آيات من القرآن الكريم

۞ إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ ۘ وَالْمَوْتَىٰ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ
ﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠ ﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹ ﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌﰍﰎﰏﰐﰑﰒﰓﰔﰕﰖﰗﰘ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜ ﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱ

تسلية الله لنبيه وسنة الله في خلقه [سورة الأنعام (٦) : الآيات ٣٣ الى ٣٧]
قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (٣٣) وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلى ما كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتاهُمْ نَصْرُنا وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ (٣٤) وَإِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْراضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّماً فِي السَّماءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدى فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجاهِلِينَ (٣٥) إِنَّما يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ (٣٦) وَقالُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ قادِرٌ عَلى أَنْ يُنَزِّلَ آيَةً وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٣٧)
المفردات:
لَيَحْزُنُكَ الحزن: ألم نفسي يكون عند فقد محبوب أو امتناع مرغوب أو حدوث مكروه. يَجْحَدُونَ الجحود: إنكار ما ثبت في القلب أو إثبات ما نفى فيه. نَبَإِ هو الخبر ذو الشأن العظيم. كَبُرَ يقال: كبر على فلان الأمر، أى: عظم عنده وشق عليه وقعه. إِعْراضُهُمْ الإعراض: التولي والانصراف عن الشيء رغبة عنه، أو احتقارا له. أَنْ تَبْتَغِيَ: أن تطلب ما في طلبه كلفة ومشقة من البغي وهو تجاوز الحد ويكون في الخير والشر. نَفَقاً: السرب في الأرض وهو حفرة نافذة لها مدخل ومخرج. سُلَّماً: المرقاة من السلامة لأنه هو الذي يسلمك إلى مصعدك. يَسْتَجِيبُ استجاب الدعاء: إذا لباه وقام بما دعاه إليه بالتدريج.

صفحة رقم 604

المناسبة:
بعد هذا الحجاج والنقاش ذكر تأثير كفرهم وعنادهم في نفس النبي صلّى الله عليه وسلّم وذكر ما يسليه ببيان ما حصل لغيره من الرسل قديما.
روى ابن جرير عن السّدّىّ أن الأخنس بن شريق وأبا جهل التقيا فقال الأخنس لأبى جهل: يا أبا الحكم خبرني عن محمد أصادق هو أم كاذب؟ فإنه ليس هاهنا أحد يسمع كلامك غيرى، قال أبو جهل: والله إن محمدا لصادق وما كذب قط. ولكن إذا ذهب بنو قصى باللواء والسقاية والحجابة والندوة والنبوة فماذا يكون لسائر قريش؟.
المعنى:
قد نعلم- أيها الرسول- إنه ليحزنك ويؤلم نفسك ما عليه هؤلاء القوم، وما يقولونه لك من تكذيب وطعن، وتنفير للعرب عن دعوتك، وهذه نفسك الطاهرة تتألم، وقد رأيت عشيرتك وأهلك في ضلال وخسران، وأنت تدعوهم إلى الهدى والفلاح فلا يسمعون، فلا تذهب نفسك عليهم حسرات، ولا تحزن عليهم، ولا تك في ضيق مما يفعلون. فإنهم لا يكذبونك فأنت الصادق عندهم الأمين في ناديهم ما جربوا عليك كذبا ولا خيانة، ولكنهم يعاندون ويستكبرون، وتدفعهم الإحن والحسد والعصبية الحمقاء، فهذا أبو جهل يقول: إنا لا نكذبك ولكن نكذب ما جئت به:
فهم لا يكذبون النبي صلّى الله عليه وسلّم ولكنهم يفهمون خطأ أن ما جاء به من أمور البعث والحياة الأخرى غير مطابق للواقع، ولا يقتضى هذا أن يكون هو الذي افتراه، على أنهم ما كذبوه في أنفسهم ولكنهم كذبوه أمام الناس فقط!! وكان إصرارهم على التكذيب مع ظهور المعجزات والآيات تكذيبا لآيات الله، أما أنت أيها الرسول الكريم فلا تحزن عليهم وتذرع بالصبر والسلوان، واعتبر بمن تقدمك من الرسل الكرام، فهذه طبيعة الناس قديما وحديثا، ولقد كذبت رسل من قبلك، خاصة أولى العزم منهم، فصبروا على أذاهم إلى أن نصرهم الله وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ. [سورة البقرة آية ٢١٤].
وهذه هي سنة الله في الأمم مع رسلهم، ولن تجد لسنة الله تحويلا، فاصبر كما صبر

صفحة رقم 605

أولو العزم من الرسل، واعلم أن الله يدافع عن الذين آمنوا، وأنه لا مبدل لكلمات الله أبدا ولا مغير لوعده.
ولقد جاءك من أخبار المرسلين التي تفيد تكذيب الناس لهم وصبرهم ونصر الله لهم إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ [غافر ٥١].
وكانوا يقترحون على النبي آيات ويعلقون الإيمان عليها: وَقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً إلى آخر ما ذكر في الآيات من سورة الإسراء.
فرد الله عليهم بما معناه: وإن كان كبر عليك إعراضهم وما يطلبون، ورأيت أن إتيانهم بآية مما اقترحوا يدحض حجتهم ويكشف شبهتهم فيؤمنون، فإن استطعت أن تبتغى لنفسك نفقا تطلبه في الأرض فتذهب في أعماقها أو سلما في الجو فترقى إلى أطباق السماء فتأتيهم بآية مما اقترحوا فأت بها، ولكنك رسول والرسول لا يقدر على شيء أبدا مما يعجز عنه البشر، ولا يستطيع إيجاده إلا الخالق، واعلم أنه لو شاء الله لجمعهم على الهدى وما جئت به ولكنه شاء اختلافهم وتفاوتهم واختبارهم وما يترتب على ذلك.
الناس فريقان، فريق في الجنة، وفريق في السعير، ولو شاء الله لجمعهم على الهدى، فريق تتلى عليه آيات الله فيسمعها سماع قبول، وينظر إليه نظرة اعتبار وتذكر، نظرة خالية من الهوى والعناد والاستكبار، وهؤلاء يستجيبون لما دعاهم الله فهم كالتربة الصالحة للإنبات تقبل الماء وتنبت الكلأ.
وفريق تتلى عليه الآيات فيظل متكبرا سادرا في غلوائه، لا ينظر ولا يعتبر، ولا يسمع سماع قبول، وهم موتى القلوب، وأبعد الناس من الانتفاع بما يسمعون.
هؤلاء يترك أمرهم إلى الله فهو الذي يبعثهم بعد موتهم، فيحاسبهم ويجازيهم ثم إليه يرجعون، هو القادر على ذلك وحده فلا تبخع نفسك عليهم حسرات، إذ ليس في استطاعتك هدايتهم، إنما عليك البلاغ، وعلى الله الحساب، وقال المشركون المعاندون بعد نزول الآيات تترى التي لو لم يكن فيها إلا القرآن لكفى قالوا: هلا نزل عليه آية من ربه كما اقترحنا، وقد قالوا: لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهارَ خِلالَها تَفْجِيراً أَوْ تُسْقِطَ السَّماءَ كَما زَعَمْتَ عَلَيْنا كِسَفاً أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلًا أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ

صفحة رقم 606
التفسير الواضح
عرض الكتاب
المؤلف
محمد محمود حجازي
الناشر
دار الجيل الجديد
سنة النشر
1413
الطبعة
العاشرة
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية