آيات من القرآن الكريم

قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ ۖ حَتَّىٰ إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُوا يَا حَسْرَتَنَا عَلَىٰ مَا فَرَّطْنَا فِيهَا وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَىٰ ظُهُورِهِمْ ۚ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ
ﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟ ﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯ ﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠ

وَمَعَاصِيهِمْ، وَقِيلَ: مَا كَانُوا يُخْفُونَ وَهُوَ قَوْلُهُمْ "وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ" (الْأَنْعَامِ، ٢٣)، فَأَخْفَوْا شِرْكَهُمْ وَكَتَمُوا حَتَّى شَهِدَتْ عَلَيْهِمْ جَوَارِحُهُمْ بِمَا كَتَمُوا وَسَتَرُوا، لِأَنَّهُمْ كَانُوا لَا يُخْفُونَ كُفْرَهُمْ فِي الدُّنْيَا، إِلَّا أَنْ تُجْعَلَ الْآيَةَ فِي الْمُنَافِقِينَ، وَقَالَ الْمُبَرِّدُ: بَلْ بَدَا لَهُمْ جَزَاءُ مَا كَانُوا يُخْفُونَ، وَقَالَ النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ: بَلْ بَدَا عَنْهُمْ.
ثُمَّ قَالَ ﴿وَلَوْ رُدُّوا﴾ إِلَى الدُّنْيَا ﴿لَعَادُوا لِمَا﴾ يَعْنِي إِلَى مَا ﴿نُهُوا عَنْهُ﴾ مِنَ الْكُفْرِ، ﴿وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ﴾ فِي قَوْلِهِمْ، لَوْ رُدِدْنَا إِلَى الدُّنْيَا لَمْ نُكَذِّبْ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَكُنَّا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ.
﴿وَقَالُوا إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ﴾ هَذَا إِخْبَارٌ عَنْ إِنْكَارِهِمُ الْبَعْثَ، وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، هَذَا مِنْ قَوْلِهِمْ لَوْ رُدُّوا لَقَالُوهُ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى رَبِّهِمْ﴾ أَيْ: عَلَى حُكْمِهِ وَقَضَائِهِ وَمَسْأَلَتِهِ، وَقِيلَ: عُرِضُوا عَلَى رَبِّهِمْ، ﴿قَالَ﴾ لَهُمْ وَقِيلَ: تَقُولُ لَهُمُ الْخَزَنَةُ بِأَمْرِ اللَّهِ، ﴿أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ﴾ ؟ يَعْنِي: أَلَيْسَ هَذَا الْبَعْثُ وَالْعَذَابُ بِالْحَقِّ؟ ﴿قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا﴾ إِنَّهُ حَقٌّ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هَذَا فِي مَوْقِفٍ، وَقَوْلُهُمْ: وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ فِي مَوْقِفٍ آخَرَ، وَفِي الْقِيَامَةِ مَوَاقِفُ، فَفِي مَوْقِفٍ يُقِرُّونَ، وَفِي مَوْقِفٍ يُنْكِرُونَ. ﴿قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ﴾
﴿قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُوا يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ (٣١) وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (٣٢) قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (٣٣) ﴾
﴿قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ﴾ أَيْ: خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِتَكْذِيبِهِمُ الْمَصِيرَ إِلَى اللَّهِ بِالْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ، ﴿حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ﴾ أَيِ: الْقِيَامَةُ ﴿بَغْتَةً﴾ أَيْ: فَجْأَةً، ﴿قَالُوا يَا حَسْرَتَنَا﴾ نَدَامَتَنَا، [ذُكِرَ] (١) عَلَى وَجْهِ النِّدَاءِ لِلْمُبَالَغَةِ، وَقَالَ سِيبَوَيْهِ: كَأَنَّهُ يَقُولُ: أَيَّتُهَا الْحَسْرَةُ هَذَا أَوَانُكِ، ﴿عَلَى مَا فَرَّطْنَا﴾ أَيْ: قَصَّرْنَا ﴿فِيهَا﴾ أَيْ: فِي الطَّاعَةِ، وَقِيلَ: تَرَكْنَا فِي الدُّنْيَا مِنْ عَمَلِ الْآخِرَةِ.

(١) ما بين القوسين ساقط من"أ" واستدركناه في "ب".

صفحة رقم 138

قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ: (١) الْهَاءُ رَاجِعَةٌ إِلَى الصَّفْقَةِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا تَبَيَّنَ لَهُمْ خُسْرَانُ صَفْقَتِهِمْ بِبَيْعِهِمُ الْآخِرَةَ بِالدُّنْيَا قَالُوا: يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا، أَيْ: فِي الصَّفْقَةِ [فَتُرِكَ ذِكْرُ الصفقة] (٢) اكتفاء بذكر بِقَوْلِهِ ﴿قَدْ خَسِرَ﴾ لِأَنَّ الْخُسْرَانَ إِنَّمَا يَكُونُ فِي صَفْقَةِ بَيْعٍ، وَالْحَسْرَةُ شِدَّةُ النَّدَمِ، حَتَّى يَتَحَسَّرَ النَّادِمُ، كَمَا يَتَحَسَّرُ الَّذِي تَقُومُ بِهِ دَابَّتُهُ فِي السَّفَرِ الْبَعِيدِ، ﴿وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ﴾ أَثْقَالَهُمْ وَآثَامَهُمْ، ﴿عَلَى ظُهُورِهِمْ﴾ قَالَ السُّدِّيُّ وَغَيْرُهُ: إِنَّ الْمُؤْمِنَ +إِذْ أُخْرِجَ مِنْ قَبْرِهِ اسْتَقْبَلَهُ أَحْسَنُ شَيْءٍ صُورَةً وَأَطْيَبُهُ رِيحًا فَيَقُولُ لَهُ: هَلْ تَعْرِفُنِي؟ فَيَقُولُ: لَا فَيَقُولُ: أَنَا عَمَلُكَ الصَّالِحُ فَارْكَبْنِي، فَقَدْ طَالَمَا رَكِبْتُكَ فِي الدُّنْيَا، فَذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: (يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا) (مَرْيَمَ، ٨٥) أَيْ: رُكْبَانًا، وَأَمَّا الْكَافِرُ فَيَسْتَقْبِلُهُ أَقْبَحُ شَيْءٍ صُورَةً وَأَنْتَنُهُ رِيحًا، فَيَقُولُ: هَلْ تَعْرِفُنِي؟ فَيَقُولُ: لَا. فَيَقُولُ: أَنَا عَمَلُكَ الْخَبِيثُ طَالَمَا رَكِبْتَنِي في الدنيأ ١١٧/ب فَأَنَا الْيَوْمَ أَرْكَبُكَ، فَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ﴾ ﴿أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ﴾ يَحْمِلُونَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: بِئْسَ الْحِمْلُ حَمَلُوا.
﴿وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ﴾ بَاطِلٌ وَغُرُورٌ لَا بَقَاءَ لَهَا ﴿وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ﴾ قَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ ﴿وَلَدَارُ الْآخِرَةِ﴾ مُضَافًا أَضَافَ الدَّارَ إِلَى الْآخِرَةِ، وَيُضَافُ الشَّيْءُ إِلَى نَفْسِهِ عِنْدَ اخْتِلَافِ اللَّفْظَيْنِ، كَقَوْلِهِ: (وَحَبَّ الْحَصِيدِ)، وَقَوْلِهِمْ: رَبِيعُ الْأَوَّلِ وَمَسْجِدُ الْجَامِعِ، سُمِّيَتِ الدُّنْيَا لِدُنُوِّهَا، وَقِيلَ: لِدَنَاءَتِهَا، وَسُمِّيَتِ الْآخِرَةُ لِأَنَّهَا بَعْدَ الدُّنْيَا، ﴿خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ﴾ الشِّرْكَ، ﴿أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾ أَنَّ الْآخِرَةَ أَفْضَلُ مِنَ الدُّنْيَا، قَرَأَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَابْنُ عَامِرٍ وَيَعْقُوبُ (أَفَلَا تَعْقِلُونَ) بِالتَّاءِ هَاهُنَا وَفِي الْأَعْرَافِ وَسُورَةِ يُوسُفَ ويس، وَوَافَقَ أَبُو بَكْرٍ فِي سُورَةِ يُوسُفَ، وَوَافَقَ حَفْصٌ إِلَّا فِي سُورَةِ يس، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالْيَاءِ فِيهِنَّ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ﴾ قَالَ السُّدِّيُّ: الْتَقَى الْأَخْنَسُ بْنُ شُرَيْقٍ وَأَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ، فَقَالَ الْأَخْنَسُ لِأَبِي جَهْلٍ يَا أَبَا الْحَكَمِ أَخْبِرْنِي عَنْ مُحَمَّدٍ أَصَادِقٌ هُوَ أَمْ كَاذِبٌ؟ فَإِنَّهُ لَيْسَ هَاهُنَا أَحَدٌ يَسْمَعُ كَلَامَكَ غَيْرِي، قَالَ أَبُو جَهْلٍ: وَاللَّهِ إِنَّ مُحَمَّدًا لَصَادِقٌ، وَمَا كَذَبَ مُحَمَّدٌ قَطُّ، وَلَكِنْ إِذَا ذَهَبَ بَنُو قُصَيٍّ بِاللِّوَاءِ وَالسِّقَايَةِ وَالْحِجَابَةِ وَالنَّدْوَةِ وَالنُّبُوَّةِ فَمَاذَا يَكُونُ لِسَائِرِ قُرَيْشٍ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَذِهِ الْآيَةَ (٣).
وَقَالَ نَاجِيَةُ بْنُ كَعْبٍ: قَالَ أَبُو جَهْلٍ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا نَتَّهِمُكَ وَلَا نُكَذِّبُكَ، وَلَكِنَّا نُكَذِّبُ الَّذِي جِئْتَ

(١) انظر: تفسير الطبري: ١١ / ٣٢٥، وفيه قوله: "والهاء والألف في قوله: "فيها" من ذكر "الصفقة"، ولكن اكتفى بدلالة قوله: "قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله" عليها من ذكرها، إذ كان معلوما أن "الخسران" لا يكون إلا في صفقة بيع قد جرت".
(٢) انظر: تفسير الطبري: ١١ / ٣٢٥، وفيه قوله: "والهاء والألف في قوله: "فيها" من ذكر "الصفقة"، ولكن اكتفى بدلالة قوله: "قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله" عليها من ذكرها، إذ كان معلوما أن "الخسران" لا يكون إلا في صفقة بيع قد جرت".
(٣) أسباب النزول، ص (٢٤٩)، تفسير الطبري: ١١ / ٣٣٣.

صفحة رقم 139
معالم التنزيل
عرض الكتاب
المؤلف
محيي السنة، أبو محمد الحسين بن مسعود بن محمد بن الفراء البغوي الشافعي
تحقيق
محمد عبد الله النمر
الناشر
دار طيبة للنشر والتوزيع
سنة النشر
1417
الطبعة
الرابعة
عدد الأجزاء
8
التصنيف
كتب التفسير
اللغة
العربية