آيات من القرآن الكريم

وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَىٰ أَجَلٌ مُسَمًّى ۖ ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧ

يقول تعالى : إنه يتوفى عباده في منامهم بالليل، وهذا هو التوفي الأصغر، كما قال تعالى :﴿ الله يَتَوَفَّى الأنفس حِينَ مَوْتِهَا والتي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا ﴾ [ الزمر : ٤٢ ] فذكر في هذه الآية الوفاتين الكبرى والصغرى، وهكذا ذكر في هذا المقام حكم الوفاتين الصغرى ثم الكبرى، فقال :﴿ وَهُوَ الذي يَتَوَفَّاكُم باليل وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بالنهار ﴾ أي ويعلم ما كسبتم من الأعمال بالنهار، وهذه جملة معترضة دلت على إحاطة علمه تعالى بخلقه في ليلهم ونهارهم في حال سكونهم حال حركتهم، كما قال :﴿ سَوَآءٌ مِّنْكُمْ مَّنْ أَسَرَّ القول وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ باليل وَسَارِبٌ بالنهار ﴾ [ الرعد : ١٠ ]، وكما قال تعالى :﴿ وَمِن رَّحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اليل والنهار لِتَسْكُنُواْ فِيهِ ﴾ [ القصص : ٧٣ ] أي في الليل، ﴿ وَلِتَبتَغُواْ مِن فَضْلِهِ ﴾ [ القصص : ٧٣ ] أي في النهار، كما قال :﴿ وَجَعَلْنَا اليل لِبَاساً وَجَعَلْنَا النهار مَعَاشاً ﴾ [ النبأ : ١٠-١١ ]، ولهذا قال تعالى ها هنا :﴿ وَهُوَ الذي يَتَوَفَّاكُم باليل وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بالنهار ﴾ أي ما كسبتم من الأعمال فيه، ﴿ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ ﴾ أي في النهار، قاله مجاهد وقتادة والسدي، وقال ابن جريج : أي في المنام والأول أظهر، وقد روى ابن مردويه بسنده عن الضحاك عن ابن عباس عن النبي ﷺ قال :« مع كل إنسان ملك إذا نام أخذ نفسه ويرد إليه، فإن أذن الله في قبض روحه قبضة وإلاّ رد إليه » فذلك قوله :﴿ وَهُوَ الذي يَتَوَفَّاكُم باليل ﴾ وقوله :﴿ ليقضى أَجَلٌ مُّسَمًّى ﴾ يعني به أجل كل واحد من الناس، ﴿ ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ﴾ أي يوم القيامة، ﴿ ثُمَّ يُنَبِّئُكُم ﴾ أي يخبركم ﴿ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ ويجزيكم على ذلك إن خيراً فخير وإن شراً فشر، وقوله :﴿ وَهُوَ القاهر فَوْقَ عِبَادِهِ ﴾ أي وهو الذي قهر كل شيء وخضع لجلاله وعظمته وكبريائه كل شيء، ﴿ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُم حَفَظَةً ﴾ أي من الملائكة يحفظون بدن الإنسان كقوله :﴿ لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ الله ﴾ [ الرعد : ١١ ] وحفظة يحفظون عمله ويحصونه كقوله :﴿ وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ ﴾ [ الانفطار : ١٠ ] الآية، وكقوله :﴿ مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ﴾ [ ق : ١٨ ] وكقوله :﴿ إِذْ يَتَلَقَّى المتلقيان ﴾ [ ق : ١٧ ] الآية.
وقوله تعالى :﴿ حتى إِذَا جَآءَ أَحَدَكُمُ الموت ﴾ أي احتضر وحان أجله ﴿ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا ﴾ أي ملائكة موكلون بذلك. قال ابن عباس وغير واحد : لملك الموت أعوان من الملائكة يخرجون الروح من الجسد فيقبضها ملك الموت إذا انتهت إلى الحلقوم، وسيأتي عند قوله تعالى :﴿ يُثَبِّتُ الله الذين آمَنُواْ بالقول الثابت ﴾ [ إبراهيم : ٢٧ ] الأحاديث المتعلقة بذلك الشاهدة لهذا بالصحة، وقوله :﴿ وَهُمْ لاَ يُفَرِّطُونَ ﴾ أي في حفظ روح المتوفى بل يحفظونها وينزلونها حيث شاء الله عزَّ وجلَّ، إن كان من الأبرار ففي عليين، وإن كان من الفجار ففي سجين عياذاً بالله من ذلك، وقوله :﴿ ثُمَّ ردوا إلى الله مَوْلاَهُمُ الحق ﴾.

صفحة رقم 740

قال ابن جرير :﴿ ثُمَّ ردوا ﴾ يعني الملائكة، ونذكر ها هنا الحديث الذي رواه الإمام أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي ﷺ أنه قال :« إن الميت تحضره الملائكة، فإذا كان الرجل الصالح قالوا : اخرجي أيتها النفس الطيبة كانت في الجسد الطيب، اخرجي حميدة وأبشري بروح وريحان ورب غير غضبان، فلا تزال يقال لها ذلك حتى تخرج ثم يعرج بها إلى السماء، فيستفتح لها فيقال : من هذا؟ فيقال : فلان، فيقال : مرحباً بالنفس الطيبة كانت في الجسد الطيب، ادخلي حميدة وأبشري بروح وريحان ورب غير غضبان، فلا تزال يقال لها ذلك حتى ينتهي بها إلى السماء التي فيها الله عزَّ وجلَّ، وإذا كان الرجل السوء قالوا : اخرجي أيتها النفس الخبيثة كانت في الجسد الخبيث، اخرجي ذميمة، وأبشري بحميم وغساق وآخر من شكله أزواج، فلا تزال يقال لها ذلك حتى تخرج، ثم يعرج بها إلى السماء فيستفتح لها فيقال : من هذا؟ فيقال : فلان، فيقال : لا مرحباً بالنفس الخبيثة كانت في الجسد الخبيث ارجعي ذميمة فإنه لا يفتح لك أبواب السماء، فترسل من السماء، ثم تصير إلى القبر، فيجلس الرجل الصالح فيقال له : مثل ما قيل في الحديث الأول، ويجلس الرجل السوء فيقال له : مثل ما قيل في الحديث الثاني » ويحتمل أن يكون المراد بقوله :﴿ ثُمَّ ردوا ﴾ يعني الخلائق كلهم إلى يوم القيامة فيحكم فيهم بعدله كما قال :﴿ قُلْ إِنَّ الأولين والآخرين لَمَجْمُوعُونَ إلى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ ﴾ [ الواقعة : ٤٩-٥٠ ] وقال :﴿ وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً ﴾ [ الكهف : ٤٧ ] ولهذا قال :﴿ مَوْلاَهُمُ الحق أَلاَ لَهُ الحكم وَهُوَ أَسْرَعُ الحاسبين ﴾.

صفحة رقم 741
تيسير العلي القدير لاختصار تفسير ابن كثير
عرض الكتاب
المؤلف
محمد نسيب بن عبد الرزاق بن محيي الدين الرفاعي الحلبي
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية