
وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُم بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُّسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (٦٠) وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُم حَفَظَةً حَتَّىَ إِذَا جَاء أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لاَ يُفَرِّطُونَ (٦١) ثُمَّ رُدُّواْ إِلَى اللهِ مَوْلاَهُمُ الْحَقِّ أَلاَ لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ (٦٢)
شرح الكلمات:
مفاتح الغيب: المفاتح: جمع١ مفتح بفتح الميم أي المخزن.
البر والبحر: البر ضد البحر، وهو اليابس من الأرض، والبحر ما يغمره الماء منها.
ورقة: واحدة الورق والورق للشجر كالسعف للنخل.
حبة: واحدة الحب من ذرة أو بر أو شعير أو غيرها.
ولا رطب: الرطب ضد اليابس من كل شيء.
في كتاب مبين: أي في اللوح المحفوظ كتاب المقادير.
يتوفاكم بالليل: أي ينيمكم باستتار الأرواح وحجبها عن الحياة كالموت.
جرحتم: أي كسبتم بجوارحكم من خير وشر.
ثم يبعثكم فيه ليقضى أجل مسمى: أي يوقظكم لتواصلوا العمل إلى نهاية الأجل المسمى لكل.
حفظة: الكرام الكاتبين.
رسلنا: ملك الموت وأعوانه.

معنى الآيات:
لما ذكر تعالى في نهاية الآية السابقة أنه أعلم بالظالمين المستحقين للعقوبة أخبر عز وجل أن الأمر كما قال ودليل ذلك أنه عالم الغيب والشهادة، إذ ﴿عنده مفاتح الغيب١﴾ أي خزائن الغيب وهو الغيب الذي استأثر بعلمه فلا يعلمه سواه٢ ويعلم ما في البر والبحر وهذا من عالم الشهادة، إضافة إلى ذلك أن كل شيء كان أو يكون من أحداث العالم قد حواه كتاب له اسمه اللوح المحفوظ، وهو ما دل عليه قوله: ﴿وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب٣ ولا يابس إلا في كتاب مبين﴾ وما كتبه قبل وجوده فقد علمه إذاً فهو عالم الغيب والشهادة إضافة إلى ذلك أن كل شيء كان أو يكون من أحداث العالم قد حواه كتاب له اسمه اللوح المحفوظ، وهو ما دل عليه قوله: ﴿وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين﴾ وما كتبه قبل وجوده فقد علمه إذاً فهو عالم الغيب والشهادة أحصى كل شيء عدداً وأحاط بكل شيء علماً، فكيف إذاً لا يعبد ولا يرغب فيه ولا يرهب منه وأين هو في كماله وجلاله من أولئك الأموات من أصنام وأوثان. ؟؟ هذا ما دلت عليه الآية الأولى (٥٩) وأما الآية الثانية (٦٥) فقد قررت ما دلت عليه الآية قبلها من قدرة الله وعلمه وحكمته فقال تعالى مخبراً عن نفسه ﴿وهو الذي يتوفاكم٤ بالليل﴾ حال نومكم إذ روح النائم تقبض ما دام نائماً ثم ترسل إليه عند إرادة الله بعثه من نومه أي يقظته، وقوله ﴿ثم يبعثكم فيه﴾ أي في النهار المقابل لليل، وعلة هذا أن يقضى ويتم الأجل الذي حدده تعالى للإنسان يعيشه وهو مدة عمره طالت أو قصرت، وهو معنى قوله ﴿ثم يبعثكم فيه ليُقضى أجل مسمى﴾ وقوله تعالى ﴿ثم إليه مرجعكم﴾ لا محالة وذلك بعد نهاية الأجل، ﴿ثم ينبئكم﴾ بعلمه ﴿بما كنتم تعملون﴾ من خير وشر ويجازيكم بذلك وهو خير الفاصلين. وفي الآية الثالثة يخبر تعالى عن نفسه أيضاً تقريراً لعظيم سلطانه الموجب له بالعبادة والرغبة والرهبة إذ قال مخبراً عن نفسه ﴿وهو القاهر فوق عباده﴾، ذو القهر التام
٢ روى مسلم في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها قالت: من زعم أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يخبر بما يكون في غد فقد أعظم على الله الفرية، والله تعالى يقول: ﴿قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله﴾.
٣ يطلق لفظ الرطب على الماء وما ينبت والحيّ، ولسان المؤمن، واليابس على ضد ذلك كالياس والتراب ومالا ينبت، ولسان الكافر لأنّه لا يذكر الله تعالى.
٤ التوفي: استيفاء الشيء، وتوفي الميت: استوفى عدد أيام عمره، والنائم كأنه استوفى حركاته في اليقظة، والوفاة: الموت، واستوفى دينه: أخذه كاملاً.

والسلطان الكامل على الخلق أجمعين ﴿ويرسل عليكم﴾ أيها الناس ﴿حفظة١﴾ بالليل والنهار يكتبون أعمالكم وتحفظ لكم لتجزوا بها ﴿حتى إذا جاء أحدكم الموت﴾ لانقضاء أجله ﴿توفته رسلنا﴾ ملك الموت وأعوانه، ﴿وهم لا يفرطون﴾ أي لا يضيعون ولا يقصرون وأخيراً يقول تعالى مخبراً بالأمر العظيم إنه الوقوف بين يدي الرب تعالى المولى الحق الذي يجب أن يعبد دون سواه، وقد كفره أكثر الناس وعصوه، وفسقوا عن أمره وتركوا طاعته وأدهى من ذلك عبدوا غيره من مخلوقاته فكيف يكون حسابهم والحكم عليهم؟ والله يقول: ﴿ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق ألا له الحكم وهو أسرع الحاسبين٢﴾.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- بيان مظاهر القدرة والعلم والحكمة لله تعالى.
٢- استئثار الله تعالى بعلم الغيب.
٣- كتاب المقادير حوى كل شيء حتى سقوط الورقة من الشجرة وعلم الله بذلك.
٤- صحة إطلاق الوفاة على النوم، وبهذا فسر قوله تعالى لعيسى إني متوفيك.
٥ - تقرير مبدأ المعاد والحساب والجزاء.
قُلْ مَن يُنَجِّيكُم مِّن ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً لَّئِنْ أَنجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (٦٣) قُلِ اللهُ يُنَجِّيكُم مِّنْهَا وَمِن كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنتُمْ تُشْرِكُونَ (٦٤) قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُم
٢ ﴿أسرع الحاسبين﴾ أي: لا يحتاج إلى فكرة وروية ولا عقد يدٍ.