آيات من القرآن الكريم

أَنْ تَقُولُوا إِنَّمَا أُنْزِلَ الْكِتَابُ عَلَىٰ طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِرَاسَتِهِمْ لَغَافِلِينَ
ﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗ ﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷ ﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌ ﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞ ﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰ ﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛ ﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥ ﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆ ﰈﰉﰊﰋﰌﰍﰎﰏﰐﰑﰒﰓﰔﰕﰖﰗﰘﰙﰚﰛﰜﰝ

معناه: ثُمَّ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ متما للمحسنين يعني تتميما منّا للأنبياء والمؤمنين الكتب (عَلَى) بمعنى (اللام) كما تقول أتم الله عليه فأتم له. قال الشاعر:

رعته أشهرا وخلا عليها فطار التي فيها واستعارا «١»
أراد: وخلا لها.
وقيل: (الَّذِي) بمعنى (ما)، يعني آتينا موسى الكتاب تماما على ما أحسن موسى من العلم والحكمة أي زيادة على ذلك.
وقال عبد الله بن بريدة: معناه تماما منّي على منّي وإحساني إلى موسى، وقال ابن زيد:
معناه تماما على إحسان الله إلى أنبيائه وأياديه عندهم، وقال الحسن: فمنهم المحسن ومنهم المسيء فنزل الكتاب تماما على المحسنين، وقرأ يحيى بن يعمر: على الذي أحسنُ، بالرفع أي على الذي أحسن وَتَفْصِيلًا بيانا لِكُلِّ شَيْءٍ يحتاج إليه من شرائع الدين وَهُدىً وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ هذا يعني وهذا القرآن كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ واعملوا بما فيه وَاتَّقُوا وأطيعوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ فلا تعذبون.
أَنْ تَقُولُوا يعني [لئلّا] تقولوا كقوله يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وقوله: قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا «٢» يعني أي لا تقولوا يعني لئلّا تقولوا.
(١) شرح الرضي على الكافية: ٤/ ٣٢٢
. (٢) سورة المائدة: ١٩
.

صفحة رقم 206

وقيل: معناه أنزلناه كراهة أن يقول، وقال الكسائي: معناه: اتقوا أن تقولوا: يا أهل مكّة، وقرأ ابن محيصن والأعمش كلاهما والقراءة بالياء بقوله تعالى فقد جاءكم إِنَّما أُنْزِلَ الْكِتابُ عَلى طائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنا يعني اليهود والنصارى وَإِنْ كُنَّا وقد كنّا عَنْ دِراسَتِهِمْ قرأتهم لَغافِلِينَ لا نعلم ما هي وإنّما قال: دراستهم، ولم يقل: دراستهما، لأن كل طائفة جماعة، كقوله تعالى هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا وأن ما يقال من المؤمنين اقتتلوا. أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتابُ لَكُنَّا أَهْدى مِنْهُمْ يعني أصوب من اليهود والنصارى دينا فَقَدْ جاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ حجّة واضحة لمن يعرفونها وَهُدىً وبيان وَرَحْمَةٌ ونعمة لمن اتبعه وعمل به فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآياتِ اللَّهِ وَصَدَفَ وأعرض عنها سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آياتِنا سُوءَ الْعَذابِ شدة العذاب بِما كانُوا يَصْدِفُونَ يعرضون هَلْ يَنْظُرُونَ وينتظرون إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ لقبض أرواحهم أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ بلا كيف لفصل القضاء من خلقه في موقف القيامة، وقال الضحاك: يأتي أمره وقضاؤه أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ يعني طلع الشمس من مغربها يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها وقرأ ابن عمر وابن الزبير: يوم تأتي بعض آيات ربّك بالتاء، قال المبرّد: على التأنيث على المجاورة لا على الأصل، كقولهم: ذهبت بعض أصابعه. قال جرير:

لمّا أتى خبر الزبير تواضعت سور المدينة والجبال الخشع «١»
فأتت فعل السور، وهو مذكّر لاتصاله بمؤنّث.
روى عبد الرحمن الأعرج عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ «لا تقوم الساعة حتّى تطلع الشمس من مغربها فإذا طلعت ورآها الناس آمنوا أجمعين وذلك حين لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ» [١٦١] الآية «٢».
وروى مقاتل بن حيّان عن عكرمة عن ابن عباس: قال: قال رسول الله ﷺ «إذا غربت الشمس رفع بها إلى السماء السابعة في سرعة طيران الملائكة وتحبس تحت العرش فتستأذن من أين تؤمر بالطلوع إلى مغربها أو من مطلعها [فكسى] ضوؤها، وإن كان القمر منوّر على مقادير ساعات الليل والنهار ثمّ ينطلق بها ما بين السماء السابعة العليا وبين أسفل درجات الجنان في سرعة طيران الملائكة فتنحدر [جبال] المشرق من سماء إلى السماء، فإذا ما وصلت إلى هذه السماء فذلك حين ينفجر الصبح ويضيء النهار فلا يظل الشمس والقمر، كذلك حتّى يأتي الوقت الذي وقت الله التوبة لعباد وتكثر المعاصي في الأرض، ويذهب المعروف فلا يأمر به أحد ويفشو المنكر فلا ينهى عنه أحد، فإذا فعلوا ذلك حبست الشمس مقدار ليلة تحت العرش كلما
(١) تفسير القرطبي: ٧/ ١٤٨
. (٢) مسند أحمد: ٢/ ٢٣١
.

صفحة رقم 207

سجدت واستأذنت من أن تطلع لم يجيء لها جواب حتّى يراقبها القمر [فيجيء معها] ويستأذن من أن تطلع فلا يجاب لهما بجواب حتّى تحبسا مقدار ثلاث ليالي للشمس وليلتين للقمر، فلا يعرف طول تلك الليالي إلّا المتهجّدون في الأرض، وهم يومئذ عصابة قليلة في كل بلدة من بلاد المسلمين في هوان من الناس وذلّة من أنفسهم، فينام أحدهم تلك الليلة قدر ما كان ينام قبلها من الليالي، ثمّ يقوم ويتوضّأ ويدخل مصلّاه فيصلّي ورده، فلا يصبح نحو ما كان يصبح كلّ ليلة فينكر ذلك فيخرج فينظر إلى السماء فإذا هو بالليل فكأنه والنجوم قد استدارت مع السماء فصارت إلى أماكنها من أول الليل، فينكر ذلك ويظن فيها الظنون فيقول: قد خففت قراءتي وقصرت صلواتي أم قمت قبل حيني.
قال: ثمّ يقوم فيعود إلى مصلّاه فيصلّي نحو صلاته الليلة الثانية ثمّ ينظر فلا يرى الصبح فيخرج أيضا فإذا بالليل مكانه فيزيده ذلك إنكارا ويخالطه الخوف ويظن في ذلك الظنون من السوء، ثمّ يقول فلعلّي قصّرت صلواتي ثمّ خفّفت قراءتي [أم قمت] في أوّل الليل ثمّ يعود وهو وجل مشتت خائف لما توقّع من هول تلك الليلة فيقوم فيصلّي أيضا مثل [ورده] كلّ ليلة قبل ذلك، ثمّ ينظر فلا يرى الصبح فيخرج الثالثة فينظر إلى السماء فإذا بالنجوم قد استدارت مع السماء فصارت في أماكنها عند أوّل الليل فيشفقه عند ذلك شفقة المؤمن العارف لما كان يحذر فيستحييه الخفّة ويستخفّه الندامة، ثمّ ينادي بعضهم بعضا وهم كانوا قبل ذلك يتعارفون ويتواصلون فيجتمع المتهجدون من كل بلدة في تلك الليلة في مسجد من مساجدهم ويجأرون إلى الله تعالى بالبكاء ويصلّوا بقيّة تلك الليلة.
فإذا ما تمّ لهما مقدار ثلاث ليال أرسل الله إليهما جبرائيل فيقول: إنّ الرب تبارك وتعالى يأمركما أن ترجعا إلى مغاربكما فتطلعا منه وإنّه لا ضوء لكما عندنا ولا نور فيبكيان عند ذلك وجلا من الله عزّ وجلّ وخوف يوم القيامة وبكاء يسمعه أهل سبع سماوات ومن دونها وأهل سرادقات العرش وحملته ومن فوقهما، فيبكون جميعا لبكائهما من خوف الموت والقيامة، فيرجع الشمس والقمر فيطلعان من مغربهما فبينما المتهجّدون يبكون ويتضرّعون إلى الله عزّ وجلّ، والغافلون في غفلاتهم إذ نادى مناد: ألا إن الشمس والقمر قد طلعا من المغرب فينظر الناس فإذا هم بهما أسودان لا ضوء للشمس ولا نور للقمر مثلهما في كسوفهما قبل ذلك. فذلك قوله وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وقوله إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ فيرتفعان كذلك مثل البعيرين القرنين ينازع كلّ واحد منهما صاحبه اشتياقا، ويتصايح أهل الدنيا وتدخل الأمّهات «١» على أولادها والأحبّة عن غمرات قلوبها، فتشتغل كلّ نفس بما ألمها، فأمّا الصالحون والأبرار فإنّه ينفعهم بكاؤهم يومئذ فيكتب لهم ذلك عبادة، وأمّا الفاسقون والفجّار فلا ينفعهم بكاؤهم يومئذ ويكتب

(١) في تفسير الدر المنثور (٣/ ٦١) : وتذهل الأمهات وَتَضَعُ كُلُّ ذاتِ حَمْلٍ حَمْلَها
.

صفحة رقم 208

ذلك حسرة عليهم فإذا ما بلغ الشمس والقمر سرّت السماء وهي منصفها جاءهما جبرائيل (عليه السلام) فأخذ بقرونهما فردّهما إلى المغرب فلا يغربهما من مغاربهما ولكن يغربهما من باب التوبة».
فقال له عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) : بأبي أنت وأمّي يا رسول الله وما باب التوبة؟
فقال صلى الله عليه وسلم: «يا عمر خلق الله تعالى بابا للتوبة خلف المغرب له مصراعان من ذهب مكلّلان بالدرّ والجوهر ما بين المصراع إلى المصراع الآخر أربعون سنة للراكب المسرع فذلك الباب مفتوح منذ خلق الله خلقه إلى صبيحة تلك الليلة عند طلوع الشمس والقمر من مغاربهما ولم يتب عبد من عباد الله توبة نصوحا منذ خلق الله آدم إلى ذلك اليوم إلّا ولجت تلك التوبة في ذلك الباب. لم يرفع إلى الله تعالى».
فقال له معاذ بن جبل: بأبي أنت وأمي يا رسول الله وما التوبة النصوح؟
قال: «أن يندم المذنب على الذنب الذي أصاب فيعتذر إلى الله عزّ وجلّ ثمّ لا يعود إليه كما لا يعود اللبن إلى الضرع.
قال: فيغر بهما جبريل في ذلك الباب ثمّ يرد المصراعين ثمّ يلتئم ما بينهما فيصير كأنّه لم يكن بينهما صدع قط، فإذا أغلق باب التوبة لم يقبل من العبد بعد ذلك توبة ولم ينفعه حسنة يعملها في الإسلام، إلّا من كان قبل ذلك محسنا فإنّه يجري عليه ما كان يجري عليه قبل ذلك اليوم فذلك قوله عزّ وجلّ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً.
فقال أبي بن كعب: بأبي أنت وأمّي يا رسول الله فكيف بالشمس والقمر يومئذ بعد ذلك وكيف بالناس والدنيا.
فقال: «يا أبي إنّ الشمس والقمر يكسيان بعد ذلك الضوء والنور، ثمّ يطلعان على الناس ويغربان، كما كانا قبل ذلك يطلعان ويغربان، فإنّ الناس رأوا ما رأوا في فظاعة تلك الآية يلحون على الدنيا حتّى يجروا فيها الأنهار ويغرسوا فيها الأشجار ويبنوا البنيان. وأمّا الدنيا فلو نتج لرجل مهرا «١»
لم يركبه حتّى تقوم الساعة من لدن طلوع الشمس من مغربها إلى أن ينفخ في الصور» [١٦٢] «٢».
قال حذيفة بن أسيد والبراء بن عازب: كنّا نتذاكر الساعة إذ أشرف علينا رسول الله ﷺ فقال: «ما تذاكرون؟»

(١) في كتاب الفتن: فرسا
. (٢) تفسير الدر المنثور: ٣/ ٦١، وكتاب الفتن لنعيم: ٣٩٧ [.....]
.

صفحة رقم 209

[قلنا:] نتذاكر الساعة.
قال: «إنها لا تقوم حتّى تروا قبلها عشر آيات: الدخان، ودابة الأرض، وخسفا بالمشرق، وخسفا بالمغرب، وخسفا بجزيرة العرب، ويأجوج ومأجوج، ونارا تخرج من قعر عدن، ونزول عيسى، وطلوع الشمس من مغربها» [١٦٣] «١».
ويقال: إنّ الآيات تتابع كالنظم في الخيط عاما فعاما «٢».
وقال عبد العزيز بن يحيى الكناني: والحكمة في طلوع الشمس من مغربها إنّ إبراهيم (عليه السلام) قال لنمرود: ربّي الله يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِها مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ «٣».
وأن الملحدة والمنجّمة عن آخرهم ينكرون ذلك ويقولون هو غير [كائن] فيطلعها الله تعالى يوما من المغرب ليري المنكرين قدرته فإنّ الشمس من ملكه إن شاء أطلعها من المطلع وإن شاء من المغرب.
وقال عبد الله بن عمر: يبقى الناس بعد طلوع الشمس من مغربها مائة وعشرين سنة حتّى يغرسوا النخل.
قال الله: قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ العذاب إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ
قرأ حمزة والكسائي: فارقوا بالألف أي خرجوا من دينهم وتركوه وهي قراءة عليّ بن أبي طالب- كرّم الله وجهه-، ورواه معاذ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم
وقرأ الباقون مشدّدا بغير ألف وهي قراءة ابن مسعود وابن عباس وأبي بن كعب أي جعلوا دين الله- وهو واحد دين الحنيفيّة- أديانا مختلفة فتهوّد قوم وتنصّر آخرون يدلّ عليه قوله وَكانُوا شِيَعاً أي صاروا فرقا مختلفة وهم اليهود والنصارى في قول مجاهد وقتادة والسدي والضحاك.
وروى ليث عن طاوس عن أبي هريرة: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « [إنّ] هذه الآية إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ وليسوا منك، هم أهل البدع وأهل الشبهات وأهل من هذه الأمّة
لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ»
، أي [نفر] منهم ورسول الله [١٦٤] «٤».
قالوا: وهذه اللفظة منسوخة بآية القتال.
وقال زادان أبو عمر قال لي علي (عليه السلام) :«يا أبا عمر أتدري كم افترقت اليهود؟

(١) مسند أحمد: ٤/ ٦
. (٢) تفسير القرطبي: ٧/ ١٤٧
. (٣) سورة البقرة: ٢٥٨
. (٤) جامع البيان للطبري: ٨/ ١٣٩
.

صفحة رقم 210

قلت: الله ورسوله أعلم.
قال: «افترقت على إحدى وسبعين فرقة كلّها في الهاوية إلّا واحدة وهي الناجية. أتدري على كم افترقت النصارى» ؟
قلت: الله ورسوله أعلم.
قال: «افترقت على ثنتين وسبعين فرقة كلّها في الهاوية إلّا واحدة هي [الناجية].
أتدري على كم تفترق هذه الأمّة»
؟
قلت: الله ورسوله أعلم.
قال: «تفترق على ثلاث وسبعين فرقة كلّها في الهاوية إلّا واحدة فهي الناجية.
ثمّ قال علي- رضي الله عنه- أتدري على كم تفترق فيّ؟
قلت: وإنّه لتفترق فيك يا أمير المؤمنين؟
قال: نعم تفترق فيّ اثنا عشر فرقة كلّها في الهاوية إلّا واحدة وهي الناجية وأنت منهم يا أبا عمر»
[١٦٥] «١».
[ومنهم فرق الروافض والخوارج].
مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ يعني التوحيد: لا إله إلّا أنت فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها قرأ الحسن وسعيد بن جبير. ويعقوب عشرٌ [منون] أمثالُها رفع على معنى فله حسنات عشر أمثالها، وقرأ الباقون بالإضافة على معنى: فله عشر حسنات أمثالها، وإنما لم يقل عشرة والمثل مذكر فأنث العدد لأنه مضاف إلى مؤنث فرده إلى الحسنة والدرجة وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ في الشرك فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها النار وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ وقيل: هو عام في جميع الحسنات والسيّئات.
روى [المقدوس] بن يزيد عن أبي ذر: قال: حدّثني الصادق المصدّق أنّ الله عزّ وجلّ قال: «الحسنة عشر أو أزيد والسيئة واحدة أو أغفرها فالويل لمن غلبت آحاده أعشاره ومن لقيني بقراب الأرض خطيئة ثمّ لا يشرك بي شيئا جعلت له مثلها مغفرة» [١٦٦] «٢».
قال ابن عمر وابن عباس: هذه الآية في الأحزاب وأهل البدو، قيل: فما لأهل القرى قال: وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضاعِفْها وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً وأقلها سبعمائة ضعف، وقال
قتادة: في هذه الآية ذكر لنا أنّ رسول الله ﷺ قال: «الأعمال ستة فموجبة وموجبة مضاعفة ومثل وبمثل فأمّا الموجبتان فمن لقى الله لا يشرك به شيئا دخل الجنّة ومن لقى الله يشرك به

(١) كنز العمال: ١/ ٣٧٨/ ح ١٦٤٣
. (٢) مسند أحمد: ٥/ ١٥٥، والمعجم الأوسط: ٧/ ٢٣٦
.

صفحة رقم 211

دخل النار، فأمّا المضاعفتان فنفقة الرجل على أهله عشر بعشر أمثالها ونفقة الرجل في سبيل الله سبعمائة ضعف، وأمّا مثل بمثل فإنّ العبد إذا همّ بحسنة ثمّ لم يعملها كتبت واحدة وإذا عملها كتبت [عشرة] » [١٦٧].
وعن سفيان الثوري لمّا نزلت مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها قال النبيّ ﷺ «ربّي زدني» فنزلت مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ الآية قال: يا رب زدني فنزلت مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ أَضْعافاً كَثِيرَةً، قال: ربّ زدني؟ فنزلت: إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ [١٦٨].
قُلْ يا محمد إِنَّنِي هَدانِي رَبِّي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً» قرأ أهل الكوفة والشام:
قِيَماً بكسر القاف وفتح الياء مخففا. وقرأ الباقون: قَيِّماً بفتح القاف وكسر الياء مشددا وهما لغتان وتصديق التشديد قوله تعالى ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ «١». ودِيناً قِيَماً معناهما: ذلك الدين القويم المستقيم.
واختلف النّحاة في وجه انتصابه فقال الأخفش: معناه هداني دينا قيّما، وقيل: عرفت دينا قيّما، وقيل: أعني دينا قيّما، وقيل: نصب على الآخر يعني ابتغوا دينا قيّما.
وقال قطرب: نصب على الحال [وضع] مِلَّةَ إِبْراهِيمَ بدل من الدين حَنِيفاً نصب على الحال وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي قال أهل التفسير يعني ذبيحتي في الحج والعمرة.
وقيل: ديني وَمَحْيايَ وَمَماتِي يعني حياتي ووفاتي قال: يمان: مَحْيايَ بالعمل الصالح وَمَماتِي إذا مت على الإيمان. وقرأ أهل المدينة وَمَحْيايْ بسكون الياء.
وقرأت العامة بفتح الياء لئلّا يجتمع ساكنان. وقرأ ابن أبي إسحاق وعيسى: ومحييّ بتشديد الياء الثانية من غير ألف وهي [لغة عليا مضر] يقولون: [قفي وعصي] وقرأ السلمي نُسْكِي بجزم السين والباقون بضمّتين لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ قال قتادة أوّل المسلمين من هذه الأمّة، قال الكلبي: أوّل من أطاع الله من أهل زمانه.
وروى سعيد بن جبير عن عمران بن [حصين] قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا فاطمة قومي واشهدي أضحيّتك فإنّه يغفر لك في أوّل قطرة من دمها كل ذنب عملته ثمّ قولي: إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي- إلى قوله- الْمُسْلِمِينَ».

(١) سورة التوبة: ٣٦، والروم: ٣٠، ويوسف: ٤٠
.

صفحة رقم 212

قال عمران: يا رسول الله هذه الآية لأهل بيتك خاصة أم للمسلمين عامة؟
قال: «بل للمسلمين عامّة» [١٦٩] «١».
قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا سوى الله أطلب سيّدا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْها لا تؤخذ مما أتت من المعصية وارتكبت من الذنوب سواها.
وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى يعني ولا تحمل نفس حمل طبق محل اخرى ما عليها من الذنوب ولا تأثم نفس آثمة بإثم أخرى، بل كل نفس مأخوذ بجرمها ومعاقبة بإثمها ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ يعني أهل القرون الماضية والأمم الخالية وأورثكم الأرض من بعدهم ثمّ جعلكم خلائف منهم فيما يخلفونهم فيها ويعمرونها بعدهم والخلاف جمع خليفة، كالوصيف يجمع وصيفة فكل من جاء من بعد من مضى فهو خليفة يقال: خلف فلان فلانا في داره يخلفه خلافة فهو خليفة كما قال الشماخ:

تصيبهم وتخطئني المنايا وأخلف في ربوع عن ربوع «٢»
وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ يعني وخالف بين أحوالكم فجعل بعضكم فوق بعض في الخلق والرزق والقوّة والبسطة والعلم والفضل والمعاش والمعاد لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ يعني الغنى والفقر والشريف والوضيع والحر والعبد إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقابِ يعني ما هو آت قريب، وقيل: الهلاك في الدنيا.
وقال الكلبي: إذا عاقب فعاقبه سريع، وقال عطاء: سريع العقاب لأعدائه وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ لأوليائه.
(١) كنز العمال: ٥/ ١٠٢/ ح ١٢٢٣٦
. (٢) تفسير الطبري: ٨/ ١٥٠، ولسان العرب: ٨/ ١٠٢
.

صفحة رقم 213
الكشف والبيان عن تفسير القرآن
عرض الكتاب
المؤلف
أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي أو الثعالبي
راجعه
نظير الساعدي
الناشر
دار إحياء التراث العربي، بيروت - لبنان
سنة النشر
1422 - 2002
الطبعة
الأولى 1422، ه - 2002 م
عدد الأجزاء
10
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية