آيات من القرآن الكريم

وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ ۖ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟ ﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰ ﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽ ﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉ ﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖ ﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗ ﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨ ﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙ ﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧ ﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲ ﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐ

مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ وهو قوله تعالى لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسالاتِ رَبِّهِمْ «١» إلّا الأنعام فإنها تنزل ومعها سبعون ألف ملك.
وروى سفيان عن أبي إسحاق عن عبد الله بن خليفة قال: قال عمر (رضي الله عنه) :
الأنعام من نواجب القرآن.

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ الآية.
قال مقاتل: قال المشركون للنبي صلى الله عليه وسلّم من ربك؟ قال:
الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فكذبوه فأنزل الله عز وجل حامدا نفسه دالّا بصفته على وجوده وتوحيده. الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ فِي يَوْمَيْنِ يوم الأحد ويوم الإثنين الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ «٢» يوم الثلاثاء ويوم الأربعاء وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ
قال السدي: يعني ظلمة الليل ونور النهار.
وقال الواقدي: كل ما في القرآن من الظُّلُماتِ وَالنُّورَ يعني الكفر والإيمان.
وقال قتادة: يعني الجنة والنار وإنما جمع الظلمات ووحد النور لأن النور يتعدى والظلمة لا تتعدى.
(١) سورة الجن: ٢٨
. (٢) سورة فصلت: ٩
.

صفحة رقم 132

وقال أهل المعاني: جعل هاهنا صلة والعرب تريد جعل في الكلام.
وقال أبو عبيدة: وقد جعلت أرى الإثنين أربعة والواحد إثنين لمّا هدّني الكبر «١» مجاز الآية: الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض والظلمات والنور، وقيل: معناه خلق السماوات والأرض وقد جعل الظلمات والنور لأنه خلق الظلمة والنور قبل خلق السماوات والأرض.
وقال قتادة: خلق الله السماوات قبل الأرض والظلمة قبل النور والجنة قبل النار.
وقال وهب: أول ما خلق الله مكانا مظلما ثم خلق جوهرة فصارت ذلك المكان، ثم نظر إلى الجوهرة نظر الهيئة فصارت دما فارتفع بخارها وزبدها، فخلق من البخار السماوات ومن الزبد الأرضين.
وروى عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلّم أنه قال: «إن الله عز وجل خلق خلقه في ظلمة ثم ألقى عليهم من نوره فمن أصابه يومئذ من ذلك النور اهتدى ومن أخطأه ضلّ»
«٢» [١٢٨] ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ.
قال قطرب: هو مختصر يعني الَّذِينَ كَفَرُوا بعد هذا البيان بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ الأوثان أي يشركون وأصله من مساواة الشيء بالشيء يقال: عدلت هذا بهذا إذا ساويته به.
وقال النضر بن شميل: الباء في قوله: بِرَبِّهِمْ بمعنى عن، وقوله: يَعْدِلُونَ من العدول. أي يكون ويعرفون.
وأنشد:

وسائلة بثعلبة بن سير وقد علقت بثعلبة العلوق «٣»
وأنشد:
شرين بماء البحر ثم ترفعت متى لجج خضر لهن نئيج «٤»
أي من البحر قال الله تعالى: عَيْناً يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللَّهِ أي منها.
محمد بن المعافى عن أبي صالح عن ابن عباس قال: فتح أول الخلق بالحمد لله، فقال:
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وختم بالحمد، فقال: وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ.
(١) راجع تفسير القرطبي: ١/ ٢٢٨
. (٢) فتح الباري: ١١/ ٤٣٠
. (٣) مراده بقوله: بن سير: بن سيار، والبيت للمفضل البكري انظر الصحاح: ٢/ ٦٩٢
. (٤) تفسير الطبري: ٢٩/ ٢٥٨
.

صفحة رقم 133

حماد بن عبد الله بن الحرث عن وهب قال: فتح الله التوراة بالحمد فقال: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وختمها بالحمد فقال: وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً الآية. قوله تعالى: هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ «١» يعني آدم (عليه السلام) فأخرج ذلك مخرج الخطاب لهم إذ كانوا ولده «٢».
وقال السدي: بعث الله جبرئيل إلى الأرض ليأتيه بطينة منها فقالت الأرض: إني أعوذ بالله منك أن تنقص مني فرجع ولم يأخذ، وقال: يا ربّ إنها عاذت بك، فبعث ميكائيل فاستعاذت فرجع فبعث ملك الموت فعاذت منه بالله فقال: أنا أعوذ بالله أن أخالف أمره فأخذ من وجه الأرض وخلط التربة الحمر والسودا والبيضاء فلذلك اختلفت ألوان بني آدم ثم عجنها بالماء العذب والمالح والمر فلذلك اختلفت أخلاقهم فقال الله عز وجل لملك الموت رحم جبرئيل وميكائيل الأرض ولم ترحمها لا جرم أجعل أرواح من أخلق من هذا الطين بيدك.
وروى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلّم قال: «إن الله خلق آدم من تراب جعله طينا ثم تركه حتى كان حمأ مسنونا خلقه وصوّره ثم تركه حتى إذا كان صلصالا كالفخار [فكان إبليس يمرّ به فيقول] «٣» خلقت الأمر عظيم ثم نفخ الله فيه روحه»
«٤» [١٢٩] ثُمَّ قَضى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ.
قال الحسن وقتادة والضحاك: الأجل الأول ما بين أن يخلق إلى أن يموت. والأجل الثاني ما بين أن يموت إلى أن يبعث وهو البرزخ.
وقال مجاهد وسعيد بن جبير: ثُمَّ قَضى أَجَلًا يعني أجل الدنيا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ وهو الآخرة.
عطية عن ابن عباس: ثُمَّ قَضى أَجَلًا هو النوم تقبض فيه الروح ثم ترجع إلى صاحبها حين اليقظة. أَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ هو أجل موت الإنسان. ثُمَّ قَضى أَجَلًا يعني جعل لأعماركم مدة تنتهون إليها لا تجاوزونها، وَأَجَلٌ مُسَمًّى يعني وهو أجل مسمى عِنْدَهُ لا يعلمه غيره، الأجل المسمى هو الأجل الآجل.
ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ تشكون في البعث وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّماواتِ وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ يعني وهو إله السماوات وإله الأرض.

(١) سورة الأنعام: ٢
. (٢) تفسير الطبري: ٧/ ١٩٤
. (٣) أثبتناه من المصادر، وما في المخطوط: (ومرّ به المؤمن فقال)
. (٤) مجمع الزوائد: ٨/ ١٩٧ وفتح الباري: ٦/ ٢٥٧ [.....]
.

صفحة رقم 134

مقاتل: يعلم سر أعمالكم وجهرها، قال: وسمعنا أبا القاسم الحبيبي يقول: سمعت أبا بكر محمد بن أحمد، محمد بن أحمد البلخي يقول: هو من مقاديم الكلام وتقديره وهو الله يعلم سركم وجهركم في السماوات والأرض فلا يخفى عليه شيء وَيَعْلَمُ ما تَكْسِبُونَ تعملون من الخير والشر وَما تَأْتِيهِمْ يعنى كفار أهل مكّة مِنْ آيَةٍ مِنْ آياتِ رَبِّهِمْ مثل انشقاق القمر وغيره إِلَّا كانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ لها تاركين وبها مكذبين فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ يعني القرآن وقيل: محمد عليه الصلاة والسلام لَمَّا جاءَهُمْ فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْباءُ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ أي أخبار استهزائهم وجزاؤه فهذا وعيد لهم فحاق بهم هذا الوعيد يوم يرونه أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ يعني الأمم الماضية والقرن الجماعة من الناس وجمعه قرون، وقيل: القرن مدة من الزمان، يقال ثمانون سنة، ويقال: مائة سنة، ويكون معناه على هذا القول من أهل قرن مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ ما لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ يعني أعطيناهم ما لم نعطكم.
قال ابن عباس: أمهلناهم في العمر والأجسام والأولاد مثل قوم نوح وعاد وثمود، ويقال:
مكنته ومكنت له فجاء [... ] «١» جميعا وَأَرْسَلْنَا السَّماءَ يعني المطر عَلَيْهِمْ مِدْراراً.
تقول العرب: ما زلنا نطأ السماء حتى آتيناكم مدرارا أي غزيرة كثيرة دائمة، وهي مفعال من الدر، مفعال من أسماء المبالغة، ويستوي فيه المذكر والمؤنث.
قال الشاعر:
وسقاك من نوء الثريا مزنة... سعرا تحلب وابلا مدرارا «٢»
وقوله: ما لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ من خطاب التنوين كقوله تعالى: حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ «٣».
وقال أهل البصرة: أخبر عنهم بقوله: أَلَمْ يَرَوْا وفيهم محمد وأصحابه ثم خاطبهم، والعرب تقول: قلت لعبد الله ما أكرمه وقلت لعبد الله أكرمك وجعلنا الأنهار التي تجري من تحتهم فَأَهْلَكْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنا وخلقنا وابتدأنا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ وَلَوْ نَزَّلْنا عَلَيْكَ كِتاباً الآية.
وقال الكلبي ومقاتل: أنزلت في النضر بن الحرث وعبد الله بن أبي أمية ونوفل بن خويلد قالوا: يا محمد لن نؤمن لك حتى تأتينا بكتاب من عند الله ومعه أربعة من الملائكة يشهدون عليه أنه من عند الله وأنك رسول فأنزل الله عز وجل وَلَوْ نَزَّلْنا عَلَيْكَ كِتاباً فِي قِرْطاسٍ في

