آيات من القرآن الكريم

ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ
ﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞ ﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧ ﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗ ﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾ

سبحانه باتباعه ونهى عن اتباع غيره من الطرق، ختم الآية الثالثة بالتقوى التي هى اتقاء النار، إذ من اتبع صراطه نجا النجاة الأبدية وحصل على السعادة السرمدية.
وقد وردت أحاديث كثيرة بشأن هذه الوصايا نقلها الحفاظ الثقات فمن ذلك:
(١) ما أخرجه الترمذي وحسّنه وابن المنذر وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن مسعود قال: من سره أن ينظر إلى وصية محمد التي عليها خاتمة فليقرأ هؤلاء الآيات (قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ- إلى قوله- تَتَّقُونَ).
(٢) ما
أخرجه عبد بن حميد وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن عبادة ابن الصامت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أيكم يبايعنى على هؤلاء الآيات الثلاث؟ ثم تلا: قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم، إلى ثلاث آيات ثم قال: فمن وفى بهن فأجره على الله، ومن انتقص منهنّ شيئا فأدركه الله فى الدنيا كانت عقوبته، ومن أخّره إلى الآخرة كان أمره إلى الله إن شاء آخذه وإن شاء عفا عنه».
(٣) ما أخرجه عبد بن حميد وأبو عبيد وابن المنذر عن منذر الثوري قال:
قال الربيع بن خيثم: «أيسرك أن تلقى صحيفة من محمد ﷺ بخاتمه؟
قلت نعم، فقرأ هؤلاء الآيات من آخر سورة الأنعام: (قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ) إلى آخر الآيات»
.
[سورة الأنعام (٦) : الآيات ١٥٤ الى ١٥٧]
ثُمَّ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ تَماماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (١٥٤) وَهذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (١٥٥) أَنْ تَقُولُوا إِنَّما أُنْزِلَ الْكِتابُ عَلى طائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنا وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِراسَتِهِمْ لَغافِلِينَ (١٥٦) أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتابُ لَكُنَّا أَهْدى مِنْهُمْ فَقَدْ جاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآياتِ اللَّهِ وَصَدَفَ عَنْها سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آياتِنا سُوءَ الْعَذابِ بِما كانُوا يَصْدِفُونَ (١٥٧)

صفحة رقم 75

المعنى الجملي
بعد أن ذكر الحجج العقلية على أصول هذا الدين ودحض شبهات المعاندين، وقفى على ذلك بذكر الوصايا العشر فى الآيات الثلاث التي قبل هذه الآيات.
نبه هنا إلى مكانة القرآن من الهداية وإلى وجوب اتباعه، وذكر أعذار المشركين بما يعلمون أنها لا تصلح لهم عذرا عند الله، وافتتح هذا التنبيه والتذكير بذكر ما يشبه القرآن فى التشريع ويسير على نهجه فى الهداية، وهو كتاب موسى عليه السلام الذي اشتهر عند مشركى العرب وعرفوا بالسماع خبره.
الإيضاح
(ثُمَّ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ) فى الكلام تقدير لفظ (قل) أي قل أيها الرسول لهؤلاء الناس: تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ووصاكم به وهو كذا وكذا- ثم قل لهم وأعلمهم أننا آتينا موسى الكتاب... إلى آخره.
وقد تكرر فى الكتاب الكريم قرنه بالتوراة لما بينهما من التشابه، فكل منهما شريعة كاملة، والإنجيل والزبور ليسا كذلك، فإن أكثر الإنجيل عظات وأمثال، وأكثر الزبور ثناء ومناجاة- إلى أن العرب كانوا يعلمون أن اليهود لهم كتاب يسمى التوراة، ولهم رسول يسمى موسى، وأنهم أهل علم، وكان يتمنى كثير من عقلائهم لو أتيح لهم كتاب كما أوتى اليهود التوراة، وأنه لو جاءهم كتاب لكانوا أهدى منهم، وأعظم انتفاعا به، لما يمتازون به من الذكاء وحصافة العقل ورجاحة الرأى.

صفحة رقم 76

ولما أخبر سبحانه عن القرآن بقوله: «وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ» قفى بمدح التوراة، كما جاء مثل هذا فى قوله: «وَمِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى إِماماً وَرَحْمَةً، وَهذا كِتابٌ مُصَدِّقٌ لِساناً عَرَبِيًّا» وقوله: «قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتابَ الَّذِي جاءَ بِهِ مُوسى نُوراً وَهُدىً لِلنَّاسِ» ثم قال: «وَهذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ» الآية.
وهذه الوصايا العشر التي فى الآيات الثلاث، والتي لها نظير فى سورة الإسراء- كانت أول ما نزل بمكة قبل تفصيل أحكام العبادات والمعاملات فى السور المدينة، وكذلك كانت أول ما نزل على موسى من أصول دينه، لكن وصايا القرآن أجمع للمعانى فهى تبلغ العشرات إذا فصلت.
وهذه الوصايا وما أشبهها هى أصول الأديان على ألسنة الرسل، يرشد إلى ذلك قوله: «شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى».
وليس هذا الدين المشترك الذي أوصى به هؤلاء الرسل الكرام إلا التوحيد ومكارم الأخلاق والتباعد عن الفواحش والمنكرات.
(تَماماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ) أي آتيناه الكتاب تماما للنعمة والكرامة على من أحسن فى اتباعه واهتدى به، كما جاء فى قوله: «وَجَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا لَمَّا صَبَرُوا» وقوله: «وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً».
وقد يكون المعنى- آتيناه الكتاب تماما كاملا جامعا لما يحتاج إليه من الشرائع كقوله «وَكَتَبْنا لَهُ فِي الْأَلْواحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ».
(وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ) أي مفصلا لكل شىء من أحكام الشريعة عباداتها ومعاملاتها، مدنية كانت أو حربية أو جنائية، وهذا كقوله فى صفة القرآن:
«وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ».

صفحة رقم 77

(وَهُدىً وَرَحْمَةً) أي ودليلا من دلائل الهداية إلى الحق، وسببا من أسباب الرحمة لمن اهتدى به، فينجيه الله من الضلال، وعمى الحيرة.
(لَعَلَّهُمْ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ) أي آتيناه الكتاب جامعا لكل ما ذكر، ليجعل قومه محل رجاء للإيمان بالله تعالى، وموضع الفوز فى دار الكرامة، تلك الدار التي أعدها الله لمن اهتدى بوحيه.
وبعد أن وصف التوراة بتلك الصفات وصف القرآن الكريم فقال:
(وَهذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ) أي وهذا القرآن الذي تليت عليكم أوامره ونواهيه- كتاب عظيم شأنه، أنزلناه بواسطة الروح الأمين، كما أنزلنا الكتاب على موسى، وهو مبارك أي كثير الخير دينا ودنيا، جامع لأسباب الهداية الدائمة، وقد جاء بأكثر مما فى كتاب موسى من تفصيل لهدى البشر فى معاشهم ومعادهم.
(فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) أي فاتبعوا ما هداكم إليه، واتقوا ما نهاكم عنه، وحذركموه، لتكون رحمته مرجوّة لكم فى الدنيا والآخرة.
(أَنْ تَقُولُوا إِنَّما أُنْزِلَ الْكِتابُ عَلى طائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنا وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِراسَتِهِمْ لَغافِلِينَ) الدراسة: القراءة والعلم كما جاء فى قوله: «ودرسوا ما فيه» أي علموا ما فيه ولم يأتوه بجهالة.
أي أنزلنا إليك الكتاب المرشد إلى توحيد الله، وطريق طاعته، وتزكية النفوس من أدران الشرك، لئلا تقولوا يوم الحساب والجزاء معتذرين عن شرككم وإجرامكم:
إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا، وهما اليهود والنصارى، وقد كنا عن تلاوتهم للكتاب الذي أنزل عليهم غافلين، لا ندرى ما هى لعدم فهمنا ما يقولون لأنها بلسان غير لساننا، ولأنهم أهله دوننا، ولأنا لم نؤمر بما فيه، ولغلبة الأمية علينا.
(أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتابُ لَكُنَّا أَهْدى مِنْهُمْ) أي ولئلا تقولوا:
لو أنا أنزل علينا الكتاب كما أنزل على هاتين الطائفتين قبلنا، فأمرنا بما فيه ونهينا

صفحة رقم 78

عما نهى عنه، وبيّن لنا خطأ ما نحن فيه- لكنا أهدى منهم، لأنا أذكى منهم أفئدة وأمضى عزيمة، وقد حكى الله عنهم مثل هذا فى قوله: «وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ» أي من إحدى الأمم المجاورة من أهل الكتاب.
فرد الله عليهم بجواب قاطع لكل تعلّة دافع لكل اعتذار فقال:
(فَقَدْ جاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ) البينة فى اللغة ما بيّن الحق، أي فقد جاءكم كتاب مبين للحق بالحجج والبراهين فى العقائد والفضائل والآداب وأمهات الأحكام بما به تصلح أمور البشر وشئون الاجتماع، وهو هاد لمن تدبره وتلاه حق تلاوته إذ يجذب ببلاغته وبيانه قلوب الناظرين فيه إلى الحق الذي فصله أتمّ تفصيل، وإلى عمل الخير والصلاح الذي بين فوائده ومنافعه، وهو رحمة عامة لمن يستضيئون بنوره، وتنفذ فيهم شريعته، إذ هم يكونون فى ظلها آمنين على أنفسهم وأموالهم وأعراضهم، أحرارا فى عقائدهم وعباداتهم، يعيشون فى بيئة خالية من الفواحش والمنكرات.
وبعد أن بين عظيم قدر هذا الكتاب بين سوء عاقبة من كذب به فقال:
(فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآياتِ اللَّهِ وَصَدَفَ عَنْها) صدف، أعرض: أي وإذا كانت هذه الآيات مشتملة على الهداية الكاملة، والرحمة الشاملة، فلا أظلم ممن كذب بها وأعرض عنها، أو لم يكتف بذلك، بل صرف الناس عنها كما كان يفعل كبراء مجرمى قريش بمكة، فقد كانوا يصدفون العرب عن النبي صلى الله عليه وسلم، ويحولون بينه وبينهم، لئلا يسمعوا منه القرآن فينجذبوا إلى الإيمان.
ونحو الآية قوله: «وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ».
(سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آياتِنا سُوءَ الْعَذابِ بِما كانُوا يَصْدِفُونَ) أي سنجزى الذين يصدفون الناس عن آياتنا ويردّونهم عن الاهتداء بها سوء العذاب بسبب ما كانوا يجرون عليه من الصّدف عنها، إذ هم بذلك يحملون أوزارهم وأوزار من صدفوهم عن الحق، وحالوا بينهم وبين الهداية.

صفحة رقم 79
تفسير المراغي
عرض الكتاب
المؤلف
أحمد بن مصطفى المراغي
الناشر
شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابى الحلبي وأولاده بمصر
الطبعة
الأولى، 1365 ه - 1946 م
عدد الأجزاء
30
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية