والعصيان، والثاني مثبت لنفوذ مشيئة الله تعالى في العبد وان جميع أفعاله على وفق المشيئة الإلهية، وبذلك تقوم الحجة البالغة لأهل السنة والجماعة على المعتزلة ومن نهج نهجهم، واقتفى أثرهم، ولهذا البحث صلة في الآية ٣٥ من سورة النحل الآتية فراجعه وقل الحمد لله رب العالمين القائل «قُلْ» يا محمد لهؤلاء المعاندين «هَلُمَّ» هذه كلمة دعوة إلى الشيء يستوي فيها المذكر والمؤنث والجمع والمفرد وفيها لغة أخرى وهي هلم للواحد وهلما للاثنين وهلموا للجمع وهلمي للأنثى والأول أفصح أي هاتوا «شُهَداءَكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ هذا» الذي ذكرتموه في هذه السورة وغيرها مما لم يحرمه الله «فَإِنْ شَهِدُوا» على زعمهم بالتحريم فشهادتهم زور وقولهم بهت وكلامهم إفك «فَلا تَشْهَدْ» أنت يا حبيبي «مَعَهُمْ» لأنهم كاذبون «وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا» وعليك أن تتمسك بما أوحي إليك في ذلك وتنبعه وترفض افتراءهم، لأنهم كفرة لا يهمم الكذب، إذ ليس بعد الكفر ذنب فليس ببعيد ان اتبعوا أهواءهم في الشهادة الكاذبة «وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ» لا يكترثون بذلك كيف «وَهُمْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ ١٥٠» به غيره فيسوون أصنامهم الباطلة التي صنعوها واتخذوها بجلال الإله العظيم الجليل ومن كان كذلك استوى عنده الحق والباطل تبعا لهوى نفسه لهذا عليك باتباع الوحي وإدامة نشر الدعوة ولا يضرك فجورهم وليس لك أن تقاتلهم عليه الآن فاهجرهم هجرا جميلا حتى يأتي الوقت المقدر لاقارهم على الإيمان. وهذه الآيات المدنيات الثلاث الأخيرة المتضمنة الوصايا العشر الموجودة في الكتب القديمة المكلف بها جميع الأمم من لدن آدم إلى يوم القيامة
قال تعالى يا محمد «قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ» حقا يقينا لا مرية فيه ولا زعما ولا ظنا ولا تقليدا، وليس مما تزعمونه وتنسبونه إلى الله جهلا وتطاولا وتجاوبون به مكابرة وعنادا وتصرون عليه تجبرا أو عتوا، فاعلموا أن أول وأعظم ما حرم عليكم هو «أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً» من خلقه ولا من صنعكم ولا تطيعوا مخلوقا في معصية وقد حرم عليكم عقوق الوالدين بعد الإشراك به وأوجب عليكم برهما فقال «وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً» أحسنوا إليهما إحسانا
كثيرا إذ لا نعمة أعظم بعد نعمة الله على عبده بالإيمان الذي أخرجه من ظلمة الكفر إلى نور الهدى إلا نعمة حق الوالدين لما لهما من حق التربية والحفظ حال الصغر ولأنهما السبب الظاهري في وجود الولد، لذلك قرن الإحسان إليهما بعبادته وتوحيده قال تعالى (وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً) الآية ٢٣ من سورة الإسراء في ج ١ وقرن الشكر لحقهما بحقه فقال تعالى (أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ) الآية ١٥ من سورة لقمان الآتية وقد اسهبنا ما يتعلق بحقهما في هاتين الآيتين فراجعهما تعلم أن عقوقهما محرم كبير موجب لعقاب كبير والمحرم الثالث «وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ» خوف الفقر وخشية الفاقة والإملاق هو الاقتار، لأنا «نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ» لا نكلفكم رزقهم وانكم لو علمتم انكم لا تقدرون أن ترزقوا أنفسكم فكيف تقدرون على رزقهم لأنا ضمنا لكم رزقكم قبل خلقكم أنتم وإياهم والخلق أجمع راجع الآية ٢٣ من الذاريات الآتية ولا تقتلوهم أيضا لمظنة السبي فإنا نحفظهم لا أنتم، ثم ذكر المحرم الرابع فقال «وَلا تَقْرَبُوا الْفَواحِشَ» تقدم ذكرها وبيانها في الآية ٣٢ من سورة الأعراف فراجعها، ولا يخفى أن النهي عن القربان يؤذن بشدة جرم الوقوع وهو أشد من التحريم، لأنه إذا كان قربانها محرما منهي عنه، فكيف بالوقوع فيها والعياذ بالله؟ ولفظ الآية شامل لكل ما يستقبح ويستفحش مادة ومعنى سرا وجهرا قليلا أو كثيرا مألوفا أو غير مألوف، ثم أكد هذا التعميم بقوله «ما ظَهَرَ مِنْها» بينك وبين الخلق «وَما بَطَنَ» فيما بينك وبين الخالق لأنه إذا امتنع بالعلانية وفعل بالسر كان مثل الجاهلية الذين لا يرون بأسا بالسر فيكون امتناعه ليس خوفا من الله وحياء منه بل خجلا من العبد فيضاعف له العذاب لمخالفته أمر الله ويكون امتناعه رياء، والمحرم الخامس «وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ» بأن ارتد عن الإسلام بعد أن دخل فيه أو قتل نفسا تعمدا أو زنى وهو محصن فيكون قتله بحق إذا ارتكبت احدى هذه الثلاث، روى البخاري ومسلم عن ابن مسعود قال: قال رسول الله ﷺ لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني والنفس بالنفس والتارك
صفحة رقم 422
لدينه المفارق للجماعة. «ذلِكُمْ» ما ذكر من التكاليف الخمسة المارة الذكر «وَصَّاكُمْ بِهِ» بالكتب المنزلة قبلا على لسان الرسل السالفة ربكم الجبار المنتقم وأكده الآن لكمال أهمية هذه الوصية فحافظوا عليها أيها الناس «لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ١٥١» فوائدها وتعون منافعها فتستعملون عقولكم بكف نفوسكم وحبس شهواتكم عن مباشرة شيء منها وأجيبوا دعوة ربكم بالمحافظة عليها لتفوزوا برضائه وتدخلوا جنته، والمحرم السادس هو أكل مال اليتيم لقوله تعالى «وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ»
له إذ لا يجوز في حال من الأحوال قربان ماله إلا في حالة واحدة وهي ما يكون له فيها الحظ والنفع كحفظه وتنميته وإصلاحه والمداومة على ذلك «حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ»
راشدا، لأن مطلق البلوغ لا يكفي بل يشترط الرشد معه فادفعوه إليه كاملا مع ربحه يعمل هو برأيه فيه، أما إذا بلغ سفيها فيبقى المال بيد الولي أو الوصي راجع الآيتين ٥ و ٦ من سورة النساء في ج ٣ والآية ٣٤ من سورة الإسراء في ج ١ تقف على التفاصيل المتعلقة بهذا، وإذا كان قربانه منهي عنه فكيف بأكله أجارنا الله منه، والمحرم السابع نقص الكيل والميزان لقوله تعالى «وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ»
بالحق العدل، والأمر بالإيفاء يتضمن النهي عن التطفيف والتنقيص ومعنى القسط يؤذن بعدم الزيادة كما يحرم القص، واعلم أن الوفاء فيها من كرم الإنسان ومروءته التي يحمد عليها عند الله والناس، ومن جملة الوصايا العشر المذكورة في التوراة
والملمح إليها في الإنجيل بلفظ لا تسرق لأن نقص الكيل وتطفيف الوزن سرقة فيكونان داخلين فيها وإذا كان هذا النقص منهى عنه فالسرقة من باب أولى كيف وقد جعل الله حدها قطع اليد راجع الآية ٣٨ من سورة المائدة ج ٣، وقال تعال في عدم الحرج «لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها»
طاقتها لأن الوسع هو الطاقة وهو عندنا بذل الإنسان جهده في عدم قربان شيء من المحرمات ولهذا لم يأمر الله بالزيادة لما فيها من الحرج على البائع ونهى عن النقص لما فيه من الظلم على المشتري والضيق لحاجته، فأمر الله تعالى ببلوغ الوسع في ذلك، وما وراء الوسع عفو مع لزوم الضمان لأن للجائع الذي لا يجد شيئا وقد أشرف على الهلاك، أكل مال غيره
دون اذنه، بقصد الضمان سواء كان بطريق السرقة والغصب، ثم ذكر المحرم الثامن فقال «وَإِذا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا»
في قولكم وشهادتكم وحكمكم لأن القول يشمل ذلك كله وضدها حرام وهي الكذب وشهادة الزور والجور في القضاء وكذلك الغيبة والنميمة والسب والشتم والقذف أيضا «وَلَوْ كانَ»
المقول فيه والمشهود عليه والمقضي له «ذا قُرْبى»
ويدخل في القول الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من غير زجر ولا شدة ولا ميل للغير ولا غضب لنفسه ويكون حنقه من أجل المنكر لله تعالى ليكون أرجى للإجابة وأكثر تأثيرا للقبول وأدعى للامتثال، والمحرم التاسع الغدر ونقض العهد، قال تعالى «وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا»
لأن الأمر بالمحافظة على العهد يقتضي تحريم نقضه وهو يشمل عهد العبد مع ربه وعهده مع عباده وعهد العباد فيما بينهم والنّذر الواجب لأنه من جملة العهود أيضا والوعود، وقدمنا ما يتعلق بهذا الشان في تفسير الآية ٢٤ من الإسراء في ج ١، ولا يخفى أن الوفاء بالوعود والعهود من أخلاق المؤمن والخلف والنكث من خلق المنافق قال صلّى الله عليه وسلم: آية المنافق ثلاث إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا أوتمن خان «ذلِكُمْ»
التكاليف الأربعة المتممة مع الخمسة الأول تسعة «وَصَّاكُمْ»
بها الرب الجليل المنعم «بِهِ»
على من قبلكم والتي وصى بها آبائكم الأقدمين والأمم السالفة بواسطة أنبيائهم «لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ»
في هاتين الآيتين المتضمنة تسعة من الأمور المهمة لتأمروا بالمأمور منها وتنهوا عن المنهي عنها، ثم بين الوصية العاشرة الجامعة لأنواع كثيرة من المحلات المانعة عن تعاطي كثير من المحرمات والتي هي نبراس يهتدى بها في الظلمات المبينة بقوله عز قوله «وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً» لا عوج فيه ولا زيغ له ولا حيف فيه ولا محيد عنه لمن أراد الوصول إليّ والتنعم بجنّتي والخلاص من عذابي، وكلمة مستقيما منصوبة على الحال بمعنى الإشارة كما أشرنا إليه في الآية ١٢٦ المارة، لا تحيدوا عنه أبدا ليهديكم إلى الرشد ويقودكم إلى الصواب ويوصلكم إلى الدين الذي ارتضاه لكم بعد أن رضيه لنفسه المقدسة فاقتفوا أثره واعملوا به فهو الطريق السوي الذي يأخذ من اتبعه إلى السداد ويدله على سبل الخير والرشاد، واعلم أن جميع ما تقدم في الآيتين المارتين والخمس عشرة آية
من سورة الإسراء من ٢٣ إلى ٣٨ وما قبلها وما بعدها والآيات العشر من سورة الفرقان من ١٦٥ إلى ١٧٥ المارة في ج ١ من الأوامر والنواهي، والأحكام الشرعية داخلة في هذه الآية العظيمة ومؤذنة بان كل ما بينه الرسول الأعظم هو من دين الله القويم الواجب اتباعه. ثم أكد الأمر بسلوكه والنهي عن الانحراف عنه بقوله «وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ» الطريقات الصغار المتشعبات عن الطريق العام والجادة المسلوكة، المختلفة يمينا وشمالا، المكنّى فيها عن اتباع الأهواء الفاسدة والبدع المضلة وشهوات النفوس الخبيثة وزخارف الدنيا الدّنية التي تؤدي بصاحبها إلى الهلاك لأنها توصل المعقود، وغايتها الضياع ونهايتها التلف كما كنّ عن الطريق المستقيم باتباع الدين الحق والمنهج الصدق الواضح المؤدي بصاحبه إلى النجاة بايصاله لمقصوده ونهايته الفوز بالمطلوب وإنما نهى الله تعالى عن اتباع السبل (نيات الطريق) لأن في اتباعها البعد عن الله ورسوله المنوه عنه بقوله «فَتَفَرَّقَ بِكُمْ» أيها المتبعون لها «عَنْ سَبِيلِهِ» السوي وتميل بكم إلى الدمار «ذلِكُمْ» المذكور في الوصايا التي وصى الله بها أسلافكم بواسطة أنبيائهم من آدم إلى محمد عليهم الصلاة والسلام وأوجب عليكم العمل بها «وَصَّاكُمْ بِهِ» الآن فعضوا عليها
بالنواجذ وتمسكوا بوصية ربكم «لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ١٥٣» طرق الهلاك ومواقع الضّلال وتصلون إلى بغيتكم في الدنيا والآخرة روى البغوي بسنده عن ابن مسعود قال خط لنا رسول الله صلّى الله عليه وسلم خطا ثم قال هذا سبيل الله ثم خط خطوطا عن يمينه وشماله فقال هذه سبل على كل سبيل منها شيطان يدعو اليه وقرأ هذه الآية، هذا وإنه تعالى ضرب مثلا في هذه الآية لدينه القويم الناصع بطريق عام معبد مار بالبيداء يوصل من يسلكه إلى البلد الذي يريده فاذا سلكه أوصله الى قصده بأمن وسلام وللأديان المعوجة الباطلة بطرق صغار متشعبة عن يمين وشمال الطريق السوي الضاربة في الصحاري لا يعلم مداها، ولا يعرف منتهاها، فإذا ترك الرجل ذلك الطريق المستقيم وسلك هذه الطرق تاه وتحير ووقع في حيص بيص فلا يزال يتخبط فيها حتى يهلك جوعا وعطشا وليعلم أن هذه الآيات مذكورة في الكتب السماوية كلها المنزلة على الرسل كما أشرنا إلى هذا قبل والوصايا العشر المذكورة في التوراة والإنجيل داخلة فيها
بدليل قوله تعالى عند ختام كل آية من الآيات الثلاث (ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ) أي وصى بها من قبلنا وأنزلها على رسولنا ليعمل بها هو وأمته إلى يوم القيامة ولا تزال طائفة من هذه الأمة عاملة بها حتى لا يبقى على الأرض من يقول الله قال تعالى «ثُمَّ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ» التوراة الجليلة «تَماماً» للنعمة عليه وكرامة له «عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ» أي على من كان محسنا صالحا لاثقا للقيام به كائنا من كان، لأن الذي هنا للجنس، ولهذا قرأ ابن مسعود على الذين أحسنوا وقرأ الحسن على المحسنين وهما قراءتان تفسيريتان لأنهما مخالفتان لما في المصاحف، وقد ذكرنا أن كل قراءة لا تطابق ما في المصاحف لا عبرة بها ولا يجوز قراءتها لعدم ثبوتها بالتواتر المطلوب في صحة القراءة وإن هكذا قرئت لا تعد قراءة وإنما هي تفسير لبعض الألفاظ القرآنية وسبك بعضها ببعض ليس إلا قال الفراء إن الذي هنا في هذه الآية مثلها في قوله:
وإنّ الذي جادت بفلج دماؤهم | هم القوم كل القوم يا أم خالد |
أن ما فوق الواحد جمع على حد قوله تعالى (فَإِذا هُمْ فَرِيقانِ يَخْتَصِمُونَ) الآية ٣٦ من سورة النمل المارة، ولبحثها صلة في الآية ٧٨ من الأنبياء الآتية وما ترشد لغيرها وأن أل في الكتاب للجنس فيشمل الزبور وغيره من الصحف المتقدمة ولذلك جاء الضمير بلفظ الجمع أي عن قراءتهم «لَغافِلِينَ ١٥٦» عن ما فيها من الأحكام لأنها لم تبلغنا وليست بلغتنا، وان هنا مخففة من الثقيلة واللام في لغافلين هي الفارقة بينها وبين ان النافية وهكذا كلما جاءت المخففة أعقبها اللام وإذا لم يعقبها فهو دليل على أنها نافية لا مخففة، قال تعالى «أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتابُ» كما أنزل على من قبلنا «لَكُنَّا أَهْدى مِنْهُمْ» أي من الأمم قبلهم الذين أنزل عليهم الكتب والجمع هنا باعتبار الفرقة والطائفة أو كما تقدم آنفا، وفي هذه الآية والتي قبلها إثبات الحجة على أهل مكة وقطع عذرهم لأن الله تعالى أنزل عليهم القرآن الكريم بلغتهم فلم يبق لهم ما يعتذرون به من أن الكتب القديمة أنزلت على من قبلهم وبلغتهم فهي خاصة بهم لأنها ليست بلغتهم كي يتعلموها، ونظير هذه الآية الآية ٤٢ من سورة فاطر المارة في ج ١ فراجعها، قال تعالى «فَقَدْ جاءَكُمْ» يا أهل مكة «بَيِّنَةٌ» واضحة وحجة قاطعة وبرهان ساطع «مِنْ رَبِّكُمْ» الذي منّ عليكم بهذا القرآن الذي هو نور «وَهُدىً» لكم من الضلال «وَرَحْمَةٌ» بكم لتسلكوا سبل الرشد والسداد وترجعوا عن غيكم «فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآياتِ اللَّهِ» بعد أن جاءته على يد رسوله «وَصَدَفَ» أعرض ومال «عَنْها» ولم يلتفت إليها أي أن هذا لا أحد أشد منه ظلما البتة ومن هذا شأنه يكون داخلا في قوله تعالى (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى) الآية ١٢٤ من سورة طه في ج ١، وقال تعالى (وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ) الآية ٢٧ من سورة الزخرف الآتية، ولهذا أعقب الله هذه الآية بالتهديد والوعيد فقال «سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آياتِنا سُوءَ الْعَذابِ بِما كانُوا يَصْدِفُونَ ١٥٧» أي بسبب ميلهم وانصرافهم وإعراضهم عما أمروا به من الحق «هَلْ يَنْظُرُونَ» هؤلاء المكذبون، وهذا استفهام بمعنى النفي كأن الله تعالى يقول لا يؤمن بك هؤلاء
صفحة رقم 427
يا سيد الرسل «إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ» لقبض أرواحهم بالدنيا أو بالعذاب الأسوأ بالآخرة، بدليل قوله تعالى «أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ» لفصل القضاء بين الناس والحكم بالجنة والنار قال تعالى (وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا) الآية ٢٢ من سورة الفجر في ج ١.
مطلب آيات الصفات وعلامات الساعة وإيمان اليأس واعتبار كل الأمم من ملة الإسلام والتفرقة في الدين:
وهذه الآية من آيات الصفات من قسم المتشابه الذي ذهب السلف الصالح إلى إبقائه على ظاهره وتأوله الخلف بما يلائم المقام، راجع الآية المذكورة آنفا والآية ١٨ من هذه السورة وما يرشدانك إليه وسنأتي على توضيحها عند الآية ٢١٠ من البقرة والآية ٧ من آل عمران في ج ٣ إن شاء الله «أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ» من علامات الساعة كالخسف والزلزال وظهور عيسى بن مريم والدجال والتار ويأجوج ومأجوج وطلوع الشمس من مغربها ودابة الأرض راجع الآية ٨٢ من سورة النمل في ج ١، «يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ» من علاماتها كالدابة أو الموت «لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها» إذ ذاك لأنه اضطراري للتخلص من العذاب مثل إيمان فرعون المار ذكره في الآية ٩٠ من سورة يونس المارة، وأن إيمان اليأس والبأس عند مشاهدة العذاب لا يقبل لقوله تعالى «لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ» حضور الموت أو القتل والغرق أو وصول الروح الحلقوم «أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً» إخلاصا لله تعالى قبل اليأس فتنتفع بالإيمان وإلا فلا، وكما لا يقبل إيمان الكافر في مثل هذه الأوقات لا تقبل توبة الفاسق ولا إخلاص المنافق ولا توبته أيضا، راجع الآية ١٥٩ من الشعراء في ج ١ والآيتين ٨٣ و ٨٤ من سورة غافر الآتية، ثم هددهم ثانيا بقوله «قُلِ» يا محمد لهؤلاء المعاندين «انْتَظِرُوا»
مغبة تسويفكم وإصراركم احدى هذه الآيات القاطعة لآمالكم لتعضوا أصابعكم ندما وأسفا وتتفطر قلوبكم من التحسر على ما فاتكم من زمن قبول التوبة والإيمان «إِنَّا مُنْتَظِرُونَ ١٥٨» نزول أحدها بكم وناظرون ما يحل بكم. روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: لا تقوم الساعة حتى تطلع
الشمس من مغربها فإذا رآها الناس آمن من عليها. ولكن لا ينفعهم إيمانهم إذ ذاك، راجع الآيات المارة والآية ١٨ من سورة النساء في ج ٣، وروى مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال: من تاب قبل طلوع الشمس من مغربها تاب الله عليه. وأخرج الترمذي من رواية صفوان بن عسال المرادي قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم باب من قبل المغرب مسيرة عرضه أو قال يسير الراكب في عرضه أربعين أو سبعين سنة خلقه الله تعالى يوم خلق السموات والأرض مفتوحا للتوبة لا يغلق حتى تطلع الشمس من مغربها، وقال حديث حسن صحيح. وروى مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال: بادروا بالأعمال قبل ست: طلوع الشمس من مغربها والدخان والدجال والدابة وخويّصة أحدكم وأمر العامة. وأخرج مسلم من رواية أبي هريرة أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال: ثلاث إذا خرجن لا ينفع نفس إيمانها لم تكن آمنت من قبل: طلوع الشمس من مغربها والدجال ودابة الأرض.
وروى مسلم عن أبي حذيفة بن أسد الغفاري قال: طلع رسول الله صلّى الله عليه وسلم علينا ونحن نتذاكر فقال ما تذاكرون؟ قلنا الساعة فقال إنها لا تقوم حتى تروا قبلها عشر آيات فذكر الدجال والدخان والدابة وطلوع الشمس من مغربها ونزول عيسى بن مريم عليه السلام وثلاث خسوف، خسف بالمشرق وخسف بالمغرب وخسف بجزيرة العرب وآخر ذلك نار تطرد الناس إلى محشرهم. وروى مسلم عن عبد الله بن عمرو ابن العاص قال حفظت من رسول الله صلّى الله عليه وسلم حديثا لم أنسه بعد سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول إن أول الآيات خروجا طلوع الشمس من مغربها وخروج الدابة على الناس ضحى وأيهما كانت قبل صاحبتها فالأخرى على أثرها قريبا. وقال في سوق العروس لابن الجوزي إن الشمس تطلع من مغربها ثلاثة أيام بلياليها ثم يقال لها ارجعي من مطلعك. والمشهور أنها تطلع يوما واحدا من المغرب فتسير إلى خط الاستواء ثم ترجع إلى المغرب وتطلع بعد ذلك من المشرق كعادتها قيل والكل أمر ممكن والله سبحانه وتعالى على كل شيء قدير. روى البخاري في تاريخه وأبو الشيخ وابن عساكر في كيفية ذلك عن كعب رضي الله عنه قال: إذا أراد الله تعالى أن تطلع الشمس من مغربها أدارها بالقطب فجعل شرقها غربا ومغربها مشرقها. وزعم
أهل الهيئة ومن نهج طريقهم أن ذلك محال ويقولون إن الشمس وغيرها من الكواكب والفلكيات بسيطة لا تختلف مقتضياتها جهة وحركة وغير ذلك ولا يتطرق إليها تغيير عما هي عليه مع قولهم بجواز انطباق منطقة فلك البروج المسمى بفلك التواريث على المعدل وهي منطقة الفلك الأعظم المسمى بالفلك الأطلس إذ يصير المشرق مغربا والمغرب مشرقا، والبحث في هذا طويل لا محل له هنا ومن أيقن بقدرته تعالى هان عليه تصديق هذا ومن لا فلا إذ لو ملأت له الأرض أدلة لا يصدق لأنه من الذين ختم الله على قلوبهم وسمعهم وأبصارهم وقانا الله من ذلك وجعلنا من الموقنين بكل ما جاء عن الله ورسوله إيقانا لا شك ولا شبهة ولا مرية فيه، قال تعالى «إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ» اختلفوا فيه بينهم «وَكانُوا شِيَعاً» فرقا وأحزابا لأن الأصل هو دين إبراهيم عليه السلام الحنيف السهل فغيرت فيه اليهود وتلتهم النصارى وكل تشيع لما يرى منه وتبعه ذووه، وزادت في الاختلاف العرب والمجوس إذ أحلوا المحرمات وحرموا الحلال وعبدوا الأصنام والكواكب والملائكة وغيرها وأعقبه اختلاف الأمم حتى الآن فصاروا أحزابا منهم باسم الدين ومنهم باسم العروبة ومنهم باسم القومية ومنهم ومنهم وهم كما أخبر الله عنهم (كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ) الآية ٣٢ من سورة الزمر الآتية، ولهذا قال تعالى لحبيبه إن هؤلاء الأقوام المتفرقين في الدين «لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ» فأعرض عنهم وتبرأ منهم ومن أفعالهم وأقوالهم ماداموا مصرين على ما هم عليه من الاختلاف واتركهم فلست بمسؤول عنهم، أسند الطبري عن أبي هريرة مرفوعا قال: قال رسول الله ﷺ إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء وليسوا منك، هم أهل البدع والأهواء والشبهات والضلالة. واقتباسا من هذه الآية (القول السائد) إن فعلت كذا فلست منك ولست مني، روي عن الغرباض بن سارية قال صلى بنا رسول الله صلّى الله عليه وسلم ذات يوم ثم أقبل بوجهه علينا فوعظنا موعظة بليغة ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب فقال رجل يا رسول الله كأن هذه موعظة مودع فما تعهد إلينا فقال أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن تأمر عليكم عبد حبشي، فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافا كثيرا فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين
صفحة رقم 430
تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة. - أخرجه أبو داود والترمذي- وعن معاوية قال: قام فينا رسول الله ﷺ فقال: ألا إن من قبلكم من أهل الكتاب افترقوا على اثنتين وسبعين فرقة وإن هذه الأمة ستفرق على ثلاث وسبعين فرقة ثنتان وسبعون في النار وواحدة في الجنة وهي الجماعة. زاد في رواية: وانه يخرج من
أمتي أقوام تتجارى بهم الأهواء كما يتجارى الكلب بصاحبه لا يبقى منه عرق ولا مفصل إلا دخله، أخرجه أبو داود. وأراد بالتجاري هنا على قول بعضهم الوقوع في الأهواء الفاسدة تشبيها بجري الفرس والكلب، ولا أراه سديدا بل أراد والله أعلم داء الكلب، أي تتداخل بهم الأهواء كتداخل داء الكلب في الوجود بدليل ما بعده.
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: إن بني إسرائيل تفرقت على اثنتين وسبعين ملّة وستفترق أمتي على ثلاث وسبعين ملّة كلها في النار إلّا ملّة واحدة، قالوا من هي يا رسول الله قال من كان على ما أنا عليه وأصحابي- أخرجه الترمذي-. وفي هذين الحديثين دلالة كافية على أن جميع أهل الملل المتفرقة في المذاهب والطرق من ملة الإسلام إذ جعلهم الرسول صلّى الله عليه وسلم من أمته بنص قوله (أمتى) في الحديث الأخير فنسأل الله تعالى أن يجمع كلمتهم على طريق الحق ويوحد صفوفهم على الصدق ويشد أزرهم بعضهم ببعض، وينزع الخلاف من بينهم ويوحد كلمة هؤلاء الأحزاب المتضاربة المتحزبة بعضها لبعض الآن بما يزيد عن التعصّب الكائن في الجاهلية بسبب القرابة ويسدد خطاهم إلى الهدى والصواب ويلهمهم الرشد ويزيل عنهم الحجاب ونظير هذه الآية ١٣ من سورة الشورى الآتية فراجعها وهذه الآية عامة محكمة وحكمها باق إلى آخر الدوران فمن قال منسوخة احتج بانها خاصة باليهود والنصارى والكفار من حيث لا دليل يخصصها بأحد من هؤلاء من كتاب أو سنة لهذا فلا عبرة بهذا القول لأن معناها عام والعام يبقى على عمومه ما لم يخصص ولا مخصص له.
مطلب حكاية بنكتة وعظيم فضل الله:
كان السيد محمود الألوسي رحمه الله صاحب تفسير روح البيان اجتمع بأحد متعصبي الشيعة وكان اسمه حمد وقد روى الحديثين المذكورين آنفا وجعل بدل واحدة في الحديث الأول وصلته في الحديث الثاني (فرقة) وقال إن فيها إشارة إلى نجاة الشيعة وانهم هم المرادون بالفرقة الناجية من الثلاث والسبعين، قال والحجة على هذا أن عدد حروف فرقة بالجمل وعدد حروف شيعة سواء فكأنه عليه الصلاة والسلام قال الا شيعة والمشهور في هذا العنوان هم الشيعة الإمامية لا غير، فأجابه على الفور دون أن يتعرض لتبديل كلمة واحدة وفرقة وملة: يلزم من هذا أن تكون كلبا وحاشاك لأن عدد حروف كلب بحروف الجمل مثل عدد حروف حمد، فألقم الحجر ولم ينبس ببنت شفة قال تعالى «إِنَّما أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ» وحده في تفرقهم وتعصبهم لبعضهم ليس لك يا سيد الرسل فأنا وليهم إن شئت عذبتهم في الدنيا والاخرة وإن شئت هديتهم في الدنيا وعفوت عنهم في الآخرة، وإن شئت عذبتهم في الدنيا والاخرة وإن شئت هديتهم في الدنيا ونعمتهم في الاخرة فاتركهم فان أمرهم اليّ في الدنيا ومرجعهم إلي في الآخرة «ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِما كانُوا يَفْعَلُونَ ١٥٩» لا يعزب عن علمه شيء من أعمالهم وأنه سيجازيهم عليها الشر بمثله والخير بأحسن منه قال تعالى «مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ» في هذه الدنيا «فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها» في الآخرة وقد يضاعفه إلى سبعمئة وإلى ما لا يحصى «وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ» فيها «فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها» فيها وهذا من عظيم فضل الله على عباده إذ يفيض على الطائعين من جوده العميم ويقاصص العاصين بمقدار عصيانهم «وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ ١٦٠» في ذلك إذ لا يزاد في عقابهم كما لا ينقص من ثواب الطائعين، وهذا عدل منه جلّ عدله في حق العاصي وفضل منه في حق الطائع، على أن له تعالى أن يعذب الطائع ويرحم العاصي لأن الكل ملكه يتصرف فيه كيف يشاء، فإذا أراد إبلاغ ثواب الطائع إلى ما لا يحصى وعقاب المسيء إلى ما لا يطاق فعل ولا راد لقضائه ولا يسأل عما يفعل، وهذه الآية عامة في كل حسنة وسيئة والتقدير ليس للتحديد لأن الله يضاعف لمن يشاء، فالثواب فضل منه والعقاب عدل منه. روى البخاري
ومسلم عن أبي هريرة قال قال صلّى الله عليه وسلم إذا أحسن أحدكم إسلامه فكل حسنة يعملها تكتب له بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، وكل سيئة يعملها تكتب له بمثلها حتى يلقى الله تعالى. وروى مسلم عن أبي ذر رضي الله عنه قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول الله تبارك وتعالى من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها وأزيد، ومن جاء بالسيئة فجزاء سيئة مثلها وأغفر، ومن تقرب مني شبرا تقربت منه ذراعا، ومن تقرب مني ذراعا تقربت منه باعا، ومن أتاني يمشي أتيته هرولة، ومن لقيني بقراب الأرض خطيئة بعد أن لا يشرك بي شيئا لقيته بمثلها مغفرة. وهذا من أحاديث الصفات وهي كآيات الصفات التي أشرنا إليها في الآية ١٥٨ المارة من هذه السورة وفي مواضع كثيرة قبلها وفي الآية ٣٠ من سورة ق في ج ١ وبيتنا أن السلف الصالح يتركونها على حالها والخلف الناجح يؤولونها فيقولون في مثل هذا الحديث: من تقرب إلي بالطاعات تقربت برحمتي ومن أتاني أتته رحمتي أو خيري وبركتي بحسب ما يناسب المقام، وإذا أردت أن تقف على هذا راجع الآيات التي أشرنا إليك عنها آنفا وما تدلك عليها. وروى البخاري ومسلم عن أبي هريرة أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال: يقول الله تبارك وتعالى وإذا أراد عبدي أن يعمل سيئة فلا تكتبوها عليه حتى يعملها، فإن عملها فاكتبوها بمثلها وإن تركها من أجلي فاكتبوها له حسنة، وإذا أراد أن يعمل حسنة فلم يعملها فاكتبوها له حسنة، فإن عملها فاكتبوها بعشر أمثالها إلى سبعمائة. هذا لفظ البخاري، ولفظ مسلم: إذا تحدث عبدي بأن يعمل حسنة فأنا أكتبها له حسنة وإن لم يعملها فإن عملها فأنا أكتبها له بعشر أمثالها، وإذا تحدث عبدي بأن يعمل سيئة فأنا أغفر له ما لم يعملها، فإن عملها فأنا أكتبها له بمثلها، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم قالت الملائكة رب ذلك عبدك يريد أن يعمل سيئة وهو أبصر به، فقال
ارقبوه فإن عملها فاكتبوها له بمثلها، وإن تركها فاكتبوها له حسنة، فإنما تركها من جرائي. زاد الترمذي: من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها. وقدمنا ما يتعلق في هذا في الآية ٢٠ من سورة يوسف المارة وفيها أيضا ما يرشدك للمواقع المتعلق فيها هذا البحث فراجعها، فنعم الرب ربكم أيها الناس هذا لطفه بكم ورأفته عليكم، فأين المتعرض لألطافه المتطلب