آيات من القرآن الكريم

وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ ۚ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ
ﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉ

أَنْ يَكُونَ الشَّيْءُ مُقْتَرِنًا بِالَّذِي يَخْتَصُّ بِهِ وَنَظَرَ هَذَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيها وَلا تَعْرى وَأَنَّكَ لَا تَظْمَؤُا فِيها وَلا تَضْحى
[طه: ١١٨، ١١٩]. اهـ.
وَقَوْلُهُ: فَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ جُعِلَ جَوَابًا لِلشَّرْطِ لِأَنَّهُ عِلَّةُ الْجَوَابِ الْمَحْذُوفِ وَالْجَوَابِ الْمَذْكُورِ قَبْلَهُ، إِذِ التَّقْدِيرُ: وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَلَا مَانِعَ لَهُ لِأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٍ فِي الضُّرِّ وَالنَّفْعِ. وَقَدْ جَعَلَ هَذَا الْعُمُومَ تَمْهِيدًا لِقَوْلِهِ بَعْدَهُ وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ [الْأَنْعَام: ١٨].
[١٨]
[سُورَة الْأَنْعَام (٦) : آيَة ١٨]
وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (١٨)
هَذِهِ الْجُمْلَةُ مَعْطُوفَةٌ عَلَى جُمْلَةِ وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ [الْأَنْعَام: ١٧] الْآيَةَ، وَالْمُنَاسَبَةُ بَيْنَهُمَا أَنَّ مَضْمُونَ كِلْتَيْهِمَا يُبْطِلُ اسْتِحْقَاقَ الْأَصْنَامِ الْعِبَادَةَ. فَالْآيَةُ الْأُولَى أَبْطَلَتْ ذَلِكَ بِنَفْيِ أَنْ يَكُونَ لِلْأَصْنَامِ تَصَرُّفٌ فِي أَحْوَالِ الْمَخْلُوقَاتِ، وَهَذِهِ الْآيَةُ أَبْطَلَتْ أَنْ يَكُونَ غَيْرُ اللَّهِ قَاهِرًا عَلَى أَحَدٍ أَوْ خَبِيرًا أَوْ عَالِمًا بِإِعْطَاءِ كُلِّ مَخْلُوقٍ مَا يُنَاسِبُهُ، وَلَا جَرَمَ أَنَّ الْإِلَهَ تَجِبُ لَهُ الْقُدْرَةُ وَالْعِلْمُ، وَهُمَا جِمَاعُ صِفَاتِ الْكَمَالِ، كَمَا تَجِبُ لَهُ صِفَاتُ الْأَفْعَالِ مِنْ نَفْعٍ وَضُرٍّ وَإِحْيَاءٍ وَإِمَاتَةٍ، وَهِيَ تَعَلُّقَاتٌ لِلْقُدْرَةِ أُطْلِقَ عَلَيْهَا اسْمُ الصِّفَاتِ عِنْدَ غَيْرِ الْأَشْعَرِيِّ نَظَرًا لِلْعُرْفِ، وَأَدْخَلَهَا الْأَشْعَرِيُّ فِي صِفَةِ الْقُدْرَةِ لِأَنَّهَا تَعَلُّقَاتٌ لَهَا، وَهُوَ التَّحْقِيقُ.
وَلِذَلِكَ تَتَنَزَّلُ هَذِهِ الْآيَةُ مِنَ الَّتِي قَبْلَهَا مَنْزِلَةَ التَّعْمِيمِ بَعْدَ التَّخْصِيصِ لِأَنَّ الَّتِي قَبْلَهَا ذكرت كَمَا تَصَرُّفِهِ فِي الْمَخْلُوقَاتِ وَجَاءَتْ بِهِ فِي قَالَبِ تَثْبِيتِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا قَدَّمْنَا، وَهَذِهِ الْآيَةُ أَوْعَتْ قُدْرَتَهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَعِلْمَهُ بِكُلِّ شَيْءٍ، وَذَلِكَ أَصْلُ جَمِيعِ الْفِعْلِ وَالصُّنْعِ.
وَالْقَاهِرُ الْغَالِبُ الْمُكْرِهُ الَّذِي لَا يَنْفَلِتُ مِنْ قُدْرَتِهِ مِنْ عُدِّيَ إِلَيْهِ فِعْلُ الْقَهْرِ.
وَقَدْ أَفَادَ تَعْرِيف الجزأين الْقَصْرَ، أَيْ لَا قَاهِرَ إِلَّا هُوَ، لِأَنَّ قَهْرَ اللَّهِ تَعَالَى هُوَ الْقَهْرُ الْحَقِيقِيُّ الَّذِي لَا يَجِدُ الْمَقْهُورُ مِنْهُ مَلَاذًا، لِأَنَّهُ قَهْرٌ بِأَسْبَابٍ لَا يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ خَلْقَ مَا
يُدَافِعُهَا. وَمِمَّا يُشَاهَدُ مِنْهَا دَوْمًا النَّوْمُ وَكَذَلِكَ الْمَوْتُ. سُبْحَانَ مَنْ قَهَرَ الْعِبَادَ بِالْمَوْتِ.

صفحة رقم 164
تحرير المعنى السديد وتنوير العقل الجديد من تفسير الكتاب المجيد
عرض الكتاب
المؤلف
محمد الطاهر بن عاشور
الناشر
الدار التونسية للنشر
سنة النشر
1403
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية