آيات من القرآن الكريم

مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ ۚ وَذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ
ﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜ ﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘ ﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢ ﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭ ﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀ ﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉ

منه تعالى للمتولين عنه إلى الإقبال إليه وإخبار بأنه رحيم بعباده لا يعجل عليهم بالعقوبة ويقبل منهم الإنابة والتوبة.
هشام بن منبه قال: حدثنا أبو عروة عن محمد رسول صلى الله عليه وسلّم قال: لما قضى الله الخلق كتب في كتاب وهو عنده فوق العرش «إن رحمتي سبقت غضبي» «١».
وقال عمر لكعب الأحبار: ما أول شيء ابتدأه الله من خلقه؟ فقال كعب: كتب الله كتابا لم يكتبه بقلم ولا مداد ولكنّه كتب بإصبعه يتلوها الزبرجد واللؤلؤ والياقوت: إني أَنَا اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا سبقت رحمتي غضبي.
وقال سليمان وعبد الله بن عمر: إن لله تعالى مائة رحمة كل رحمة منها طباق ما بين السماء والأرض فاهبط منها رحمة واحدة إلى أهل الدنيا فيها يتراحم الإنس والجان وطير السماء وحيتان الماء وما بين الهواء والحيوان وذوات الأرض وعنده مائة وسبعين رحمة، فإذا كان يوم القيامة أضاف تلك الرحمة إلى ما عنده «٢».
ثم قال لَيَجْمَعَنَّكُمْ اللام فهي لام القسم والنون نون التأكيد، مجازه: والله ليجمعنكم إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ يعني في يوم القيامة إلي يعني في، وقيل: معناه لَيَجْمَعَنَّكُمْ في [غيركم] إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ الَّذِينَ خَسِرُوا غلبوا على أنفسهم والتنوين في موضع نصب مردود على الكاف والنون من قوله لَيَجْمَعَنَّكُمْ ويجوز أن يكون رفعا بالابتداء وخبره فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ، فأخبر الله تعالى أن الجاحد للآخرة هالك خاسر.
وَلَهُ ما سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهارِ الآية.
قال الكلبي: إن كفار مكة قالوا للنبي صلى الله عليه وسلّم: يا محمد إنا قد علمنا أنه ما يحملك على ما تدعونا إليه إلّا الحاجة، فنحن نجمع ذلك من أموالنا ما نغنيك حتى تكون من أغنانا فأنزل الله تعالى قوله وَلَهُ ما سَكَنَ أي استقر فِي اللَّيْلِ وَالنَّهارِ من خلق.

(١) صحيح البخاري: ٨/ ١٨٧
. (٢) تفسير الطبري: ٧/ ٢٠٦ و ٢٠٨ بتفاوت
.

صفحة رقم 137

قال أبو روحي: إن من الخلق ما يستقر نهارا وينتشر ليلا ومنها ما يستقر ليلا وينتشر نهارا.
وقال عبد العزيز بن يحيى ومحمد بن جرير: كلّ ما طلعت عليه الشمس وغيبت فهو من ساكن الليل والنهار والمراد جميع ما في الأرض لأنه لا شيء من خلق الله عز وجل إلّا هو ساكن في الليل والنهار، وقيل: معناه وله ما يمر عليه الليل والنهار.
وقال أهل المعاني: في الآية لغتان واختصار مجازها: وَلَهُ ما سَكَنَ وشرك فِي اللَّيْلِ وَالنَّهارِ كقوله سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ والبرد وأراد في كل شيء وَهُوَ السَّمِيعُ لأصواتهم الْعَلِيمُ بأسرارهم.
وقال الكلبي: يعني هُوَ السَّمِيعُ لمقالة قريش الْعَلِيمُ بمن يكسب رزقهم قُلْ يا محمد أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا ربا معبودا وناصرا ومعينا فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أي خالقها ومبدعها ومبدئها وأصل الفطر الشق ومنه فطر ناب الجمل إذا شقق وابتدأ بالخروج.
قال مجاهد: سمعت ابن عباس يقول: كنت لا أدري ما فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ حتى أتاني أعرابيان يختصمان في بعير. فقال أحدهما لصاحبه: أنا فطرتها، أنا أحدثتها وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ أي وهو يرزق ولا يرزق وإليه قوله عز وجل ما أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَما أُرِيدُ منهم أَنْ يُطْعِمُونِ.
وقرأ عكرمة والأعمش: وَلا يَطْعُمُ بفتح الياء أي وهو يرزق ولا يأكل.
وقرأ أشهب العقيلي: وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يُطْعِمُ كلاهما بضم الياء، وكسر العين.
قال الحسن بن الفضل: معناه هو القادر على الإطعام وترك الإطعام كقوله يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ.
وسمعت أبا القاسم الحبيبي يقول: سمعت أبا منصور الأزهري بهراة يقول: معناه وَهُوَ يُطْعِمُ ولا يستطعم، يقول العرب: أطعمت غيري بمعنى استطعمت.
وأنشد:

إنّا لنطعم من في الصيف مطعما وفي الشتاء إذا لم يؤنس القرع
أي استطعمنا وقيل: معناه وَهُوَ يُطْعِمُ يعني الله وَلا يُطْعَمُ يعني الولي قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ أخلص وَلا تَكُونَنَّ يعني وقيل لي: ولا تكونن مِنَ الْمُشْرِكِينَ قُلْ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي تعبدت غيره عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ وهو يوم القيامة.
مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ يعني من يصرف الغضب عنه.
وقرأ أهل الكوفة: يَصْرِفْ بفتح الياء وكسر الراء على معنى من صرف الله عنه العذاب، واختاره أبو عبيدة وأبو حاتم لقوله من الله بأن قبل فيما قبله: قُلْ لِمَنْ ما فِي السَّماواتِ

صفحة رقم 138
الكشف والبيان عن تفسير القرآن
عرض الكتاب
المؤلف
أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي أو الثعالبي
راجعه
نظير الساعدي
الناشر
دار إحياء التراث العربي، بيروت - لبنان
سنة النشر
1422 - 2002
الطبعة
الأولى 1422، ه - 2002 م
عدد الأجزاء
10
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية