وغفلة الحواس الظاهرة والباطنة وفقد الشعور والتمييز «وَيَعْلَمُ ما جَرَحْتُمْ» كسبتم وفعلتم بجوارحكم «بِالنَّهارِ» مما يستحق الثواب ويستوجب العقاب «ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ» يوقظكم بالنهار بعد استيفاء أجل نومكم المعبر عنه بالتوفي ولا يفهم من هذا أن الله تعالى لا يعلم ما جرحنا بالليل ولا أنه لا يتوفانا في النهار لأن تخصيص الشيء بالذكر لا يدل على نفي ما عداه كما أن انتفاء الدليل لا يستلزم انتفاء المدلول وأن عدم وجود الخلق من الأزل لا يستوجب عدم وجود الخالق لتولي أمرهم في الآخرة كما كان يتولى أمرهم في الدنيا وقيل الردّ إلى من ربّاك خير من البقاء مع من آذاك «لِيُقْضى أَجَلٌ مُسَمًّى» لاستيفاء أعماركم والفعل متعلق بيبعثكم «ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ» في الآخرة «ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ٦٠» في هذه الدنيا لا يخفى عليه شيء من أمركم حتى انه يعلم ما ترونه في نومكم وما توقعون فيه من حركات وسكنات راجع الآية ١٢ من سورة الزمر الآتية،
قال تعالى «وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ» المتسلط عليهم بالغلبة المتعالي عليهم بالقدرة راجع معنى الفوقية في الآية ١٨ المارة «وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً» من ملائكة يسجلون أعمالكم راجع الآية ١٨ من سورة ق في ج ١ «حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ» بانقضاء أجله المبرم «تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا وَهُمْ» الرسل الموكلون بالوفاة «لا يُفَرِّطُونَ ٦١» في أمرنا ولا يتوانون فيه البتة.
مطلب الجمع بين آيات الوفاة وسرعة الحساب وقول الفلاسفة فيه ومعنى يذيق بعضكم بأس بعض:
واعلم أن المتوفي في الحقيقة هو الله تعالى فإذا حضر أجل العبد أمر الله الملك بقبض روحه والملك الموكل بقبض الأرواح له أعوان وكل أمرهم إليه فيأمرهم بنزع روحه حتى إذا وصلت للحلقوم قبضها هو بنفسه، وهذا التأويل يجمع بين قوله تعالى (اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ) الآية ٤٢ من الزمر المنوه بها أعلاه وقوله تعالى (قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ) الآية ١٢ من سورة السجدة الآتية وبين هذه الآية تيقظ «ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ» بعد استيفاء آجالهم في البرزخ وإنما قال تعالى الحق لأنهم أي الكفرة كانوا يزعمون أن مولاهم الصنم الذي اتخذوه فنبههم الله بأن زعمهم
ذلك باطل من أصله وقد أظهر لهم بطلانه وبين لهم أنه هو سيدهم ومالكهم لا غير فتنبه أيها العاقل «أَلا لَهُ الْحُكْمُ» وحده يومئذ في حسابهم على ما كان منهم «وَهُوَ أَسْرَعُ الْحاسِبِينَ ٦٢» لا يحتاج إلى رؤية وفكر ولا يشغله حساب بعض عن آخرين يحاسب، الخلائق كلها بنفسه محاسبة رجل واحد في أسرع وقت وأقصر زمان والمقصود منه على زعم الفلاسفة استعلام ما بقي من الدخل والخرج ولما كان لكل ذرة من الأعمال أثر حسن أو قبيح بحسب حسن العمل وقبحه إذ لا شك أن تلك الأعمال كانت مختلفة فلا جرم كان بعضها معارضا للبعض وبعد حصول المعارضة يبقى في النفس قدر مخصوص من الخلق الحميد وقدر آخر من الذميم فإذا مات الجسد ظهر مقدار ذلك وهو إنما يحصل في الآن الذي لا ينقسم وهو الآن الذي فيه فينقطع فيه تعلق النفس من البدن فعبّر عن هذه الحالة بسرعة الحساب وزعمهم هذا هو أن كثرة الأفعال وتكررها يوجب حدوث الملكات الراسخة وأنه يجب أن يكون لكل واحد من تلك الأعمال أثر في حصول تلك الملكة بل كان يجب أن يكون لكل جزء من أجزاء العمل الواحد من تلك الأعمال أثر بوجه ما في حصول تلك الملكة وحينئذ يقال إن الأفعال الصادرة من اليد هي المؤثرة في حصول الملكة المخصوصة وكذلك الأفعال الصادرة من الرجل فتكون الأيدي والأرجل شاهدة على الإنسان بمعنى أن تلك الآثار النفسانية إنما حصلت في جواهر النفوس بواسطة هذه الأفعال الصادرة من هذه الجوارح فكأن ذلك الصدور جاريا مجرى الشهادة بحصول تلك الآثار في جواهر النفس وعلى هذا فيقصد من الحساب ما ذكر آنفا وزعم من نقل هذا عنهم أنه من تطبيق الحكمة النبوية على الحكم الفلسفية، قال الآلوسي رحمه الله متمثلا في هذا البيت:
راحت مشرقة ورحت مغربا | شتان بين مشرق ومغرب |
أيها المنكح الثريا سهيلا | عمرك الله كيف يلتقيان |
فالثريا شامية إذا ما استهلت | وسهيل إذا ما استهل يمان |
وكتيبة لبّستها بكتيبة | حتى إذا التبست نفضت لها يدي |
بعد موت النبي صلّى الله عليه وسلم بخمس وعشرين سنة يريد حادثة عثمان رضي الله عنه وما وقع بين علي كرم الله وجهه ومعاوية إذ ألبسوا شيعا وأذاق بعضهم بأس بعض وبقيت
اثنتان لا بد واقعتان وهما الخسف والرجم وبهذا قال أبي بن كعب ومجاهد وغيرهما فيا أكرم الرسل «انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ» ونكررها بالوعد والوعيد والرجاء والخوف والرضاء والغضب «لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ ٦٥» معانيها ويتدبرون مغازيها فينزجروا عما هم فيه «وَكَذَّبَ بِهِ» بهذا القرآن «قَوْمُكَ» يا محمد «وَهُوَ الْحَقُّ» الذي لا مرية فيه ولا أصدق منه «قُلْ» لهم إذ جرأوا على ذلك قوا أنفسكم من عذاب الله لأني «لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ ٦٦» حتى أقيكم منه ولا بمنتقم حتى أجازيكم عليه ولا بحفيظ حتى أحفظكم من عذابه إنما أنا منذر مبلغ مرشد فقط ولكن عليكم أن تعلموا أن «لِكُلِّ نَبَإٍ» من أخبار القرآن «مُسْتَقَرٌّ» ينتهي إليه إما في الدنيا وإما في الآخرة وإما فيهما معا في الوقت والمكان الذي قدر وقوعه فيه لا يتقدم ولا يتأخر ولا يتخلف، ولا تزالون أيها الكفرة تتلبسون في حالتي التكذيب والجحود حتى يأتيكم أمر الله «وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ ٦٧» إذ ذاك مغبة عملكم وقساوة جزائه، وهذه الآية محكمة بدليل وقوع التهديد والوعيد في آخرها، وما قيل إنها منسوخة بآية السيف قيل لا يصح لأن صاحب هذا القيل فسر وكيل بعبارة (لم أومر بحربكم) وهذا المعنى أبعد من عنقاء مغرب لأن وكيلا بمعنى حفيظ ورقيب ومدافع وزعيم وحميل ومحام ليس إلا ومتى كان كذلك فإنه إنما يطالبهم بالظاهر من الإقرار والعمل لا بما تحتويه ضمائرهم بدلالة قوله (لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ) تدبر هذا.
مطلب النهي عن مجالسة الغواة وذم اللغو وتهديد فاعليه ومدح من يعرض عنه:
واعلم أن الله تعالى يقول «وَإِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا» المنزلة عليك يا سيد الرسل وهذا خطاب له ولأمته لأن الآية صالحة للعموم أكثر منها للخصوص، وهذا الخوض هو ما يقع منهم من السخرية والاستهزاء والطعن والذم والتكذيب والإنكار بوجود الإله والنبوة والمعاد ومعناه لغة الشروع في الماء والعبور فيه ويستعار للأخذ بالحديث والشروع فيه بطريق التنقيد والتفنيد، يقال
تخاوضوا وتفاوضوا في الحديث وأكثر استعماله في ذلك قال تعالى (وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخائِضِينَ) الآية ٤٥ من سورة المدثر المارة في ج ١، وقال تعالى (إِنَّما كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ) الآية ٦٥ من سورة التوبة في ج ٣، وقال تعالى (وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خاضُوا) الآية ٧ منها وأكثر استعمالها في الذم، أي إذا رأيت أيها الإنسان الخوض من أناس ما في آيات ربك «فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ» واحذر مجالستهم وتباعد عنهم وإياك مقاربتهم «حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ» مما يحل سماعه