
قوله تعالى: فَقَدْ وَكَّلْنا بِها قال أبو عبيدة: فقد رزقناها قوماً. وقال الزجاج: وكلنا بالإيمان بها قوماً. وفي هؤلاء القوم أربعة أقوال: أحدها: أنهم أهل المدينة من الأنصار، قاله ابن عباس، وابن المسيب، وقتادة، والسدي. والثاني: الأنبياء والصالحون، قاله الحسن. وقال قتادة: هم النبيُّون الثمانية عشر، المذكورون في هذا المكان، وهذا اختيار الزجاج، وابن جرير. والثالث: أنهم الملائكة، قاله أبو رجاء. والرابع: أنهم المهاجرون والأنصار.
[سورة الأنعام (٦) : آية ٩٠]
أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرى لِلْعالَمِينَ (٩٠)
قوله تعالى: أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ يعني النبيين المذكورين. وفي قوله تعالى: فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ قولان: أحدهما: بشرائعهم وبسننهم فاعملْ، قاله ابن السائب. والثاني: اقتدِ بهم في صبرهم، قاله الزجاج. وكان ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وعاصم، يثبتون الهاء من قوله: «اقتده» في الوصل ساكنة. وكان حمزة، والكسائيّ وخلف، ويعقوب، والكسائي عن أبي بكر، واليزيدي في اختياره، يحذفون الهاء في الوصل. ولا خلاف في إثباتها في الوقف، وإسكانها فيه. قوله تعالى: قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً يعني على القرآن. والذكرى: العظة. والعالمون ها هنا: الجنّ والإنس.
[سورة الأنعام (٦) : آية ٩١]
وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قالُوا ما أَنْزَلَ اللَّهُ عَلى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتابَ الَّذِي جاءَ بِهِ مُوسى نُوراً وَهُدىً لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَراطِيسَ تُبْدُونَها وَتُخْفُونَ كَثِيراً وَعُلِّمْتُمْ ما لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلا آباؤُكُمْ قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ (٩١)
قوله تعالى: وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ في سبب نزولها سبعة أقوال «١» :

(٥٣٧) أحدها: أن مالك بن الصيف رأس اليهود، أتى رسول الله ﷺ ذات يوم، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنشدك بالذي أنزل التوراة على موسى، أتجد فيها أن الله يبغض الحبر السمين» ؟ قال: نعم.
قال: «فأنت الحبر السمين». فغضب، ثم قال: ما أَنْزَلَ اللَّهُ عَلى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ، فنزلت هذه الآية، رواه أبو صالح عن ابن عباس وكذلك قال سعيد بن جبير، وعكرمة: نزلت في مالك بن الصيف.
(٥٣٨) والثاني: أن اليهود قالوا: يا محمد، أنزل الله عليك كتاباً؟ قال: «نعم». قالوا: والله ما أنزل الله من السماء كتاباً، فنزلت هذه الآية، رواه الوالبي عن ابن عباس.
(٥٣٩) والثالث: أن اليهود قالوا: يا محمد، إن موسى جاء بألواح يحملها من عند الله، فائتنا بآية كما جاء موسى، فنزل: يَسْئَلُكَ أَهْلُ الْكِتابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتاباً مِنَ السَّماءِ، إلى قوله:
عَظِيماً «١». فلما حدَّثهم بأعمالهم الخبيثة، قالوا: والله ما أنزل الله عليك ولا على موسى وعيسى، ولا على بشر، من شيء، فنزلت هذه الآية، قاله محمد بن كعب.
والرابع: أنها نزلت في اليهود والنصارى، آتاهم الله علما، فلم ينتفعوا به، قاله قتادة.
(٥٤٠) والخامس: أنها نزلت في فنحاص اليهودي، وهو الذي قال: ما أَنْزَلَ اللَّهُ عَلى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ قاله السدي.
(٥٤١) والسادس: أنها نزلت في مشركي قريش، قالوا: والله ما أنزل الله على بشر من شيء، رواه ابن أبي نجيح عن مجاهد.
والسابع: أن أولها، إلى قوله: مِنْ شَيْءٍ في مشركي قريش. وقوله تعالى: مَنْ أَنْزَلَ الْكِتابَ الَّذِي جاءَ بِهِ مُوسى في اليهود، رواه ابن كثير عن مجاهد.
وفي معنى وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ ثلاثة أقوال: أحدها: ما عظَّموا الله حق عظمته، قاله ابن
عزاه المصنف لأبي صالح عن ابن عباس وهي رواية واهية فيه انقطاع بين علي الوالبي وابن عباس.
- أخرجه الطبري ١٣٥٤٤ من رواية علي بن أبي طلحة عن ابن عباس. وذكره الواحدي في «أسباب النزول» ٤٣٨ من رواية الوالبي عن ابن عباس.
مرسل. أخرجه الطبري ١٣٥٤٢ عن محمد بن كعب القرظي مرسلا والمرسل من قسم الضعيف.
مرسل. أخرجه الطبري ١٣٥٤١ عن السدي مرسلا، والمرسل من قسم الضعيف.
الخلاصة هذه الروايات وإن كانت ضعيفة أو مرسلة لكنها تتأكد بمجموعها ومع ذلك اختار ابن جرير القول الآتي، انظر التعليق على ذلك.
مرسل أخرجه الطبري ١٣٥٤٧ عن مجاهد مرسلا والمرسل من قسم الضعيف.
__________
(١) سورة النساء: ١٥٣- ١٥٦.