
الطرق المختلفة في الدين أو غيره فتفرقكم أيدى سبأ، وتصبحوا نهبا للخلافات والأحزاب، التي تمزقكم شر ممزق: ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ تتقون الله وتخشونه في كل أوامره وفعلها، ونبذ النواهي وتركها، ولقد كرر التوجيه على سبيل التوكيد، ولما كان الصراط المستقيم هو الجامع لنواحى الدين في تكاليفه، ختم ذلك بالتقوى التي هي السبيل الأقوى، واتخاذ الوقاية من النار، إذ من اتبع صراطه المستقيم نجا النجاة الأبدية وحصل على السعادة السرمدية.
روى عن ابن مسعود- رضى الله عنه- أنه قال: من سره أن ينظر إلى وصية محمد صلّى الله عليه وسلّم التي عليها خاتمه، فليقرأ هؤلاء الآيات: قُلْ تَعالَوْا.. إلى قوله تعالى: تَتَّقُونَ وروى عن الربيع بن خيثم: «أيسرك أن تلقى صحيفة من محمد صلّى الله عليه وسلّم بخاتمه؟ قلت: نعم. فقرأ هذه الآيات من آخر سورة الأنعام: قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ.. إلى قوله: تَتَّقُونَ.
القرآن مع من يؤمن به ويكفر [سورة الأنعام (٦) : الآيات ١٥٤ الى ١٥٧]
ثُمَّ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ تَماماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (١٥٤) وَهذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (١٥٥) أَنْ تَقُولُوا إِنَّما أُنْزِلَ الْكِتابُ عَلى طائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنا وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِراسَتِهِمْ لَغافِلِينَ (١٥٦) أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتابُ لَكُنَّا أَهْدى مِنْهُمْ فَقَدْ جاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآياتِ اللَّهِ وَصَدَفَ عَنْها سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آياتِنا سُوءَ الْعَذابِ بِما كانُوا يَصْدِفُونَ (١٥٧)

المفردات:
طائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنا: هم اليهود والنصارى. دِراسَتِهِمْ: قراءتهم وعملهم. بَيِّنَةٌ البينة والبيان: ما به يظهر الحق. وَصَدَفَ عَنْها: ومنع الناس عنها.
المعنى:
لقد تكلم القرآن الكريم على أسس الدين وأصوله، ووصاياه، ثم قفّى ذلك بالحديث عن القرآن وأثره، ورد بعض شبه المعاندين، وافتتح ذلك بالكلام على التوراة، فهي أشبه بالقرآن من الإنجيل والزبور، لاشتمالها على الأحكام كثيرا.
قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ وهو: كذا وكذا، إلى آخر الوصايا العشر السابقة، ثم أخبركم بأنا آتينا موسى الكتاب من قبل تماما للنعمة والكرامة والخير والهداية على المؤمن المحسن.
نعم كان تماما على من أحسن، ويؤيد هذا المعنى قراءة من قرأ: (تماما على الذين أحسنوا)، أى: في اتباعه والنظر فيه، والاهتداء بهديه وَجَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا لَمَّا صَبَرُوا آتينا موسى الكتاب تماما على الذي أحسن وتفصيلا لكل شيء، من أحكام الشريعة: عبادتها ومعاملتها، وهدى لمن اهتدى به، ورحمة لمن تمسك به، ليجعل قومه محل رجاء للإيمان بالله، والفوز في دار الكرامة ودار السلام.
أرأيت إلى القرآن وهو يصف التوراة بهذا؟
وهذا القرآن الذي تليت عليكم آياته البينات بأسلوبه العربي المعجز، هو الكتاب لا ريب فيه وأنزلناه كثير البركات عظيم الشأن، كثير الخير، في الدين والدنيا، قد جاء بأكثر مما جاءت به التوراة، فاتبعوا ما هداكم إليه واجتنبوا ما نهاكم عنه، فهو حبل الله المتين، ونوره اليقين، جمع طريق الفلاح في الدنيا والآخرة، فاعملوا به لعلكم ترحمون في حياتكم ومماتكم.
أنزلنا إليكم هذا الكتاب المرشد إلى توحيد الله، والهادي إلى سبيله، والموصل إلى تزكية النفوس وتطهيرها من أدران الشرك والفسوق والعصيان، لئلا تقولوا أيها العرب