ويندب الاشتراك فيه فجالسهم «وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطانُ» على الفرض والتقدير الاعراض عنهم ومجالستهم بسائق الغفلة التي هي من شأن البشر أو انشغال فكرك بالله. هذا على أن الخطاب لسيد المخاطبين إذ لم يقع منه قط شيء من ذلك وأنّى للشيطان أن يشغل فكره وليس له عليه سبيل ولهذا عبر بان الشرطية المؤكدة بما لأنهما تفيد الشك وإذا كان الخطاب لغيره فلا مانع من وقوعه، والنسيان مرفوع إثمه عن الناس إذا ترك حين تذكر بأن فارقهم حالا أو أنه جالسهم قبل الخوض فقام زمنه حالا وإلا فهو مؤاخذ به بلا شك ويخشى على إيمانه إذا داوم الجلوس معهم بعد الخوض وحكم كل مجلس يتعدى فيه على حدود الله كذلك «فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ٦٨» أنفسهم بالتجاوز على آيات الله وهذا نهي قاطع ألا فلينته الغافلون عنه، نزلت هذه الآية في جماعة من المؤمنين كانوا يجالسون المشركين بأنديتهم فيقعون بالاستهزاء بالقرآن والسخرية بمحمد صلّى الله عليه وسلم والجحود لله فنهى الله رسوله والمؤمنين كافة عن مجالستهم في تلك الحالة وإنما كان الخطاب لحضرة الرسول الذي لم يجالسهم في تلك الحالات وأراد المؤمنين الذين وقع منهم ذلك ليكون المنع أبلغ والنّهي أشد، هذا وقد مدح الله الذين يعرضون عن اللغو فقال جل قوله (وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ) الآية ٣ من المؤمنين الآتية، وقال عز قوله (وَإِذا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ) الآية ٥٥ من القصص، وقال تعالى قوله (وَإِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً) الآية ٧٢ من الفرقان المارتين في ج ١، هذا مطلق اللغو فكيف بما يقع في أمور الدين وفي الله وكتبه ورسله إذ يجب المنع منه باليد فإن لم يستطع فباللسان وعليه حالا ترك ذلك المجلس، فعلى العاقل
صفحة رقم 356
أن يتجنب اللغو ومجالسة أهله لئلا يعرض نفسه لما يكره في الدنيا والآخرة، واعلم أن النسيان الذي لا يكون مبعثه انشغال السر بالوساوس والخطرات الشيطانية مما لم يكن في الأفعال البلاغية والعبادات جائز بالنسبة لحضرة الرسول الأعظم أما النسيان الذي في الأقوال البلاغية والعبارات فهو مستحيل عليه وكذلك السهو والخطأ في شيء من ذلك فهو ممتنع في حقه قطعا، أما السهو والخطأ والنسيان في الأقوال الدنيوية وفيما ليس سبيله البلاغ في الكلام الذي لا يتعلق بالأحكام ولا أخبار القيامة ولا ما يتعلق فيها وكل ما لا يضاف إلى وحي فهو جائز في حقه صلّى الله عليه وسلم إذ لا مفسدة فيه ولا يجوز عليهم أي الأنبياء أجمع خلف في خبر لا عمدا ولا سهوا ولا خطأ لا في صحة ولا في مرض ولا في رضى ولا في غضب وهنا يؤول قوله تعالى (سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى) الآية من سورة والليل المارة في ج ١ الذي استدل به بعض الشيعة على عدم جواز نسبة النسيان له مطلقا في كل ما يؤديه عن الله تعالى من القرآن والوحي لما فيه من المفسدة أما فيما عدا ذلك مما لم يؤد إلى إخلال بالدين فهو جائز وهذا هو القول الجامع بين قول أهل السنة والجماعة وبين إخوانهم الشيعة إذا فلا منافاة ولا اختلاف وهكذا الأنبياء كافة عليهم الصلاة والسلام. هذا وإن سيرة حضرة الرسول وحالته وكلامه وأفعاله مجموعة يفتى بها على ممر الزمان ويتناولها المؤمن
والمنافق والمخالف والموافق والمرتاب والمصدق فلم يأت في شيء منها استدراك غلط في قول ولا اعتراف بوهم في كلمة واحدة ولو كان لنقل عنه كما نقل سهوه في الصلاة في قصة ذي اليدين وغيرها ونومه عنها وانشغاله في حادثة الخندق وكما نقل عنه استدراك رأيه في تلقيح النخل وقوله بعد ذلك أنتم أعلم بأمور دنياكم وفي نزوله بأدنى مياه بدر إلى غير ذلك من الاعتقادات في أمور الدنيا فلم يمتنع نسبتها إليه وإلى غيره من إخوانه الأنبياء عليهم السلام، ولهذا البحث صلة في الآية ٥٣ من سورة الحج في ج ٣، وفي الآية ١٢١ من سورة طه المارة في ج ١ فراجعها، قال تعالى «وَما عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ» قبائح أحوال الخائضين وأعمالهم «مِنْ حِسابِهِمْ» آثامهم التي يحاسبون عليها وجزاؤهم التي يعذبون بسببها «مِنْ شَيْءٍ» أبدا وجيء بمن لتأكيد الاستغراق إذا كانوا متقين ذلك «وَلكِنْ ذِكْرى»
أي عليهم أن يتذكروا ويتعظوا وينبهوا غيرهم ويمنعوهم بما أمكن من العظة ويظهروا لهم الكراهة ليتيقظوا «لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ» ٦٩ ذلك الخوض ويتركونه وينفضوا عنه حياء أو كراهية لمساءتهم، نزلت هذه الآية لما قال المسلمون لئن كنا نقوم كلما استهزأ المشركون بالقرآن لم نستطيع أن نجلس بالمسجد الحرام ولا نطوف بالبيت وإنا نخاف الإثم إذا لم ننهاهم فبين الله تعالى أن لا بأس لمن يتقي أعمال الخائضين والاكتفاء بتذكيرهم على ما يدل على المنع، هذا إذا كانوا في المسجد ولم يقدروا على منعهم أما في غير المسجد فعليهم ترك المكان الذي هم فيه إذا لم يقدروا على منعهم من الخوض، وهذه الآية محكمة لأنها خير من الأخبار والأخبار لا يدخلها النسخ راجع الآية ٤١ من سورة يونس المارة، وغاية معناها أن كل إنسان مختص بحساب نفسه، وما قيل إنها منسوخة بآية النساء ١٤ في ج ٣ لا وجه له لأن تلك مؤيدة هذه ومؤكدة لها باللفظ والمعنى وهي مدنية وهذه مكية تدبر، راجع تمحيص القول في هذا عند تفسيرها، ومن هنا يعلم كراهة جلوس المرء في المجالس التي يقع اللهو واللعب واللغو والرفث وغيره إذا لم يستطع النهي عنه، روى مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان. أقول ولا ضرورة تقضي بأن يتصف الرجل بضعف الإيمان لأنه لا يقدر إلا على عدم رضاء قلبه في ذلك بل عليه أن يترك هذا المجلس على الأقل فإن بقائه مع عدم قدرته على النهي فعلا أو قولا رضاء به وبما يقع فيه والرضاء بالذنب ذنب كما أن الرضاء بالكفر كفر، لهذا فإن الأحسن للعاقل التقي أن يتجنب هكذا مجالس سوء ويحتفظ بقوة دينه إذ يجب النهي على القادر باللسان وإن لم يسمع منه لأن العمل ثمرة الإيمان وأعلى الإيمان النهي باليد حتى إذا قتل كان شهيدا، قال تعالى حاكيا حال لقمان (يا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلى ما أَصابَكَ) الآية ١٨ من سورته الآية إذ أمره بالصبر على ما يصيبه من جراء ذلك وإن النهي بالكلام قد ينال منه في هذا الزمن ما يفضي إلى التحمل
صفحة رقم 358
والصبر أو الإهانة والضرب فلذلك الأحسن بمقام الرجل الاعراض بالكلية ليدخل في قوله تعالى (وَإِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً) الآية ٧٣ من سورة الفرقان في ج ١ وقدمنا ما يتعلق في هذا البحث في الآية ٥٣ من سورة يوسف والآية ١١٣ من سورة هود المارتين والآية ٣٦ من سورة الإسراء في ج ١ وله صلة في الآية ٣ من سورة المؤمنين الآتية وفي الآية ٢٥٤ من سورة البقرة في ج ٣ على أنه يكفي في هذا الباب الآيتان المفسرتان لمن كان له قلب حي وفي هذه الآية الثالثة الذي يقول الله جل جلاله فيها «وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً» أعرض عنهم لا تخالطهم أبدا لأنهم جهلوا معبودهم الحق ولم يعرفوا قدرته «وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا» بزخرفها وخدعتهم بشهواتها وأطمعتهم في الباطل إذ غلب حبها على قلوبهم فأفقدتهم الوعي ومالوا عن السداد وانهكوا في الفساد والإفساد «وَذَكِّرْ بِهِ» يا سيد الرسل خاصتك وقومك واتلوه عليهم فإن فيه حياتهم وصلاحهم لاحتوائه على علوم الأولين والآخرين وأدم قراءته عليهم مخافة «أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ» ترتهن
وتستسلم قال زهير:
وفارقتك برهن لا فكاك له | يوم الوداع وقلبي مبسل علقا |