آيات من القرآن الكريم

وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ ۖ وَإِنْ يُهْلِكُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ
ﰇﰈﰉﰊﰋﰌﰍﰎﰏﰐﰑﰒ

لِزِيَادَةِ التَّسْجِيلِ عَلَيْهِمْ بِالْكُفْرِ، وَأَنَّهُمْ مَا جَاءُوا طَالِبِينَ الْحَقَّ كَمَا يَدَّعُونَ وَلَكِنَّهُمْ قَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَخَرَجُوا بِهِ فَيَقُولُونَ إِنْ هَذَا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ، فَهُمْ قَدْ عَدَلُوا عَنِ الْجَدَلِ إِلَى الْمُبَاهَتَةِ وَالْمُكَابَرَةِ.
وَالْأَسَاطِيرُ جَمْعُ أُسْطُورَةٍ- بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ السِّينِ- وَهِيَ الْقِصَّةُ وَالْخَبَرُ عَنِ الْمَاضِينَ. وَالْأَظْهَرُ أَنَّ الْأُسْطُورَةَ لَفْظٌ مُعَرَّبٌ عَنِ الرُّومِيَّةِ: أَصْلُهُ إِسْطُورْيَا- بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ- وَهُوَ الْقِصَّةُ. وَيَدُلُّ لِذَلِكَ اخْتِلَافُ الْعَرَبِ فِيهِ، فَقَالُوا: أُسْطُورَةٌ وَأُسْطِيرَةٌ وَأُسْطُورٌ وَأُسْطِيرٌ،
كُلُّهَا- بِضَمِّ الْهَمْزَةِ- وَإِسْطَارَةٌ وَإِسْطَارٌ- بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ-. وَالِاخْتِلَافُ فِي حَرَكَاتِ الْكَلِمَةِ الْوَاحِدَةِ مِنْ جُمْلَةِ أَمَارَاتِ التَّعْرِيبِ. وَمِنْ أَقْوَالِهِمْ: «أَعْجَمِيٌّ فَالْعَبْ بِهِ مَا شِئْتَ». وَأَحْسَنُ الْأَلْفَاظِ لَهَا أُسْطُورَةٌ لِأَنَّهَا تُصَادِفُ صِيغَةً تُفِيدُ مَعْنَى الْمَفْعُولِ، أَيِ الْقِصَّةَ الْمَسْطُورَةَ. وَتُفِيدُ الشُّهْرَةَ فِي مَدْلُولِ مَادَّتِهَا مِثْلَ الْأُعْجُوبَةِ وَالْأُحْدُوثَةِ وَالْأُكْرُومَةِ. وَقِيلَ: الْأَسَاطِيرُ اسْمُ جَمْعٍ لَا وَاحِدَ لَهُ مِثْلَ أَبَابِيلَ وَعَبَادِيدَ وَشَمَاطِيطَ. وَكَانَ الْعَرَبُ يُطْلِقُونَهُ عَلَى مَا يَتَسَامَرُ النَّاسُ بِهِ مِنَ الْقِصَصِ وَالْأَخْبَارِ عَلَى اخْتِلَافِ أَحْوَالِهَا مِنْ صِدْقٍ وَكَذِبٍ. وَقَدْ كَانُوا لَا يُمَيِّزُونَ بَيْنَ التَّوَارِيخِ وَالْقِصَصِ وَالْخُرَافَاتِ فَجَمِيعُ ذَلِكَ مَرْمِيٌّ بِالْكَذِبِ وَالْمُبَالَغَةِ. فَقَوْلُهُمْ: إِنْ هَذَا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ. يَحْتَمِلُ أَنَّهُمْ أَرَادُوا نِسْبَةَ أَخْبَارِ الْقُرْآنِ إِلَى الْكَذِبِ عَلَى مَا تَعَارَفُوهُ مِنِ اعْتِقَادِهِمْ فِي الأساطير. ويشتمل أَنَّهُمْ أَرَادُوا أَنَّ الْقُرْآنَ لَا يَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهِ مَجْمُوعَ قِصَصٍ وَأَسَاطِيرَ، يَعْنُونَ أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ أَنْ يَكُونَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِأَنَّهُمْ لِقُصُورِ أَفْهَامِهِمْ أَوْ لِتَجَاهُلِهِمْ يُعْرِضُونَ عَنِ الِاعْتِبَارِ الْمَقْصُودِ مِنْ تِلْكَ الْقِصَصِ وَيَأْخُذُونَهَا بِمَنْزِلَةِ الْخُرَافَاتِ الَّتِي يَتَسَامَرُ النَّاسُ بِهَا لِتَقْصِيرِ الْوَقْتِ. وَسَيَأْتِي فِي سُورَةِ الْأَنْفَالِ أَنَّ مَنْ قَالَ ذَلِك النَّضر لَا الْحَارِثِ، وَأَنَّهُ كَانَ يُمَثِّلُ الْقُرْآنَ بِأَخْبَارِ (رُسْتُمَ) و (إسفنديار).
[٢٦]
[سُورَة الْأَنْعَام (٦) : آيَة ٢٦]
وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ وَإِنْ يُهْلِكُونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ (٢٦)
عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ، وَالضَّمِيرَانِ الْمَجْرُورَانِ عَائِدَانِ إِلَى الْقُرْآنِ الْمُشَارِ إِلَيْهِ بِاسْمِ الْإِشَارَةِ فِي قَوْلِهِمْ: إِنْ هَذَا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ [الْأَنْعَام: ٢٥].
وَمَعْنَى النَّهْيُ عَنْهُ النَّهْيُ عَنِ اسْتِمَاعِهِ. فَهُوَ مِنْ تَعْلِيقِ الْحُكْمِ بِالذَّاتِ. وَالْمُرَادُ حَالَةٌ مِنْ أَحْوَالِهَا يُعَيِّنُهَا

صفحة رقم 182
تحرير المعنى السديد وتنوير العقل الجديد من تفسير الكتاب المجيد
عرض الكتاب
المؤلف
محمد الطاهر بن عاشور
الناشر
الدار التونسية للنشر
سنة النشر
1403
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية