
﴿قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا وأوذوا حتى أتاهم نصرنا ولا مبدل لكلمات الله ولقد جاءك من نبإ المرسلين وإن كان كبر عليك إعراضهم فإن استطعت أن تبتغي نفقا في الأرض أو سلما في السماء فتأتيهم بآية ولو شاء الله لجمعهم على الهدى فلا تكونن من الجاهلين إنما يستجيب الذين يسمعون والموتى يبعثهم الله ثم إليه يرجعون﴾ قوله عز وجل: ﴿قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ﴾ يعني من التكذيب. لك، والكفر بي. ﴿فَإِنَّهُمْ لاَ يُكّذَّبونَكَ﴾ فيه أربعة أوجه: أحدها: فإنهم لا يكذبونك بحجة، وإنما هو تكذيب بهت وعناد، فلا يحزنك، فإنه لا يضرك، قاله أبو صالح، وقتادة، والسدي. والثاني: فإنهم لا يكذبون قولك لعلمهم بصدقك، ولكن يكذبون ما جئت به، قاله ناجية بن كعب. والثالث: لا يكذبونك في السر لعلمهم بصدقك، ولكنهم يكذبونك في العلانية لعداوتهم لك، قاله الكلبي.
صفحة رقم 107
والرابع: معناه أن تكذيبهم لقولك ليس بتكذيب لك، لأنك رسول مُبَلّغ، وإنما هو تكذيب لآياتي الدالة على صدقك والموجبة لقبول قولك، وقد بين ذلك بقوله تعالى: ﴿وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بئَأَيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ﴾ أي يكذبون. وقرأ نافع والكسائي: ﴿لاَ يُكَذِّبُونَكَ﴾ وهي قراءة عن النبي ﷺ وتأويلها: لا يجدونك كاذباً. قوله عز وجل: ﴿... وَلاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ﴾ يحتمل أربعة تأويلات: أحدها: معناه لا مُبطِل لحُجَّتِهِ ولا دافع لبرهانه. والثاني: معناه لا رَادَّ لأمره فيما قضاه من نصر أوليائه، وأوجبه من هلاك أعدائه. والثالث: معناه لا تكذيب لخبره فيما حكاه من نصر مَنْ نُصِرَ وهلاك مَنْ أُهْلِكَ. والرابع: معناه لا يشتبه ما تخرّصه الكاذبون عليه بما بلَّغه الأنبياء عنه. ﴿وَلَقْدْ جَآءَكَ مِن نَّبَإِىْ الْمُرْسَلِينَ﴾ فيما صبروا عليه من الأذى، وقُوبلوا عليه من النصر. قوله عز وجل: ﴿وَإِن كَانَ كَبُرَ إِعْرَاضُهُمْ﴾ فيه قولان: أحدهما: [إعراضهم] عن سماع القرآن. والثاني: عن استماعك. ﴿فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَن تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الأَرْضِ﴾ أي سرباً، وهو المسلك فيها، مأخوذ من نافقاء اليربوع. ﴿أَوْ سُلَّماً فِي السَّمَآءِ﴾ فيه ثلاثة أقاويل:
صفحة رقم 108
أحدها: مصعداً، قاله السدي. والثاني: دَرَجاً، قاله قتادة. والثالث: سبباً، قاله الكلبي وقد تضمن ذلك قول كعب بن زهير.
(ولا لَكُمَا مَنْجىً عَلَى الأرْضِ فَابْغِيَا | به نَفَقاً أوْ في السَّمَوَات سُلَّماً) |

ويكون معنى الكلام: إنما يستجيب المؤمنون الذين يسمعون، والكفار لا يسمعون إلا عند معاينة الحق اضطراراً حين لا ينفعهم حتى يبعثم الله كفاراً ثم يحشرون كفاراً. والقول الثاني: أنهم الموتى الذين فقدوا الحياة، وهو مثل ضربه الله تعالى لنبيه ﷺ، ويكون معنى الكلام: كما أن الموتى لا يستجيبون حتى يبعثهم الله فكذلك الذين لا يسمعون.
صفحة رقم 110