(١) كلمة غير مقروءة في المخطوط
. (٢) كتاب العين: ٨/ ٣٩
. (٣) سورة يونس: ٢٢
.

صفحة رقم 135

صحيفة مكتوبا من عند الله فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ عاينوه معاينة ومسوه بأيديهم لَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ لما سبق فيهم من علمي
وَقالُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ على محمد مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنا مَلَكاً لَقُضِيَ الْأَمْرُ أي لوجب العذاب وفرغ من هلاكهم لأن الملائكة لا ينزلون إلّا بالوحي [والحلال] ثُمَّ لا يُنْظَرُونَ الكافرون ولا يمهلون.
قال مجاهد: لَقُضِيَ الْأَمْرُ أي لقامت الساعة.
وقال الضحاك: لو أتاهم ملك في صورته لماتوا.
وقال قتادة: لو أنزلنا المكارم ولم يؤمنوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذابَ ولم يؤخروا طرفة عين وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً يعني ولو أرسلنا إليهم ملكا لَجَعَلْناهُ رَجُلًا يعني في صورة رجل آدمي لأنهم لا يستطيعون النظر إلى الملائكة وَلَلَبَسْنا ولشبهنا وخلطنا عَلَيْهِمْ ما يَلْبِسُونَ يخلطون ويشبهون على أنفسهم حتى يشكوا فلا يدرى أملك هو أم آدمي.
وقال الضحاك وعطية عن ابن عباس: هم أهل الكتاب فرقوا دينهم وكذبوا رسلهم وهو تحريف الكلام عن مواضعه فلبس الله عليهم ما لبسوا على أنفسهم.
وقال قتادة: ما لبس قوم على أنفسهم إلّا لبس الله عليهم.
وقرأ الأزهري: وَلَلَّبَسْنا بالتشديد على التكرير يقال: ألبست العرب ألبسه لبسا والتبس عليهم الأمر ألبسه لبسا وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ كما استهزئ بك يا محمد يعزي نبيّه ﷺ فَحاقَ.
قال الربيع بن أنس: ترك. عطاء: أحل.
مقاتل: دار. الضحّاك: إحاطة.
قال الزجاج: الحيق في اللغة ما اشتمل على الإنسان من مكروه فعله ومنه: يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ.
وقيل: وجب. والحيق والحيوق الوجوب.
بِالَّذِينَ سَخِرُوا هزءوا مِنْهُمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ. فحاق بالذين سخروا من المرسلين العذاب وتعجيل النقمة قُلْ يا محمد لهؤلاء المكذبين المستهزئين سِيرُوا سافروا فِي الْأَرْضِ معتبرين ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ أي آخر أمرهم وكيف أورثهم الكفر والكذب الهلاك والعذاب، يخوّف كفار أهل مكة عذاب الأمم الماضية قُلْ لِمَنْ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ فإن أجابوك وإلّا قُلْ لِلَّهِ يقول يفتنكم بعدد الأيام لا [... ]
والأصنام ثم قال كَتَبَ ربكم أي قضى وأوجب فضلا وكرما عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ.
وذكر النفس هاهنا عبارة عن وجوده وتأكيد وحد وارتفاع الوسائط دونه وهذا استعطاف

صفحة رقم 136
الكشف والبيان عن تفسير القرآن
عرض الكتاب
المؤلف
أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي أو الثعالبي
راجعه
نظير الساعدي
الناشر
دار إحياء التراث العربي، بيروت - لبنان
سنة النشر
1422 - 2002
الطبعة
الأولى 1422، ه - 2002 م
عدد الأجزاء
10
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية