آيات من القرآن الكريم

إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ ۚ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ
ﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌ

وقوله تعالى: ﴿قُلِ انْتَظِرُوا﴾ دليل على أن قوله: ﴿هَلْ يَنْظُرُونَ (١) إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ (٢) الْمَلَائِكَةُ﴾ استفهام معناه: النفي، وذلك النفي خبر يتضمن النهي على ما بينا، ألا ترى أنه أمرهم بانتظار هذه الأشياء في آخر الآية، والدليل على هذه الجملة أن المشركين والكفار في ذلك الوقت كانوا غافلين لاهين ما كانوا ينتظرون شيئًا مما ذكر في هذه الآية، وكذلك في كل وقت.
١٥٩ - قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ﴾ الآية. قال ابن عباس (٣)، في رواية عطاء: (يريد: المشركين بعضهم يعبدون الملائكة يزعمون بأنهم بنات الله، وبعضهم يعبد الأصنام ﴿وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ﴾) (٤) [يونس: ١٨].
فهذا معنى ﴿فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا﴾ أي: فرقًا وأحزابًا في الضلالة، فتفريقهم دينهم أنهم لم يجتمعوا في دينهم الذي هو شرك على شيء واحد،

(١) في النسخ: (هل ينتظرون..)، وهو تحريف.
(٢) في (أ): (يأتيهم) بالياء.
(٣) أخرج ابن أبي حاتم في "تفسيره" ٥/ ١٤٣٠ عن ابن عباس بسند جيد في الآية قال: (أمر الله المؤمنين بالجماعة، ونهاهم عن الاختلاف والفرقة، وأخبرهم أنه إنما أهلك من كان قبلهم بالمراء والخصومات في دين الله) ا. هـ.
وفي "تنوير المقباس" ٢/ ٧٧ قال: (تركوا دينهم ودين آبائهم وصاروا فرقًا، اليهودية والنصرانية والمجوسية) ا. هـ.
وأخرج الطبري في "تفسيره" ٨/ ١٠٤، ١٠٥، وابن أبي حاتم ٥/ ١٤٣٠، والنحاس في "ناسخه" ٢/ ٣٥٦، عن ابن عباس بسند ضعيف قال: (اليهود والنصارى) اهـ. ملخصًا.
(٤) ذكره الرازي في "تفسيره" ١٤/ ٧.

صفحة رقم 549

وقال مجاهد (١) وقتادة (٢) والكلبي (٣): (هم اليهود والنصارى)، وهو قول مقاتل (٤) أيضًا، والسدي (٥)، وأصح (٦) القولين (٧)، واختيار الفراء (٨) والزجاج.
قال الزجاج (٩): (يعني: به اليهود والنصارى، وذلك [أن النصارى] (١٠) يكفر بعضهم بعضًا، وكذلك اليهود، وهم أهل كتاب واحد، وهو التوراة، والنصاري يكفر اليهود، واليهود يكفر النصارى) (١١)

(١) ذكره هود الهواري في "تفسيره" ١/ ٥٧٧، والثعلبي في "الكشف" ١٧٨ أ، والواحدي في "الوسيط" ١/ ١٤٦، والبغوي في "تفسيره" ٣/ ٢٠٨، وفي "تفسير مجاهد" ١/ ٢٢٩ قال: (يهود)، وأخرجه الطبري في تفسيره ٨/ ١٠٥ بسند جيد، وذكره السيوطي في "الدر" ٣/ ١١٨.
(٢) أخرجه عبد الرزاق في "تفسيره" ١/ ٢/ ٢٢٢، والطبري ١٢/ ٢٦٩ - ٢٧٠، وابن أبي حاتم ٣/ ١٢٩ أبسند جيد، وذكره السيوطي في "الدر" ٣/ ١١٨.
(٣) ذكره الواحدي في "الوسيط" ١/ ١٤٦، وهو في "تنوير المقباس" ٢/ ٧٧.
(٤) "تفسير مقاتل" ١/ ٥٩٩.
(٥) أخرجه الطبري في "تفسيره" ٨/ ١٠٥، وابن أبي حاتم ٥/ ١٤٣٠، بسند جيد، وذكره السيوطي في "الدر" ٣/ ٤٠٣.
(٦) في (ش): (في أصح)، وهو تحريف.
(٧) الظاهر إن الآية عامة تشمل كل أهل الملل والنحل والأهواء والضلالات، وهو اختيار الطبري في "تفسيره" ٨/ ١٠٥، والنحاس في "إعراب القرآن" ٢/ ١١٠، وابن كثير ٢/ ٢١٩، والشوكاني ٢/ ٢٥٩.
(٨) "معاني الفراء" ١/ ٢٦٦.
(٩) "معاني الزجاج" ٢/ ٣٠٨.
(١٠) لفظ: (أن النصارى) ساقط من (ش).
(١١) كذا في النسخ، والصواب: (والنصارى يكفرون اليهود، واليهود يكفرون النصارى) وعند الزجاج في معانيه ٢/ ٣٠٨: (وبعضهم يكفر بعضًا، أعني اليهود تكفر النصارى، والنصارى تكفر اليهود) اهـ.

صفحة رقم 550

وعلى هذا معنى ﴿فَرَّقُوا دِينَهُمْ﴾ ما قال يمان بن رئاب: (أخذوا [ببعض] (١) وتركوا بعضًا، كما قال الله تعالى: ﴿أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ﴾ (٢) [البقرة: ٨٥]، فهم خلاف المسلمين (٣) الذين وصفوا بالإيمان به كله في قوله: ﴿وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ﴾ [آل عمران: ١١٩] وقال في وصفهم أيضاً: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ﴾ [النساء: ١٥٠].
ومعنى قوله ﴿دِينَهُمْ﴾ قال مقاتل: (هو الإِسلام الذي أمروا به) (٤) يعني: دينهم الذي دعوا إليه وشرع لهم، فسمى شريعة الإسلام دينهم، وإن لم يجيبوا إليه، ولم يأخذوا به؛ لأنهم قد شرع لهم ذلك، ودعوا إليه، فلهذا الالتباس الذي لهم به جاز أن يضاف إليهم، وقرأ حمزة (٥) والكسائي (فارقوا دينهم) (٦) أي: باينوه وخرجوا عنه، وهذا يؤول إلى معنى ﴿فَرَّقُوا﴾ ألا ترى أنهم لما آمنوا ببعضه وكفروا ببعضه فارقوه كله، فخرجوا عنه ولم يتبعوه، وعلى هذه (٧) القراءة إن تأولنا الآية في المشركين كما قال ابن

(١) لفظ: (ببعض) ساقط من (ش).
(٢) لفظ: (وتكفرون ببعض) ساقط من (ش).
(٣) ذكره الرازي في "تفسيره" ١٤/ ٨ بدون نسبة.
(٤) هذا نص كلام أبي علي في "الحجة" ٣/ ٤٣٨.
(٥) "تفسيرمقاتل" ١/ ٥٩٩.
(٦) قرأ حمزة والكسائي: (فارقوا) بالألف مع تخفيف الراء، وقرأ الباقون: (فرقوا) بغير ألف مع تشديد الراء. انظر: السبعة ص ٢٧٤، و"المبسوط" ص ١٧٧، و"التذكرة" ٢/ ٤١٣، و"التيسير" ص ١٠٨، و"النشر" ٢/ ٢٦٦.
(٧) هذا نص كلام أبي علي في الحجة ٣/ ٤٣٨، وانظر: "معاني القراءات" ١/ ٣٩٦، و"إعراب القراءات" ١/ ١٧٣، و"الحجة" لابن خالويه ص ١٥٢، ولابن زنجلة ٢٧٨، و"الكشف" ١/ ٤٥٨.

صفحة رقم 551

عباس (١) -رضي الله عنه-، فالدين [الذي] (٢) فارقه المشركون التوحيد الذي نصب لهم عليه أدلته؛ لأن المشركين لم يكونوا أهل كتاب، ولا ممسكين بشريعة ثم تركوها حتى يقال: (فارقوا دينهم) ولكن إضافة الدين إليهم كإضافته إلى اليهود على ما بينا، ومثل هذا قوله: ﴿وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ﴾ [الأنعام: ١٣٧] أي: دينهم الذي دعوا إليه وشرع لهم، ألا ترى أنهم لا يلبسون عليهم دينهم الذي هو الإشراك.
وقال مجاهد فيما روى عنه ليث (٣): ﴿إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ﴾ (هم من هذ الأمة) (٤).
وكذلك روي عن طاووس (٥) وعائشة (٦) وعن أبي هريرة (٧) روي مرفوعًا (٨): أنهم أهل البدع والشبهات، وأهل الضلالة من هذه الأمة، ذلك أنهم أبدعوا في الدين، وخالفوا الجماعة العظمى، وصاروا شيعًا مختلفين.

(١) سبق تخريجه قريبًا.
(٢) لفظ: (الذي) ساقط من (ش).
(٣) ليث بن أبي سليم بن زنيم القرشي مولاهم، أبو بكر الكوفي، تقدمت ترجمته.
(٤) ذكره الرازي في "تفسيره" ١٤/ ٨.
(٥) لم أقف عليه.
(٦) لم أقف عليه.
(٧) أخرجه الطبري في "تفسيره" ٨/ ١٠٥، وابن أبي حاتم ٥/ ١٤٢٩، وذكره السيوطي في "الدر" ٣/ ١١٧، وصحح إسناده الشيخ أحمد شاكر في "حاشية الطبري".
(٨) المرفوع جاء من ثلاثة طرق:
الأول: عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن الرسول - ﷺ - قال: "يا عائشة، ﴿إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا﴾ هم أصحاب البدع وأصحاب الأهواء وأصحاب الضلالة من هذه الأمة، ليست لهم توبة. يا عائشة، إن لكل صاحب ذنب توبة =

صفحة رقم 552

قال أبو إسحاق: (وفي هذه الآية حث على أن تكون كلمة المسلمين واحدة، وأن لا يتفرقوا في الدين ولا يبتدعوا البدع) (١). وقوله تعالى:

= غير أصحاب البدع والأهواء ليس لهم توبة، أنا منهم بريء وهم مني براء" اهـ. أخرجه ابن أبي حاتم في "تفسيره" ٥/ ١٤٣٠، والطبراني في "الصغير" ١/ ٢٠٣، والواحدي في "الوسيط" ١/ ١٤٧، وذكر السيوطي في "الدر" ٣/ ١١٧، وزاد نسبته إلى: (الحكيم الترمذي وأبي الشيخ وأبي نعيم في "الحلية" وابن مردويه وأبي نصر السجزي في الإبانة والبيهقي في "شعب الإيمان". وذكره الحافظ ابن كثير في "تفسيره" ٢/ ٢١٩، وقال: (رواه ابن مردويه وهو غريب ولا يصح رفعه) ا. هـ. وذكره الهيثمي في "مجمع الزوائد" ٧/ ٢٢، وقال: (رواه الطبراني في الصغير وإسناد جيد) ا. هـ. وقال في ١/ ١٨٨: (رواه الطبراني في الصغير، وفيه بقية بن الوليد ومجالد بن سعيد، وكلاهما ضعيف). وقال الحافظ في "التقريب" ١/ ١٠٥: (بقية صدوق كثير التدليس عن الضعفاء، علق له البخاري، وروي له الباقون).
الثاني: عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - ﷺ - في قوله: " ﴿إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا﴾ قال: (هم أهل البدع، وأهل الشبهات وأهل الضلالة من هذه الأمة" اهـ. أخرجه الطبري في "تفسيره" ٨/ ١٠٥، وذكره السيوطي في "الدر" ٣/ ١١٧، وزاد نسبته إلى: (الحكيم الترمذي والطبراني والشيرازي في الألقاب وابن مردويه)، وذكره ابن كثير في "تفسيره" ٢/ ٢١٩، وقال: (رواه ابن جرير، وإسناده لا يصح، فيه عباد بن كثير، متروك الحديث) ا. هـ وذكره الهيثمي في "مجمع الزوائد" ٧/ ٢٢ - ٢٣ وقال: (رواه الطبراني في الأوسط، ورجاله رجال الصحيح، غير معلل بن نفيل، وهو ثقة) ا. هـ.
الثالث: عن أبي أمامة رضي الله عنه، عن الرسول - ﷺ - في قوله عز وجل: " ﴿إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا﴾ قال: هم الخوارج" اهـ. أخرجه ابن أبي حاتم في "تفسيره" ٥/ ١٤٢٩، وذكره السيوطي في "الدر" ٣/ ١١٧، وزاد نسبته إلى: (النحاس وابن مردويه). وذكره ابن كثير في "تفسيره" ٢/ ٢١٩، والشوكاني ٢/ ٢٦٠، وقالا: (لا يصح رفعه) اهـ.
(١) "معاني الزجاج" ٢/ ٣٠٨، وذكر مثله السمرقندي في "تفسيره" ١/ ٥٢٧، وانظر "تفسير" ابن عطية ٥/ ٤١٠، والقرطبي ٧/ ١٤٩.

صفحة رقم 553

﴿لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ﴾ قال الكلبي: (لست من قتالهم [في شيء]) (١)، وقال السدي: (يقول: لم تؤمر بقتالهم، فلما أمر بقتالهم نسخ هذا) (٢)، كذلك قال ابن عباس (٣) ومجاهد (٤) والكلبي والسدي: إن قوله: ﴿لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ﴾ منسوخ، نسخه السيف في سورة براءة (٥).
قال ابن الأنباري: (معنى (٦) ﴿لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ﴾ (٧) أنت منهم بريء، وهم منك برآء (٨) لم تلتبس بشيء من مذاهبهم، والعرب تقول: إن كلمت فلانًا فلست منك ولست مني، يريدون: كل واحد منا برئ من صحبه. قال النابغة:

إِذَا حَاوَلْتَ في أسَدٍ فُجُورًا فَإنّي لَسْتُ مِنْكَ وَلَسْتَ مِنّي (٩)
(١) "تنوير المقباس" ٢/ ٧٧.
(٢) أخرجه الطبري في "تفسيره" ٨/ ١٠٦، وابن أبي حاتم ٥/ ١٤٣١ بسند جيد.
(٣) أخرجه النحاس في "ناسخه" ٢/ ٣٥٦ بسند ضعيف.
(٤) لم أقف عليه، وهو قول الفراء في "معانيه" ١/ ٣٦٦، والسمرقندي في "تفسيره" ١/ ٥٢٧.
(٥) آية السيف في أصح الأقوال هي قوله تعالى: ﴿فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [التوبة: ٥] انظر: النسخ في القرآن الكريم للدكتور/ مصطفى زيد ٢/ ٥٠٤.
(٦) في (أ): (يعني).
(٧) لفظ: (في شيء) ساقط من (ش).
(٨) في (ش): (وهم منك براء، وتأويلهم لم تلتبس بشيء من مذاهبهم).
(٩) ديوان النابغة الذبياني ص ١٢٧، و"الكتاب" ٤/ ١٨٦، و"تفسير الماوردي" ٢/ ١٩٣، والقرطبي ٧/ ١٥٠، و"البحر المحيط" ٤/ ٢٦٠، و"الدر المصون" ٥/ ٢٣٦ - ٢٣٧، والفجور بالضم: الريبة والكذب، والشاعر يريد نقض الحلف، انظر: "اللسان" ٧/ ٣٣٥٢ (فجر).

صفحة رقم 554
التفسير البسيط
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن علي الواحدي، النيسابوري، الشافعي
الناشر
عمادة البحث العلمي - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
سنة النشر
1430
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية