آيات من القرآن الكريم

قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ ۖ حَتَّىٰ إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُوا يَا حَسْرَتَنَا عَلَىٰ مَا فَرَّطْنَا فِيهَا وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَىٰ ظُهُورِهِمْ ۚ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ
ﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟ

(قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُوا يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا) بين الله سبحانه وتعالى في هذا النص أن الذين يكذبون باليوم الآخر تصيبهم خسارة، وخسرانهم أولا لأنهم يفقدون العزاء الروحي الذي يصيب كل إنسان مما يعاني في الحياة، فلو كانت الحياة الدنيا لَا حياة بعدها يكون الشقاء النفسي المقيم لكل من يصيبه ألم فيها، أو يقع في نفسه أنه في شقاء لأنها فيها السعادة في زعمه، ولأنه بفقد معاني الإنسانية، إذ يكون كالحيوان الذي يأكل ليعيش، ويعيش ليأكل فيفقد كل المعنويات العالية، ولأنه ثالثا، يرتع في الشهوات الموبقة، ولأنه رابعا يكون في تناحر مستمر، إذ لَا يخشى الله ولا يرهب عقابه، وأخيرا يخسر بتلقي العذاب الذي يقع عليه يوم تقوم القيامة، وعبر عن قيام القيامة واليوم الآخر بلقاء الله تعالى تشريفا لذلك اليوم، ولأنه له الولاية الحق في ذلك، فلا ولاية ولو ظاهرية لغيره ولا ملك لغيره ولو كان ظاهريا، وفيه ترغيب في الإيمان باللقاء، وترهيب من تكذيبه، وإنهم إذ يكذبون يستمرون في ضلالهم حتى تجيئهم الساعة بغتة أو فجأة من غير أن يكونوا على أهبة لها، وهنا يرد للنظر أمور.

صفحة رقم 2480

أولها - ما معنى (حتى تأتيهم الساعة)، أي ما مقام (حتي) أهي للغاية أم للتفريع؛ وإذا كان للغاية فمن أين الابتداء؛ يقول الزمخشري: إنها متعلقة بـ (يكذبون) أي أنهم يستمرون في تكذيبهم وغلوائهم حتى تجيء إليهم الساعة وهم في غيهم يعمهون.
ثانيها - ما المراد بالساعة؟ واضح أنها القيامة فذلك تعبير قرآني عنها، ومن ذلك قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ...).
وسميت القيامة ساعة؛ لأنها تحمل أشد الأهوال، ولأنها فاصلة بين نوعين من الحياة، حياة فانية وأخرى باقية، حياة عمل، وحياة جزاء.
الثالثة - الساعة تجيء من غير علم بوقتها للجميع فكيف تكون بغتة للذين كذبوا بلقاء الله دون غيرهم؟ والجواب عن ذلك أن الذين آمنوا بلقاء الله تعالى يتوقعونها، وإن لم يعلموا وقتها، أما الذين كذبوا فهم يكفرون بها فيفاجأون بها، وإن الذين آمنوا يرجون لقاء ربهم، ويرجون رحمته، وأما الذين كفروا بلقاء الله تعالى فلا رجاء عندهم.
أولئك الذين تجيئهم القيامة ولقاء ربهم بغتة ويرون العذاب، تصيبهم حسرة، أي غم شديد، وقد قال الأصفهاني في تفسير الحسرة ما نصه: (الحسرة الغم على ما قاله والندم عليه كأنه انحسر عنه الجهل الذي حمله على ما ارتكبه، وانحسرت قواه إذا انحسرت قواه من فرط غم أو أدركه إعياء عن تدارك ما فرط منه).
والتفريط هو الإهمال وعدم العناية والغفلة عما يجب للأمر.
والضمير في قوله تعالى (فِيهَا) يعود إلى الحياة عند بعض العلماء ولكن ليس لها مذكور سابق إلا أن يكون ما ذكروه من قبل، وقولهم: (... إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ)، والحق في نظري أنه يعود إلى

صفحة رقم 2481

الساعة وتفريطهم فيها هو عدم التفاتهم لها، وغفلتهم عن ذكرها، فكانوا يعملون مخير مرتقبين لها، بل غافلين عنها.
ونادوا الحسرة مضافة إليهم قائلين (يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا)؛ لبيان أنهم في حال غم وحزن، وينادون حسرتهم التي تلازمهم كأن هذا وقتها ولا وقت ألزم وأنسب لها من هذا الوقت.
(وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلا سَاءَ مَا يَزِرُونَ).
الوزر الحمل الثقيل، وسمي به الإثم والذنب؛ لأنه أثقل الأحمال النفسية التي تنوء به القوة، والجملة استعارة تمثيلية لما يثقلون به يوم القيامة من أثقال الآثام، فقد شبهت حال من يحمل الآثام الثقال الكثيرة بحال من يحمل الأحمال الثقال على ظهره وينوء بها؛ لأن كليهما ثقيل، الآثام لوباءتها وعذابها، وقد رشح سبحانه للمشبه به في قوله تعالى: (أَلا سَاءَ مَا يَزِرُونَ) فإن هذا بيان لسوء ما يحملون، وقد ابتدأ بـ (أَلا) الدالة على التنبيه، ثم التعجب من شدة ما يحملون، وساء وأساء: تستعمل للتعجب، فمعنى (سَاءَ مَا يَزِرُونَ) ما أسوأ ما يزرون وما يحملون لسوء عاقبته، وما وراءه من عذاب.
* * *

صفحة رقم 2482
زهرة التفاسير
عرض الكتاب
المؤلف
محمد بن أحمد بن مصطفى بن أحمد المعروف بأبي زهرة
الناشر
دار الفكر العربي
عدد الأجزاء
10
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية