آيات من القرآن الكريم

۞ إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ ۘ وَالْمَوْتَىٰ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜ

الهدى، لم يشأ أن يجمعهم على الهدى، وقد ذكرنا هذا فيما تقدم ألا يكون الهدى في حال القهر والجبر، وإنما يكون في حال الاختيار.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ).
يحتمل وجوهًا:
يحتمل: فلا تكونن من الجاهلين: من قضاء اللَّه وحكمه.
ويحتمل: لا تكونن من الجاهلين: من إحسانه وفضله، أي: من إحسانه وفضله يجعل لهم الهدى.
ويحتمل: لا تكونن من الجاهلين أنه يؤمن بك بعضهم وبعضهم لا يؤمن.
قال أبو بكر الكيساني في قوله: (وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى) أي: لو شاء الله ابتلاهم بدون ما ابتلاهم به ليخف عليهم، فيجيبون بأجمعهم، أو يقول: لو شاء اللَّه، لوفقهم جميعًا للهدى فيهتدون، وهو قولنا، لكن لم يشأ؛ لما ذكرنا أنه لم يوفقهم لما علم منهم أنهم يختارون الكفر.
وقوله: (فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ)، بأن اللَّه قادر لو شاء لجعلهم جميعًا مهتدين.
ثم معلوم أن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - كان معصومًا، لا يجوز أن يقال إنه يكون من الجاهلين أو من الشاكرين، على ما ذكر، ولكن ذكر هذا - واللَّه أعلم - ليعلم أن العصمة لا ترفع الأمر والنهي والامتحان، بل تزيد؛ لذلك كان ما ذكر، واللَّه أعلم.
* * *
قوله تعالى: (إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ (٣٦) وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُنَزِّلَ آيَةً وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (٣٧) وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ (٣٨) وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُمَاتِ مَنْ يَشَإِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (٣٩)
قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ) معناه - واللَّه أعلم - إنما يستجيب الذين ينتفعون بما يسمعون، وإلا كانوا يسمعون جميعًا، لكن الوجه فيه ما ذكرنا أنه إنما يجيب الذين ينتفعون بما يسمعون، وهو كقوله - تعالى -: (إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ) كان النبي - عليه السلام - ينذر من اتبع الذكر ومن لم يتبع، لكن انتفع
بالإنذار من اتبع الذكر، ولم ينتفع من لم يتبع، وهو ما ذكر - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَذَكِّرْ فَإِنَّ

صفحة رقم 75

الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ)، أخبر أن الذكرى تنفع المؤمنين ولا تنفع غيرهم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ):
اختلف فيه؛ قَالَ بَعْضُهُمْ: (وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ) أنه على الابتداء؛ يبعثهم اللَّه ثم إليه يرجعون. وقال قائلون: أراد بالموتى الكفار، سمي الكافر ميتًا والمؤمن حيًّا في غير موضع من القرآن؛ كقوله: (أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ)، فهو - واللَّه أعلم - أن جعل لكل بشر سمعين وبصرين وحياتين؛ سمع أبدي في الآخرة، وبصر أبدي في الآخرة؛ وكذلك جعل لكل أحد حياتين: حياة أبدية في الآخرة، وحياة منقضية وهي حياة الدنيا؛ وكذلك سمع أبدي وهو سمع الآخرة، وسمع ذو مدة لها انقضاء وهو سمع الدنيا، ثم نفى السمع والبصر والحياة عمن لم يدرك بهذا السمع والبصر والحياة التي جعل له في الدنيا،
ولم يقصد سمع الأبدية وبصر الأبدية والحياة الأبدية؛ لأنه إنما جعل لهم هذا في الدنيا؛ ليدركوا بهذا ذاك؛ وكذلك العقول التي ركبت في البشر إنما ركبت ليدركوا بها ويبصروا ذلك الأبدي، وإلا لو كان تركيب هذه العقول في البشر لهذه الدنيا خاصة، لا لعواقب تتأمل للجزاء والعقاب - فالبهائم قد تدرك بالطبع ذلك القدر، وتعرف ما يؤتى ويتقى، وما يصلح لها [.... ]؛ فدل أن تركيب العقول فيمن ركب إنما ركب لا لما يدرك هذا؛ إذ يدرك ذلك المقدار بالطبع من لم يركب فيه وهو البهائم التي ذكرنا.
والسمع والبصر والحياة قد جعلت في الدنيا لمعاشهم ومعادهم؛ وكذلك جعل لهم

صفحة رقم 76
تأويلات أهل السنة
عرض الكتاب
المؤلف
محمد بن محمد بن محمود، أبو منصور الماتريدي
تحقيق
مجدي محمد باسلوم
الناشر
دار الكتب العلمية - بيروت، لبنان
سنة النشر
1426
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
10
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية