْ، فَيَتُوبُونَ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَجِيءِ وَاسْتِغْفَارِ الرَّسُولِ. وقرىء: يَصُدُّونَ وَيَصُدُّونَ، جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ، وَأَتَتْ بِالْمُضَارِعِ لِيَدُلَّ عَلَى اسْتِمْرَارِهِمْ، وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ: جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ أَيْضًا.
وَلَمَّا سَبَقَ فِي عِلْمِهِ تَعَالَى أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ الْبَتَّةَ، سَوَّى بَيْنَ اسْتِغْفَارِهِ لَهُمْ وَعَدَمِهِ.
وَحَكَى مَكِّيٌّ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَانَ اسْتَغْفَرَ لَهُمْ لِأَنَّهُمْ أَظْهَرُوا لَهُ الإسلام.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: نَزَلَتْ هَذِهِ بَعْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى فِي بَرَاءَةَ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً، وَقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَهُمْ زِيَادَةً عَلَى السَبْعِينَ»، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ، فَلَمْ يَبْقَ لِلِاسْتِغْفَارِ وَجْهٌ.
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: أَسْتَغْفَرْتَ بِهَمْزَةِ التَّسْوِيَةِ الَّتِي أَصْلُهَا هَمْزَةُ الِاسْتِفْهَامِ، وَطُرِحَ أَلِفُ الْوَصْلِ وَأَبُو جَعْفَرٍ: بِمَدَّةٍ عَلَى الْهَمْزَةِ. قِيلَ: هِيَ عِوَضٌ مِنْ هَمْزَةِ الْوَصْلِ، وَهِيَ مِثْلُ الْمَدَّةِ فِي قَوْلِهِ: قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ «١»، لَكِنَّ هَذِهِ الْمَدَّةَ فِي الِاسْمِ لِئَلَّا يَلْتَبِسَ الِاسْتِفْهَامُ بِالْخَبَرِ، وَلَا يَحْتَاجُ ذَلِكَ فِي الْفِعْلِ، لِأَنَّ هَمْزَةَ الْوَصْلِ فِيهِ مَكْسُورَةٌ. وَعَنْ أَبِي جَعْفَرٍ أَيْضًا:
ضَمُّ مِيمِ عَلَيْهِمُ، إِذْ أَصْلُهَا الضَّمُّ، وَوَصْلُ الْهَمْزَةِ. وَرَوَى مُعَاذُ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيُّ، عَنْ أَبِي عَمْرٍو: كَسْرَ الْمِيمِ عَلَى أَصْلِ الْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ، وَوَصْلَ الْهَمْزَةِ، فَتَسْقُطُ في القراءتين،

(١) سورة الأنعام: ٦/ ١٤٣- ١٤٤.

صفحة رقم 182

وَاللَّفْظُ خَبَرٌ، وَالْمَعْنَى عَلَى الِاسْتِفْهَامِ، وَالْمُرَادُ التَّسْوِيَةُ، وَجَازَ حَذْفُ الْهَمْزَةِ لِدَلَالَةِ أَمْ عَلَيْهَا، كَمَا دَلَّتْ عَلَى حَذْفِهَا فِي قَوْلِهِ:
بِسَبْعٍ رَمَيْنَا الْجَمْرَ أَمْ بِثَمَانِ يُرِيدُ: أَبِسَبْعٍ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَقَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ: آسْتَغْفَرْتَ، إِشْبَاعًا لِهَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ لِلْإِظْهَارِ وَالْبَيَانِ، لَا قَلْبَ هَمْزَةِ الْوَصْلِ أَلِفًا كَمَا فِي: آلسِّحْرِ، وَآللَّهِ. وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَقَرَأَ أَبُو جَعْفَرِ بْنُ الْقَعْقَاعِ: آسْتَغْفَرْتَ، بِمَدَّةٍ عَلَى الْهَمْزَةِ، وَهِيَ أَلِفُ التَّسْوِيَةِ. وَقَرَأَ أَيْضًا: بِوَصْلِ الْأَلْفِ دُونِ هَمْزٍ عَلَى الْخَبَرِ، وَفِي هَذَا كُلِّهِ ضَعْفٌ، لِأَنَّهُ فِي الْأُولَى أَثْبَتَ هَمْزَةَ الْوَصْلِ وَقَدْ أَغْنَتْ عَنْهَا هَمْزَةُ الِاسْتِفْهَامِ، وَفِي الثَّانِيَةِ حَذَفَ هَمْزَةَ الِاسْتِفْهَامِ وَهُوَ يُرِيدُهَا، وَهَذَا مِمَّا لَا يُسْتَعْمَلُ إِلَّا فِي الشِّعْرِ.
هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ: إِشَارَةٌ إِلَى ابْنِ سَلُولَ وَمَنْ وَافَقَهُ مِنْ قَوْمِهِ، سَفَّهَ أَحْلَامَهُمْ فِي أَنَّهُمْ ظَنُّوا أَنَّ رِزْقَ الْمُهَاجِرِينَ بِأَيْدِيهِمْ، وَمَا عَلِمُوا أَنَّ ذَلِكَ بِيَدِ اللَّهِ تَعَالَى. لَا تُنْفِقُوا عَلى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ: إِنْ كَانَ اللَّهُ تَعَالَى حَكَى نَصَّ كَلَامِهِمْ، فَقَوْلُهُمْ: عَلى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ هُوَ عَلَى سَبِيلِ الهزء، كقولهم: يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ «١»، أَوْ لِكَوْنِهِ جَرَى عِنْدَهُمْ مَجْرَى اللَّعِبِ، أَيْ هُوَ مَعْرُوفٌ بِإِطْلَاقِ هَذَا اللَّفْظِ عَلَيْهِ، إِذْ لَوْ كَانُوا مُقِرِّينَ بِرِسَالَتِهِ مَا صَدَرَ مِنْهُمْ مَا صَدَرَ. فَالظَّاهِرُ أَنَّهُمْ لَمْ يَنْطِقُوا بِنَفْسِ ذَلِكَ اللَّفْظِ، وَلَكِنَّهُ تَعَالَى عَبَّرَ بِذَلِكَ عَنْ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِكْرَامًا لَهُ وَإِجْلَالًا. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ:
يَنْفَضُّوا: أَيْ يَتَفَرَّقُوا عَنِ الرَّسُولِ والفضل بْنُ عِيسَى: يَنْفَضُّوا، مِنِ انْفَضَّ الْقَوْمُ: فَنِيَ طَعَامُهُمْ، فَنَفَضَ الرَّجُلُ وِعَاءَهُ، وَالْفِعْلُ مِنْ بَابِ مَا يُعَدَّى بِغَيْرِ الْهَمْزَةِ، وَبِالْهَمْزَةِ لَا يَتَعَدَّى.
قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَحَقِيقَتُهُ حَانَ لَهُمْ أَنْ يَنْفُضُوا مَزَاوِدَهُمْ. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ: فَالْأَعَزُّ فَاعِلٌ، وَالْأَذَلُّ مَفْعُولٌ، وَهُوَ مِنْ كَلَامِ ابْنِ سَلُولَ، كَمَا تَقَدَّمَ. وَيَعْنِي بِالْأَعَزِّ: نَفْسَهُ وَأَصْحَابَهُ، وَبِالْأَذَلِّ: الْمُؤْمِنِينَ. وَالْحَسَنُ وَابْنُ أَبِي عَبْلَةَ والسبي فِي اخْتِيَارِهِ:
لَنُخْرِجَنَّ بِالنُّونِ، وَنَصَبَ الْأَعَزَّ وَالْأَذَلَّ، فَالْأَعَزُّ مَفْعُولٌ، وَالْأَذَلُّ حَالٌ. وَقَرَأَ الْحَسَنُ، فِيمَا ذَكَرَ أَبُو عمر والداني: لَنَخْرُجَنَّ، بِنُونِ الْجَمَاعَةِ مَفْتُوحَةً وَضَمِّ الرَّاءِ، وَنَصْبِ الْأَعَزِّ عَلَى الِاخْتِصَاصِ، كَمَا قَالَ: نَحْنُ الْعَرَبَ أَقْرَى النَّاسِ لِلضَّيْفِ وَنَصْبِ الْأَذَلِّ عَلَى الْحَالِ، وَحَكَى هَذِهِ الْقِرَاءَةَ أَبُو حَاتِمٍ. وَحَكَى الْكِسَائِيُّ وَالْفَرَّاءُ أَنَّ قَوْمًا قَرَأُوا: ليخرجن بالياء مفتوحة

(١) سورة الحجر: ١٥/ ٦.

صفحة رقم 183

وَضَمِّ الرَّاءِ، فَالْفَاعِلُ الْأَعَزُّ، ونصب الأذل على الحال. وقرىء: مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ وَبِالْيَاءِ، الْأَعَزُّ مَرْفُوعٌ بِهِ، الْأَذَلَّ نَصْبًا عَلَى الْحَالِ. وَمَجِيءُ الْحَالِ بِصُورَةِ الْمَعْرِفَةِ مُتَأَوَّلٌ عِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ، فَمَا كَانَ مِنْهَا بِأَلْ فَعَلَى زِيَادَتِهَا، لَا أَنَّهَا مَعْرِفَةٌ.
وَلَمَّا سَمِعَ عَبْدُ اللَّهِ، وَلَدُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ هَذِهِ الْآيَةَ، جَاءَ إِلَى أَبِيهِ فَقَالَ: أَنْتَ وَاللَّهِ يَا أَبَتِ الذَّلِيلُ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَزِيزُ. فَلَمَّا دَنَا مِنَ الْمَدِينَةِ، جَرَّدَ السَّيْفَ عَلَيْهِ وَمَنَعَهُ الدُّخُولَ حَتَّى يَأْذَنَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ فِيمَا قَالَ لَهُ: وَرَاءَكَ لَا تَدْخُلُهَا حَتَّى تَقُولَ رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأَعَزُّ وَأَنَا الْأَذَلُّ، فَلَمْ يَزَلْ حَبِيسًا فِي يَدِهِ حَتَّى أَذِنَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَخْلِيَتِهِ. وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ قَالَ لِأَبِيهِ: لَئِنْ لَمْ تَشْهَدْ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ بِالْعِزَّةِ لَأَضْرِبَنَّ عُنُقَكَ، قَالَ: أَفَاعِلٌ أَنْتَ؟
قَالَ: نَعَمْ، فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ.
وَقِيلَ لِلْحَسَنِ بْنُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا: إِنَّ فِيكَ تِيهًا، فَقَالَ: لَيْسَ بِتِيهٍ وَلَكِنَّهُ عِزَّةٌ، وَتَلَا هَذِهِ الْآيَةَ.
لَا تُلْهِكُمْ أَمْوالُكُمْ بِالسَّعْيِ فِي نَمَائِهَا وَالتَّلَذُّذِ بِجَمْعِهَا، وَلا أَوْلادُكُمْ بِسُرُورِكُمْ بِهِمْ وَبِالنَّظَرِ فِي مَصَالِحِهِمْ فِي حَيَاتِكُمْ وَبَعْدَ مَمَاتِكُمْ، عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ: هُوَ عَامٌّ فِي الصَّلَاةِ وَالثَّنَاءِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى بِالتَّسْبِيحِ وَالتَّحْمِيدِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَالدُّعَاءِ. وَقَالَ نَحْوًا مِنْهُ الْحَسَنُ وَجَمَاعَةٌ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ وَعَطَاءٌ: أَكَّدَ هُنَا الصَّلَاةَ الْمَكْتُوبَةَ. وَقَالَ الْحَسَنُ أَيْضًا: جَمِيعُ الْفَرَائِضِ. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: الْجِهَادُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقِيلَ: الْقُرْآنُ. وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ:
أَيِ الشُّغُلَ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ بِالْمَالِ وَالْوَلَدِ، فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ، حَيْثُ آثَرُوا الْعَاجِلَ عَلَى الْآجِلِ، وَالْفَانِي على الباقي.
وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْناكُمْ، قَالَ الْجُمْهُورُ: الْمُرَادُ الزَّكَاةُ. وَقِيلَ: عَامٌّ فِي الْمَفْرُوضِ وَالْمَنْدُوبِ. وَعَنِ ابْنُ عَبَّاسٍ: نَزَلَتْ فِي مَانِعِي الزَّكَاةِ، وَاللَّهِ لَوْ رَأَى خَيْرًا مَا سَأَلَ الرَّجْعَةَ، فَقِيلَ لَهُ: أَمَا تَتَّقِي اللَّهَ؟ يَسْأَلُ الْمُؤْمِنُونَ الْكَرَّةَ، قَالَ: نَعَمْ أَنَا أَقْرَأُ عَلَيْكُمْ بِهِ قُرْآنًا، يَعْنِي أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي الْمُؤْمِنِينَ، وَهُمُ الْمُخَاطَبُونَ بِهَا. لَوْلا أَخَّرْتَنِي: أَيْ هَلَّا أَخَّرْتَ مَوْتِي إِلَى زَمَانٍ قَلِيلٍ؟ وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: فَأَصَّدَّقَ، وَهُوَ مَنْصُوبٌ على جواب الرغبة وأبي وَعَبْدُ اللَّهِ وَابْنُ جُبَيْرٍ: فَأَتَصَدَّقَ عَلَى الْأَصْلِ. وَقَرَأَ جُمْهُورُ السَّبْعَةِ: وَأَكُنْ مَجْزُومًا. قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ:
وَأَكُنْ بِالْجَزْمِ عَطْفًا عَلَى مَحَلِّ فَأَصَّدَّقَ، كَأَنَّهُ قِيلَ: إِنْ أَخَّرْتَنِي أَصَّدَّقْ وَأَكُنْ.
انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: عَطْفًا عَلَى الْمَوْضِعِ، لِأَنَّ التَّقْدِيرَ: إِنْ تُؤَخِّرْنِي أَصَّدَّقْ وَأَكُنْ، هَذَا مَذْهَبُ أَبِي عَلِيٍّ الْفَارِسِيِّ. فَأَمَّا مَا حَكَاهُ سِيبَوَيْهِ عَنِ الْخَلِيلِ فَهُوَ غَيْرُ هَذَا، وَهُوَ أَنَّهُ جَزَمَ وَأَكُنْ عَلَى تَوَهُّمِ الشَّرْطِ الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ بِالتَّمَنِّي، وَلَا مَوْضِعَ هُنَا، لِأَنَّ الشَّرْطَ لَيْسَ بِظَاهِرٍ،

صفحة رقم 184

وَإِنَّمَا يُعْطَفُ عَلَى الْمَوْضِعِ، حَيْثُ يَظْهَرُ الشَّرْطُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلا هادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ «١». فَمَنْ قَرَأَ بِالْجَزْمِ عَطَفَ عَلَى مَوْضِعِ فَلا هادِيَ لَهُ، لِأَنَّهُ لَوْ وَقَعَ هُنَالِكَ فِعْلٌ كَانَ مَجْزُومًا. انْتَهَى. وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْعَطْفِ عَلَى الْمَوْضِعِ وَالْعَطْفِ عَلَى التَّوَهُّمِ: أَنَّ الْعَامِلَ فِي الْعَطْفِ عَلَى الْمَوْضِعِ مَوْجُودٌ دُونَ مُؤَثِّرِهِ، وَالْعَامِلُ فِي الْعَطْفِ عَلَى التَّوَهُّمِ مَفْقُودٌ وَأَثَرُهُ مَوْجُودٌ. وَقَرَأَ الْحَسَنُ وَابْنُ جُبَيْرٍ وَأَبُو رَجَاءٍ وَابْنُ أَبِي إِسْحَاقَ وَمَالِكُ بْنُ دِينَارٍ وَالْأَعْمَشُ وَابْنُ مُحَيْصِنٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ الْعَنْبَرِيُّ وَأَبُو عَمْرٍو: وَأَكُونَ بِالنَّصْبِ، عَطْفًا عَلَى فَأَصَّدَّقَ، وَكَذَا فِي مُصْحَفِ عَبْدِ اللَّهِ وَأُبَيٍّ. وَقَرَأَ عُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ: وَأَكُونُ بِضَمِّ النُّونِ عَلَى الِاسْتِئْنَافِ، أَيْ وَأَنَا أَكُونُ، وَهُوَ وَعْدُ الصَّلَاحِ. وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً: فِيهِ تَحْرِيضٌ عَلَى الْمُبَادَرَةِ بِأَعْمَالِ الطَّاعَاتِ حِذَارًا أَنْ يَجِيءَ الْأَجَلُ، وَقَدْ فَرَّطَ وَلَمْ يَسْتَعِدَّ لِلِقَاءِ اللَّهِ. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: تَعْمَلُونَ بِتَاءِ الْخِطَابِ، لِلنَّاسِ كُلِّهِمْ وَأَبُو بَكْرٍ: بِالْيَاءِ، خَصَّ الْكُفَّارَ بِالْوَعِيدِ، وَيُحْتَمَلُ العموم.

(١) سورة الأعراف: ٧/ ١٨٦.

صفحة رقم 185
البحر المحيط في التفسير
عرض الكتاب
المؤلف
أبو حيان أثير الدين محمد بن يوسف بن علي بن يوسف بن حيان الأندلسي
تحقيق
صدقي محمد جميل
الناشر
دار الفكر - بيروت
سنة النشر
1420
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية