آيات من القرآن الكريم

أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ ۖ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ ۗ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا ۖ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَىٰ لِلْعَالَمِينَ
ﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾ

وقيل: (فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ)، يعني: من عد من الرسل والأنبياء.
وقيل: (فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ)، يعني: أهل قرابتك وأهل وصلتك، فقد وكلنا بها قومًا من غير أهل قرابتك ليسوا بها بكافرين.
وقيل: (فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلَاءِ)، يعني: أهل زمانك، (فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا): من تقدمهم من آبائهم وأجدادهم، (لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ).
وقيل: (فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلَاءِ)، يعني: أهل الأرض، (فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا)، يعني: أهل السماء، (لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ).
قال الحسن - رحمه اللَّه -: (فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلَاءِ)، يعني: أمتك، فقد وكل الله بها النبيين والصالحين من الأمم الخالمة، (لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ)، واللَّه أعلم بذلك وهو كما ذكرنا.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ... (٩٠)
يحتمل فبهداهم الذي هدوا هم، اهدِ أنت أمتك.

صفحة رقم 157

ويحتمل: فبهداهم الذي هدوا هم اهتد أنت؛ يأمره - عَزَّ وَجَلَّ بالاقتداء بإخوانه الذين مضوا من الرسل.
والهدى: هو اسم ما يدان به ليس هو اسم الأفعال، لا يقال: لتارك الصلاة والزكاة والصيام: هداك، إنما يقال ذلك لمن دان بضد الهدى.

صفحة رقم 158

أمر رسوله أن يقتدي بهم بذلك، وذلك يدل على أن الأنبياء والرسل كانوا على دين واحد، وأن الدِّين لا يحتمل النسخ والتغيير.
ألا ترى أنه قال في آية أخرى: (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا) أخبر أنه شرع لنا الدِّين الذي وصى به نوحًا، وذلك يدل على أن الدِّين واحد لا يحتمل النسخ، وأما الشرائع: فهي مختلفة؛ لأنها تحتمل النسخ، وتحتمل الأمر بالاقتداء بهم ما ذكر.
(قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا) أي: اقتد بمن تقدم من الرسل، ولا تأخذ على تبليغ الرسالة أجرا كما لم يأخذوا هم.
وفي قوله: (قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا) دليل نقض قول من يجيز أخذ الأجر على تعليم القرآن والعلم ورواية الحديث وغير ذلك من العبادات؛ وكذلك قوله:

صفحة رقم 159

(أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ)؛ كأنه - واللَّه أعلم - يجعل لهم العذر في ترك الإجابة له بما يلحقهم من ثقل الأجر والغرم، واللَّه أعلم.
وفيه -أيضًا- دلالة نقض مذهب القرامطة؛ لأنهم يعرضون مذهبهم على الناس، ويأخذون منهم المواثيق والجعل في ذلك، وإنما أخذ المواثيق من الرسل على تبليغ الرسالة إلى قومهم، وأمروا بتأليف قلوب الخلق، وفي أخذ الجعل منهم نفور قلوبهم وطباعهم عن ذلك.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ).
* * *
أي: ما هذا القرآن إلا ذكرى، أي: عظة وزجر للعالمين.
قوله تعالى: (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلَا آبَاؤُكُمْ قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ (٩١) وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ

صفحة رقم 164
تأويلات أهل السنة
عرض الكتاب
المؤلف
محمد بن محمد بن محمود، أبو منصور الماتريدي
تحقيق
مجدي محمد باسلوم
الناشر
دار الكتب العلمية - بيروت، لبنان
سنة النشر
1426
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
10
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية